عبدالقادربشيربابان
الحوار المتمدن-العدد: 5184 - 2016 / 6 / 5 - 00:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعيش العراق بعد مرور أكثر من عقد، أزمات عدة عميقة؛ كأزمة قادة وقيادة، وأزمات اجتماعية، إذ مزقت الطائفية أواصر المجتمع العراقي، فخلقت نفوراً نفسياً قاسياً في نفوس المواطنين؛ تجاه بعضهم البعض، لأن الطائفية لعبة الأذكياء؛ للسيطرة على بعض أنواع البشر، وبرغم هذه التداعيات الخطيرة، وقف السادة السياسيين - من أصحاب القرار - موقف المتفرج، والمنتظر لما ستؤول إليه الأحداث؛ ما دفع بثلة من أبناء الشعب، وبتوجيهات دينية - حزبية تارة، وعفوية يؤطرها الحماس الوطني تارة أخرى، بمظاهرات صارخة للإنقلاب على أعلى مؤسسة شرعية في العراق هي (البرلمان العراقي)، تبعه تطاول على أعضاء البرلمان العراقي، من الذين لم يرضخوا لضغوطاتهم وإراداتهم غير واضحة المعالم.
هذه الأزمة ،الخانقة تكاد تكون من أشد وأعقد الأزمات لما بعد سقوط نظام حكم صدام حسين، إذ كشفت عن أزمة ثقة ما بين مكونات أبناء الشعب العراقي الصامد، التي تتعمق يوماً بعد يوم، ولم تكن لتبرز تلك الحقيقة لو لا ممارسة التهميش والإقصاء والتنكيل والقتك والتشريد عن ديارهم، وإشاعة انفلاتات أمنية كبيرة بين صفوف المواطنين العُزّل، والتي رُسخت لنظام حكم قائم على المحاصصة الطائفية والقومية، وتراجع للإصلاحات، ونمو دولة الفساد والمحسوبية.
برغم تلك التحديات، لم يبذل السياسيون - ممثلو الشعب - جهداً حقيقياً لوقف النزف، وإصلاح ذات البين، والاهتمام بتمتين العلاقات على مستوى الشارع، وفيما بينهم، بل كشرو عن أنيابهم بولاءاتهم للدولة الموازية بدولة المليشيات، والتي ظهرت بقوة على المشهد العراقي بعد العام 2003.
إن هذه الأزمات، ما هي إلا تتويج لأزمات؛ عمرها من عمر النظام الحالي، باختلاف رؤسائه، والذي أقامته أمريكا على أساس هش، وسبقتها تسويق لأوهام الإرهاب والقاعدة والحرب على داعش فيما بعد، وداعش برأيي المتواضع أكذوبة العصر بامتياز، إذ كيف لتحالف يضم أكثر الدول تقدماً في مجال التسليح والقوة العسكرية، يفشل في مواجهة تنظيم أقامته المليشيات معروفة الانتماء والتمويل؟ إنه غطاء لمؤامرة كبرى لتدمير البلاد، وتفتيتها، وسرقة ثرواتها، واستنزاف لقواها الوطنية حد الرضوخ لما يجري، واعتباره أمر واقع لا بد منه. وهذه التسويقات المقصودة، والمرسومة بدقة، والمطبوخة بعناية في بعض دول الجوار، كانت السبب غير المباشر لظهور صراع من أجل المصالح بين الكتل السياسية الحاكمة، والذي امتدت أطرافه إلى الساحات والشوارع، حتى بلغ قبة البرلمان بكل سلبياته وإيجابياته.
من هنا يتوجب على العقلاء من الساسة الوقوف طويلاً، لمعرفة حيثيات ذلك الانقلاب الشرعي على الشرعية الدستورية في البلاد، الذي مكن الأعداء في بعض مفاصل الانقلاب، لتحقيق مصالح غير مشروعة، في جو من السكوت والتواطؤ، لأن المتضرر الأول هو العراق وشعبه الصامد؛ الذي تعصف به المحنة تلو الاخرى. ولا بد لنا أن نتساءل عن دور أمريكا التي سعت وتسعى بقوة، للحفاظ على العملية السياسية، وعلى نظامها الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط، من خلال سيناريو الهدم وإعادة بناء العملية السياسية كحلّ لتلك الأزمات السياسية المستعصية منذ ثلاثة عشر عاماً خلت.
بقناعاتي الشخصية، لا تبرز في الأفق رغبة جادة في بحث المشكلات الجوهرية، بل كل ما جرى ويجري اليوم في مجمله هو تشبث بظاهر ما حدث، دون مناقشة أسباب ما آلت إليه الأمور بهذا الحجم والشكل، لأن أعداءنا هم من اقنعونا بأننا أعداء.
الحل الأنسب كي يتجاوز العراق أزماته واختناقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ أن ينتقل من نظام حكم إلى نظام سياسي يركز جهوده على استيعاب الأوضاع الاجتماعية الجديدة، والكتل السياسية الجديدة؛ بشكل سلمي، واحترام التعددية والتنوع، لا نفيها؛ قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)، وممارسة الحياد الإيجابي تجاه قناعات ومعتقدات وأفكار المواطنين، وألا سيبقى العراق بلداً مثخناً بالأزمات والجراحات العميقة، وقد تذهب به تلك الأزمات إلى مستقبل لا نرجوه، في حين كان العراق ويبقى بلد الحضارة والثقافات المتنوعة، البلد الأكثر دخلاً بين الكثير من الدول العربية التي زرتها، البلد الأجمل أهلاً والأوفر عقلاً، والأرجح رأيا، البلد الذي اقترن اسمه بالرخاء والازدهار.
لنعمل جميعاً بكل طاقاتنا، وما أوتينا من قوة ومن رباط الخيل، على استعادة العراق سلمياً من لصوص المال والدين والسياسة... للحديث بقية.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟