المهدى احميد
الحوار المتمدن-العدد: 5181 - 2016 / 6 / 2 - 06:16
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الدولة الفاشلة
الشعب الليبي فرحته بالإنتفاضة والإبتهاج بها في السابع عشر من فبراير, لم تدوم وتستمر طويلاً , وسرعان ما تبدد هدا الحلم والفرح , وسرقت منه هده الانتفاضة طوعاً وكرهاً . حبث قامت بالسطو والإستيلاء والسيطرة عليها تيارات سياسية ومليشياوية محلية , و كذلك قوى أخرى سياسية عربية ودولية كان لها دور في إيصال ليبيا إلى مرحلة " الدولة الفاشلة " . رؤساء وقادة المليشيات المسلحة وأحزاب سياسية وتيارات إسلاميه متطرفة , هم من قاموا بالعبث بكل مكونات الدولة , وعاتوا فيها فساداً وخراباً , وجعلوا من مكانتها دولة فاشلة في كل المناحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
إن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية تحويل ليبيا إلى ما هو عليه , وهى بكل هيأتها مسؤولة عن إفلات المجرمين من العقاب وبالتالي مسؤولة عن تعاظم جرائم رؤساء وقادة المليشيات بحق الاستقرار في ليبيا , إن بعثة الامم المتحدة في ليبيا تمتنع عن تلبية مطالب منظمات المجتمع المدني في ليبيا , والنشطاء والمواطنين بمختلف إنتماءاتهم , بخصوص إحالة ملف المجرمين وزعماء المليشيات إلى محكمة الجنايات الدولية , هدا التعمد و التباطؤ والتماهى من طرف الامم المتحدة في إحالة ملف مجرمي الحرب في ليبيا , هو أحد الأسباب في دخول ليبيا إلى المرحلة الصعبة التي تمر بها الأن , وبصفتي كحقوقي ومواطن ليبي , أجزم إن المنظومة الدولية تدفع ليبيا إلى الفوضى , و ذلك من واقع عدم قيام الامم المتحدة بإحالة ملف المجرمين إلى محكمة الجنايات الدولية , وهدا الأمر ماهو" إلا الإثيان بسلوك سلبي يتعارض مع الحق في مباشرة الإجراءات الصحيحة والسليمه التي تتفق مع الحقوق والقانون" , و إنها فقط إكتفت بالإشارة إلى تلك الجرائم في تقرير الممثل الخاص في اجتماعات "مجلس الأمن" من غير توصيات جدية بإحالة ونقل الملف رسمياً إلى المحكمة المذكورة , وفقاً للقرارات الدولية , مما يدفع إلى تساؤل مطروح ومهم . ما هي مصلحة الامم المتحدة في إفلات المجرمين من العقاب في ليبيا ؟
بتاريخ الأربعاء 19 مارس 2014 , وفى مجلس حقوق الإنسان , انعقدت الجلسة الثانية لمناقشة مسودة القرار الخاص بليبيا , الجلسة إنعقدت بالقاعة رقم 24 بمبنى الامم المتحدة حيث مقر إنعقاد جلسات المجلس , وناقش المجتمعون مسودة القرار , ومن بينها الفقرة رقم " 8 " , و التي تنص على تعاون ليبيا مع محكمة الجنايات الدولية , وكان لإحدى المنظمات الدولية مداخلتها بخصوص طلب إدراج موضوع تعاون ليبيا مع المحكمة الدولية بخصوص جلب زعماء المليشيات و المتورطين في الإعتداءات الواسعة على المدنيين , حيث أكدت هذه المنظمة أمام المجتمعين بأن هناك تعمد من السلطات الليبية على حماية هؤلاء المتورطين , لإنهم مسؤولين في السلطة , أيضاً هذه المطالبات التي تم تقديمها بشكل مكتوب , حسبما أوصى بها رئيس وفد المغرب و رئيس لجنة القرار, وتم تعميمها على وفود الدول المشاركة في لجنة القرار , هده المطالبات تم مواجهتها بالرفض من الوفد الليبي , حيث صرح رئيس الوفد الليبي , انه أحال هذه المقترحات إلى عاصمة بلاده لدراستها وانه يرى من غير الممكن الموافقة عليها , وبالفعل السلطات الليبية رفضت هدا التعاون , لأنها تحمى المجرمين والمتورطين بدورهم مسؤولين في هذه الدولة , وإن جميع إدعاءاتها عن حمايتها لحقوق الإنسان تصطدم في الحقيقة , بمواقفها العملية التي توضح إنها غير قادرة وغير راغبة في حماية حقوق الإنسان ليبيا الأن هي في مصاف الدولة الفاشلة وبجداره , وذلك لعدة أسباب وإعتبارات أولاً " السلطة التشريعية " , حيث تعتبر هذه السلطة غير دستورية , وذلك بفعل تجاوزها للإعلان الدستوري الذي أطلقها , وبسبب فتاوى المفتى بعدم التظاهر على السلطة التشريعية , وإعتبار كل من يتظاهر ضدها خارجاً عن "الطاعة" , وللمعلوم إن المفتى نفسه هو من شرع بفتوى محاصرة المؤتمر الوطني العام , لإستصدار القرار الجائر رقم "7" , وهو نفسه من بارك تلك العمليات على المدنيين في بني وليد , وغيرها من الفتاوى الصادره منه , والتي تحرض على القتال وخلق الفتنة داخل الوطن الواحد .
كما أصدر المؤتمر الوطني العام القانون رقم"5" , وهو حرفيا بالنص أحد القوانين المستعملة في فترة النظام السابق , وهى المادة " 195 " من قانون العقوبات المعمول به أيام حكم النظام سابقاً , حيث نص في صيغته الجديدة على تجريم ومعاقبة كل من يخالف المؤتمر العام في التوجهات أو يخالف توجهات " ثورة 17 فبراير" . إن إصدار هذا القانون في حد ذاته يعتبر أحد الإخفاقات الكبرى ممن كانوا يطالبون " بالحرية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات" .
تانياً " السلطة القضائية " . تعتبر السلطة القضائية عاجزة تماماً وغير ذات فاعلية على الإطلاق , بإعتراف وزير العدل وبإعتراف عدد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان , ولعل حادثة إغتيال النائب العام السابق "عبدالعزيزالحصادى" وهى ليست أول ولا أخر حادثة إغتيال ولن تكون الأخيرة , وفى كل يوم سجل عمليات الإغتيالات حافل بهده الممارسات , كما إن التهديدات التي يتعرض لها أعضاء النيابة والقضاة وعناصر الشرطة القضائية وأعضاء السلك القضائي , والتهريب المتكرر للسجناء من مختلف السجون بإستخدام قوة المليشيات , هو ما يعزز حقيقة عدم وجود نظام قضائي في ليبيا .
تالثا " السلطة التنفيذية " . تعانى السلطة التنفيذية من عجزها عن تحقيق اى من واجباتها , وهى في الحقيقة تعانى نفسها من عدم قدرتها على حماية أعضائها , ولعل الحادثة المشهورة التي خطف على أثرها رئيس الوزراء الليبي هي أحد الأدلة الواضحة على ذلك , كما إن حالات الفساد والمحسوبية والتهميش المتعمد لبعض المدن والمناطق هي دليل أخر على فشلها . والتقريرالصادرعن منظمة الشفافية الدولية يوم الأربعاء الموافق 27/ 1/ 2015 , حيث حصدت ليبيا 16 علامة فقط وبترتيب 18 عربيا و161 عالميا ، وألقت منظمة الشفافية باللائمة على الصراعات السياسية والمسلحة في زيادة مؤشرات الفساد في ليبيا , والدي يضع ليبيا في مرتبة خمسة دول الأكثر فسادا في العالم , وهدا المؤشر الخطير ما هو إلى دليل على أن ليبيا دوله فاشلة وبإمتياز .
رابعاً " السلطة الرابعة " الإعلام " . تعرض العديد من الصحفيون وفي مختلف المؤسسات الإعلامية , للخطف أو للاعتداء أو التهديد بالاعتداء , ومن الادلة على دلك التدمير والحرق الكامل لاستوديوهات ومقر قناة العاصمة في طرابلس بتاريخ 11 فبراير 2014 , من طرف مليشيات مدعومة من السلطات الليبية , ولم يسجل اى تحرك من قبل السلطات لحمايتها , أو فتح التحقيق في هده الواقعة , ويرجع سبب الاعتداء عليها وإقتحامها , هو إنتقادها للمليشيات وزعمائها , وبسبب بثها تسجيلات لنشطاء مطالبين بعدم التمديد للمؤتمر الوطني , وبسبب بثها التسجيل الكاشف للتصويت الغير القانوني للسيد احمد معتيق , وغيرها من التسجيلات الفاضحة والكاشفة للممارسات الخاطئة , والتي تتعارض مع الحقوق والحريات . وللمعلوم إن العديد من المليشيات المتواجدة في طرابلس تتبع مباشرة لرئيس المؤتمر الوطني العام , حسب القرارات الصادرة عن المؤتمر بالخصوص , وما يؤكد ذلك عدم تحرك المؤتمر والحكومة لحماية هذه المؤسسة , رغم وجود مقرها في قلب العاصمة طرابلس , وعلى مقربة من مقر المؤتمر الوطني العام .
تأخر تثبيت ركائز الدولة , وما تشهده من إنقسمات وعدم الإستقرار السياسي والإمنى والفوضى العارمة والانهيار الجسيم لإقتصاد الدولة وما صاحبه من تداعيات خطيرة , كان له الأثر السلبي , مما شجع في زيادة الإنحطاط والإنحراف , في السلوك والأخلاق , وبالتالي خلو الوطنية وعدم الانتماء للوطن من قبل المواطن .
إن سياسة الإفلات من العقاب , ساهم في تغول المليشيات , وهو المشهد السياسي السائد حاليا , من أجل خلق سياسة فرض الأمرالواقع , والمخالفة لسيادة القانون وسيادة الدولة , هؤلاء المجرمين وما أرتكبوه من جرم تحت التهديد بقوة السلاح , وإقتحامهم لمدينة بني وليد , وقتلوا الأطفال و الشيوخ و دمروا المعالم الإنسانية فيها , واعتقلوا وعذبوا وهجروا المدنيين , هم أنفسهم لازالو متواجدين على الساحة و مستمرين بإرتكابهم للجرائم في ليبيا , ومؤخراً وليس أخراً مدينتى ككله ورشفانه شاهدين على دلك .
وحيث إن نظام القضاء الوطني معطل للأسف , وغير قادرعلى إتخاذ أية إجراءات , فانه لا مناص من تدخل القضاء الدولي , وفق القرارات الدولية التي نادي بها هؤلاء أنفسهم عندما كانوا يقاتلون ضد نظام القذافى , تلك القرارات الدولية جاهزة للتطبيق وليس مقتصرة على نظام القذافى فقط , بل هي قرارات تطالب بمحاسبة كل من إرتكب جرائم في ليبيا اعتباراً من تاريخ " 17فبراير 2011 " . وبما إن جريمة الإعتداء على المدنيين في مدن بني وليد وككله وورشفانة , تعتبر من حيث المبدي خرقا للقرارات الدولية , وخرقا للقانون الدولي الانسانى , وللقانون الدولي لحقوق الإنسان , وبالتالي أصبح وجوباً تفعيل هذه القرارات ضد هؤلاء المجرمين تحقيقا للعدالة , ومنعا للإفلات من العقاب , ومن أجل الحد من النزعات الإجرامية للمليشيات وزعمائها .
إن عمليه السطو المسلح على المصارف , وعمليات الخطف والابتزاز السياسى والمالي , وفرض سياسة الأمر الواقع , جعل من ليبيا تسبح في بركه من الدماء والإنقسامات السياسية , والصراعات بمختلف ألوانها وأنواعها , في ضل غياب الأمن والإستقرار السياسي . الامم المتحدة وأمريكيا والأطراف الدولية مجتمعه , تسعى لتمزيق وتقسيم ليبيا , للإستفاده من خيراتها وثرواتها , وهدا الوضوح مما لايدع للشك فيه , دليل على ما وصلت إليه الدولة من فوضى عارمة بكل ما تعنى الكلمة , وما نشهده من مساعي للتدخل الأجنبي في الشؤون السياسية والعسكرية الداخلية , والتي أصبحت بهده التدخلات الدولة سيادتها منتهكه , براً وجواً وبحراً على أوسع الأبواب , وأصبحت تصنف من قبل هؤلاء بإنها دولة فاشلة بكل المقاييس والمعايير الدولية , نعم هو مشروع ومؤامرة دوليه كبرى يحاك بالوطن , ويدار بواسطة أجنده معلنه وغير معلنه , والمليشيات المسلحة هي أحد هده الأجنده , وهى طليقه الحركة ومدعومة محلياً وعربياً ودولياً , وهى تعث بالبلاد فسادا وبدعم اللامحدود من كل الأطراف الدولية .
المحامى المهدى صالح احميد
[email protected].
#المهدى_احميد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟