دلوم هشام
الحوار المتمدن-العدد: 5183 - 2016 / 6 / 4 - 09:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نحاول أن نقدم قراءة نقدية لمشروع مرسيا إلياد ولشخصه وجهوده من خلال العناصر التالية:
أولا :ما يحسب " لمرسيا إلياد" أنه سبح عكس التيار الذي ساد في عصره، و هو التيار العلماني الوضعي ، حيث نادى إلى نزعة جديدة ، و نادى إلى تاريخ أديان يأخذ بالاعتبار ثقافة الإنسان الشاملة التي هي ثقافة الإنسان الكوني ، كما رفض بصراحة كل التيارات الاختزالية التي لا تأخذ الظاهرة الدينية بحقيقتها ، كما أنه حارب التطوريين ، معتبرا أن كل من" فرايزر" و " تايلور " و " سبنسر "، و غيرهم من التطوريين اعتقدوا بمقارنة معطيات لا يربطها تاريخ و لا جغرافيا واحدة .
-;---;-----;--- ثانيا :مسحه الشامل لواقع عصره علميا ، و جرأته على التحليل و الوصف؛ بدليل وصفه " لفرويد " بأنه شخصية انتقالية ، لا تزال تتعلق بعقلية القرن التاسع عشر ، و قد عارض النزعة الاختزالية التي جاء بها " دوركايم " ، في رده للظاهرة الدينية للواقعة الاجتماعية و وصفه هو الأخر ، بشخصية انتقالية .
-;---;-----;--- ما يميز إلياد ، هو اشتغاله على إبراز متوازيات عريضة ما بين الثقافات المختلفة ، و نقاط وحدة ما بين الأديان و خصوصا في الأساطير .
-;---;-----;--- آمن " مرسيا إلياد " بأن الأسطورة تحكي بالضبط الظهور الأول للمقدس ، و بالتالي فالعصر الأسطوري هو زمن مقدس ، الزمن الوحيد الذي له قيمة ، إذ في نظره اهتم الإنسان البدائي فقط بالبدائيات ، و لم يكن يبالي بما حدث له و لأشباهه في الأوقات المتقاربة و الشيء الأخر الذي يحسب ل"مرسيا إلياد " هو موقفه من الأحكام التي يطلقها الأوروبيون على سائر الشعوب و الأمم لقد وجه الانتقادات ، منذ منتصف القرن العشرين إلى المفكرين الغربيين، و اتهمهم بالإقليمية في الثقافة بسبب عدم اعترافهم بدور الإنسان غير الأوروبي في بناء الحضارة ، و الفلسفة الغربية بحسب رأيه تميل إلى الانكماش ضمن إطارها الإقليمي ، متجاهلة الحلو التي أتى بها الفكر الشرقي .
-;---;-----;--- يرى مترجم كتابه " البحث عن التاريخ و المعنى في الدين " سعود المولى " أننا ندين " لمرسيا إلياد " بنظريته العود الأبدي (( نظرية الحنين للأصول )) ، أي القول بوجود اعتقاد ضمني صلب كل الديانات ؛ لما لها من أهمية يمكن التي يمكن الاستثمار فيها اليوم .
-;---;-----;--- ما يحسب له أيضا اعترافه ، بأن جل مقالاته و مؤلفاته التي وضعها ترمي إلى التشديد على الوظيفة الثقافية التي يمكن لتاريخ الأديان أن يقوم بها في مجتمع منزوع القداسة ، و هذا خدمة للبشرية .
-;---;-----;--- يرى " عادل العوا " مترجم كتاب " مرسيا إلياد " الموسوم بـ : " المقدس و العادي " بأن : كثير من الباحثين سبقوا " مرسيا إلياد " في بحث مفهوم القداسة و المقدس ، و لكن " مرسيا إلياد " في نظره تميز بالإحاطة ببحوث سابقيه ، و بوعيه و أصالته في معالجة الموضوع معالجة ثقافية و علمية بالدرجة الأولى .
-;---;-----;--- يعلق " شمس الدين الكيلاني " على قراءة " مرسيا إلياد " حول مسالك إعادة المقدس قائلا : (( ... و تتركنا أفكار مرسيا إلياد متواضعين ، مجردين من سلاح التعصب ، و نحن نواجه كل أشكال الإيديولوجيا : أسطورة ، دين (...) على الرغم من كل مقاصده و غايته ، إذ لم يتساءل في أية لحظة ، عن تطابق هذا التصور أو ذاك ، الحديث أو القديم مع الواقع ، أو مدار الاقتراب منه ، لم يناقش الأقوال المقدمة و لا الأقوال الحديثة مثيلتها ، من زاوية قيمتها المعرفية و صدقها المعرفي ، أو عكسها الأمين للواقع ، أو عن طريق تطابقها مع حقائق مثالية ، إنه يعاين تلك التصورات و الأفكار من زاوية ما تقدمه من مغزى و معنى بالنسبة لحاملها (...) إن ما يذهب إليه، ليس ببعيد عن اتجاهات مناهج العلوم الاجتماعية المعاصرة .
-;---;-----;--- و في اتجاه نقدي حول التوجه الفينومينولوجي الذي اعتمده " مرسيا إلياد " ، فقد شدَّد " بول ريكور " على أنَّه لا يمكننا أن نبقى في المرحلة الفينومينولوجية ؛ لأنَّ الفهم في هذه المرحلة يبقى غير منخرطٍ أو غير ملتزمٍ ، وغير معني بما يفهمه ، ففي مرحلة الفهم الفينومينولوجي تبقى مسألة الحقيقة معلّقة أو غير مطروحة، وبطرح السؤال المتعلق بالحقيقة ندخل الدائرة الهيرمينوطيقية بين الفهم والاعتقاد، فما تفتقده – تحديداً – المرحلة الفينومينولوجية هو تناول مسألة الحقيقة ، التي تختلف عن الحقيقة بوصفها مجرد اتساق، وهو ما تهتم به المرحلة الفينومينولوجية ، ولشرح هذه الحقيقة، الاتساق في المرحلة الفينومينولوجية،:و يرى " بول ريكور " إمكانية تجاوزها بقوله : إذا حدث للفينومينولوجيا وأطلقت اسم الحقيقة على الاتساق الخاص وعلى نسقية عالم الرموز، فإنَّ هذه الحقيقة تبقى بدون اعتقاد، حقيقة عن بعد، حقيقة مُختزَلة، ((…)). هذه المرحلة لا يمكن أن تكون إلا مرحلة الفهم البانورامي، المرحلة الفضولية لكن غير المعنية. يجب الآن أن نلج العلاقة المشبوبة بالعاطفة والنقدية، في نفس الوقت، مع الرموز.
إذن و بعد هذه القراءات في عناصر هذا البحث، يمكن التأكيد على ما يلي:
-;---;-----;--- ما يطمح إليه مرسيا إلياد هو استعادة المناهج و السيناريوهات لعلاقة البشر بالأبدي و الكوني ، و التي تتضمنها الأساطير في دلالتها الأكثر عمقا.
-;---;-----;--- الأسطورة تروي تاريخا مقدسا ، تروي حدثا جرى في الزمن البدائي ، الزمن الخيالي ، هو زمن البدايات " ,و الأصول.
-;---;-----;--- كل أسطورة أو طقس أو معتقد عند " مرسيا إلياد " تعكس تجربة المقدس.
-;---;-----;--- اعتبر أن الإنسان عندما يعيش الأسطورة ، معناه إعلانه الخروج من الزمن الدنيوي ، و الدخول في زمن مقدس.
-;---;-----;--- إن التصور الذي يبنيه " مرسيا إلياد " حول علاقة الإنسان بالعالم الذي يعيش فيه ، هي قائمة على فكرة المقدس.
-;---;-----;--- يرى " مرسيا إلياد " أن الإنسان الحديث ، غير متدين يضطلع بوجود مأساوي ، و هو حصيلة عملية إبطال صيغة القداسة.
-;---;-----;--- يرى " مرسيا إلياد " أن اللاتدين يعد سقوطا جديدا للإنسان.
-;---;-----;--- " مرسيا إلياد " يدعو الإنسان الحديث إلى سلك نفس المسلك الذي انتهجه الإنسان القديم ، الذي كانت له علاقة وطيدة مع المقدس.
-;---;-----;--- كان سعيه هادف إلى الإلمام بتجربة المقدس في اختلافه مع المدنس عبر مختلف تمظهراته ، و هو بذلك يسعى إلى بلورة علم تشكل المقدس.
-;---;-----;--- إن عملية الجرد التي قام بها " مرسيا إلياد " للمنظومات الدينية ، أفضت إلى اعتقاده و بمنهجه الفينومينولوجي إلى أن الإنسان موضوع أمام عالم عمائي متناثر و وهمي.
-;---;-----;--- فينومينولوجيته في اهتمامها بدراسة الظواهر الدينة لا تولي شانا للتطور التاريخي للأديان التي تجرد بناها ، فهي تقوم باختزال كلي السياق التاريخي واضعة إياه بين قوسين ، و هي ترمي لبلوغ إرساء معنى كوني ، و ليس تاريخ أديان محدود بمادته في الزمان و المكان.
-;---;-----;--- أصر " مرسيا إلياد " على أن يلعب مؤرخي الأديان أدوار مهمة في الحياة الثقافية المعاصرة
-;---;-----;--- علوم الإنسان ليس في مقدورها إدراك ما فوق طبيعي ، و لهذا نحن في حاجة للاستعانة بالمقدس ، لفهم صحيح للإنسان.
-;---;-----;--- " مرسيا إلياد " في نظره تميز بالإحاطة ببحوث سابقيه ، و بوعيه و أصالته في معالجة الموضوع معالجة ثقافية و علمية بالدرجة الأولى.
-;---;-----;--- أصر " مرسيا إلياد " على أن يلعب مؤرخي الأديان أدوار مهمة في الحياة الثقافية المعاصرة ، ففي نظره فهم الأديان الغابرة من شأنه أن يوفر مساعدة قيمة للحوار مع ممثلي هذه الأديان من جهة ، و كذا فهم أوسع للوجود الإنساني.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟