|
مسالة المعتقد عند مرسيا الياد
انس الشعرة
الحوار المتمدن-العدد: 5180 - 2016 / 6 / 1 - 21:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة : يعالج هذا العرض مسالة المقدس عند الإنسان المتدين، حسب تصورات مؤرخ الأديان، "مرسيا الياد" إذ يرى "الياد" أن مسالة المقدس، في حياة الإنسان المتدين خصوصا القديم، مسالة تحمل في جوهرها عمق التجربة الإنسانية بكثافتها الرمزية ،وحمولاتها الانطولوجية ،لذلك فلا غرو أن نجد هذه الدراسات التي قدمها "مرسيا الياد"، في ميدان تاريخ الأديان وفلسفة الدين، تحظى كلما تقدم الزمان بعناية الباحثين والدارسين من مختلف الأعراق والحضارات. قدمنا في هذا العرض محورين الأول: عن ظهور المقدس وتشابكه مع الرمز، أما المحور الثاني: خصصنه للزمان ولخصائصه بالنسبة للإنسان المتدين، مع استنتاجات لأهم ماجاء ذكره في العرض وخاتمة. هذا وقد اعتمدنا في مقاربتنا النص الفرنسي، le sacré et le profaneمع الاستئناس بالترجمة الاسبانية Mito y rialidad، كما اعتمدنا باللغة العربية نصي، "مرسيا الياد" المقدس والمدنس، والعود الأبدي، الأول : بترجمة عبد الهادي عباس، والثاني :بترجمة نهاد خياط، لايسلم الكتابان من ملاحظات، حول الترجمة، خصوصا الكتاب الأول : إذ يقلب المعنى في بعض الأحيان، و لا يدقق في بعض المفاهيم، ذات الحمولة الفلسفية _الانثربولوجية، لكن لضيق المقام أثرنا الإشارة وحسب، على أمل التعرض لهذه المسالة بالتفصيل في وقت مناسب : 1_1 معنى التجلي و الرمز تتجلى مسالة المقدس[1]حسب "مرسيا الياد" في موضوع طبيعي ، حجر، شجرة، حيوان، كائنات أسطورية… يكون هذا التجلي la hiérophanie عبارة عن توغل في اللامرئي، من الموضوع باعتباره موضوعا مطلقا، هكذا يكون الإنسان المتدين homoreligiosus علاقة حميمة، انفعالية وتفاعلية ،مع الكون وأشيائه، تجعله ينظر إلى الكون في مجموعه، كأنشودة رمزية مقدسة، تمده بقوة تشبع كينونته، بامتلاء وجودي هي عين الحقيقة بالنسبة له _العيش في المقدس و جواره هي الحقيقة الموضوعية بالنسبة للإنسان المتدين_ والتي تحافظ على الاتصال بينه وبين الطبيعة وجوهر القداسة. تستقر أسباب هذه العلاقة في كون الإنسان المتدين ينسج قنوات تواصلية مع المعتقد، فتتحول العلاقة بفعل الزمان إلى تمركز ذاتي égocentrisme ونقطة ثابتة ، ما يحول تجربة العبادة والشعائر، الدينية إلى حقائق روحية لها قوة فاعلة على الطبيعة وعلى الإنسان، لذا تبقى التجارب الروحية لمعتنقي الديانات مشوبة بنوع من الوحدة وان اختلفت أشكال وصور التعبد والشعائر. كل الممارسات الدينية التي يقوم بها الإنسان المتدين، تضطلع بخصائص رمزية بحيث يرسم الإنسان المتدين، لحياته مشروعا للعيش ضمن كل ما هو مقدس ومرتبط بما هو الهي، لذلك تستمر رغبته ،"في أن يقيم نفسه في حقيقة موضوعية، وان لا يترك نفسه مشلولا بالنسبية، دون هدف التجارب الشخصية الصرفة وللعيش في عالم حقيقي وفعال، ولكنه بصورة خاصة واضح في رغبة الإنسان المتدين لان يتحرك في عالم مقدس، ولهذا السبب أقيمت تقنيات التوجه التي هي بمعنى الكلمة تقنية الإنشاءات للمكان المقدس."[2] ينشئ الإنسان المتدين عالما من الرموز symbole ،تكون هذه الرموز في مجموع صورها الأداة التي يترقى بها إلى المقدس والإلهي ،"هناك أمثلة عديدة تكشف عن رغبة الإنسان في إضفاء القداسة، على ما هو دنيوي فالمعبد يشكل فتحة بمعنى الكلمة صوب الأعلى، ليضمن التواصل مع الآلهة . إن الحنين العميق للإنسان المتدين هو أن يسكن عالما إلهيا بمعنى العيش في كوزموس طاهر ومقدس كما كان في البداية "[3] هذه الرمزية التي يتخذها الإنسان المتدين موضوعا مقدسا، هي التجسيد الفعلي للإلهي الثاوي في عباءة هذه الموضوعات وان اختلفت صورها وأشكالها فالحجر بالنسبة للإنسان المتدين يحمل وعيا يترسخ، في كينونته العصية على التغيير،" طرازا من الوجود المطلق الذي يشعر حياله بتجاذب عاطفي، فيبهره برسوخه وديمومته وصلابته وحجمه، وهكذا نفهم فكرة بناء الأضرحة للموتى مثلا بارتباطها بأصولها الرمزية وهي رمزية الحجر، فالحجر في نظر الإنسان المتدين رمزا للديمومة والثبات وأضحت بجدارة حاميا، للحياة ضد الموت، وللجسد ضد الانحلال،والقبر أصبح مسكنا يحفظ روح المتوفى ويثبتها في مكانها."[4] إن الرموز في حياة الإنسان المتدين تأخذ صورة شمولية، تتواشج بين الحياتين العادية والمقدسة ،بل في كثير من الأحيان يغلب الجانب المقدس على العادي، فما يفتأ الإنسان المتدين يتفيا ظلال المقدس وينسل من اليومي والعادي، ليضيع ويتوه في الزمن المقدس فما هو الزمن المقدس؟ وما هي خصائصه؟ 1 _ : 2 الزمان ولادة متجددة. يقول مرسيا الياد : "الزمن المقدس هو بطبيعته ذاتها قابل للانعكاس، في المعنى المعتبر فيه زمنا أسطوريا بدئيا وغدا حاضرا فكل عيد ديني، وكل وقت طقوسي يتكون من إعادة تحيين حادث مقدس، حاصل في ماض أسطوري في البدء والمساهمة دينيا في عيد يقتضي الخروج من الفترة الزمنية العادية، لإعادة إدخال الزمن الأسطوري المعتاد التحيين بالعيد ذاته."[5] إن هذا التعريف الذي قدمه "مرسيا الياد" للزمن المقدس يدل على أن الزمن عند الإنسان المتدين، ليس زمنا طبيعيا_دنيويا_ بل يحاول الإنسان المتدين، أن ينسحب من الزمن الطبيعي كلما تهيأت الفرصة، ولا تكمن هذه الفرصة إلا في الأعياد والمناسبات، باعتبارها لحظات زمنية تمكن الإنسان من الانعتاق من اصار، الزمن الطبيعي، يقول مرسيا الياد: " في أثناء قطع الزمان الذي تشكله السنة لا نشهد إيقافا فعليا لفترة زمنية معينة، وبداية لفترة أخرى وحسب وإنما نشهد أيضا إبطالا للسنة الماضية وللزمن المنصرم، وهذا من جهة ثانية هو معنى التطهيرات الطقسية، حرق ومحو للخطايا والذنوب للفرد والجماعة في مجموعها"[6] . إذن : على هذا النحو يتخذ الزمان بالنسبة للإنسان المتدين، شكلا دائريا أي استرجعيا ،فكل لحظة هي حنين ممتد صوب الإعادة والتكرار.[7] لكن الأمر لايتوقف عند هذا الوضع، بل يضطلع الزمان بخصائص أخرى، من أهمها : "الولادة المتجددة" وهي ماهية الزمن بالنسبة للإنسان المتدين، "فكل سنة جديدة هي عودة بالزمان إلى بدايته أي تكرار لولادة الكون cosmogonies"[8]. الولادة رتق من عالم العماء، إلى عالم الوجود وهي أيضا نقاء، طهر وطهرانية، تطهر الإنسان المتدين من الأدران، وما علق به من عالم الزمن المدنس، فيجد نفسه في انسجام cohérence وتناغم harmonie تامين، تحقق بالنسبة له خلاصا روحيا، وخلاصة فردية متماهيا، مع كل الموجودات، وعليه يمكن تفسير بعض الظواهر، والنزوعات المتروحنة، بهذا التناغم الوجداني الذي تحققه، لاسيما إن فهمنا ان هذه العلاقة التقديسية، التي يربطها بينه وبين العالم والأشياء، هي علاقة متعالية، أي مفارقة للزمن المدنس تشوفا إلى الزمن المقدس. خلاصة واستنتاجات : ü تتجلى مسالة المقدس، بالنسبة للإنسان المتدين في موضوع طبيعي، يتحول بفعل الزمان إلى علاقة رمزية. ü يحيط الإنسان المتدين نفسه بمجموعة من الرموز، تمكنه إضفاء القداسة على الأشياء في بعديها الزمني والمكاني. ü الرموز التي يتخذها الإنسان المتدين، موضوعا مقدسا هي التجسيد الفعلي للإلهي الثاوي في خلف هذه الموضوعات. ü الزمان المقدس هو الإشباع الروحي بالنسبة للإنسان المتدين وفيه ماهيته. ü الزمان المقدس عند الإنسان المتدين، عود وتكرار وولادة متجددة تمكنه من التطهر والنقاء. خاتمة : منذ أن تواجد الإنسان في معمارية هذا الكون، وهو يصوغ وينشئ شبكات من المعطيات الوجودية والطبيعية، ويخلق قنوات للتواصل مع العالم والأشياء، فتارة ينزع نحو البناء السردي للأساطير، والأديان لتفسير الطبيعة والتنبؤ بأجوبتها، وأحيانا أخرى ينزع نحو الحساب الرياضي والهندسي، لمعرفة العالم المحيط، لينتقل من العالم المغلق إلى الكون الفسيح، وتندمج هذه الأبنية فيما بينها بدرجة ما. فمن المعلوم أن للمعتقدات، أبنيتها وطرائقها التي تتسم بنوع أخر من الابستمية، وذلك ما كشفت عنه دراسات ليفي ستراوس، و مرسيل موس … في تفسير بنية الأسطورة ووظائفها،وكأنها ردة فعل على، المدارس الوضعية، المعاصرة في استبعادها للميتافيزيقا. .
[1] يمثل المقدس، في صورته أولا وقبل كل شئ ،طاقة خطيرة عصية على الفهم، صعبة الاستعمال، عالية الفعالية، ويكمن المشكل الذي يصطدم به كل من قرر التوسل بها ،في الإمساك بها، وحسن توظيفها لجلب مصالحه على الوجه الأكمل، مع الاحتياط من المخاطر الملازمة لقوة يصعب التحكم فيها ومتى كان الهدف المنشود عظيما كان تدخلها ضروريا روجي كايوا ،الإنسان بين المقدس والدنيوي، ترجمة حسن العمراني، ص229، مجلة الأزمنة الحديثة العدد الخامس. [2] مرسيا الياد، المقدس والمدنس،30 ،ترجمة عبد الهادي عباس، الطبعة الأولى 1988 . [3] عبد القادر ملوك، الرمز عند مرسيا الياد ، ص .3 [4] عبد القادر ملوك، نفس المرجع ، ص . 4 [5] المقدس والمدنس، مرجع سابق، ص .57 [6] مرسيا الياد، العود الأبدي، ترجمة نهاد خياطة، ص 103،الطبعة الأولى .1987 [7] L’homme religieux vit ainsi dans deux espèces de temps , dont la plus importante, le temps sacré, se présente sous l’aspecte paradoxal d’un temps circulaire, réversible et récupérable . Mircea Eliade, p 64 ,le sacré et le profane. [8] العود الابدي، مرجع سابق، ص .104
#انس_الشعرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من تدريس الفلسفة بالمدرسة الفرنسية الى نقد النسق التعليمي
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|