محمد الساهل
الحوار المتمدن-العدد: 5205 - 2016 / 6 / 26 - 09:55
المحور:
الادب والفن
محمد الساهل
أفكار حلال
تجاوز عتبة باب المكتبة مقدما قدمه اليمنى ومتمما دعاء من جملتين، كان يرتدي جلبابا فضفاضا يطل على الساقين، وكان يداعب برحى يده اليمنى لحيته التي تستلقي على وجهه الصحني، كانت المكتبة شبه فارغة إلا من فتاة ترتدي تنورة سوداء وقميصا أبيضا، كانت تتصفح في رواق السرد رواية "عابر سرير" ﻷحلام مستغانمي والغبطة تفترش وجنتيها الموردتين، وكان في رواق الفكر شاب ذو بنية هزيلة يسبل على عنقه شالا أحمرا وينتعل حذاء بنيا كأحذية الجنود، كان يقلب صفحات من كتاب " بؤس الفلسفة" لكارل ماركس محركا يديه ميمنة وميسرة كأنه يحاجج كاتبه. جال ببصره في فناء المكتبة ماسحا برحى يده جبهته العريضة التي تتوسطها بقعة سوداء مثل قطعة نقدية من زمن العثمانيين، ساح في أروقة المكتبة واحدا تلو الآخر، وحين بلغ رواق الشعر رتل بصوت مهموس: " الشعراء يتبعهم الغاوون"، واصل جولته في أروقة المكتبة إلى أن بلغ رواق الفكر ولم يتوقف عنده متعوذا ثلاثا بالله من الشيطان الرجيم، شرع اليأس ينرلق إلى وجدانه والحسرة تضرسه ﻷن هذا الفضاء لم يلب نهمه القرائي، طأطأ رأسه حين بلغ رواق السرد ولما رفعه وقع بصره على رواق أفكار حلال دخله مطمئنا والبهجة تخضب لحيته التي زانتها الحناء في أطرافها، تناول من هذا الرواق كتابين " الوشاح في فوائد النكاح" و " ما يجوز وما لا يجوز في نكاح العجوز"، خرج من المكتبة مقدما هذه المرة قدمه اليسرى، دلف ناحية الشارع الكبير حيث تنتصب محلات مختلف ألوانها، دخل سوقا ممتازا حيث تبضع قنينة خمر حلال، قطع الشارع الكبير الذي أودى به إلى أزقة ضيقة تنتشر على جنباتها أكوام من الأزبال التي تزاحم الباعة المتجولين، أزكمت الروائح الكريهة أنفه، عطس مرات ومرات وتفاجأ بطاقم أسنانه متطايرا في السماء قبل أن يتهاوى في قمامة ازبال، حمدل ثلاثا وواصل هرولته إلى أن ابتلعه الأزقة الضيقة.
#محمد_الساهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟