محمد مكاوي
الحوار المتمدن-العدد: 5212 - 2016 / 7 / 3 - 10:53
المحور:
كتابات ساخرة
في هذا الشهر الأبرك، الذي يقال عنه إنه شهر الخير و البركات، إذ يكثر في العطاء و و يصبح فيه الجميع فجأة سخيا من جميع النواحي. فيتابع المرء رحلة "الحريرة" خارجة من أبواب إلى أبواب أخرى، أو إلى متسولين يدقون هذه الأبواب. ونكثر الصلوات و الدعوات ونضيف نقاطا أخر إلى ملفنا المطلبي الاستغفاري المرسل إلى السموات، لأن هذا الشهر هو شهر العبادة و الغفران و التقرب من الرحمان كما سمعنا عن آبائنا الأولين.
في رمضان يصبح الكل سخيا حتى قنواتنا التلفزية التي تحاول أن "تبهجنا" عفوا أن تقززنا من خلال سلاسلها التي لا تحدُسخافة. كما تكثر الوصلات الإشهارية، حيث تحاول كل شركة أن تقول ."منتوجي، عرضي، هضاضايضاي نتا ماشي بحالهوم" ، على إيقاع "مقززة" منح صاحبها وساما !!!
و إن هربنا، نحن المواطنين، من مشاهدة الموااااطنين، حسب التصنيف البوطازوتي للمواطنين، وجدنا موااطنة على قناة ألمانيا و بكل وقاحة تفتي فتحلل وتحرم شيء لا تعرف الإجابة على حكمه في الإسلام عندما سئلت عنه.
سخاءنا في رمضان ليس له حدود فالعنف و الجريمة أيضا أحد جوانبه، فنخرج إلى الوجود ظاهرة "الترمضينة" التي أصبحت تقليدا يرافق هذا الشهر العظيم. أما بعد الإفطار فنسمع أحاديثا في مقاهينا التي تمتلئ عن آخرها بذكور منتفخة بطونها كأنها بغال شبعت كسلا عند أهلها، أحاديث موضوعها ما حدث قبل الإفطار أو ما حدث في الأيام السابقة من جرائم قد تصل حد القتل. و التبرير المتكرر بين الأفواه هو "القطعة" التي تصل أقصاها قبيل الآذان و كأن "المقطوع" له ما يريد حتى تذهب قطعته".
كل هذا السخاء لا يهم، فالسخاء الاكبر في قفة رمضان الاستثنائية في بلد الاستثناء، المغرب، هذه القفة التي تفرَق على الفقراء في رمضاننا و رمضانهم الكريم، هي كبيرة و ممتلئة عن آخرها، لتر زيت و قالب سكر دون أن ننسى علبة شاي أخضر، وكأن الفقراء الاستثنائيين لا يجوعون إلا في شهر الصيام أو أنهم يستطيعون الصيام بشرب شاي و دهن شفاههم بالزيت، إلا أن فقراءنا "أذكياء" فمنهم من يأخذ و يأخذ من الشاي و السكر حتى نسمعهم يسألون بعضهم." فقير، فقير ! كم طلَعت من قوالب سكر؟".
في رمضان نصبح مؤمنين أكثر، فنترك الخمر قبل "الأربعينية !" و نضرب المفطرين حيث ما ثقفناهم. فنبلغ "الأمن" عن شخصين أفطرا علنا، أو بلفظ أدق، شربا ماء ليتقيا شر عطش نتج عن حرارة صحارينا المغربية و عمل شاق في هذه الصحاري. او نأخذ "الحق" بأيدينا بتعنيف شاب دخن سجارة أمام أعيننا فسالت دماء مشاعرنا. لكن لماذا مشاعرنا عنصرية، فتنجرح أمام بني الأسمر و تتسامح مع بني الأشقر في الصويرة و مراكش الأحمر.
جميل أن نأخذ حقوقنا و ندافع عنها، لكن ماذا حصل معنا عندما سرب الامتحان الوطني للباكالوريا في نفس الوقت من السنة الماضية، ألم ننتظر تحقيقا لم يحدث. فما ساكنا حرَكنا، وما بأصابعنا أشَرنا واتَهمنا، وما بحقنا في الشفافية و النزاهة طلبنا.
و عندنا نحن، نفس المغاربة، ذوي "النفس الحارَة" هربت أموالنا إلى باناما، فبثت الفضيحة على الفضائيات العالمية وكانت الإحتجاجات من طرف الشعوب الحرة التي سرقت اموالها، إلا عندنا نحن الاستثناء فلا قنواتنا زفت الخبر و لا نحن احتججنا عندما سمعنا الخبر.
لكن ماذا ننتظر من قوم يتغذى على التناقض و يرتوي بالفساد و منطقه "من غشنا فليس منا، لكن إن غششتكم فلابأس إن بقيت منكم". يحرم الخمر و هو السكران ويأمر بالمعرف و هو المنهي عنه و يضرب مفطر رمضان و هو التارك للصلاة و يصل الرحم كل ليلة مع دور الدعارة، و في الصباح يفتي برجم الزانية و الزاني و هو الذي لم يغتسل من "الجنابة" بعد.
لا تكلمنا عن أنفسنا و لا تركنا الآخرين ينوبون عنا. فالتعاليق كثرت، هددت و شتمت، بعد بث الفيلم الوثائقي على فرونس "3" فنطق الرعايا وقالوا، و قولا خير انتظرنا،:"نحن فقراء و لسارقنا قدسنا". و ما علينا إلا أن نستنتج أننا الاستثناء فعلا، فاغنياءنا سفهاء و فقراءنا تافهين، بأسيادهم فارحين.
فما عسانا نفعل أمام هذه السفاهة و تلك التفاهة، أنعمل بنصيحة أرقش ميخائيل نعيمة فنسكت و ندعهم يتكلمون. أم أن قول جورج أورول هو الأنسب، فنقيس حريتنا بأقوالنا لعلنا نغر و نجد إلى التحرر السبيل. أم ننصت فيروز تغني أهل مكة، و نبكي نحن أنفسنا لأننا لم نقدس الحرية فحكمنا الطغاة و لم تعد الأرض لنا فأصبح الشعار:" الهربة لمن استطاع إليها سبيلا. و ضمن السخاء رمضاننا و رماضنكم كريم و رمضانهم فهو كريم و مريم.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟