أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - الحلقة التاسعة /نوافذ دائرة الطباشير















المزيد.....

الحلقة التاسعة /نوافذ دائرة الطباشير


ذياب فهد الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 5196 - 2016 / 6 / 17 - 17:26
المحور: الادب والفن
    


نوافذ دائرة الطباشير
رواية
الحلقة التاسعة
ذياب فهد الطائي



كان اليوم الأول للعيد .....الأطفال الذين اعتلوا الأراجيح القليلة في الساحة المطلة على قصر فاره مهجور، يقف عند بوابته مجموعة من الحرس يتكلمون الانكليزية، في عيونهم حزن لا تخفية محاولات المرح التي تقف عاجزة عن الاستمرار ، يقطعها اللغة التي لايفهموها والزي العسكري الغريب واحذية الحرس اللامعة
حين خرجوا الى الساحة أبلغوا بان يبقوا يقظين فالحرس عند بوابة القصر الذي كان يستريح فيه (الكلي المعرفة )والمهجور الان ، لايمكن الوثوق بهم

دوّت بضع طلقات في الفضاء البعيد...جفل الأطفال وتوقفت الأراجيح، فيما دخل الحرس الى القصر وأغلقت البوابة ...قال سلمان الذي وصل للتو من المدينة :سيدفن الكلي المعرفة في بيته
لم يفهم الرجل ولم يستوعب الخبر ، التفت الى زوجته التي أشاحت بوجهها
قال التوأم الصغير :حسنا ، لقد مات ...بابا ...كيف اكون كلي المعرفة ؟
قال التوأم الكبير :لن تكون لأن الكلي المعرفة لم يترك بلورة الكرستال ،لقد اخذها معه
:-سأشتري واحدة
:-ولكنها لا تتوفر في الاسواق ...لقد صنعها الكلي المعرفة لنفسه وستدفن معه
:-سأسأل الحرس عند البوابة
:- ولكنهم لايتكلمون لغتنا
:- هناك دائما لغة مشتركة وسيتفهمون حاجتي لبلورة كرستال
قالت المرأة :-الله وحده العليم بم يفكر ابنك ...بالتأكيد سيجلب لنا المتاعب !

كان التابوت الذي ضم جثمان الكلي المعرفة ،من الخشب الرخيص وقد صمم ليلائم الميت ، وحين أدخل الى البيت الذي كان قد شّيد حديثا ،نشجت بضع نساء تجمعن في الباحة الداخلية حيث حفر قبر عميق رصفت ارضيته ببلاط محلي
في الشوارع الواسعة في المدينة ،التي كان الكلي المعرفة حريصا على قيام شركة متخصصة من ايطاليا بتبليطها والعناية بالأرصفة التي تم اكسائها بالغرانيت الرصاصي ،كان صمت عميق ينام على الأرصفة ليضفي على اليوم الجنائزي حزنا بلون شديد السواد
قال سلمان :لقد رحلت ابنته
قال الرجل :لن تحضر دفن أبيها
قال التوأم الصغير :سأذهب أنا ...ما زالو يقرأون القران وعلي ان ألحق الدفن.
في باحة البيت حيث تم الانتهاء من حفر القبر ورصف ارضيته ،كانت المجموعةالمتحلقة حول التابوت تعبّر وجوهها عن كراهية تطفو فوق غيوم الحزن التي تتبدل صورها وهي تهوّم فوق فوهة الحفرة المفتوحة فيما ريح باردة تصدر صوتا ملتبسا وهي تندفع بين أغصان شجرة السرو الكبيرة التي تنتصب في واجهة البيت

قالت ابنة الكلي المعرفة التي كانت تتحدث في مقابلة على الفضائية
:-انتم ليس أكثر من مجموعة من المهرجين كان (الكلي المعرفة) يتسلى بكم حين يحضر الى المدينة ...لقد أديتم دوركم دون حتى وعد بأن تحصلوا على مكافئة مناسبة
قال أحد الرجال :بالله اقفلوا التلفاز ...اي هراء تتحدث به هذه المهووسة المتصابية !
لم يسمحوا للتوأم الصغير بالدخول فتسلق شجرة السرو ليتابع المنظر وليفرغ اأعشاش العصافير من بيضها
تجمعت العصافیر على السياج تتطلع بحزن الى التوأم وتدير رؤوسها بحيرة، تخلت عن ضجيجها النزق وهي ترقب مراسيم انزال الكلي المعرفة الى الحفرة الكبيرة ، ثم والجميع يتسابق لملئ الحفرة بالتراب ، لم يهتم اي منهم لإبعاد الحجارة او كتل الجبس
نزل التوأم الصغير الى الباحة بعد ان خلت من الرجال ،في الزاوية البعيدة كان الشيخ الذي قرأ سورة التوبة وهم ينزلون الكلي المعرفة الى قاع الحفرة ، يصلي ووجهه الى الحائط ، فيما كان التلفاز ما يزال يعرض ابنة الكلي المعرفة وهي تشتم ببذاءة
فكر التوأم الصغير انه لن يسمح بأن يردموا قبره حين يموت بالتراب والحجارة ، سيطلب بناء قبة تحت الأرض ليترك جسده حرا إلا من عباءة من الحرير ....تلمس رقبته وذراعية العاريتين
مرق عصفور غاضب وحط على الغصن المقابل ....مد التوأم الصغير يده ليمسكه ، ولكن العصفور قفز الى أعلى ...التفت الشيخ وهو ينهي صلاته
قال:عليك ان تحترم الميت
قال التوأم الصغير:لقد شبع اهانات فلماذا تطلب ذلك ؟
قال الشيخ :كيف تتحدث بهذه الطريقة
قال التوأم الصغير:لقد ملئتم رئتيه بالتراب وحطمتم رأسه بالحجر
قطع العصفور الحوار وهو يقفزفوق رأس المحافظ ومتشبثا باظافره الدقيقة لئلا ينزلق ، خرج تأوه مكتوم من الشيخ ، فيما انبجست قطرة دم توقفت متكورة فوق إ ظفر العصفور الذي لعقها وحلق في فضاء الغرفة الواسعة
قالت ابنة الكلي المعرفة :لامانع ان تشاهد غرفة نومي
كان مقدم البرنامج يحاول ان يخلق حوارا خفيا بنظراته المتعاطفة
فتحت الباب الخشبي المرتفع نحو ثلاثة امتار والذي يلمع دهانه الحديث الذي اكسبه النور الخافت مهابة

جلس الشيخ بجانب شجرة السرو مسندا ظهره الى الجذع الرصاصي مادا قدميه على أعشاب طرية
:إقفل التلفاز
:دعني اتابع ...ستدخل غرفة النوم....هل تعتقد اننا سنراهما فوق السرير!
: العياذ بالله ، اي جيل!
أقفل الشيخ التلفاز وعاودجلوسه مسترخيا

بدأ الاطفال المحتفلون بالعيد، بالعودة الى بيوتهم يتدارون خلف صمت مستفز ، ففي حركاتهم وهم يسيرون عصبية مكبوتة فقد انفقوا كل ما لديهم ، فيما تتملكهم رغبة البقاء في الساحة التي نصبت فيها اراجيح، وتوزع باعة في كل مكان وهم يزعقون بمقاطع غنائية تعلن عن الحلويات والكعك وشعر البنات .

قال التوأم الصغير:كيف يعرف كل هؤلاء بالعيد ويحضروا قبل يوم واحد؟
عاودت العصافير زقزقتها النزقة ولكن بضجة أكبر ، ربما لتتلهى عن التفكير ببيوضها المفقودة

إستسلم الشيخ لغفوة عميقة وأصبح شخيره متناغما مع الزقزقة المتعالية التي كانت تملأ المكان ،
صرخ سلمان بقوة مناديا التوأم الصغير :تعال....أين أبوك ؟

كان سلمان يحمل كيسا كبيرا من اكياس السكر الابيض الذي كان التوأمان يتواطئان على سرقته حين تكون امهما مشغولة بوضع أقراص العجين في التنور
:-في البيت

لم يكن التوأم الصغير يكن الحب لسلمان ،وكان يرى في إصراره على قتل الافاعي في التلال التي تقع في ارضه ،محاولة للسيطرة على الجانب الجنوبي من المدينة ، ولهذا فرر ان يهّرب بعض الافاعي الى الجانب الشمالي من القرية ...حرص ان ينقل ثلاث عوائل بكامل أعضائها لضمان عدم حنينها للعودة الى مخابئها القديمة

وضع سلمان الكيس على الارض
قال الرجل :-اعتقد ان عدد الفئران كاف ...لدي مئتي فأرا حقنها الصيدلي بالسم ...كان جشعا وبدلا من الدولار لكل فأر طلب ثلاثة ...قلت له انك ستدفع له ...تعلم اني لا أملك المبلغ

قال سلمان :لابأس ...الطبيب في المدينة طلب خمسة دولارات وهو يقسم انه يراعي علاقته بأبي فيما كان يغمز بعينه ملمحا الى شكه في أن المقصود بالقتل أفاعي التلال ...ربما يعتقد انها عملية ثأر للكلي المعرفة

قال الرجل :هو لايعرف ان الكلي المعرفة استولى على ارضكم
قال سلمان :سنبدا بوضع الفئران أمام مداخل المخابئ قبل غياب الشمس فالأفاعي تخرج ما أن تشعر إن الليل قد بدأ يتقدم

شعر التوأم الصغير بالرضا وداخله إحساس بالسعادة لأنه أنجز مهمة تهريب العوائل الثلاث

قال الشيخ :-حينما تستشعر الافاعي خطر الابادة تتضاعف قدرتها على التكاثر ...يا سبحان الله
قال التوأم الصغير :-سيكون العدد كاف
قال الرجل :حينما نحرث التلال ، لن تكون هناك أفاع
قال سلمان :الافاعي مؤذية ولكنها أكثر خطورة حينما تعمل سوية
قال الرجل : وهل يمكن ذلك ؟

قال سلمان : نعم ...كان مدرس الفيزياء يقول ان لدى كل الكائنات قوة كامنة ، وكيفية استعمالها هو الذي يحدد ما إذا كانت مفيدة ام خطرة ...السم لدى الافاعي يمكن ان يكون دواء ويمكن ان يكون أداة للقتل، أمّن على كلام المدرس الذي ترشح دائما في ثنايا احاديثة المترددة شتاتا من افكاره القديمة التي نسي معظمها في (نقرة السلمان )، وأضاف،هذا حتى في قوى الطبيعة ،فيضان دجلة قد يكون مدمرا ، ولكن اذا ما تم بناء خزانات أو سدود ،فإنه سيكون مصدرا مهما لزراعة ناجحة

قال الرجل :صحيح
تابع سلمان :لهذا كان (الكلي المعرفة ) لايترك المجال للذين يتحدثون عن التتابع في النسق التاريخي

قال الرجل لم افهم !
فكر التوأم الصغير ،أعرف هذا
قال سلمان :التتابع يعني التغيير ،وال(كلي المعرفة ) ينزعج من هذا الحديث ،لأنه يعني انه قابل (لتغييره ) ...اصبح قبل الغزو الامريكي يعتقد أنه قد نجح في تجميد التاريخ ،ويعتقد صديقي ذو النزعة الماركسية ،إن ال(الكلي المعرفة ) ليس الا مجنونا ...إنه يسعى الى ان يجعل من (المرحاض ) في الجامعات او في مدارس القتال للجيش، الحقيقة المطلقة التي ترمز الى (الطهارة ) لأنها حقيقة وجوهر العلم كما انها جوهر الدعوة للجهاد الذي هو في النهاية الانغماس في الحرب الى ما لانهاية

قال الرجل :سوف لن ننتهي ... ورغم اني لا أفهمك الا اني افضل أن نباشر عملنا ،وعلينا توزيع الفئران على مداخل مخابئ الافاعي ،وأن نتهيء باكرا لجمعها وحرقها
لم يكن مساء عاديا ،كانت الدبابات تتحرك على الشارع الرئيس بطابور طويل وبين اونة واخري تحوم مروحية على ارتفاع منخفض ،فيما تمرق سيارات عسكرية محملة بالجنود

التلال التي بلون الرماد بدت سلسلة لانهائية تحرس النهر الغريني الهابط جنوبا بصمت جنائزي ،شعر التوأم الصغير بالضيق ...ستمر من هنا مفردات التاريخ التي اعتقد الكلي المعرفة ان (جمّدها ) ، أغمض عينية
لا تتكل على قوتك وحدها يا كلكامش
دع أنكيدو يسير أمامك فإنه يعرف الطريق وقد سلكه

ملأ رئتيه بهواء مشبع برطوبة النهر ولحظات المساء الساكنه ، سيجده وسيسير خلفه وسيكون الكلي المعرفة ...لن يجمد التاريخ ولكنه سيعود به الى الوراء



#ذياب_فهد_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التناص في القصيدة الحديثة
- الحلقة الثامنة /نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة السابعة /نوافذ دائرة الطباشير
- البناء القصصي في شعر حبيب الصايغ
- الحقة السادسة /نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة الخامسة /نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة الرابعة/ نوافذ دائرة الطباشير
- الحلقة الثالثة - نوافذ دائرة الطباشر
- الحلقة الثانية ؟نوافذ دائرة الطباشير
- نوافذ دائرة الطباشير /رواية 1/8
- رواية سيد القوارير للروائي حسن الفرطوسي
- الصورة الشعرية
- الحلقة الرابعة /سمات بنية القصيدة عندالشاعر حبيب البصايغ
- الحلقة الثالثة /سمات بنية القصيدة عند الشاعرحبيب الصايغ
- سمات القصيدة عند الشاعر حبيب الصايغ 1/4
- الحلقة الثانية عشرة/أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة الحادية عشر /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة العاشرة /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة التاسعة /أسئلة الرواية الاماراتية
- الحلقة الثامنة /أسئلة الرواية الاماراتية


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - الحلقة التاسعة /نوافذ دائرة الطباشير