أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فريدة موسى - أنا الديكتاتور














المزيد.....

أنا الديكتاتور


فريدة موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5195 - 2016 / 6 / 16 - 01:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


منذ بدء الخليقة والعالم يمارس طقوس السلطوية، فهي لم تظهر حديثاً بل هي نزعة إنسانية أصيلة لدى الفرد، ويُقال أنها هي التي تُعزز في النفس البشرية غريزة البقاء.
لكن مصطلح الديكتاتورية أو السلطوية ظهر حديثاً كتعريف لمعنى استحواذ شخص ما أو جماعة ما على السلطة وفرض قراراتها دون الدخول في مناقشة مع المعارضة أو قبول الرأي الآخر حتى لو كان مدعوماً بمستندات أو أدلة مادية أو علمية أو تاريخية.
وبناء على هذا التعريف ظهرت مصطلحات مثل الدكتاتور والنظام الديكتاتوري الذي نرى صورته الجلية في مجتمعات العالم الثالث المتخلفة والمتأخرة على المستوى العلمي والثقافي. تلك المجتمعات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالرجعية الدينية التي تميل للتسليم بالتبريرات والتأويلات الدينية لكل شيء وتنتصر لرجال الدين أمام العلم والفن والثقافة. تلك المجتمعات التي تُطيع دون أن تناقش وتأتمر بأمر وكلاء الرب على الأرض مهما كان ذلك الأمر مخالفاً للمنطق أو العقل أو الأخلاق، فإن غطاء الدين إذا ما لمس شيئاً أخرجه من منطق الإنسانية ليُدخله منطقاً ربانياً لا يمكن مناقشته لأنه بالضرورة فكر إلهي فوق مستوى الفهم البشري.
والحقيقة أن هذه المجتمعات المتخلفة والرجعية تمارس الديكتاتورية على المستوى الفردي والجماعي بعيداً عن السلطة، ودون أن تدري، في تعاملاتها اليومية، فجارك الذي يُصر على رفع صوت الموسيقى دون احترام حاجتك للراحة بعد يوم متعب في العمل لا يقل ديكتاتورية عن حكومتك التي ترى أنك لا تعرف مصلحتك السياسية وأنك غير ناضج بالقدر الكافي للتعبير عن رفضك لقرار سياسي ما، ولا ننسَ المقولة الشهيرة للجنرال عمر سليمان إبان ثورة 25 يناير 2011 عندما قال إن الشعب المصري غير مؤهل بعدُ لممارسة الديموقراطية.
فالرجل كان يرى أن المصريين غير قادرين على استيعاب الفكر الديموقراطي الذي يؤمن بحرية التعبير أياً كانت ويتحمل تبعات هذه الحرية أيضاً أياً كانت.
ولا ننسَ أن المأثور الشعبي يرى أن «المركب اللي ليها ريسين تغرق»، بمعنى أن القيادة لا يمكن أن تكون جماعية، بل هي بالضرورة فردية. ولهذا دائماً منصب المدير أو الرئيس يستدعي إلى الذهن صورة الشخص الذي يتخذ القرارات بمعزل عن الجميع والذي لا يمكن مراجعة قراراته وإلا أصبحت تتهمه بأن تفكيره قاصر وأنه غير قادر على اتخاذ قرار صائب وكأنك تطعنه في أهلية عقله المنزَّه عن الخطأ أو السهو.
والواقع يفرض نفسه على الصورة، فنحن حقاً مجتمع ديكتاتوري النزعة نربي أبناءنا من ذلك المنظور دون أن ندري، فنحن عندما نختلف معهم في أمر ما لا نناقشهم ولا نسمح لهم بممارسة حقهم الإنساني في إيضاح وجهة نظرهم أو التعبير عنها ونكتفي بإصدار القرارات ونُلزمهم بها، كما أننا نعلمهم في المدارس أن المدرس هو الشخص الوحيد الذي يعرف، وأن المنهج الدراسي هو العلم الوحيد الذي يجب أن نؤمن به. ولا يجوز للتلميذ، ذلك الكائن التلقيني المُستضعَف في النظام الديكتاتوري المدرسي، أن يعترض أو حتى يسأل عن جدوى بعض المناهج الدراسية التي يدرسها بالإكراه لمجرد أن مجموعة ما ارتأت أن تلك المناهج هي الأفضل والأكثر نفعاً له.
ثم يخرج ذلك الكائن المُنقاد لنظام القطيع إلى حياة هيستيرية حيث يمارس هو أيضاً سلطويته وانقياده. نعم، إنها شيزوفرينيا الديكتاتور المنقاد، وهذا هو أغرب ما في الموضوع. نحن نمارس ديكتاتورية عنيفة لقمع الرأي المُعارض في المنزل.. العمل.. المجتمع.. كما أننا نجبن عن الدفاع عن آرائنا أو حقوقنا أمام الأغلبية في حال أصبحنا نحن الأقلية في موقف ما.
تلك الهوة السحيقة في تكويننا النفسي تستحق التأمل حقاً.
نعم، نحن مجتمعات تستأسد وتستقوي على الضعيف وتمارس معه أقذر أنواع الإقصاء والنفي والتهميش.
نعم، نحن مجتمعات مشوَّهة تضطهد الأقلية وتعاقبها وترفضها رفضاً مسلَّماً به، بل ترفض حتى مناقشة أفكارها. نعم، نحن مجتمعات تنقاد للفكر السلطوي وتلجأ دائماً للتهرب من مسئولياتها بإلقائها على آخر تحت ادعاء أنه العقل الكبير الذي يعرف ما لا يمكننا أن نعرفه والمُلم بخفايا الأمور الذي يمكنه حل كل المشكلات بينما نفغر نحن أفواهنا للمجهول مدعين أنه لا حيلة لنا ولا قدرة لنا على إدارة أمورنا بشكل جماعي.
نعم، نحن نمارس عنصرية ضد كل رأي يخالفنا ونقمعه ونكيل له تهم الجهل والفسق والعمالة والفساد.
نعم، في داخل كل منا وحش مشوَّه منقسم على ذاته ينازع وجهين قبيحين، أحداهما الجبان المتخاذل والآخر ذلك السلطوي الديكتاتور.



#فريدة_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فريدة موسى - أنا الديكتاتور