أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد شاكر حسين - الشوفينية الإيرانية وبصراوية الحسن بن الهيثم !















المزيد.....

الشوفينية الإيرانية وبصراوية الحسن بن الهيثم !


خالد شاكر حسين
باحث

(Khalid Shakir Hussein)


الحوار المتمدن-العدد: 5134 - 2016 / 4 / 16 - 18:19
المحور: المجتمع المدني
    


تُصر الجمهورية الإسلامية الإيرانية إصرارا شوفينياً على فرادة العِرق الفارسي إزاء العِرق العربي الذي راح يشكل لهم مأزقاً اكليركياً خانقاً لا يمكن الفرار من ربقته ( إذ أن خميني وخامنئي يرتديان العمامة السوداء وهي مؤشر مزعج على مرجعيتهم العرقية الهاشمية تحديداً لآل البيت ناهيك عن العربية الخالصة للقران الكريم خصوصاً والطقوس والممارسات العبادية عموماً والتي لا يملكون إزاءها سوى الخضوع على مضض لسلطة الله الذي سبك شريعته بلسانٍ عربيٍ مبين). وتمتد أصول هذه الشوفينية الحديثة إلى عهد الشاه إذ باشر المركز اللغوي الإيراني آنذاك بتفعيل الأبجدية الرومانية في الكتابة بدلا عن الأبجدية العربية التي ما عادت الحكومة الإيرانية تخفي تبرمها منها. ورغم أن المشروع لم يكتمل نتيجة لاندلاع الثورة الإسلامية التي قادها روح الله الخميني إلا أنه وجد له متنفساً من نوعٍ أخر هذه المرة في عهد الطبقة الأكليركية الحاكمة. نوع يدعو إلى إيقاف التأثير الأبجدي العربي عند حدوده الحالية والعمل على حصر استخدام هذه الأبجدية ضمن سياقات البحث الفقهي والحوزوي حصراً. ففي مطار طهران (الدولي), مثلاً, تجد الكثير من الشواخص على ألانفعالية الإيرانية تجاه هذا المأزق المستعصي لتأكيد الهوية الإيرانية, إذ لن تجد فيه لافتةً واحده مكتوبة باللغة العربية ناهيك عن اللغة الإنكليزية وتحيط بك اللغة الفارسية من كل حَدَبٍ وصوب . . بل أن نظامهم الدراسي لا يعرض على الطلاب اللغة الإنكليزية إلا في المراحل الأولى من الكلية! بل حتى المراقد المقدسة لرموز دينية (عربية) في إيران, مثل مرقد الأمام (علي بن موسى الرضا) ومرقد السيدة (معصومة), لم تنجو من هذه القطيعة اللغوية الغير مسبوقة للعربية وهي دلالة محرجة على عدم اكتراث هذه الدولة بثقافة السائح العربي الشيعي تحديداً والذي يشكل عماداً وموردا للعملة الصعبة لا يُستهان به لصناعة السياحة الدينية في إيران.
و ما انفكت هذه الشوفينية العنيدة تتفاقم وتتغول على كافة الميادين والأصعدة الثقافية لتصل إلى حد تزييف التأريخ والحقائق المدونة عالميا حول جنسية عالم البصريات العربي (البصري) الحسن أبن الهيثم. . فعرضت قناة الكوثر قبل بضعة أيام من على شاشتها فلماً تلفازياً عن هذا العالم الاستثنائي فجاءَ على لسان أحدى الشخصيات (وبدبلجة لبنانية مستهترة هي الأخرى) لثلاث مرات (أن هذا العالم الإيراني . . . أن هذا العالم الإيراني . . أن هذا العالم الإيراني . . الخ).
لا يمكن لنا إلا أن نصنف هذا السلوك المنفعل في خانة السلوك الدفاعي المركب والمأزوم للخطاب الثقافي والسياسي الإيراني إزاء العربية (لغةً وعِرقاً) وبكل ما يشتمل عليه هذا السلوك من أواليات سيكولوجية تستشعر نوعاً استثنائيا من النقص لدى المثقف الإيراني كلما طُرِحَ المشهد الثقافي لبلده ضمن سياق الثقافة الإسلامية المنبثقة من جزيرة وبيئة عربية بأمتياز. فعنفوان الإنجازات الفلسفية والعلمية لأبن سينا, والفارابي وغيرهم لم ترى النور إلا في سياق الطرح الثقافي المنضوي تحت مظلة الحواضر الإسلامية العريقة مثل بغداد, ودمشق, والقاهرة. ويتسأل عالم الاجتماع (الإيراني) علي شريعتي في كتابه (تأريخ ومعرفة الأديان – الجزء الأول): "لمَ ظهر النبوغ الإيراني فجأةً . .لمَ لم تظهر العبقرية الإيرانية إلا في ظل الحضارة الإسلامية وحصراً في أعقاب بزوغ الإسلام في جزيرة العرب؟" لا أحد يُنكر فارسية أبن سينا, الفارابي, الغزالي, الخوارزمي . . الخ . لا أحد! ولكن لا يمكن لأحد أيضاً أن يُنكر عبقرية البيئة العربية الإسلامية التي أستقدمت مختلف العقول الإنسانية الخلاقة ووفرت لها الأرضية العلمية المتسامحة والآمنة والتي تعد شرطاً حتمياً لا مفر منه لازدهار البحث والاستقصاء العلميين, ناهيك عن غيابٍ غير مسبوق للرقابة السياسية والأكليركية على مشروعية ومقبولية الرأي العلمي المطروح, بل وشكلت قصور الخلافة الإسلامية بحد ذاتها محافل ومنصات مسرحية تتصارع عليها أشد النظريات العلمية والفلسفية خصاماً وتنافراً. وبغداد شاهدٌ قاصمٌ على ذلك. هذه البيئة المعرفية المنفتحة على احتمالات الاختلاف العلمي وحرية التعبير عن هذا الاختلاف وفرت حاضنةً مزدهرة لمفكرين وفلاسفة عظماء ومن مشارب وخلفيات عرقية ودينية متشعبة . . دون أن يكون هنالك أي حرجٍ من الاستشهاد بكتابٍ إغريقي, أو هندي, أو فارسي. فهذا الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون والأندلسي أبن رشد والفارسي الخوارزمي . . وغيرهم كثير . .!
أن تأريخ المعرفة والتغير الدينامي للمسار الجغرافي لمراكز التنوير العالمي يلقن جميع الشوفينيات درساً قاسياً في هراء ما يذهبون أليه من فرادة عرقية مزعومة للمعرفة. إذ لو صحت هذه الفرادة لكانت ضربة قاصمة تقوض الأسس الضرورية لبقاء المعرفة وتطورها المصيري والجوهري لازدهار الجنس البشري.
أن السبيل الناجع والوحيد لازدهار الأمم هو هذا الإدراك الإنساني المتسامح للطبيعة المتشعبة للعبقرية البشرية. كما أن السبيل الوحيد لسقوط الأمم وانحسار الحضارات فيها هو إقحام الشوفينية والعرقية في ظاهرة العبقرية وجعلها حصراً على عِرقٍ واحدٍ متفوق ( سوبرمان النازية الألمانية والعرق الآري المتفوق مثلا). أن أدراك الدستور الأمريكي لطبيعة العبقرية القافزة فوق حدود الجغرافيا والعِرق واللون هو المحرك الوحيد الذي كَفَلَ ولا زال يَكفُل تفوق الدولة الأمريكية الاستثنائي والريادي في مختلف الميادين المعرفية. والأمثلة على ذلك كثيرة فالهند والصين وسنغافورة وماليزيا تعلمت هي بدورها الكثير من الدرس الأمريكي البليغ حول ضرورة مراعاة المرجعية الإنسانية للمعرفة.
لا يبدو أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستعدة لهذا النوع من الإدراك! فهي مصرة بحماقة كبيرة على توسد الوهم الذي يقودها نحو هاوية الشوفينية المعرفية التي تحاول تحجيم وقولبت سمات الإبداع والخلق العلمي والمعرفي في مُحدِدات وراثية جينية واضعةً بذلك تفسير مبتسر ونمطي للقفزة النسبية لدولتهم في مختلف الميادين المعرفية. ولكن كيف يجرءون على الجزم بالإيرانية الخالصة لهذه القفزة العلمية؟! هل كان بوسع إيران أن تخطو خطوة واحده بعيداً عن جهود العلماء الروس وخبراء صناعة السيارات من الألمان والفرنسيين والهولنديين؟ أن البرنامج (الإيراني) الفضائي ما هو إلا نُسخة نمطية وحرفية لبدايات البرنامج الفضائي الروسي في خمسينيات القرن العشرين! جميع منتجاتهم في صناعة السيارات وصناعة البوليمرات والصناعات الثقيلة لم ترى الضوء إلا بصفتها امتيازات سيئة لشركات فرنسية وألمانية وايطالية وأسبانية!
الشوفينية هي الداء العُضال الذي فتك بجميع الإمبراطوريات والحضارات عبر التأريخ. أمريكا والغرب تعلما هذا الدرس جيدا ولذلك تجدهم يستميتون في الدفاع عن حرية التعبير عن الرأي وحرية اعتناق الأديان فضلا عن حريتك في الصُراخ (إذا أستوجب الأمر) حينما يحاول الأخر أن يُوقِظ وهماً نمطياً يقصي الألوان الغنية للإبداع البشري ويقصرها في لونٍ واحدٍ غبي!
أن عبقرية الرسول (ص) هي التي جعلت من الجزيرة العربية كعبةً يتوق العلماء إلى الطُواف حولها طوال قرونٍ عديدة. ولم تسقط الإمبراطورية الإسلامية إلا حينما أصابها فيروس الشوفينية العربية التي أقصت هي الأخرى غيرها من الأعراق وجعلتهم مواطنين من درجات ثانية وثالثة وعاشرة. كما أن عبقرية المُشَرِع الأمريكي الفريدة والفذة هي التي جعلت ألأرض الأمريكية حلماً يتوق إليه أساطين العلم والمعرفة المعاصرة ولا زالت أمريكا تُدرِك ذلك بفطنه لا سابق لها في التأريخ.
ونعود إلى عالم البصريات (الحسن بن الهيثم) مرةً أخرى. ما الضير إذا كان الحسن بن الهيثم عربياً أو فارسياً؟ ما الضير؟ نتاجه العلمي والبحثي هو المِحَك في الخارطة الإنسانية الناصعة والتي ترسم مسار الفتوحات العلمية الخالدة بدقة صارمة تسخر بشدة من محاولات الاحتيال والخداع التي تحاول رسم مسارات فرعية مزيفة. إلا أن هذا الأمر عسيرٌ على الفهم الشوفيني للجمهورية الإسلامية الإيرانية لأنه فهم إقصائي عِرقي لا يكترث بالفضول العلمي بقدر ما يكترث بالسياق العِرقي لهذا الفضول. أنا لا أكترث بدوري لفارسية أو عروبة الحسن بن الهيثم بقدر اكتراثي بآليات القمع الشوفينية التي لا تتوانى عن تزييف الحقائق التاريخية فما بالك بالحقائق العلمية الصارمة.



#خالد_شاكر_حسين (هاشتاغ)       Khalid_Shakir_Hussein#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ينبغي إحراق جويس؟!
- اللغويات المعرفية ومفهوم اللغة الأدبية
- -عازف البيانو- والتأسيس الهوليودي الراسخ لتابو الهولوكوست
- القص والصياغة المفاهيمية لوجود الأشياء
- كاتدرائيات التعليم العالي في العراق عن القيم الأكاديمية ودكا ...
- العقدة الدونية لدى أبناء الجنوب (الزيارة الأربعينية أنموذجا)


المزيد.....




- السعودية وقطر تُعلقان على تقرير اللجنة المستقلة بالأمم المتح ...
- إعلام عبري: مجلس الأمن الإسرائيلي بحث سرا سيناريوهات اعتقال ...
- ذياب: يطالب بالافراج عن المعتقلين والنشطاء فورًا، ويقول سياد ...
- الخارجية الإسرائيلية: قرار ألمانيا تجديد التعاون مع -الأونرو ...
- بعد أنباء عن خروج السنوار من الأنفاق.. عائلات الأسرى تتظاهر ...
- تغطية حرب غزة.. قيود غربية على حرية التعبير؟
- الرئيسان التركي والألماني يبحثان بأنقرة وقف الحرب على غزة وت ...
- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق مستقل حول المقابر الجماعية في مس ...
- مخيمات واحتجاجات واعتقالات.. ماذا يحدث بالجامعات الأميركية؟ ...
- ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع الأونروا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد شاكر حسين - الشوفينية الإيرانية وبصراوية الحسن بن الهيثم !