أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - خلف الناصر / خلف حمود ناصر - الأسباب والشروط الموضوعية للثورات الشعبية















المزيد.....


الأسباب والشروط الموضوعية للثورات الشعبية


خلف الناصر / خلف حمود ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 5198 - 2016 / 6 / 19 - 15:56
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


للثورات الشعبية والاجتماعية شروط وأسباب موضوعية وقوانين ذاتية، تتجاوز في غالب الأحيان مظاهرها البادية للعيان وتغوص في عمق جذور العلاقات الاجتماعية وتشعباتها اللامرئية.. والثورات الشعبية ـ ومهما بلغ حجمها وعدد المشاركين فيها ـ لا يمكن عدها ثورات شعبية حقيقية، بدون توافر تلك الشروط الموضوعية ذات الابعاد الاجتماعية المتداخلة في صميم كينونتها الذاتية!!
ففي كثير من الحالات وكثير من التجارب، يتحول الحراك الجماهيري الواسع، من ثورة شعبية إلى هبة جماهيرية أو انتفاضة جماهيرية، في أفضل توصيف لها.. لأن هذه الهبات أو الانتفاضات الجماهيرية، سرعان ما تخمد وتتلاشى وتضيع كل مفاعيلها الثورية أدراج الرياح!!
ولأن الثورات الشعبية الاجتماعية (الحقيقية) تتوسط عالمين متضادين ـ عالم ما قبلها وعالم ما بعدها ـ والأفعال الثورية هي التي تملأ الفراغ الكبير الواقع ما بين هذين العالمين المتناقضين.. والمفترض بالثورات الشعبية الحقيقية، أنها هي التي تصوغ العالم الذي يأتي ما بعدها، بالكثير الذي تنجزه وتحققه على أرض الواقع الذي ثارت عليه.. ومتىما عجزت عن تحقيق هذا الهدف، عجزت أيضاً عن أن تكون ثورة حقيقية!!
لكن، وهنا المهم.. فمهما بلغ عدد الشروط والأسباب الموضوعية التي تؤدي إلى قيام الثورات الشعبية الاجتماعية، فشرطها وسببها الأول والأهم الذي يشكل عمودها الفقري، ويحول كل شروطها وأسبابها الأخرى إلى شروط ثانوية تدور في فلكه هو: زيادة عدد السكان وزيادة نسبة الشباب بينهم!!
***
زيادة عدد السكان ونسبة الشباب بينهم
إن المجتمعات الإنسانية قائمة بشكل طبيعي ـ وبدون وعي منها ـ على نوع من التوازن والانسجام الميكانيكي بين عناصر ومقومات المجتمع المختلفة [السياسية والاقتصادية والفكرية والدينية والقيمية والمفاهيمية والقوى البشرية........إلخ] ومتما حدث خلل في واحد أو أكثر من هذه العناصر المنسجمة، فإنه سيؤدى حتماً إلى اضطراب الحياة الاجتماعية برمتها .
والثورات الاجتماعية والسياسية بمختلف درجاتها ومعها الحركات الراديكالية والأصولية ـ ورغم تنوع وتضاد إيديولوجياتها ـ تعتبر نوعاً من الاضطراب عالي الوتيرة داخل المجتمع نتج عن خلل ما.. فأضر أو أربك ذلك التوازن والانسجام الاجتماعي والطبيعي في واحد من عناصره أو أكثر!!
فزيادة عدد السكان في بلد ما مثلاً: وزيادة نسبة الشباب بينهم، ودون النجاح باستيعابهم في الحياة الاجتماعية والسياسية ودورة الإنتاج، فإن هذه الزيادة ستصبح وبالاً وعبئٍ على الدولة والمجتمع، وقد تؤدي إلى انفجارهما معاً.. سواءٌ بثورة اجتماعية كبرى تصحح هذه الأوضاع الاجتماعية المختلة وتعيد التوازن الذي فقد داخل المجتمع، أو بظهور واستفحال حركات راديكالية وأصولية متطرفة تمزق الدولة والمجتمع معاً.. (كما هو حاصل عندنا مثلاً) .
ومعروف أن نسبة زيادة عد السكان بوتيرة عالية، تقذف سنوياً إلى أسواق العمل بمئات الألوف الجديدة من الشبان إلى أسواق العمل.. فإذا نجحت الدولة والمجتمع في استيعابهم، وإيجاد فرص العمل الكريم والدائم لهم، أصبحت هذه الزيادة السكانية مصدر للرفاه والتطور والتقدم على كل المستويات..وربما تؤدي إلى نهضة حضارية شاملة للدولة ومجتمعها ككل .
أما إذا حدث العكس، وفشلت الدولة والمجتمع في استيعابهم ـ مع تراكم هذه الزيادة السكانية سنوياً ـ فإن هذه الزيادة ستصبح مصدر اضطرابات متنوعة وإخلال خطير بالأمن الاجتماعي !!
وإذا ما استمرت هذه الزيادة السكانية بالتراكم وقذف مئات الآلاف من الشبان سنوياً إلى أسواق العمل دون استيعابهم فيها، فإن استمرار تراكم هذه الزيادات السنوية دون معالجات جادة، قد يصل بالدولة والمجتمع في نهاية المطاف إلى حافات خطيرة.. وفي لحظة منها قد تؤدي إلى زاوية اجتماعية حرجة، تتفجر بسببها الدولة والمجتمع معاً!!
وعندما تصل الأوضاع في بلد ما إلى هذه الزاوية الحرجة، فإن الدولة بفعلها ستصبح دولة فاشلة وعاجزة عن إدارة شؤون البلاد ومصالح المجتمع، وغير قادرة على تقديم الخدمات الأساسية التي تديم وجود الدولة ووجود المجتمع معاً!!
وفي هذه اللحظة الاجتماعية الحرجة التي تصبح الدولة فيها دولة فاشلة وعاجزة، يصبح المجتمع أيضاً ـ وفي اللحظة ذاتها ـ مجتمعا فاشلاً وممزقاً ومتهرئاً، وغير قادر على الاحتفاظ بجميع مقوماته التي جعلت منه مجتمعاً.. ومن ثم فإنه سيفقد القدرة على استمرار الانسجام الطبيعي بين عناصره المختلفة، واستمرار مكوناته المختلفة بالعيش المشترك !!
***
وتدلنا تجارب التاريخ الكثيرة على أن أكبر التغيرات والانقلابات والثورات الاجتماعية في التاريخ، قد حدثت بفعل زيادات مفرطة لعدد السكان في بيئة ما..مع عجز لتلك البيئة عن استيعاب تلك الزيادات السكانية الهائلة، فأدت بالنتيجة إلى تلك الانقلابات والثورات الاجتماعية، وأدت أيضاً إلى تغيرات نوعية جوهرية في ذات الإنسان وعموم معارفه وفي درجة تطور المجتمع.. وفي مجمل حركة التاريخ والحضارة الإنسانيةً !!
فالهجرات التاريخية الكبرى لسكان الجزيرة العربية [العرب أو الساميون أو الجزريون.. سمهم ما شئت] كالأكديين والكلدانيين والآراميين والآشوريين والبابليين والكنعانيين وتفرعاتهم الكثيرة من الجزيرة العربية مثلاً: ـ بعد إن عجزت عن إعالتهم ـ إلى منطقة الهلال الخصيب، قد أدت بالنتيجة إلى قيام أولى الحضارات الإنسانية في هذه المنطقة من العالم.. وأدت أيضاً إلى تغيرات نوعية في طبيعة الإنسان وعلاقاته الاجتماعية ورقيه الحضاري ووسائل معيشته وجملة معارفه .
ويمكن أيضاً عد هجرات العرب الكثيفة خلال الفتوحات الإسلامية، وكذلك الهجرات المسيحية أثناء الحروب الصليبية ـ رغم وجهيهما الديني ـ تعبيراً عن زيادة سكانية هائلة في بيئة الطرفيين.. ولنفس الأسباب كانت حروب وفتوحات جنكيز خان وهولاكو والهجرات والفتوحات الأوربية الكبيرة داخل أوربا نفسها، وحتى الهجرات الكبيرة الحالية إلى أوربا ـ لو دققنا النظر فيها جيداً ورغم أسبابها الظاهرة ـ تعبر في جوهرها عن حاجات اجتماعية موضوعية، وزيادات ملحوظة في عدد السكان في تلك البيئات.. وعجز السلطات السياسية والاجتماعية والدينية في البلدان المعنية عن استيعابها ومعالجتها .
في الماضي كانت الحروب والهجرات الكثيفة والفتوحات الواسعة، تحل مشاكل الزيادات السكانية الهائلة في البيئات المختلفة، وتمتص أضرارها ومفاعيلها الداخلية الحتمية، وترمي بها إلى خارج تلك البيئات.. وذلك عندما كانت الجغرافية الأرضية والبشرية مفتوحة، ولا تحتاج إلى موافقات رسمية وجوازات مرور وسمات دخول من مكان إلى مكان أو من إقليم إلى إقليم آخر.. لكن بعد نشوء الدولة القومية الحديثة وقيام الحدود الدولية بين الدول والأقاليم المختلفة، أصبحت مثل تلك الفتوحات والهجرات الكبيرة مستحيلة!!
ولهذا أصبحت الزيادات السكانية ومفاعيلها ترتد إلى داخل المجتمع نفسه، وفي حدود الدولة أو الإقليم المعني بدلاً من تصريف قوتها الهائلة وأضرارها الحتمية إلى الخارج!!
وعادة تكون أضرارها ومفاعيلها الاجتماعية على شكل اضطرابات ومظاهرات وثورات شعبية داخلية.. ترافقها تغيرات نوعية سلبية في طبيعة الحياة الاجتماعية في تلك الدولة وذلك المجتمع!!
***
وتدلنا تلك التجارب أيضاً على أن الثورة الشعبية لا يمكن أن تقوم عند كل زيادة كبيرة للسكان..فشرطها الأول أن تصبح نسبة الشباب في داخل المجتمع المعني، وفي سوق العمل في حدود غير الحدود الطبيعية.. وبلوغ عدد الشبان من الفئات العمرية التي تتراوح بين ( 30 - 24-15) سنة يشكلون نسبة تفوق الــ %20 بالمائة أو أكثر من مجموع عدد السكان، في البلد المعني أو في البيئة المعنية.. وعند هذه الحالة فقط تبدأ الزاوية الاجتماعية الحرجة بالتشكل داخل المجتمع، وتبدأ مفاعيلها السلبية بالظهور والتصاعد والتدريجي!! .
ومن المعروف أن هذه الفئات العمرية من الشباب، هي التي في سن العمل وهي التي تشكل سوقه الكبير.. ومنها يتشكل العمود الفقري لأية ثورة شعبية اجتماعية!!
والمعروف أيضاً أن هذه الفئات الاجتماعية في غالبيتها تنحدر من أصول ريفية وطبقات اجتماعية مسحوقة ومهمشة، ومن فئات البرجوازية الصغيرة.. وهي في العادة ـ لفقرها ـ تتكدس في عشوائيات تشكل حزام فقر يحيط بالعواصم والمدن الكبرى، التي تمثل أهم مراكز العمل في البلاد!!
وهذه الفئات العمرية الشابة تعيش دائماً حياة قلقة، دون عمل مستمر أو مضمون ودون ضمان صحي أو اجتماعي، ولا حتى مستقبل معروف أو أمل يرتجى في تغير وتحسين أوضاعهم البائسة هذه إلى الأفضل.. وعندما تصل أعداد هذه الفئات العمرية الشابة بالذات إلى حد يفوق نسبة الـ %20 بالمائة من مجموع عدد السكان، دون استيعابهم اجتماعياً ووظيفياً.. تصل معها في اللحظة ذاتها أوضاع المجتمع ككل، إلى درجة عالية من الضياع والبؤس والشقاء!!
عندها فقط تبدأ الثورة الاجتماعية السياسية بمعناها التاريخي الكبير بالتكون والصيرورة، ثم ُفتَح كل أبوابها على كل مصاريعها، وتنطلق شرارتها الأولى.. ومن هذه العشوائيات ومن أحزمة الفقر البائسة هذه بالذات!!
***
ومفتاح الثورات الشعبية الاجتماعية ـ وحتى مضمونها ـ عندما تقع، سيتمظهر في البداية بأشكال متنوعة وصيغ مختلفة.. فقد تظهر على شكل عمليات للإصلاح الديني العنيف أو المتدرج، أو على شكل حركات راديكالية علمانية أو فاشية أو أصوليات دينية متطرفة، أو أنها تظهر على شكل ثورة اجتماعية شعبية شاملة، يحمل رحمها المتورم كل هذه الأطراف والمسميات والفعاليات الاجتماعية!! .
وأقرب مثال لهذه الحالة مثلتها أزمة الكساد العظيم التي اجتاحت أمريكا وأوربا الغربية، في نهاية عشرينات القرن الماضي.. فبسببها قذف بملاين العمال والموظفين إلى الشوارع وأخليت المساكن من شاغليها، وظهرت المجاعات والاضطرابات والمشاكل الاجتماعية المتنوعة في كل مكان!!
وعلى إثرها أيضاً ظهرت الحركات الفاشية الأوربية المعروفة، كالنازية الألمانية والفاشستية الإيطالية وتوابعهما الأسبانية والبرتغالية وغيرها.. وإلى هذا الكساد العظيم يعزى السبب المباشر الذي أشعل الحرب العالمية الثانية!!
ويمكن عد الكثير من الظواهر والحركات الاجتماعية الأخرى ـ والشبابية منها بالخصوص ـ التي ظهرت في أوربا والقارات الأخرى في ستينيات القرن الماضي كثورة الشباب المعروفة، والتي اجتاحت أوربا في العام 1968 وتركزت في فرنسا وأدت في حينها إلى استقالة الزعيم الفرنسي شارل ديغول!! كما وأنها أفرزت حركات فوضوية كثيرة كالهيبز (الخنافس) مثلاً.. وأفرزت في حينها أيضاً قادة ومفكرين وفلاسفة كبار، كان أبرزهم فيلسوف الشباب المعروف " هربرت ماركوز" !!
وهذه الحركات والإفرازات الاجتماعية المتنوعة، يمكن عدها وردها جميعاً إلى زيادات ملحوظة في عدد السكان وزيادة نسبة الشباب بينهم، وفشل الحكومات والمجتمعات الأوربية ـ في حينها ـ باستيعابهم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً داخل الأطر الرسمية والاجتماعية والحكومية!! (صدام الحضارات)..
***
وهناك شواهد واقعية وتاريخية كثيرة تبين: أن الثورات التاريخية الكبرى ترتبط وتقترن عضوياً بالزيادات السكانية، يرافقها عجز للدولة والمجتمع عن استيعاب هذه الزيادات ضمن الحياة الاجتماعية والسياسية ودورة الإنتاج الاقتصادي .
وهذا الارتباط والاقتران العضوي يبين لنا بوضوح، أن الثورات الاجتماعية ليست ترفاً يرتبط برغبات عابرة للشعوب أو المجتمعات أو الأفراد أو الأحزاب، إنما هي حاجة اجتماعية موضوعية تحتمها ضرورات الحياة وبقاء المجتمع.. فهي بهذا المعنى فوق كل الرغبات العابرة !! .
فحركة الاصطلاح الديني البروتستانتي مثلاً: لم تكن ترفاً أو اجتهاداً أو خلافاً دينياً بحتاً، إنما هي تعبير عن عجز الكاثوليكية المهيمنة أنذك، عن استيعاب الأجيال الجديدة التي قذفتها أرحام الأوربيات إلى ساحات العمل!!
فكانت البروتستانتية استجابة اجتماعية موضوعية ـ بوجه ديني ـ لتفكيك عقد الكاثوليكية، التي كبلت الأجيال وعجزت عن استيعاب التطورات الاجتماعية وزيادة أعداد سكان أوربا أضعافاً مضاعفة!!
وكما كانت البروتستانتية في الغرب، كان الشرق يعج بحركات دينية مماثلة.. كالبابية والبهائية في إيران والوهابية في الجزيرة العربية والسنوسية وغيرها في المغرب العربي.. بالإضافة إلى ما ظهر في البلدان الشرقية الأخرى!!
إن مشكلة زيادة عدد السكان وزيادة نسبة الشباب بينهم تمظهرت بأوجه وأشكال دينية مختلفة ومتنوعة عبر التاريخ.. لكنها في النهاية برزت بأوجه اجتماعية صريحة عبرت عنها بثورات تاريخية كبرى.. أنجزت فيما بعد منجزات مادية ملموسة!!
وبعيداً عن التداخل بين الديني والثورة ودون الدخول في تفاصيل كثيرة، فأن الثورة الفرنسية تأتي في طليعة تلك الثورات الاجتماعية الكبرى التي تمثل زيادات سكانية هائلة لدى الفرنسيين.. فأدت نتائجها ـ فيما بعد ـ إلى تغيرات اجتماعية كبرى في حياة الفرنسيين وفي تاريخ الإنسانية ككل.. تليها الثورات الروسية والصينية، وجميع حركات الاحتجاج الاجتماعي والثورات الناقصة في أوربا خلال القرون الثلاثة الأخيرة.. وخلال القرنين الأخيرين في آسيا وأفريقيا!!
أما القرن الواحد والعشرون، فقد كانت الثورات العربية هي أبرز ظواهره الناجمة عن زيادة مجموع عدد السكان العرب، وزيادة نسبة الشباب بينهم في أغلب الأقطار العربية.. وفشل معظم النظم العربية في استيعاب هذه الزيادات السكانية الهائلة، أو معرفة ما ستؤدي أو ما أدت إليه فعلاً.. من كوارث اجتماعية وسياسية مروعة!!
***
إن الشرط الوجودي الأول والسبب المباشر لهذه الثورات الاجتماعية العربية، ولغيرها من الثورات المماثلة، كان يتمثل دائماً بزيادة عدد السكان وتخطي عدد الشباب بينهم عتبة الــ 20% من مجموع عدد السكان.. وهي التي تمثل النسبة الاجتماعية الحرجة التي يليها حتما الإنفجار الكبير، إذا ما فشلت الحكومات والمجتمعات العربية وغير العربية، في استيعاب هئولاء الشباب اجتماعياً وإنتاجيا وسياسياً !!
وهناك بعض الدراسات والتقديرات تؤكد أن أغلب المجتمعات الإسلامية والعربية، كانت قد تجاوزت نسبة عدد الشبان إلى مجموع عدد السكان بينهم عتبة الـ 20% في أوائل السبعينيات من القرن الماضي!!
وإن أغلب تلك الحكومات والمجتمعات العربية والاسلامية، قد فشلت فشلاً ذريعاً في استيعابهم ضمن الأطر الاجتماعية والسياسية والوظيفية.. مما أدى بالنتيجة إلى بروز واستفحال عدة ظواهر اجتماعية شديدة السلبية بين هئولاء الشباب، كان أبرزها وأخطرها على الإطلاق ظاهرة ما يسمى بـــــ " الصحوة الإسلامية " !!
ومع زيادة تراكم هذه الزيادات السكانية وزيادة الفشل في استيعابها، تطورت تلك الصحوة الإسلامية إلى حركات أصولية متشددة ومتطرفة.. كالقاعدة وداعش وغيرها من المسميات الكثيرة!!
ونتيجة لهذه الأسباب الاجتماعية الموضوعية، التي أدت إلى بروز واستفحال تلك الظاهرة وحركاتها الأصولية المتطرفة، ونتيجة لزيادة الفشل في معرفة ومعالجة الأسباب الجذرية الموضوعية ـ أهمها زيادة السكان طبعاً ـ التي أدت إلى بروزها، فإن تلك الحركات الأصولية المتشددة قد تجاوزت بأفعالها وأعدادها كل رجال الدين وكل المؤسسات الدينية التقليدية والرسمية والاجتماعية.. وصنّعت لنفسها، وعلى حسابها الخاص (ديناً خاصاً بها) لا يستند لأية قيم دينية أو تقاليد أجتماعية متعارف عليها في الدين أو المجتمع الديني!!
ولهذا السبب بالذات، هي بالنتيجة قد ضربت بكل القيم الدينية والإنسانية عرض الحائط، واستباحت كل القيم وقيم الحياة والكرامة الإنسانية والدينية بالذات.. ونشرت الموت والدمار والضياع في كل مكان وصلت إليه!!
***
وكل هذه النتائج المروعة، كانت بسبب وصول معظم المجتمعات العربية والإسلامية إلى الزاوية الاجتماعية الحرجة، التي تشكلها نسبة الـ %20 لعدد الشبان نسبة إلى مجموع عدد السكان!!
وهذه الزاوية الاجتماعية الحرجة، كانت قد دخلتها كثير من الأقطار العربية والإسلامية في أوائل سبعينات القرن الماضي.. حسب بعض التقديرات والدراسات الجادة !!
فحسب تلك الدراسات والتقديرات، فأن إيران قد دخلت عتبة 20% بالمائة في عدد الشباب إلى مجموع عدد سكانها في السبعينيات من القرن الماضي.. وكانت الثورة الإيرانية عام 1979 من نتائجها المباشرة، واستجابة موضوعية لها!!
بينما دخلتها كل من مصر والجزائر في أوائل التسعينيات من ذلك القرن، وكانت الأحداث الدموية التي اجتاحت البلدين خلال تلك الحقبة من آثارها المباشرة!!.
وحسب تلك الدراسات والتقديرات أيضاً ـ بتاريخ التسعينيات من القرن الماضي ـ وبما يشبه التنبؤ قد قدرت :
((إن الخطر سوف يستمر في القرن الحادي والعشرين. في الدول العربية الرئيسية (الجزائر ـ مصر ـ المغرب سورية ـ تونس)، سوف يتزايد عدد من هم في أوائل العشرينيات من العمر والباحثين عن عمل، ويستمر في الزيادة حتى حوالي 2010. ومقارنة بالتسعينيات فإن الداخلين إلى سوق العمل سيزيدون بنسبة 30% في تونس، وحوالي 50% في الجزائر ومصر والمغرب، وأكثر من 100% في سوريا)) صاموئيل هنتنغتون "صدام الحضار"
ومعروف أن كل هذه الدول العربية كسلطات ومجتمعات ونخب سياسية وثقافية، قد فشلت فشلاً ذريعاً في معرفة مدى خطورة ذلك الانفجار السكاني وفي معالجته..وإنها لم تكن تعرف أو تتوقع ما سيؤدي إليه من نتائج كارثية مروعة، ولم تكن تتصور بأنها ستفتح أبواب جهنم على كل مصاريعها للعرب جميعاً.. فكانت الثورات العربية هي الباب إلى ذلك الجحيم المنتظر !!
وكانت تلك الزيادات السكانية قد تخطت نسبة الشباب بين العرب حاجز الــ %20 ، وأدت إلى بطالة وفقر وتشرد وشبه مجاعة في معظم البلدان العربية المذكورة..رافقها توقف لجميع مشاريع التنمية الاقتصادية وتآكل للمشاريع القائمة منها، وسرقة أو استحواذ الطبقات الطفيلية على هذه البقية الباقية من تلك المشاريع العملاقة!!
مضافاً إليها تغول الأنظمة العربية الاستبدادية وتغول أجهزتها القمعية، وتحولهما إلى حراس وحمايات لتلك الطبقات الطفيلية ولمصالحها الغير مشروعة..وفي عملية بدائية مفضوحة لتحالف قذر، بين الطبقة السياسة الحاكمة ورأس المال الطفيلي، في معظم البلدان العربية المذكورة!!
إن كل هذه العوامل الموضوعية المتشابكة ـ وطبعاً معها عوامل أخرى كثيرة غيرها ـ قد أدت بالنتيجة إلى هذه الثورات العربية، وإلى انحرافها واستمراريتها مشتعلة منذ ما يقارب الست سنوات أو أكثر!!
ومع استمرار وتغذيتها واستغلالها دولياً وإقليمياً، والانحراف بها عن مساراتها التاريخية والاجتماعية الموضوعية، إلى مجاهيل وآفاق لا تعرف وجهاتها ولا نهاياتها.. مما أدى واقعياً إلى تحولها من ثورات شعبية اجتماعية نهضوية باتجاه المستقبل، إلى ثورات مضادة لكل قيم التطور والحداثة والتقدم الإنساني.. وباتجاه أكثر العصور ظلاماً وجاهلية وتخلفاً وهمجية ووحشية..وإنها ستستمر بالانحدار نحو جاهلية وهمجية ووحشية أكثر تخلفاً ودموية، مالم تعالج أسبابها الموضوعية المتمثلة بزيادة السكان.. وزيادة نسبة الفقر والجوع والبطالة مع هذه الزيادات السكانية الهائلة!!
***
الثورات الاجتماعية ووسائل الإعلام صنوان لا يفترقان :
مما لا شك فيه أن الإعلام بوجهيه السلبي والايجابي وبمختلف صوره البدائية والمتطورة، قد لعب دوراً مؤثراً في حياة الإنسان منذ القدم .. فقد استخدمه الدعاة والمبشرون الدينيون وقادة الثورات وأصحاب المبادئ والعسكريون، وحتى أصحاب الحرف والمهن ـ كل بما يناسب هدفه ـ سواء بالترويج لدعوته أو بضاعته أو فكرته، أو للتأثير في الخصم والإضرار به . وفي العصر الحديث أصبح الإعلام بمختلف صوره يلعب الدور الأول في تكوين قناعات الأفراد والجماعات والمجتمعات والأمم والشعوب!!
حتى ليصح القول بأن الإنسان الحديث في قناعاته وتوجهاته واختياراته وذوقه العام، عبارة عن ((صناعة إعلامية)).. فكل شئ في الإنسان الحديث ـ رغم الادعاء بالحرية والديمقراطية ـ (مصنوع إعلاميا) ويفتقد لحرية الاختيار الحر!!
ولأن للاعلام وطرق التواصل الجماهيري مثل هذا الدور المركزي في تكوين قناعات وتوجهات الرأي العام في العصر الحديث، فقد كان لها دور مقارب في كل العصور الإنسانية بدرجات متفاوتة، وحسب تطور الآلة الإعلامية في كل عصر من تلك العصور!!
وكان هذا الدور يتجلى دائماً، وبأوضح صوره في أوقات الأزمات والفوضى والاضطرابات والثورات الاجتماعية الشعبية، حتى لتكاد تكون كل ثورة في العصور الحديثة قد اقترنت بتطور أو باستحداث وسيلة إعلامية جديدة، أحدثت عند اختراعها تقارباً أكثر بين الناس وتأثيراً أكبر في قناعاتهم .
وهناك علاقة شبه جدلية دائمة بين الثورات الشعبية، وبين التطورات النوعية لوسائل الإعلام وطرق التواصل الجماهيري، أو لإحدى هذه الوسائل الإعلامية المؤثرة.. حتى لتبدوا هذه الوسائل الإعلامية وكأنها شريكة للجماهير في صناعة ثوراتها الاجتماعية والشعبية.. وكأن لكل وسيلة إعلامية جديدة ثورة خاصة بها!!.
ورغم المبالغة البادية في هذا القول، لكنها مبالغة قريبة جداً من الحقيقة وبمعنى :
أن ((وسائل الإعلام لا تصنع الثورات، لكنها دائماً كانت تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في كل الثورات العالمية!! .
فاختراع الجريدة مثلاً، كان له دوراً جوهرياً في الثورة الفرنسية وجميع الثورات الأوربية في القرن19 وفي الثورتين البلشفية والصينية. ولعب الراديو (عند اختراعه) بعد ذلك دوراً أكثر أهمية. فإذاعة "صوت العرب" مثلاً أوصلت (مبادئ ثورة 23 يوليو) إلى كل بيت وشارع عربي . وكان لاختراع (الترانزستور في ذلك الزمن) أهمية استثنائية، فقد كان باستطاعة الفلاح في أقصى الأرياف العربية أن يسمع صوت عبد الناصر ويهتز له من أعماقه. أما الثورة الإيرانية فقد استخدمت " الكاسيت " في ايصال خطابات الخميني إلى ملاين الايرانيين، فأطلق عليها اسم " ثورة الكاسيت")) جريدة "الكلمة الحرة " بتاريخ 2011-6-22: من مقال لنا بعنوان " عصر جديد..وعقول قديمة " (من سلسلة مقاالات لنا حول الثورات العربية)
وكما لعبت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الجماهيري دوراً كبيراً وجوهرياً في كل الثورات الشعبية العالمية المعروفة، فقد كان للفيسبوك والتويتر واليوتوب أيضاً دوراً كبيراً وحاسماً، كاد أن يفوق دور الجماهير الثائرة نفسها في تفجيرها الثورات العربية واستمراريتها، وحتى في التدخلات الخارجية التي حرفتها عن مسارها التاريخي فيما بعد، وجعلتها ردة سوداء باتجاه أكثر العصور جاهلية وظلامية ودموية، بدلاً من مسارها التاريخي الموضوعي باتجاه المستقبل والنهضة والحرية والتحرر وحقوق الإنسان!
ونتيجة لهذا الدور الحاسم الذي لعبته هذه الوسائل الاعلامية في الثورات العربية، أطلق عليها البعض ـ وبما يشبه الشتيمة ـ أسم ((ثورة الفيسبوك)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استفدنا من كتاب " صدام الحضارات " لصاموئيل هنتغتون.. في كتابة هذا المقال



#خلف_الناصر_/_خلف_حمود_ناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - خلف الناصر / خلف حمود ناصر - الأسباب والشروط الموضوعية للثورات الشعبية