|
عندما تصير الرياضة أفيونا للشعوب
رجراحي عبدالرحيم
الحوار المتمدن-العدد: 5158 - 2016 / 5 / 10 - 22:33
المحور:
عالم الرياضة
تعد الرياضة نشاطا من الأنشطة التي يمارسها الإنسان، من أجل حفظ صحته والترفيه عن نفسه؛ ولما كان الأمر كذلك، فخليق بالإنسان أن يحرص على ممارستها ويشجع أبطالها. لكن يحدث، وعيا بالمنزلة العظيمة لهذا النشاط الإنساني، أن يتم استغلالها لإذكاء نار الفتن بين الناس، وإلهائهم عن المطالبة بحقوقهم ومعاقبة منتهكيها. فكيف يتم تحوير الغايات الشريفة للرياضة إلى غايات شريرة؟ وما الغرض من وراء هذا التحوير؟ وكيف يمكن أن تكون الأنشطة الرياضية قناة من قنوات الدعوة للقيم الإنسانية النبيلة، عوض أن تكون قناة من قنوات تزييف وعي الناس وتكريس الاستبداد؟
تمثل المبالغة في تسليط الأضواء على رياضة من الرياضات من أهم مداخل هذا التحوير؛ إذ ما الفائدة المرجوة من ذلك مادام الأمر يتعلق بنشاط إنساني متداول، إن لم يكن الغرض هو إلهاء الناس عن قضاياهم الضرورية وصرف انتباههم عنها؟! فقد تجد شعبا يفتقد غالبيته إلى أبسط ظروف العيش الكريم، وبدل أن تسلط وسائل الإعلام الضوء على وضعه المزري، وتحثه على النهوض للتفكير في سبل تجاوزه، تجدها تصرف جل أخبارها المسموعة والمكتوبة والمرئية على مواضيع ثانوية، من قبيل الأخبار الرياضية، لكي تجعل منها أخبارا مصيرية، لا غنى للمرء عن التفكير فيها. تنقسم الرياضات إلى قسمين: رياضات فردية، كركوب الخيل والكولف والتنس؛ وأخرى جماعية، ككرة اليد والسلة والقدم؛ والملاحظ أن النوع الأول عادة ما ينصرف إليه عِلْيَةُ القوم وهم قلة، ممارسين كانوا أو متابعين، في حين تنصرف الغالبية العظمى المغلوبة على أمرها لممارسة ومتابعة النوع الثاني من الرياضات؛ لذلك يتم تسليط أضواء مضاعفة على هذا النوع، وجعله في صدارة الأخبار الرياضية، لما له من دور هام في إلهاء غالبية المقهورين عن قضاياهم المصيرية. تبادر الدول المستبدة إلى صرف ميزانيات كبيرة على الألعاب الرياضية، من خلال بناء الملاعب، وتشجيع الأندية والفرق الرياضية بالأموال السخية والامتيازات المغرية، مسوغة ذلك بالرقي "بالرياضة الوطنية"!! وكأن المواطن في مسيس الحاجة للرياضة، مع العلم أنه لا يتمتع، على الإطلاق، بشروط المواطنة، أمام انتهاك حقه في التعليم والصحة والنقل والحرية والعيش الكريم؛ وإذ تفعل ذلك، فهي تعي أن هذا سبيل من سبل تفريغ غضب المقهورين، وتوجيهه وجهة أخرى لا تمس مشيئة الاستبداد في شيء، بل تزكيه وتسوغه وتضمن استمراريته. تعمل الأنظمة المستبدة على احتواء الجماهير المتابعة والمشجعة لرياضة من الرياضات، من خلال تنظيمها في جمعيات المشجعين، واستغلالها في المناسبات الرياضية بحمل شعارات سياسوية تبارك الاستبداد وتبرره وتؤبده، كحمل شعار "عاش الملك"، عن غير وعي، من طرف السواد الأعظم الذين يحجون إلى الملاعب الرياضية أفواجا أفواجا، من كل فج عميق، وهم لا يتمتعون بأبسط ظروف العيش الكريم، جراء نظام مستبد، يكرس الفوارق الطبقية، ويؤبد الظلم والقهر والخوف. يتم تتويج آليات التحوير بإذكاء نار الفتنة بين الفرق الرياضية من جهة، وبين أنصارها من جهة أخرى؛ بحيث تجعلهم يكنون العداوة لبعضهم بعضا، من خلال الحملات الإعلامية التي تسبق المقابلات الرياضية، والتي تبالغ في تقدير منزلة هذه المقابلة أو تلك، جاعلة منها حربا ضروسا ستدور رحاها بين جيشين عظيمين، وسيشتعل لهيبها، وسيتطاير شرارها، وقد تكون لواحة للبشر، لا تبقي ولا تذر؛ وهي حملات يتجلى أكلها في ما تسفر عنه المقابلات الرياضية من خسائر مادية وبشرية وخيمة، تؤبد العداوة بين الناس، وتكرس الفرقة بينهم، وتجعلهم مشتتين ومستضعفين، في حين يتقوى النظام المستبد، ويحكم قبضته، ويبرر سلطته، من خلال تدخلاته التي تزعم أنها تحارب الشغب، وتحفظ الأمن العام، والحال أنها لا تعدوا مناورات تهدف إلى در الرماد في العيون.
يتبين مما تقدم أن الرياضة من شأنها أن تكون أفيونا للشعوب؛ وذلك بتحوير غاياتها الشريفة التي تحفظ سلامة الأجساد، وطمأنينة الأنفس وسيادة التعايش إلى غايات مبيتة وشريرة تروم تكريس العداوة والجهل، وتأبيد الظلم والاستبداد؛ واتقاء لهذا التحوير المبيت والمكر، ينبغي الحرص على أن تكون الأنشطة الرياضية مجالا للدعوة للقيم الإنسانية، التي تحفظ للإنسان كرامته وعزة نفسه، كأن تحمل في المدرجات الرياضية شعارات "حرية، عدالة، ديمقراطية" أو "الشعب يريد إسقاط الاستبداد"، وهي شعارات تفترض استقلالية الشأن الرياضي عن أهل الحل والعقد، الذين يمكنون القيمين على هذا الشأن من مختلف ضروب الريع، من أجل تزييف وعي الجماهير، وحملهم على السمع والطاعة، دون تفكير أو بَيِّنَة.
#رجراحي_عبدالرحيم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضرورة الإصلاح الديني
المزيد.....
-
الملاكمة تدشن -العصر الذهبي- بالأزياء والنزالات الدامية والأ
...
-
رسميا.. حمد الله يقود هجوم الهلال في مونديال الأندية
-
أبرزها برشلونة.. 3 وجهات محتملة لميسي في حال غادر إنتر ميامي
...
-
قبل لقاء فلومينينسي في مونديال الأندية.. أخبار جيدة للهلال
-
إنتر ميامي يفاوض ميسي لتمديد عقده
-
كرات تنس بدورة ويمبلدون تتحوّل لمساكن للفئران
-
تايسون فيوري من إسطنبول: سأعود للثأر من أوسيك وأروني المال ل
...
-
شاهد.. بطاقة صفراء تؤجل أول مواجهة كبرى بين الأخوين بيلينغها
...
-
ريال مدريد على موعد مع أرقام قياسية جديدة في كأس العالم للأن
...
-
موعد أول مباراة رسمية لبرشلونة على ملعب كامب نو بعد تجديده
المزيد.....
-
مقدمة كتاب تاريخ شعبي لكرة القدم
/ ميكايل كوريا
-
العربي بن مبارك أول من حمل لقب الجوهرة السوداء
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|