أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ضحى عاشور - فرح المقاومة (شهادة من سوريا)














المزيد.....

فرح المقاومة (شهادة من سوريا)


ضحى عاشور

الحوار المتمدن-العدد: 5178 - 2016 / 5 / 30 - 04:07
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


فرح المقاومة (شهادة من سوريا)
ضحى عاشور
تحية طيبة للحاضرين، وتحية لأرواح المدافعين عن الحرية.
قضيت ست سنوات ونصف كسجينة رأي في بلدي سوريا، في تسعينيات القرن الماضي. في السجن أصبحت أماً، حيث أنجبت ابنتي الوحيدة (ديانا)، وفيه أيضاً وُلدت نفسي لأصبح ما أنا عليه الآن.
في السجن اختبرت شتى صنوف الحرمانات المادية والمعنوية. مررت بأوقات عسيرة كنت أشفق فيها على نفسي من قهر الحاجة إلى لقمة نظيفة، كنت أحلم بتفاحة أو بيضة، ببضع قطرات من زيت الزيتون... كان أقصى طموحي أن أحصل على حمام ساخن أو ثياب بديلة عن ملابسي التي اهترأت على جسدي وأنا أرتديها ثلاثة أشهر متواصلة في "فرع الأمن" حيث تسلخ جلدي بفعل الرطوبة والعفن ... كنت أخشى القوارض والحشرات التي تزحف حولي وتحرمني النوم على فراش ملّوث بالدماء والعرق وأغطية رطبة قذرة.. هناك كنت امرأة محاصرة تماماً كما لو في غابة بين الوحوش. كان عليّ أن أتعلّم فنون الاستغناء والترفع حيناً، أن أحتفل بما لديّ من حبّ الحياة والتعلق بها حيناً آخر، وفي كل الأحيان كان هاجسي أن أحافظ على طاقاتي العقلية والعصبية لأحتمل ما ينتظرني. بل كان عليّ أن أكتشف قدرات جديدة وأن أطورّها لأتمكن من الدفاع عن حقي وحقّ جنيني في الحياة.
وعبر السنين تعلّمت كيف أعوّض عن شوقي إلى العيش والقراءة، بتذكر ما أعرفه، بإعادة التأمل في الأشعار التي حفظتها، والأفكار التي حملتها، فتحت نوافذ ذاكرتي ليتسلل منها "دون كيشوت" سرفانتس، وأساطير اليونان وأدب المقاومة الفرنسية الذي كنت مولعة به من بول ايلوار إلى ألبير كامو وسيمون دو بوفوار.
في اضرابي عن الطعام سبعة عشر يوماً احتجاجاً على سوء المعاملة ومنع الزيارة، كان ريتسوس اليوناني يساندني بجملته التي كتبتها على الجدار بعصير الكرز: "إذا كان لابد من الموت، فهو يأتي تالياً، الحرية هي الأولى أبداً". كان خيالي هو الحصان الجامح الذي يحملني إلى كل بقاع الأرض، بل ويأخذني إلى عالم السماء لأفهم أكثر عن البشر وعباداتهم ومعتقداتهم. المقاومة أعادت لي تعريف ساعة الشمس والاحتفال بتنوع البشر وضجيجهم وخيباتهم، جعلتني أحبّ النمل وأنتظر الفراشات وأفهم ضعف الكائنات الحية وهشاشتها وأختار جانب الشجاعة لمواجهة تقلبات الزمن.
في السجن تحرّرت من مخاوفي وأملاكي وحقدي وتعلمت أن الحرية وحدها قادرة على أن تمنحنا الطيبة والكرامة معاً.
خلال سنوات الثورة السورية وفي كل مرّة استطاع متظاهرون أن يتجمعوا في ساحة أو جامع حتى، كانوا يرقصون ويغنّون متعانقين بالأذرع والضحكات العامرة. مازالت عيناي تدمعان كلما رأيتهم: فأنا أعرف بقلبي أن نشوة المقاومة والتحرر من الخوف واكتشاف الإرادة المشتركة هي التي تعمّد مشاعر الأخوة البهيجة.
أنا ابنة جيل يساري دفع من عمره الفتيّ المُنتج آلاف السنين في السجون، تلك السنين التي كانت قادرة أن تجعل سوريا جنة صغيرة لولا الديكتاتورية الهمجية التي اجتهدت لتدفعنا إلى اليأس والعزلة واللجوء، بعد أن سلبتنا أعمارنا وأحلامنا.
واليوم في بلدي أكثر من ثلاثمائة ألف معتقل عدا عن المفقودين والآلاف الذين قُتلوا تحت التعذيب. هؤلاء الضحايا الأحياء الذين لا يمتلكون أدنى وسائل المقاومة، لأنهم ببساطة يموتون قبل أن يتسنى لهم التقاط أنفاسهم، فظروف اعتقالهم أشدّ هولاً مما يمكن احتماله، وكثير منهم يموتون بسبب الجوع أو انتشار الأوبئة داخل السجون المزدحمة أو البرد أو القهر والخذلان أو الحرمان من النوم ...
نحن هنا اليوم لنقول أن القيم الانسانية التي دافعت عنها الجمهورية الفرنسية تجعلنا نشعر بالعار إزاء استمرار كل ديكتاتورية في العالم، وتحملّنا مسؤولية مساندة كفاح الشعوب لأجل اعلاء شأن الحرية والعدالة والأخوة على الأرض.
دعونا نتشارك فرح مقاومة الظلم في كل مكان.





#ضحى_عاشور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضوء ومنشفة ولايك


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ضحى عاشور - فرح المقاومة (شهادة من سوريا)