أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يونس الجريسي - مع بشرى البستاني،،شاعرةً وناقدة















المزيد.....



مع بشرى البستاني،،شاعرةً وناقدة


محمد يونس الجريسي

الحوار المتمدن-العدد: 5133 - 2016 / 4 / 15 - 21:35
المحور: الادب والفن
    




مع بشرى البستاني،،شاعـــــرةً وناقـــــدة
أجرى الحوار، د. محمد يونس الجريسي

حديث الماء ، حديث الشعر
على طاولة الحوار ، مع الشاعرة والأكاديمية
العراقية أ.د. بشرى البستاني
*****

-;- يقول الدكتور عبد الملك مرتاض (إنْ صح احتكام امرئ القيس وعلقمة الفحل عند أم جندب فهذا يعني أنَّ المرأة العربية كانت منذ القدم ناقدة تُصدر الأحكام... وأقول وإن لم تصح هذه المقولة فبمجرد محاولات نقلها إلينا يعني أن هناك اشتغالاً للمرأة فِي منطقة الشِّعر والنَّقد، فماذا ترين؟

أود الاشارة بدءا إلى عدم اتفاقي مع الرأي المرفوع لجدنا الجاحظ القائل إن عمر الشعر الجاهلي يناهز القرنين قبل الاسلام ، فشعرٌ بهذا البهاء التشكيلي واللغة الراقية لا شك أنه قد احتاج لعمر أطول وقرون من الزمن والتطور والتحولات كي يصل لهذه اللغة الفذة التي نزل بها القرآن الكريم لكن بإعجاز ، وهذا المجتمع الذي شهد تطور اللغة ونشأة الشعر العربي كانت المرأة العربية حاضرة في ربوعه ، وشاهدة على تحولاته . إن الكلام الذي أوردته في سؤالك كلام موضوعي فِي طرفيه، فمجتمعٌ يتردد فيه شعرٌ بالغُ الرَّوعةِ تَشكِيلاً لُغوياً وَدِلالِياً كشعر ما قبل الإسلام، هو مجتمع لابُدَّ أنْ يَتَوفر عَلَى وعيٍ بالقيم الشِّعريَّة واشتراطاتها، وسيدةٌ تعيش مع امرئ القيس وتعايش كتابتهُ الشِّعرَ وتسمع قصائده وحواراته، لاشكَّ أنَّها ستكونُ ذات وعيٍ خاصٍ بالفروق والاختيار وبالجميل وغير الجميل والأجمل ، وعليه فليس من المُستبعد أنَّ مثل هَذَا المُجتمع الَّذِي يعدُّ المرأة فِي طلائع من قال الشعر العربي مع المهلهل بن ربيعة، ومنهن تلك السَّيدة جليلة بنت مرة فِي رثاء زوجها كليب الَّذِي قتله أخوها جساس، وفي ذلك المجتمع شاعرةٌ معروفةٌ كالخنساء ليس مستبعداً أن تكون فيه امرأة ناقدة مثل أم جندب، فبيئةٌ شعريةٌ كبيئةِ ما قبل الإسلام لابُدَّ للشَّاعر والشَّاعرة وللواعين فيه أنْ يَمتَلكوا قدرةً نقديَّةً كي يتعاملوا بوعيٍ مَعرفيٍ ذَوقيٍ وَحَدَسِي مَعَ القَصِيدَةِ، فالشِّعرُ العَرَبِي القَديمُ وَتِلك الحكمَةُ وَالأسئِلَةُ الوُجوديَّة وَالرُّؤى الخلاقة الَّتِي ضمها لا يمكن أن ينبثق من فراغ، ولا يتجه لفراغ، وإلا كانت العملية مجرد عبث لا هدف وراءه.

-;- يرى بعض النقاد أن الروائية العربية أكثر جرأة فِي بلوغ المناطق المحظورة من الشاعرة... وأنها قالت فِي الايروتيك فِي أقل من قرن ما لم تقله الشَّاعرة فِي قرون، ماذا تقولين فِي ذلك..؟
-;- لا أعتقد أن القضية قضية جرأة بقدر ما هي قضية رؤية للأدب وماهيته وطبيعة وظائفه وموقفٌ من القيم، وإذا عرفنا أن اللغة الشعرية ، ليست متوالية لفظية تمنحك معنىً مباشراً، بل هي الاستعمال غير الدارج وغير المألوف، وهي المنزاح عن الاعتيادي، والعلاقة الجدلية بين دوالها ومدلولاتها تنتج دلالات ذات طاقة جمالية هي ناتج الطاقة الفنية الكامنة فِي التشكيل النصي ذي القدرة عَلَى بثِّ قراءات ودلالات عدة، وعليه فما قيمة النص الآيروتيكي إن وصف لنا غرف النوم وما يجري فيها من فعل جنسي بين الأزواج أو الأحبة بشكل مباشر ولغة إباحية طينية ماجنة، وهل فِي هَذَا الوصف ما يثير الدَّهشة اليوم بعد أن امتلأت بيوتنا ومؤسساتنا بصور العري والجنس فِي الصحف والمجلات والأفلام والمسلسلات والأغاني حتى فقدت الأغنية وظيفتها الأساسية فِي منح متعة سمعية والتَّأمل بدلالتها حين تحولت لمشهد بصري عارم بالإغراء والإغواء والملاحقة ، دون أن تعرف من يغوي من ولماذا..متناسين أن الفنون تفقد قيمتها حالما تفارق القيم الراقية ، وأن الجمال لن يكتمل إلا حين يكون مندمجاً بالقيمة كما أكد الناقد الروسي يوري لوتمان ، أما بالنسبة للرواية والشعر، والشاعرة والروائية فِي التعبير عن هَذَا الموضوع، فيمكن القول إن هَذَا الرأي مأخوذٌ بعمومية غير موثقة أولا ، وأن الرواية الراقية تشكيلا ومقاصد كالشعر الجيد لا يقربها غير النخب وأقرب مثال على ذلك روايات أدوارد الخراط وواسيني الأعرج ، فقد قُدّر للفن الراقي أن يكون نخبويا ، ذلك أنه ليس مقالة ولا موضوعا ايديولوجيا ، أما الرواية التي تكتب بلغة الصيرورة الأفقية المسترسلة بسردها بعيدا عن كينونة الشعر وكثافته وترميز لغته الشعرية فقراءتها حتما ستكون أكثر سهولة واسترسالا. إن الروائية عَلَى الأغلب تبوح أفقيا مما يجعل بوحها واضحا، ومدرَكا بيسر، بينما لا يبوح الشعر الأصيل إلا بلغة شعرية تَتخفّى وتُخفي، وقد يحجب النص الشعري أسراره حتى عن مبدعه أحيانا، مما يجعل قراءته بحاجة لمعارف ولجهد قرائي يبحث ويتأمل ويؤوِّل ليفكَّ التَّشكيلات الَّتِي تحيل عَلَى مقاصد النَّص ودلالاته، وهنا نجد الشاعرة قد قالت كل شيء بإيحاء اللغة الشعرية ، وعلى المؤول أن يتوقف ليكتشف ، هَذَا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا نجد نموذجا آخر من شعر الايروتيك يبوح بصراحة حسية تمنح المتلقي كل دلالاتها دون عناء، وقد صار لهذا الشعر وحسيته وكشفه مواقع ومنتديات ومشاهد تلفزيونية وأخرى عَلَى النت، لكن النقد أحيانا يستسلم لأحكام جاهزة تجعله يغادر عناء البحث عن الحقيقة فِي قراءة النصوص والتنقيب فِي الدواوين الشعرية والعمل عَلَى الحفر فِي الرمز والأسطورة، وفي التناص كذلك، وقد يجد المستوى التأويلي لهذا البوح فِي الشعر الصوفي الَّذِي كتبته وتكتبه الشاعرة العراقية والعربية، ولأني مع منْ يرفضون الكشف والعري ولغة المجون أقول، لا يمكن للأدب وقيمته الفنية أن ينزلق فِي مادية طينية مطلقة بعيداً عن محور ارتكازه الروحي، إن رحلة التعري الجسدي فِي الغرب رافقها تعرٍ وتسطيح للكتابة لأن التَّعري والمباشرة يستلبان النص طاقته الإيحائية ويوقفان تعدد الصور الَّتِي ترسمها المخيلة بتأثير الإشارات الَّتِي يرسلها النَّص، فإذا كف النَّص عن إرسال رمز أو تشكيل شعري يتسم بغلالة الغموض كفت المخيلة عن الإيحاء، والإيحاءُ جوهر الأدب وروحه النَّابضة، وحين شعر الأديبُ الغربي بما آلت إليه الحرية المطلقة وعريها من خسارة التخيل والتطلع، عاد إلى السترابتيس (قطعة قماش لتغطية مناطق من الجسد) وأدرك أهمية الحجب الَّذِي يبعث عَلَى الإيحاء والتشويق والإثارة، ومن ثم إلى متعة التخيل والحلم وضرورة التأويل. ففي الحجب غموضٌ يعمل عَلَى تشكيل طاقة تأويلية وفيه تطلعٌ نحو الكشف لإشباع رغبة المعرفة، وهذه كلها من متطلبات الشعر والآداب والفنون.. تُرى، هل فِي ذلك الكشف الحسي والإباحي المباشر، وأحيانا الماجن موقفٌ توجيهي ومهمات تربوية، أم هو لغة الهبوط بالأدب وإشعال الغرائز وافتقاد القيم وفي طليعتها القيم الجمالية، ومن ابتكر هذه اللغة المكشوفة.؟ هل ابتكرها الرجال لإشباع حاجاتهم، وتناولتها الأنثى لإيقاع الرجل بها، أم ابتكرتها المرأة ثأراً من سلطة الرجل ومن عصور الكبت والحجر والحرمان لتسقط معها فِي مهاوي الإفراط والتفريط، ففي بعض روايات المرأة العربية لم أستطع مواصلة قراءة الرواية، لأني لم أجد فِي أي رواية عالمية قرأتُها ما وجدت فيها من إسفاف ومجون وسقوط، ولأني لم أجد فيها أدبا ولا قيما ولا مشاعر أو معاناة إنسانية ولم أجد فضاء روائيا ولا حركة شخصيات، بل وجدت امرأة تعاني من هستريا جنسية همجية مجنونة، تركض وراء رجل ما إن تلقاه حتى تخلع ثيابها دون مقدمة ولا حوار ولا سيمياء، ولا يسعني هنا إلا الاستشهاد بمقولة رائعة للمستشار الرئاسي الأمريكي باتريك جيه بوكانن بعد أن استهجن مجون الشعب الأمريكي وإباحيته وسقوطه الأخلاقي والعلاقات الجنسية خارج الزواج، وبعد إدلائه بإحصائيات عن معدلات الخصوبة وتناقص السكان قال مؤكداً : (إن هذه هي إحصاءات مجتمع منحط وحضارة تموت، وإن الموت الأخلاقي هو صانع الموت البايولوجي، وأن بلدا مثل هَذَا لا يمكن أن يكون حراً ، فلا وجود للحرية دون فضيلة، ولا وجود للفضيلة بغياب الإيمان)، فماذا سنقول نحن أهل الفضيلة ودعاة الإيمان..!

-;- يبدو أنك فِي كتابك الحواري عن تجربة بشرى البستاني فسّرت مقولة : (وراء كل رجل عظيم امرأة) عَلَى أنها مقولة تجعل المرأة هامشية، فِي حين أن المقولة تأخذ مساراً مغايراً تحتل فيه المرأة مكانة مميزة مرّة وهي تقف وراء رجل (عظيم)، وأخرى وهي تؤسس لعظمته.
-;- في الحقيقة لا أعرف كيف تكون للمرأة مكانة مميزة من خلال وقوفها وراء الرجل في الأسرة والمجتمع ،وأشعر أن السؤال يحمل طابعاً ذكوريا ، وخطرُ المقولات يكمن في تكريسها مواقف من نوعها ، من هنا فإن مثل هذه المقولة لا يمكنها أن توفر فرص التكافؤ واحترام الطاقة الإنسانية لكلا الطرفين.. إن كل المقولات عبارة عن رؤى، ومن حق كل قارئ أن يقول ما يشاء فِي النص الَّذِي يقرأه شرط ألا يتناقض مع مقاصد النص أو ينقطع عنه دون براهين، وليس من حقِّ مقولتي أن تحجب رؤية غيري أو مقولته، لك أن تفسر كما ترى شرط عدم التقاطع مع النص، وهنا أجد مفردة (وراء) لغويا ومضمونيا تعني فيما تعنيه، أنها ليست غير الظل والتبعية، وهي ليست الأمام طبعا ولا الريادة ولا الطليعة ولا الإقدام، لأن الأمام محتل دوما فِي ذاكرة صاحب المقولة لرجل يمثل السلطة المهيمنة وينتج المعارف ويدون التاريخ ويفسر الأديان لصالحه وحده ، ويضع القوانين والتشريع، مُبعدا المرأة نصف البشرية عن ممارسة حقها فِي تثوير طاقتها وبناء ذاتها مثله ، وفي دفع عجلة التنمية واكتساب الخبرات، هل تعتقد أن من العظمة أن تظل المرأة وراء الرجل تؤسس وتشجع وتدفع للأمام دون تفعيل طاقتها هي، ودون منحها الفرص الممنوحة له كي تكون شريكة فِي الفعل، إذ ليس لها فِي المنجز من شراكة فعلية غير الجهد المغيَّب، وهذا الوضع بعيد عن قيم الحب والشراكة والتكامل، لا أعتقد أن الرجل الواعي والمتفهم لقيم الحياة وطبيعة الادوار الانسانية فيها يرضى أن يأخذ هو هذه العظمة يوما ما ليكون وراءها داعما ومؤسسا ، نعم يوجد قلة من الرجال النبلاء والمنصفين لكنهم لا يشكلون القاعدة الاجتماعية في كل أرجاء العالم وليس في الوطن العربي والعالم الثالث وحدهما ، بل هم الاستثناء. لقد كرست الكاتبة الكندية أليس مونرو التي تجاوزت الثمانين عاما أدبها قصصاً ورواية لمعالجة الصعوبات التي تعاني منها المرأة في حياتها اليومية ، ونالت على آخر مجموعة قصصية تضمنت إشكاليات المرأة جائزة نوبل في تشرين الاول 2013 . إن الرجل فِي أوطاننا وفي كثير من الأحيان يخجل حتى من ذكر اسم زوجته أو شقيقته أو يخفيه ويغيبه بالكنى ، مع أنها حتى لو كانت ربة بيت فإن جهدها فِي الإنجاب وفي رعاية الأسرة وتدبير شؤون المنزل لا يعادله جهد، عَلَى أنه من الجدير بالذكر الإشارة هنا إلى أن الذنب لا يتحمله الرجل كاملا، بل يقع جزءٌ من الذنب عَلَى عاتق المرأة الَّتِي ترتضي الوقوف فِي الوراء إن كانت واعية حقا، وذات قدرة عَلَى العمل والإنتاج وصنع القرار. أما إن لم تكن كذلك فالمصيبة كبيرة سيظل المجتمع العربي والانساني ضحيتها.

-;- كدتِ تجزمين فِي تقديم أعمالك الشعرية- بصعوبة التفريق بين إبداع المرأة وإبداع الرجل، وفي الموضع ذاته تقولين " قضية خصوصية أدب المرأة وإبداعها ستظل بؤرة جذب" هل يعني هَذَا أن القضية لم تحسم بعد..؟
-;- لأني لا أميل لزرع حدود فاصلة بين الإبداعين، وما يعنيني أن يكون الأدب ذا قيمة فنية ونزوع إنساني، يقف إلى جانب الإنسان المكابد رجلاً وامرأة وطفولة وأسرة ومجتمعاً، ولا اعتقد أن القضية تحتاج لحسم، وحتى لو خرج المختبر التشريحي بجديد علمي يؤكد اختلافا حول موضوعٍ ما، فلا أظن الأمر يحتاج الكثير من الجدل ما دام المجال مفتوحا لتعدد الرؤى والتَّأويلات فِي النَّص، وحين أكد علم التشريح اختلاف طرائق التفكير بين الاثنين ما بين الشبكي لدى المرأة والصندوقي عند الرجل، وتفوق الشبكي عَلَى الصندوقي، فإن المعارف تضافرت لتؤيد ضرورة ذلك لصالح الأسرة والحياة. الأمر المهم فِي القضية هو إدراكنا أن الإبداع لا يأتي من فراغ، بل من نفس وروح وجسد ومن مزاج وظروف مجتمعية، وبتأثير هرمونات يعرف المختصون مدى اختلافها وائتلافها بين الجنسين، ومن فصوص وخلايا دماغية تحتوي القدرة الإبداعية والذهنية والحركية ، ومن مخيلة تشكل صورها ومرموزاتها من خلال إشاراتٍ تأتيها من الواقع، وبدون الواقع لا يمكن لتلك المخيلة أن تعمل لأنه المصدر المهم الذي يزودها بالطاقة ، وحتى حينما تكون الصور ذهنية أو سوريالية ، فإن تفكيكها سيؤول بنا إلى ردود فعل تمتلك إشارات ذات صلة بمفارقات الواقع ، وإذا كان من الطبيعي أنَّ واقع المرأة يختلف عن واقع الرجل منذ النشأة الأولى وبين الأخوة والأخوات أنفسهم ، فإن الموضوعات المطروحة من قبل المبدعة لا بد أن يكون فيها جانب مختلفٌ عن موضوعات الرجل ولا سيما عَلَى مستوى الجسد ومهماته وعلى مستوى الوعي كذلك ، وهذا أمرٌ طبيعي لا يشكل تناقضا، لأنها تلتقي معه عَلَى المستويين الشخصي والعام فِي القضايا الإنسانية والأسرية والوطنية الأخرى ، وقد تختلف معه في الرأي تجاه هذه القضايا كذلك. ومن المهم الإقرار هنا بأن الأساليب الفنية تختلف بين المبدعين حتى بين أفراد الجنس الواحد، مع أن قوانين اللغة واحدة، فهي محايدة لا تتحيز لرجل أو امرأة ، لكنها تنحاز لذوي المواهب الكبيرة الذين يجيدون تشكيلها بطرائق إبداعية متفردة. ومثل هذه الاختلافات لم تفرضها النسوية أو نقدها، لأنها فِي الأدب والفنون أمر طبيعي لن يؤدي لحدود ولا فواصل حادة ، الا بدرجة قوة المواهب والمعارف والخبرات.

-;- بناء عَلَى ذلك، ما قولك بالنقد الجنسوي، وأنت ترفضين التسليم بكثير من مقولات النسوية المتطرفة والداعية للعزلة ، ذلك التطرف الناجم عن هيمنة المواقف الذكورية التي لم تنصف المرأة..؟
-;- نعم، أرفض الاستسلام لجاهزية النظريات والمقولات الغربية دون الحوار معها، وأنبه طلبتي عَلَى أن الحضارة الغربية ومناهجها ونظرياتها وفلسفاتها ليست شمولية وأن مركزيتها غطرسة وادعاء على الامم ، لأنها ناتجة ظروف وسياقات غير ظروفنا، وأن الاستسلام لها يعني إذعاننا لادعائهم بمركزية حضارتهم المادية ولا زمنيتها، وأن مقولاتها – كما ادعت عولمتهم - صالحة للأمم كلها انطلاقا من نهاية التاريخ ومقولات فوكوياما . بينما الحقيقة أن حضارتهم ليست غربية خالصة لأنها أفادت من الجهد الحضاري للإنسان القديم ولا سيما حضارات الشرق الخمس ، وأن حضارتهم زمنية وخاصة بهم، وقد جاءت رد فعل عَلَى ظروفهم وسياقات حياتهم هم، وعليه فلا يمكنها أن تشكل حلولا لنا أو للأمم الأخرى. وعليه فإن إقفال نتاج المرأة الشعري والفني فِي خانة النسوية والجنسوية أمر غير معقول، وبعيد عن الواقع الحقيقي لكتابة الشعر والأدب والفنون ، لأن من يدرك كنه لحظة الكتابة الشعرية أو اللحظة الإبداعية يعرف أنها لحظة حرة، مطلقة، مكثفة قد انصهر داخلها قدرٌ هائل من التجارب والأحداث والوقائع والمشاعر، حب وغضب ورضا ورفض ومعاناة وقضايا وطنية وعذابات وجودية وانسانية ؛ ولذا فهي لا يمكن أن تكون أحادية، لكنَّ إشارة معينة تحرك كل ذلك البركان لتحلَّ لحظة التحويل الإبداعي الَّتِي تُشكلها اللغة القادرة على اللعب بالزمن وأحداثه وشخصياته ، إنها لدى المبدعة والمبدع تختار الإشارة الآتية من اللحظة الواقعية أو النفسية منطلقا، وفي تلك اللحظة تنهض اللغة الشعرية لتنمذج الحالة، ونمذجة اللغة لتحويلات المخيلة وتركيبها تعتمد عَلَى قدرة المبدع عَلَى ذلك اللعب الفني للغة، وعلى المهارة الحرفية وإتقان اللعبة ، فلحظة الكتابة لا تعرف حدودا ولا تصطدم بقيود ولا تخضع لاشتراطات ، لأنها لحظة كسر القيود وتجاوز الحدود وإلغاء السببية التي تقيد الانسان وتحدُّ من انطلاقته ، إن لحظة الفنون والشعر في طليعتها ، هي لحظة الحرية التي بإمكانها وحدها الوصول للمطلق ، لأنها بوساطة الترميز تتمكن من كسر القيود والحدود واللعب بقوانينهما ، إنها لحظة الإقبال نحو الآخر / الآخرين من القراء حدَّ الاندماج بهم ومعهم للتعبير عن قضية تخص الذات وتخصهم، فالمبدعة لا تكتب منفصلة عن الآخر ؛ لأنها تكتب إنسانيتها، وإنسانيتها رجال ونساء وطفولة وأحداث وأمكنة ووطن ومجتمع ، كما أن المبدع الرجل لا يكتب منفصلا عنها وعن محيطه، هَذَا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن النسوية واشتراطاتها لم تطلع من فراغ، بل كانت ناتج الحركات الثورية الَّتِي اجتاحت العالم – ومعظم قياداتها من الرجال الثوار – تلك القيادات الَّتِي ناضلت من أجل الإنسان وحقوقه. صحيح ان النقد النسوي هو الَّذِي وضع اشتراطات الكتابة النسوية وبلور سمات المصطلح وأدان تغييب إبداع المرأة ودعا إلى الكشف عن جمالياته وأنكر إقصاءه عن دائرة الضوء، داعياً إلى رفع الغبن عنها وعن مشاركتها في الفعل الوطني والمجتمعي والاقتصادي ، كما دعا إلى الاهتمام بكتابتها ونتاجها الأدبي ، وبالعمل عَلَى إلقاء الضوء عَلَى ما أبدعت وما تبدع، لكن ذلك لا يعني عزل أدبها وفنونها عن الحركة العامة لفنون مجتمعها، بل يعني إعادة الحقوق لأصحابها، والإعلان عن حضور صوت المرأة مؤازرا لصوت الرجل فِي الدفاع عن قضية الإنسان. لذا فأنا ممن يرفضون العزل والقطيعة مع احترام الخصوصية فِي الأسلوب، وأرفض إرساء الحدود الفاصلة بين الثنائيات بصرامة، فالحياة لن تكون حياة انسجامات إلا بالانفتاح عَلَى الآخرين ، ولا أميل لتضخيم المبالغة فِي قضية التعبير عن هواجس الجسد الأنثوي، فالتعبير الحسي كان متاحا للرجل عبر التاريخ، لكنه لم ينشغل به كليا، فالجسد لن يكون جسدا إلا باندغامه مع الروح ، وتواشجه بتجلياتها ، وبعيدا عن الروح سيكون جثة لا حياة فيها، والحياة ليست كلها جنسا وتأوهات، بل هي قيم ترفع الإنسان سمواً إلى الأعلى، والجنس إن لم يندغم بقيم الحب الجمالية ، فهو سلوك حيواني متاح بلا شروط، وإذا كان عَلَى المرأة ألا تقلد، فإن عليها أن تستفيد من التجارب الخلاقة الَّتِي تبني الحياة حقا، وتتيح أكبر قدر من السعادة الراقية للإنسان..

-;- فِي قصيدتك " زيارة " ( وسبابةً فِي الظلام تلوّحُ : لن يتذكرَ./ لا. لن يجيءْ ! ) لماذا لا تذهب هي إليه؟ هل للسلطات والنظم فلسفتهما الخاصة فِي المنع؟
-;- لكي تذهب المرأة إليه فإنها تحتاج لصنع قرار ذاتي، وتحتاج لنموذج إنساني شهمٍ وواسع الأفق من الرجال ، نموذج يحترم حقها في الاختيار ويعي معنى ذهابها ومشاعرها الإنسانية ، سواء كان رده إيجابا أم سلبا، ويعدُّ فعلها حقا لإرادتها الَّتِي تسعى لإنسانيته، وتلك هي الإشكالية المهمة الَّتِي تعيشها المرأة عموما وليس العربية حسب. إذ ليس من حق المرأة أن تكون راغبة، فدورها المرسوم الَّذِي يكرس احترام الآخرين لها واحترامها لذاتها أن تكون مرغوبة ، تلك هي تنشئتها الاجتماعية عبر القرون، حتى تحولت التنشئة لجينات وراثية تحتاج زمنا طويلا لتجاوزها، وفرقٌ كبير بين الراغب والمرغوب، بين اسم الفاعل واسم المفعول، اسم الفاعل يتسم بالإقدام عَلَى الفعل، فهو محرّض، متحدٍّ، مقتدر وشجاع واسم المفعول مخذول بحكم التسلط الواقع عليه والقهر الَّذِي يعمل عَلَى تصميته وتغييبه ومنعه من الفعل، فإحجام الأنثى عن الإقدام سببه تشكيلةٌ مشتبكةٌ من التعليلات العرفية والعشائرية والمجتمعية وليست العقلية أو المعرفية أو الانسانية ، شعورٌ داخلي بالانكفاء بسبب تنشئة لم تمنحها القدر الكافي من المحبة والاهتمام والثقة كما تمنح أخاها فيكون الرضوخ أو التحسب من فشل سيدحض إقدامها ، إنها وحدها لن تكون قادرة عَلَى المواجهة ؛ لانَّ من غير المعقول أن تقوم ثورة بقوى غير متكافئة. لقد أقرت كل لجان الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، وتلك الخاصة بحقوق المرأة أن هذه القضية إشكالية وتحتاج لحلول جذرية شاملة تمتد لجوانب المجتمع الأساسية بأكملها، إن المرأة عَلَى المستوى العام لم تمتلك بعدُ الوعيَ الكافي والثقة بأن الفشل سيمنحها نجاحا فِي تعميق الدرس واكتساب الخبرة والفوز فِي الجولة القادمة ، كما هو حال الرجل الَّذِي كثيرا ما يجابه أكثر من فشل ويصدّه أكثر من عائق ، لكنه لا ينكفئ بل يواصل البحث عما يريد. إن شخصية المرأة بحاجة لاهتمام ولبرامج تمكين تمنحها الثقة الَّتِي تعمل عَلَى تماسكها وصلابة قرارها، وذلك يحتاج لمعارف مكثفة وخبرات وتجارب حقيقية .
الآن وبعد اجتياز المرأة كثيرا من العقبات عليها أن تذهب بالرغم من الردات والانكسارات الكبيرة الَّتِي أحدثها الربيع العربي المزعوم فِي المجتمع وفيما يخص النساء خاصة، إذ كان من نتائجه المريرة أنْ غدت المرأةُ وأطفالها وأسرتها مشروع تشرد وفقدان ، وظلت محجوبة عن قيادة ذاتها وحياتها كما هي محجوبة عن صنع قرار فِي أمور مجتمعها؛ فهي ليست نفساً حرة كما أراد لها القرآن الكريم والفلسفات الإنسانية، وتكليفها وحدها دون الرجل بحمل مسؤولية شرف العشيرة من أهم الأسباب الَّتِي عملت وتعمل عَلَى استمرار حجب حريتها، مع أن القرآن يكرر (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وهي تعرف أن الحرية تُنتزع بقوة ووعي وإرادة ونضال دؤوب، وكثيرا ما تحتاج لمؤازرات حقيقية من قبل القوانين والرجال الواعين بقيمة الإنسان ومستقبله وأهمية تفعيل طاقاته. ولعل أهم التفاتة على هذه القضية هي الدعوة لكونها ليست قضية خاصة بالمرأة ، بل هي قضية وطنية سياسية واقتصادية واجتماعية من الدرجة الأولى ، ولذلك كان الجندر والاهتمام بالدعوة لدراسة النوع الانساني وإعادة تقسيم الأدوار من القضايا المهمة التي وَجدت لها لجانا وخبراء في منظمة الامم المتحدة.

-;- ارتباطاً بما سبق: الآخر هنا قد يكون بحاجتك لإحلال التوازن عَلَى المستويين الشخصي والعام ، وأحسبك هنا تتجاوزين الصراع لتنتصري للقيمة الَّتِي تؤكدين عليها وأنت لا تلتفتين إلى الخلف.

-;- الآن، وبعد مشوار طويل من العمل والمعرفة والخبرة والتجارب والمكابدات، لا يمكن التردد فِي صنع قرار سواء كان إيجابا أم سلباً، لكن بخيار شخصي، ولأن حسم القرار وتحمل تبعاته لم يعد من الأمور العسيرة ما دامت الرؤيا قد غدت واضحة. أما فِي العلاقات العامة فأقول، نعم لا أحب الصراعات، وأنحاز للانهماك بمشروعي وللحوار ، ولا أحب الالتفات إلى الخلف بعد أن أستلَّ منه عبرة وخبرة، ويعجبني قول المتصوفة، " الأمامُ لا يلتفت" أحب أن أعيش بهدوء وألفة ،أحبُّ فضاء بيتي ومكتبتي الشخصية بعيدا عن ضوضاء الخارج ، والجميع - وأنت طالبي العزيز منهم- يعرفون أني لا أتردد فِي الاستجابة لمن يحتاجني ، فتلك قضية إنسانية معرفية ما خلقنا إلا لتوطيدها. وجودنا معا فِي الساحة المعرفية والإبداعية هو من أرقى الأسباب الَّتِي تدعو لتشكيل الانسجام. ولا قيمة للالتفات إلى الوراء إلا فِي حالة التناص مع حدث أو واقعة نستضيء بنتائجها، لا أحبُّ الوقوفَ عند العثرات والخيانات طويلا، لأنها سنة الحياة الَّتِي يهيمن عليها الشياطين، ولا أعاتب أحدا لأني أحترم الضعف الإنساني ما دام خلقَ الله العليم، وأشفق عَلَى الآخر ونفسي من ضعفهما، وأعذر من يؤذيني لأني موقنة أني الأقوى منه تماما، ولولا ذلك لما شغله أمري. التوازن قضية مطلوبة للحياة والانجاز فيها ، ولن يكون هناك توازن إلا بحضور المرأة والرجل متعاونين وفاعلين في تشكيل الانسجامات ، انهماكي بتحويل الزمن إلى منجز إبداعي أو بحثي أو عملي يمنحني شعورا بالقوة والتماسك الداخلي وكثيرا من الاستقرار والانسجام النفسي والعملي والعاطفي ، وهذا التوازن مبعث أمن وسعادة لا يعرفهما إلا من خبر الحياة بألوانها. إحلال التوازن قضية مهمة لمواصلة الإنجاز والشعور بالأمن ، ولن يكون هناك توازن ولا إنجاز قيّم إلا بثراء العلاقة الإنسانية بين كل الأطراف أيا كان قربهم من بعض وعلى كل المستويات ، علاقات أسرية ، علمية وتلمذة ، أحبة ، زمالة . ولذلك كانت الحروب والصراعات والشتات من أبشع عوامل التعطيل الحضاري والتراجعات الى الوراء عبر التاريخ ولا سيما ما يشهده عصرنا الحاضر ..

-;- إلى أي حد يمكن للجسد أن ( يقول ويعبر ويدين ويتحرر ويعلن ويشير وينطلق من كمونه الضمني فِي انجاز وظيفته التشكيلية والسيميائية والرمزية معاً).
-;- هذا سؤال ذو شجون، وجوابه يحتاج لأكثر من أطروحة، ذلك أن الجسد (جسد المرأة والرجل كليهما) يشكل سؤالا كثيفا ومهما فِي الدرس النقدي والمعرفي الحديث، إنه قادر عَلَى النهوض بكل ما ذكرت لو أتيحت له فرص التجلي والكشف، فهو مكمن إدراك الإنسان لذاته وللآخر معا، فضلا عن كونه مركز تناقضات جمة لن نفهم النص الادبي والفني إلا بالاقتراب منها والعمل على محاولة إدراكها ، فالجسد بؤرة تضمر المادة والروح والزهد والجشع والعفة والشهوة والإثم والتوبة واللذة والألم، والمقدس والمدنس، وهو حيز المشاعر الإنسانية بالتباسها وتناقضها، الى غير ذلك من الثنائيات المتضادة والمؤتلفة، ولذلك تنوعت مناهج دراسته وآلياتها، واختلفت النظرة إليه حسب المناهج والرؤى الدارسة، فهناك التوجه الطبي والفلسفي والسياسي والإعلامي والتشريحي والفيزيولوجي والسيميائي والجمالي وغيرها، لكن الحضارة المادية الراهنة للأسف حاولت تسخير الجسد فِي معظم تلك الدراسات لخدمة مشاريعها الاحتكارية والتوسعية الَّتِي جعلت منه آلة ووسيلة تمتلكها هي لتحقيق مقاصدها، لأنها قادرة عَلَى حجبه ومنعه من التعبير عن رفضه لو أرادت، كما أنها قادرة على تعذيبه ومنعه من مزاولة حقه في تحقيق اهم متطلبات حياته وهو العمل الاقتصادي حينما عملت العولمة الاقتصادية على إغلاق المصانع الصغيرة والمعامل المتوسطة ورمي ملايين العمال الفقراء لفضاء الجوع من أجل تغويل الاحتكارات الصهيونية والامبريالية ، وهي متمكنة من الكشف عن قدراته لاستغلالها وتحميله فوق طاقته بالعمل الشاق في المناجم والسهر والحروب حين تريد، واتخاذه سلعة لتمويل الدعاية لمشاريع جشعها الاحتكارية . هكذا فقد الجسد قيمته الإنسانية يوم صار موضوعاً تابعا ومستعبدا. أما جسد الأنثى فقد صار فِي كثير من الكتابات الاعلامية وفي الميديا والفنون غير المسؤولة وعلى أجهزة التواصل ذا مهمات بعيدة جدا عن مهماته السيميائية والتشكيلية وحتى الجمالية منذ وظفته تلك الأقلام والأفلام والصحف والمواقع الالكترونية لغايات شكلية وإعلامية ودعائية غريزية تسويقية تجارية، فصار سلعة تباع وتشترى، وصار تسليعه أمرا مهما فِي عالم السوق والتجارة وحصد المزيد من الأموال، وصار معرضا لأشكال متنوعة من العروض الدعائية والجنسية والفرق الرياضية الَّتِي خرجت به عن مهماته الرصينة وجمالياته الإنسانية الَّتِي خُلق لها، والتي أكدت الأديان والفلسفات الراقية ضرورة صونها والحفاظ عَلَى فضيلتها وقيمها ، وقد اعترضت بعض المنظمات النسوية عَلَى مثل هَذَا التسليع وعلى كل ما يؤدي إليه ، وعدته إهانة للمرأة وإذلالا لكرامة أنوثتها، وانتقدت النساء اللواتي يرتضين الانصياع لمثل هذه العروض.

-;- لمن وجهتِ الرسالة التصديرية فِي ديوان مخاطبات حواء ((فكنْ عَلَى أيّ مذهب شئت، فأنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم))؟ ولماذا ابن عربي؟ وفي مخاطبات حواء تحديداً؟
-;- من المؤكد أن الرسالة موجهة لمن يقرأ، وابن عربي تحديدا لأنه جعل من الأنوثة محورا للكون القائم عَلَى الخصب والعطاء فهي الضلع الذي يحتضن الحياة حنوا ورعاية، وخطاب الأنوثة عنده يمثل أحد المحاور الثلاثة الَّتِي لخصها بالحقيقة المحمدية والإنسان الكامل، والأنوثة الَّتِي ينظر من خلالها إلى المرأة بوصفها كائنا إنسانيا، وليس أنثى ذات وظائف خاصة حسب وذلك من خلال منهجية ذات رؤية منفتحة أزاحت الانغلاق المعرفي الَّذِي كان محيطا بهذه المفاهيم من قبل ، مما جعل خطابه مشرعاً بحرية عَلَى تعدد القراءات، وتكمن دهشة تجربته فِي كونها تجربة تعاني مكابدتها فِي محاولة اكتشاف الغائب والمجهول وتنفتح عَلَى أنساق عدة إنسانية ومعرفية وكونية. ومخاطبات حواء ترجمة سيميائية مكثفة لبعض رؤى ابن عربي الرائعة فِي الأنثى وفي الحب والشوق والحنين، بحثا عن تواصل يعمل على دحر عوامل الانفصال ليزيح وحشة الإنسان الباحث عن اكتماله ولن يكون ذلك الاكتمال إلا بدمج صوفي مع الذات العلية من خلال التوحد بمطلق يتوسل اليه بهذه المعشوقة الأنثى ، ويعبر عنه بمحاولة التحام اللحظتين الحسية بالتجريدية من خلال اللغة المقتدرة على كشف الحجب واختراق المحجوبات بأسقاط السببية لتشكيل نصّ حرٍّ في تحقيق غاياته ، فالفن هو أقصى ما يمكن للحرية أن تشكل من ممكنات في اتخاذها اللغة تجليا تعبيريا مذهل الطاقات . وقصيدة مخاطبات حواء بجملتها نصٌّ مفتوح يلعب بحرية اللغة لعبة عصية عَلَى التحديد، أنثى تتقنع بصوت الرجل وتقوّله ما يمكن أن يقوله لكل (أنا أنثوية)، ومن شأن القارئ الجاد أن يعلل ذلك ويؤوله وبستقصي أبعاده .


-;- يقول الفرزدق: ( إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فلتذبح )، هل استطاعت شهرزاد تكريس مقولة الفرزدق بانتقالها من سلطة الشعر لسلطة السرد.. شفاهيا وكتابيا..؟
بغض النظر عن التفسيرات السابقة الَّتِي تناولت مقولة الفرزدق أقول، لو اتفقنا مع الفرزدق عَلَى ضرورة أن تكون المرأة ذاتها ولم تقلد صياح الديك لفازت أي فوز، ولنعم المجتمع الإنساني بطاقات نسائه وقدراتهن عَلَى الفعل والإبداع ، وبخبراتهنَّ الشخصية ، فأن تصيح الدجاجة صياح الديك يعني أن تقلده ماضية عَلَى نهجه ، وأن تكون تابعة مفارقة لطبيعتها الَّتِي خلقت عليها ولها ، لأن الأمر الطبيعي أن تعبر عن ذاتها هي، وعن مشاعرها وحاجاتها، وعن رأيها بما يدور حولها من وقائع وأحداث شفاها وكتابة، وليس السرد ولا الشعر حكرا عَلَى الرجل أو المرأة ؛ لأن الفنون هي نعمة التعبير الَّتِي وهبت للإنسان رجلا وامرأة، ومن حق كليهما توظيف الهبة بما يشكل خلاصه هو، وبالآليات الَّتِي يرتئيها، وبالمتاح منها. شفاهيا أو كتابيا، وإذا كانت الشفاهية حضورا صوتيا ينقضي بانقضاء الخطاب فإن الكتابة هي الحضور آنيا وللمستقبل ، الكتابة هي منطلق التحضر وموطن اختزان الخبرة الإنسانية وحضورها الزمني ؛ مما يجعل لها قيمة الوثيقة التاريخية و الفنية والجمالية والتكرارية والتعددية القرائية كذلك. فضلا عن كون المرأة ذات مهارة سردية لأسباب لا تخفى على المتأمل ، ثم من قال إن سرد شهرزاد كان كتابيا، شهرزاد كانت تروي لشهريار شفاهيا، ورويها مصحوب بغواية الأنثى وسلطتها، ثم دُوّن السرد كما الشعر فِي وقت لاحق..

-;- كتبتِ عن مدينة الموصل كثيراً _المكان_ هل تعتقدين أنها فضاءً رحب لك وللحركة الإبداعية أم لها حدودها الخاصة الَّتِي تقيد تارة وتطلق العنان أخرى، ماذا يشكل لك المكان...؟
-;- أنا ممن يمتلكون نزوعا مكانيا عاليا، وحنيني إلى الأماكن الَّتِي أحببتها كثيرا ما يقترنُ بالبكاء وأشعر أن المكان مضمر تحت جلد ما أكتب ، لكن ليس بعيدا عن الإنسان، فالمكان بدون الإنسان يظلُّ موحشا، وأعترض على الرأي الفلسفي القائل ، إن ما يربطنا بالانسان هو العلاقة بينما المسافة هي التي تربطنا بالمكان والأشياء ، لأن العلاقة هي التي تربطني بالمكان الذي أحبه مثلما تربطني بالإنسان تماما. إن أول ما هزَّ وعيي في طفولتي هو الماء ، والماء في الموصل يعني دجلة الروح ، دجلة الآتية من الفردوس بضفافها وغاباتها وأسراب طيورها وبلابلها الملونة التي تنقر نافذتي في الصباح وعند الأصيل . الأماكن الأرض، الأرض الأم ، وللأم مكانة مقدسة فِي روحي. المكان وإشاراته فِي ذاتي بدءاً من مدينة (الموصل) التاريخية الَّتِي أحببتها وآثارها وحضرها وملكاتها وتيجانيها وثورها الخرافي العجيب المجنح ، وبقية الأماكن الَّتِي زرعتْ دموعا فِي قلبي ولها أهمية كبيرة فِي وجداني، أول ما هزني من الأماكن ضفاف دجلة، كنت أبكي حين يصحبني والدي رحمه الله في البساتين إليها وأنا صغيرة، وكان لا يمنعني من البكاء بل يسألني هل نغادر، فأجيب ، لا. وأواصل النظر لذلك المليك الباذخ بزرقته الرائعة وانسيابه الملائكي . كان دجلة فِي أسرتنا يمثل الطبيب الشافي؛ إذ كانت أمي وجدتي يشيران عَلَى المريضات والمكتئبات والحزينات بزيارته لأنه يأخذ المرض والحزن والهم من زواره ويلقيه عبر جريانه بعيدا عنهم، وظل دجلة آسري حتى اليوم، بعده كانت لحظة النخيل فِي بغداد لحظة مدهشة، ثم أبو الخصيب فِي البصرة وملتقى دجلة والفرات فِي لحظة كونية لا أنساها، وشط العرب حيث السعفُ مظلات حب ونداءات حنين، كلّ ذلك تجده في شعري واضحا ورموزاً ، بعدهما كنت حريصة عَلَى زيارة مدن العراق كلها حيث أهلي الطيبون المستسلمون للسلاطين، ما جاء سلطان إلا وكان تعذيبهم هاجسا له ولا يثورون. بعد العراق كان الوطن العربي همّي ، ثم العالم ، فقد حلّ الوعي العميقُ بأن الأرض كلها ملك الإنسان ، ولكنّ الطغاة هم من وضع حدودها ، كانت البحور وشواطئها، والمدن التاريخية وآثارها، والغابات الخضر، حرصتُ مرة عَلَى السفر من إسطنبول إلى وارشو بالقطار لأرى ما خلق الله سبحانه من جمال، أرض متباينة التضاريس، سهول خضر وجبال أكثف خضرة، دغل وزنابق وشقائق شتى، وشجر وغزلان وطيور وبلابل بألوان فاتنة، كنت خلال السفر أسائل صديقاتي، لماذا يتحارب الناس و هَذَا الجمال العارم لهم.. الطبيعة والأمكنة والمياه والشجر يا صديقي هبة السماء الجليلة لنا، ولذلك سمّى النقاد الصورة الفنية بجمالياتها.. مكانية. وشعري زاخر بالأمكنة وبالطبيعة العارمة بحركيتها ، إنها تحضر حضورا معطاء ومقاتلا وشجاعا:
يبقى العراق هوية وهدية
يبقى الفرات طريقهم للموت
تبقى الريح قبلتنا وهذي الارض فلكُ
في شهوة مجنونة تعدو وتشرب ماءهم
في صدرها قمرٌ
وفي الكفين وعدُ
والأرض ترفض ان تكونْ
دبابةً رعناءَ هذي الارض امُّ
قمرٌ ووردٌ مطمئنُّ
وسنابلٌ عطشى وجرح تحت أجنحة يئنُّ / الاعمال الشعرية ، 304
أما عن المكان الرحب أو الضيق، فأنا أعتقد أن المبدع قادر عَلَى خلق الفضاءات الَّتِي تتيح له مواصلة إبداعه، إذْ المكان الإبداعي كما الزمن الإبداعي نفسيٌّ بامتياز حتى لو كنا سجناء مكانيا، ونحن نعرف عشرات المبدعين الذين كتبوا شعرا وألفوا مجلدات من الكتب المهمة وهم فِي أعماق السجون، فما بالك بمدينة علمية ذات إرث تاريخي حضاري معرفي هي نينوى مدينة مكتبة آشور أقدم المكتبات في تاريخ البشرية وومدينة النمرود والحضر الأثرية وملكاتها.

-;- الحركة النقديّة والشعريّة فِي العراق دؤوبة ومتفاعلة، واحسب أنها عَلَى الرغم من المعوقات الَّتِي تحيط بها، إلا أنها متواصلة مع الحركة النقدية عربياً وعالمياً، ماذا تقول بشرى البستاني الناقدة.؟
-;- لن نتحدث عن الشعر لأن منابعه العراقية لن تجف أبدا بالرغم من عدم العناية به وبكتابه ونشره ، ولا أوافقك الرأي فيما يخص النقد، فالنقد فِي العراق وفي الوطن العربي لا يتصف بهذه الحركية والمثابرة ولا التَّواصل الَّذِي وصفته، ولا هو متفاعل مع الإبداع العربي والعالمي، لأسباب أُشيرَ إليها في مواضعها ، فعلى مستوى الثَّقافة العربية هناك مبدعون كتبوا ما هو جيد وأصيل ونشروا وماتوا دون أن ينال إبداعهم ما يستحق من الكشف النَّقدي لأسباب مؤسفة تتعلق بطبيعة النقد القائمة عَلَى العلاقات الشخصية والاخوانيات من جهة، وطبيعة حركة المجتمع والمؤسسة الثقافية جزء منها ، تلك الحركة التي انفرد بها السياسي بعد أن أفرغ البعد الثقافي من مضامينه المهمة خوف مخاطره ، ثمّ أقصاه عن وظيفته في التنوير وفي رفع مستوى الذوق بالتوسط بين المبدعين والقراء في توصيل المستويات الدلالية والجمالية لجمهور القراء ، السياسي هو الذي غيّب روح النقد الحقيقي ، فالنقد في كل المجالات هو عدو السلطة ؛ مما أوهن عضد الثقافة وجفف منابعها الأصيلة في الحراك الثري ، ولم يعمل جديّاً على تفعيل الدخول الثقافي مع أقطار الوطن العربي والعالم ، فلم يعد للنقد استراتيجيات هادفة تدعم الإبداع الحقيقي وتلقي الضَّوء عليه بوصفه منجز مرحلة ونتاجَ أمة، يضاف لذلك الصُّعوبات والصِّراع والاحتراب الَّذِي أشعل العراق والأقطار العربية بشكل عام، أما عَلَى مستوى التفاعل مع الثقافة العربية والعالم فأنت لا تجد مؤسسات ثقافية عربية مشتركة، ولا مؤسسات ترجمة من العربية وإليها موحدة ، بل تجد أن الحصار الثقافي ما يزال قائما عَلَى دخول الكتاب العربي والأجنبي للعراق وصعوبة خروج كتابنا كذلك، وأما عَلَى مستوى العالم فنسبة الترجمة من وإلى العربية الَّتِي هي مقياس التفاعل مخجلة لشدة ما هي ضئيلة، والإحصائيات للأسف ستقول لك قولها الفصل. وفي النهاية، نحن لا نعيش دخولا ثقافيا يثرينا، بل نعاني من خروج ثقافي عَلَى الأصعدة كلها ، وخروج المبدعين والعلماء والمثقفين شاهد على ما أقول. أما بالنسبة للحداثة، فقد قلتُ سابقا أننا مجتمع مستهلك لم ينتج حداثة ولا شارك بإنتاجها، لأنها لم تطلع من ظروفنا وحاجاتنا وأهم دليل عَلَى ذلك سوء أحوال مدننا وأريافنا ومستويات حياتنا المعيشة فِي الجوانب كلها، إننا لم نأخذ من الحداثة الغربية غير جماليات الفنون وكانت مبادرتنا فِي العراق جلية، وفي الشعر والفن التشكيلي رائدة بحق، لأننا تعلمنا فيها منهم وأضفنا لما تعلمناه الكثير ، دون أن نقلد ونستنسخ تجاربهم ، بل كانت لنا في الميدانين تجاربنا الرائدة ، وكان ذلك بفضل مبدعين عراقيين نشطوا في الدرس والاطلاع والابتكار معا.

-;- هل تعتقدين بوجود مستوى أكاديمي مرضٍ؟ كيف ترين العلاقة بين الناقد والأكاديمي ومعلمي النقد ممن ذكروا فِي ندوة النقد الأخيرة ببغداد ، وهل يمكن أن يكون معلم النقد ناقداً وبالعكس.

-;- الحركة الثقافية والنقدية والأكاديمية جزء لا يتجزأ من حركة المجتمع، إن صح المجتمع صحت الأجزاء، وأنت ترى المجتمع العراقي والعربي كيف يتشظى وتتمزق أوصاله. الثقافة نتاج فكر الإنسان ووعيه وجهده، والإنسان العراقي بمثقفيه محاصر بالاقتتال والاحتراب والفتنة والتشرد والشتات والمحن الَّتِي طالت كل جوانب الحياة، فلا محبة ولا تسامح ولا ألفة بل كيد وحقد وقسوة وعنف وطوائف وأعراق وانقسامات مخجلة في زمن الفلسفات الإنسانية والتواصلية والحوار. كل ذلك بسبب غياب روح المواطنة الحقيقية والانتماء الأصيل للوطن، بل صار الولاء للطوائف والملل والنحل الَّتِي ولى زمنها وصارت واحدة من عيوب المجتمعات الَّتِي ترفضها المدنيَّة ويأباها التحضر، فالتدريسيون بلا رواتب ، والطلبة مشردون ، وهذا كله ضد متطلبات الثَّقافة وضد الإبداع والمعارف والفنون، فكيف ستكون الأكاديمية بشكل جيد ومُرضٍ، إنها للأسف تتدهور مع التَّدهور الَّذِي يشهده المجتمع. أما عن النَّاقد ومعلم النَّقد فالجواب سيكون بحسب ثقافة المجيب ورؤاه وتوجهاته، فذو الثَّقافة الحداثية الَّذِي يعدُّ النَّص النَّقدي نصاً إبداعيا سيعد معظم أساتذتنا فِي النَّقد معلمي درس نقدي وليسوا نقاداً، لأنَّ النَّاقد لديهم هو من يكشف عن الجماليات ويعيد صياغة النَّص بكتابة نصّ نقدي إبداعي، لكن السؤال الَّذِي يواجهنا هنا، هل من الموضوعية الحكم عَلَى المرحلة الماضية ورؤاها وروادها بمعايير المرحلة الراهنة ورؤاها، هَذَا أولا، وثانيا ، لماذا الاستياء من مصطلح أستاذ النقد أو معلم النقد ، مع أن مهنة تعليم النقد الحقيقية والأصيلة عملية إبداعية جليلة كونها هي الَّتِي تصنع نقادا، فضلا عن أن مرحلة الأسماء الَّتِي ذُكرت فِي ندوة النقد كانت منسجمة مع ثقافتها المتاحة، وأن أعمالهم ما زالت مصادر بيد الباحثين الذين ينهجون مناهج وصفية أو تاريخية وغيرها من المناهج السياقية، فضلا عن كون معظم المتحدثين عن النقد اليوم ينسون وظيفة مهمة من وظائفه هي الكشف عن قيمة النص الفنية وجمالياته وتفسير مرموزاته لتقديمها للقارئ بما يجعل دلالاتها متاحة أمامه، وقد فعل أساتذتنا ذلك ما استطاعوا لذلك سبيلا بآليات مرحلتهم، لكنْ من الطبيعي أن يغيب الرأي الهادئ الَّذِي من الممكن أن يكون هو الأرجح في الحوارات الانفعالية التي لا تخلو من التحيزات.

-;- هناك من قال بموت قصيدة الوزن لتحل محلها قصيدة النثر، إلى أي حد تقيمين دقة مصطلح قصيدة الوزن، وكيف تجدين قصيدة النثر العربية ومستقبلها.
-;- أولا، لا أعتقد أننا نعاني من إشكالية فِي مصطلح قصيدة الوزن أو الشعر الموزون لأنه سيحيل عَلَى قصيدة تتوفر عَلَى واحد من الشكلين الموزونين فِي الشعر العربي المعاصر، العمود أو التفعيلة، وثانيا، ما أكثر الأقوال بالموت والحياة يا سيدي، لكن الواقع يؤكد وجود شباب جادين يحرصون عَلَى تطوير جماليات القصيدة العمودية وبعضهم يقول شعراً عمودياً جميلاً معبراً ومؤثراً، لكننا للأسف حتى فِي النظرة لإبداعنا نلتفت للقياس عَلَى إبداع الغرب، فمادام شعر الوزن قد مات فِي الغرب فلا بد من موته فِي الأدب العربي، وهذا حكم بعيد عن الصواب ولا يمت للموضوعية بصلة، لأن ظروفنا الثقافية والذوقية ما زالت وستظلُّ مختلفة عن ظروفهم وذائقتهم ، ولأن خصوصيتنا ستظل سمة لنا بالرغم من كل ما فعله النت والعولمة وما تبغيه الأمركة من هيمنة على العالم بالذوق وطرائق الحياة، فضلا عن كون علاقتنا بتراثنا وشعرنا القديم تختلف عن نظرتهم لقديمهم وعلاقتهم به ، والأشكال الشِّعرية خيارات، كلٌّ يعبر بما ينسجم وتجربته، ولا أرى من ضير فِي تعايش الأشكال الشعرية مع بعضها، العمودي والتفعيلي وقصيدة النثر والومضات و ..شرط صدور كل نموذج عن فعل إبداعي أصيل وقيمة فنية والتزام بعلوم اللغة التي تكاد تضيع على يد المستسهلين ، لكن ما أستغربه خفوت صوت شعر التَّفعيلة كما أفتقد القصة القصيرة مع أن نموذج التفعيلة لم يستوفِ باعتقادي الحد الأقصى لمدياته بعدُ فِي التطور، وما زال يمتلك طاقة عَلَى الاستمرار عَلَى المستويين التشكيليين الصوري والإيقاعي، فمازالت هناك ميادين لا نهائية فِي التداخل العروضي لو تأملنا تفعيلات دوائر الخليل ، وإمكانيات لم تجربها قصيدة التفعيلة بعد، أما قصيدة النثر فقد كُتب الكثير عن واقعها وعن المبدعين فيها، وعن الفجوة الَّتِي تركها غياب الوزن فيها إن لم تنقذها كثافة التصوير والضربات الشعرية أو المفارقات الحادة أو تفعيل الهامشي بطاقة الإبداعي، أو التلاعب بإمكانيات النثر، وغير ذلك من آليات الفن.. وأعتقد اليوم أن قصيدة النثر بدأت تراوح فِي أماكنها، وأن عَلَى المتحمسين للإبداع فيها أن يجدوا انفراجات إبداعية لتأسيس جماليات كتابة جديدة؛ لأنَّ المرحلة لا يمكنها الاستقرار عَلَى حال واحدة فِي خضم هذه التحولات المذهلة فِي سرعتها والمتقاطعة مع كل شيء، أما إِلى أين فمن الصعب التَّكهن بجواب فِي ظل تداخلاتٍ شديدة التَّعقيد، وسرعة عجيبة في تحولات الحياة المعاصرة ، وعلى الأغلب فإن مشروعات التَّحول ستكون فردية، فقد انفرطت المشروعات الشمولية مع الإقبال عَلَى النت والتوفر المريع لوسائل النشر فيه ، وزيادة الاطلاع عَلَى تجارب متنوعة من كلّ أرجاء العالم.

-;- شغلت العتبات النصية الدرس النقدي أيما شغل حتى عُدت مفصلاً بالغ الأهمية فِي الدَّرس النَّقدي ماذا ترى بشرى البستاني فِي هذه القضية ضمن الاشتغال النَّقدي والإبداع الشِّعري.
لا شك أن العتبات النَّصية وأهمها محورا العنونة والإهداءات من المحاور المهمة فِي حقل السيميائيات، ولذا استحوذت عَلَى كمٍ هائل من الدِّراسات ، مؤسسةً لفضاء بحثي مميز وموقع استشرافي لعوالم النَّص وتفاصيله الدَّقيقة والبحث عن تواشجاته وما ينتج عن تلك التواشجات من دلالات، فالعنونة آلية تشخيص وإغراء وتعتيم وإغواء وتجسير ، وقد تكون ذات وظيفة تضليلية تعمل على إشاعة لبس يعمد لتعدد دلالي ، فالعنوان يعمل موجهاً ودالاً قرائياً تتفاعل دلالته وتوجهاته فيما بينها وبين المتون بقدر عالٍ من الرَّحابة والاشتباك، ومن الاتصال والانفصال فِي آنٍ واحد، فهي تدليل وتضليل معاً، وفي كل الأحوال سيظل البحث فيها إضافة نوعية للنَّص وكشفاً عن جمالياته، فواهمٌ من يظن أن اختيار العنوان عملية سهلة؛ لأَنَّه فِي الحقيقة لا يقل صعوبة عن كتابة النَّص حين يُدرك المبدع أو المؤلف أهميته فِي تحقيق مقاصد المتن، وكلما مضت الخبرة بالمبدع ازداد وعيا بهذه الحقيقة ، وقد انتبهتُ لذلك مبكراً فِي الكتابة النَّقديَّة عموماً، إذ وجدت أنْ لا بدَّ من إضاءة العنوان مدخلاً لأي حديثٍ نقديٍ قبل أكثر من عشرين عاماً، وفي تناول الموضوع لذاته عَلَى الأخص فِي دراستي (شعرية العنونة، قراءة فِي شعر خالد أبو خالد) ، أما المحاور الأخرى كالغلاف والإشارات والهوامش والمقدمة والشروح وغيرها، فلها أهميتها فِي المعاينة والكشف ، لا مشكلة في التطبيق ما دامت النصوص تتباين ويتباين تناولها النقدي من ناقد لآخر .

-;- ما طبيعة العلاقة الَّتِي تربط بشرى البستاني الشاعرة ببشرى البستاني الناقدة أو الأكاديمية، وأيهما كان خجولاً فِي داخلك أمام الآخر الشِّعر أم النَّقد؟
العلاقة الَّتِي تربط الشاعرة بالناقدة علاقة حوارية ، هي علاقة انسجام وألفة وتبادل آراء، أما لحظة كتابة القصيدة فهي لحظة انقطاع شبه تامة؛ لأنَّ الشَّاعرة فِي لحظة الكتابة لابد أن تكون في حالة بُعدٍ عن النَّاقدة وعمن سواها، ليس انقطاعا إراديا وبوعي تام ، لأَنَّها ستكون داخل لحظة كونية شعريَّة مكثفة لا تتسع لغير الأداء الَّذِي هو فعل الكتابة، لكنها تعود بعد الانتهاء من كتابة قصيدتها إلى علاقتها الحوارية مع النَّاقدة لقراءة القصيدة معاً قراءة نقدية تعدل وتحذف وتضيف. علما أن الاثنتين تدركان أن اللغة الشعرية بطبيعتها مغايرة للغة النقدية ، فالأولى لغة الذات والحدوس والمشاعر والتجليات ، إنها لا تقبل نتوءت المعارف التي تعيق تدفقها ، بينما تتصف اللغة النقدية الجادة بكونها معرفية متماسكة قادرة على إضاءة النص الإبداعي والإمساك بجمالياته ، إنها تعمل على إعادة لغة الذات الشعرية الى الجماعي بالكشف وملء الفجوات. وليس من خجل أبدا فِي الدَّاخل بين الحقلين، إذ لكل واحدة منهما دورها ومنهجها ومصادرها ورؤيتها، يتآزران ويتعاملان بتوافق ، تثري إحداهما الأخرى ثقافيا ، ويتحاوران بمعرفية، وتحاول إحداهما الحد من سلطة الثانية عَلَى الإنتاج حتى لا يحدث اشتباك غير منهجي فِي عملهما، لكن لا بد من التأكيد أن الفصل بين هذه وتلك أمر محال ؛ فالحوار الداخلي قائمٌ في ستراتيجية غياب ، ومن الطبيعي أن يكون العزل الكلي غير ممكن إذ لابد من تأثيرات عامة نجدها فِي النَّصين.


-;- أنت تشرفين عَلَى ورشة السياب فِي سلسلة (لأن) دراسات فِي اللغة والأدب والنقد، كيف تقيمين مثل هذه التجارب البحثية ولماذا .؟
سبقتنا الدول المتقدمة والمهتمة بالبحث العلمي فِي مثل هذه التجارب البحثية، وأرى أن ارتياد مثل هذه العملية مهم لطرح آراء وتوجهات مختلفة تتحاور حول موضوع واحد، إنه إيمان بنتائج العمل المشترك وثقة بأهمية تعدد الرؤى ووجهات النظر وما يكتنفها من ثراء معرفي يغني الموضوع ويلقي الضوء عَلَى مجمل جوانبه بآراء تتعدد، تختلف وتتفق وتسهب وتوجز ، وتلقي الضوء وتستدرك على ما فات الباحث الأول من معلومات وفِكَر ؛ إن العمل البحثي الجماعي حوارٌ حول موضوع واحد وإثراء لجوانب متعددة فيه ، لتكون النتائج كلها لصالح جوهر البحث ومنطلقاته، ولقد فاجأتني ردود فعل القراء والباحثين الرائعة من أقطار عربية عدة عَلَى كتاب (( التداولية فِي البحث اللغوي والنقدي )) باكورة إصدار كتب سلسلة (لأن) الَّتِي تصدرها مؤسسة السياب للطباعة والنشر،وما زالت الطلبات عليه متواصلة، مما زادني ثقة بجدوى مثل هذه الإصدارات المشتركة ، وبعد التداولية صدر عن السلسلة أكثر من كتاب في الترجمة وفي نظرية السياق بين التوصيف والتأصيل والإجراء .

-;- دارت مصطلحات كثيرة تصل حد اللبس والتداخل والغموض من مثل: (الأدب النّسوي/ الأدب النّسائي/ الحركة النّسوية/ النقد النسوي / وغيرها) أيهما أقرب لتمثيل المنجز النسوي/ الأنثوي؟
ارتباك الأجهزة المصطلحية حقيقة لا جدال فيها حتى فِي بيئتها الأصلية بسبب تعدد المرجعيات واختلاف منطلقاتها والتطورات السريعة وكثرة النظريات المطروحة حول قضايا المرأة والأنوثة ، وغير ذلك من الاسباب التي حالت دون استقرار مصطلحي، ولعلها جميعا تنطلق من فكرة رفض الظلم الذي لحق بالمرأة والدعوة لرفع الغبن عنها وعن أدبها والكشف عن معاناتها وإعطاء خبراتها وأدبها وتجاربها الشخصية وإبداعاتها ما تستحق من الكشف والتقدير ، والنضال من أجل نيلها حق المشاركة وصنع القرار في جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والمجتمعية ، علما أن معظم منظريهم والكثير من نقادنا يؤكدون صعوبة توصيف مصطلحي النسوية والنقد النسوي وما يلحق بهما من المصطلحات التي ذكرتها ، وأضيفُ لذلك صعوبة إضفاء سمة التماسك الضروري لبناء أي نظرية على هذين المصطلحين مما يدعو إلى إعادة النظر في طبيعة هذه المصطلحات والعمل على تحريرها من الحبس في حقول ضيقة حرصاً على إعادة قضية المرأة وأدبها وفنونها إلى رحابتها الإنسانية. إن الحوار حول القضية النسوية ولبس مصطلحاتها، سيظل دائرا وستظل المصطلحات بتكاثر واشتباك مادامت الموازين غير متكافئة فِي كل أرجاء العالم ، ولا سيما فِي الدول المتخلفة والنامية، ولا تصدقْ أن أحداً من الدول فِي العالم يمكنه الادعاء أنه قد أعطى المرأة حقوقها بعدل واحترام وتكافؤ مع الرجال ، ففي أمريكا تُضرب المرأة وتهان بنسبة تزيد عَلَى 84 %، وكذا فِي الدول الأوربية والمتقدمة، فالثقافة الذكورية ورؤاها مازالت مهيمنة عَلَى الكثير من جوانب الحياة، وكثير من الدول تحمل أو تعلن شعار المساواة وتوصيات المؤتمرات للزينة حتى إذا انتهت المؤتمرات والملتقيات العالمية والدولية والوطنية نسيت المؤسسات كل شيء وبقيت الأمور عَلَى حالها؛ لسبب بسيط هو أن المؤسسة الذكورية ما زالت مهيمنة برؤاها ومواقفها على العالم دولا ومؤسسات ومناهج وثقافة وإعلاما ، وأن الكثيرات من النساء غير جادات فِي النضال من أجل قضيتهن، لأن النضال دوما يحتاج إلى تضحيات وتبعات، والتضحيات غالية والتبعات صعبة، ولو كانت الجدية سائدة لما بقي اللبس مهيمنا عَلَى المصطلحات الَّتِي ذكرتها، لأن استقرار المصطلح يحتاج لاستقرار المفاهيم على أرض الواقع نسبيا ، ولأن الفعل والاستعمال والالتفاف حول الرمز اللغوي هو الَّذِي يكرس المصطلح، وكثيرا ما يصل اللبس حد الخلط بين هذه المصطلحات. ويحضرني هنا حوار قصير مع زميل عربي مبدع يعيش فِي الولايات المتحدة الأمريكية ،سألني ما رأيك بأعياد المرأة ومؤتمراتها، قلت، ما أسهل الشعارات، قال هل تؤيدين الرأي القائل أن الحل الجذري لا يستغرق أكثر من أسبوعين من نضال النساء، إضراب نسوي شامل عن العمل فِي البيت وفي المؤسسات جميعا يطالب بتعديل كامل للقوانين نحو التكافؤ التام بين الرجل والمرأة وتغيير كل الثقافات التي تكرس التمييز والإقصاء ، قلت، ذلك ممكن ، وحتى بدون ذلك ممكن لو حضرت الإرادة ، لكن لا أحد يريد تغيير الحال أولا ، ولا تنسَ نسبة الأمية في بلادنا أبجديا وحضاريا ثانيا ، مع قوة الموروث المتخلف وسلطته وهيمنته على الحياة والعمل على ربطه بالدين أكثر الأحيان ؛ لأن المستفيدين أقوى من النساء ومن كل منظماتهن النسوية ، أما عن المصطلح الأصلح ، فأنا من الداعيات إلى مجانبة العزل والقطيعة ، لأني أنحاز للإنسان وللأدب الانساني الذي يدعو لاحترام كرامة من كرّمه الخالق بجلاله ، والعمل على إرساء قواعد نقد لا يتحيز لطرف واحد ، نقدٍ منفتح على مبادئ الخير والتوافق والشراكة والكشف عن سمات الجمال في الأدب كله وفي العلاقات والإنسانية وفي الحياة ، مع الحرص على فتح النوافذ والأبواب كلها من أجل الاطلاع على التراث العالمي بكل تنوعاته..

-;- تفرغك للعمل مع طلبة الدراسات العليا ، وانشغالك بالإشراف عَلَى مشاريعهم البحثية يؤهلك لقول رأي فِي مستوى البحث العلمي للشباب، فماذا تقولين..؟
الشباب في مرحلة الدراسات العليا ثلاثة، أولهم نادر وهو طالب له وعي جاد بمشروع علمي يسعى لتحقيقه، ويعرف هدفه وما يستوجبه البحث الجاد من مثابرة وسعي وجهد فِي اختيار موضوع لم يُستهلك بحثا كونه يتضمن مشكلة علمية حقيقية تؤدي به إلى نتائج ذات أثر علمي، وهو يثابر فِي اختيار المنهج الَّذِي يوصله إلى هدفه ، ويجيد ترسيم خطة عمله المنهجية بالتعاون مع أستاذه في حوار علمي حقيقي، كما يدرك أهمية الرجوع إلى المصادر الأصلية والبحث عنها، وهو طالب يحرص عَلَى تقسيم الزمن عَلَى محاور عمله كي لا يتأخر إنجازه، فضلا عن مواصلة التشاور مع أستاذه ومع المختصين أو مجاوري الاختصاص، لأن الحوار قد يؤدي إلى إحراز معارف تفوق قراءة الكتب. وفي النهاية فإن هَذَا الطالب يقدم بحثا يتسم بالأصالة، وتتضح فيه شخصيته البحثية بما يؤكد جهده فِي التوثيق السليم وفي حوار الآراء، وفي تبني الرأي الأصوب، وفي تشكيل آراء ناضجة فِي النتائج. أما النوع الثاني فهو طالب متوسط ذو أهداف متنوعة علمية واجتماعية واقتصادية وقد تكون وجاهة الشهادات فِي طليعتها. والطالب الثالث يأتي وليس فِي ذهنه غير الشهادة الَّتِي يسعى إليها من أقرب الطرق وأسهلها، ويكتب رسالته وأطروحته من خلال الاقتباسات وحدها، فلا حضور له فيها ولا هدف ولا رأي، وهؤلاء هم العالة عَلَى الدراسات العليا وعلى الجامعة وعلى الشهادات وعلى مستقبل التعليم العالي بمجمله. ومن ملاحظتي أن هَذَا التقسيم كان حاضرا فِي كل الجامعات العربية الَّتِي زرتها، أو ألقيت محاضرات فيها، ولعل جزءاً كبيرا من المسؤولية يقع عَلَى عاتق وزارات التعليم العالي والبحث العلمي فِي السياسات الَّتِي ترسمها للقبول، كما يقع الشق الثاني عَلَى التدريسيين الذين صاروا يجدون صعوبة فِي إعطاء كل ذي حق حقه لأسباب مختلفة مما يؤدي إلى عبور الجميع نحو الشهادة.

-;- تدرس مادة الأدب الموصلي فِي الدراسات العليا فِي عدد من أقسام اللغة العربية فِي كليات جامعة الموصل، هل أستطاع هَذَا الأدب تغطية المصطلح المفترض والمقرر أولاً، وهل أسس هويته الخاصة ثانياً، وثالثاً هل تؤمنين بقضية الأدب المناطقي، والجيلي، والتحقيبي؟
أعتقد أن خدمة الجامعات للمدن الَّتِي تأسست فيها أمر مهم، ولما كان الأدب هو جوهر الحضارة فإن الاهتمام به هو اهتمام بجانب ثقافي وجمالي وحضاري فِي غاية الأهمية، وهنا أرى أولا، أن أي مصطلح وقبل طرحه للدراسة يجبُ أن يتمكن من بناء ذاته بتماسك عَلَى المستويين الموضوعي والأكاديمي من خلال الوعي بمفاصله الحركية والبؤر المهمة القادرة على الإشعاع فيه لجعلها محاور للدراسة ، ومنطلقا لإثارة أسئلة تصلح للبحث مستقبلا ، فضلا عن تمكنه من جذب انتباه طلبة الدراسات العليا بما يطرح من نماذج جاذبة جماليا ومعرفياً لدعمه والالتفاف حوله ، ولن يكون ذلك الا بجهود علمية أكثر من فردية ، لكنْ من الإشكاليات التي رافقت هذه المادة باعتقادي اشتباكها مع مادة الأدب الحديث شعرا ونثرا وقصة وجوانب إبداعية أخرى؛ لأنها لم تلتفت لما يمكن أن يكون مثريا في ادب الموصل القديم ، ففي الأدب الحديث والمعاصر بالموصل يوجد شعراء وكتاب قصة ورواية مبدعون ويوجد نقاد ، لكن لم يتم ترسيم حدود فاصلة تمنع دراستهم في إحدى المادتين الأدب الحديث أوالأدب الموصلي، مما جعل الكفة ترجح لمصطلح المادة الأولى الذي توطد عبر زمن أكاديمي عريق. بالنسبة للشق الثاني من السؤال، أختصر لك الجواب، وأقول: لا يمكنني الركون لهذه المصطلحات إلا للضرورة. هناك أدب حق لأنه حاز عَلَى الشرط الإبداعي ، وآخر لم يوفق ليكون إبداعيا وذا قيمة فنية ، وإنما اقتصر عَلَى التجربة اللغوية وهذه التجربة بمفردها دون الموهبة والرؤيا لا يمكن أن تكون إبداعا. لكن حين يدرس الشعر عَلَى الأجيال والأماكن والحقب لأسباب إجرائية أو بحثية وأكاديمية فليس من حقنا الاعتراض.

-;- ما مفهومك لمصطلح الأدب الإسلامي، وهل يمكن القول بوجود هَذَا الأدب وكيف يمكننا إضفاء صفة أحدهما عَلَى الأخر؟
قلت رأيي واضحا فِي بحثي الموسوم: النقد الإسلامي وأسئلة المعاصرة المنشور فِي مجلة ( إسلامية المعرفة ) والمعروض فِي موقعي عَلَى النتwww.dijlaiq.com
، وأوضحت أنه مصطلح متناقض مع ذاته، لأن الأدب مصطلح متحول لا يمكن وصفه بالثبوت بينما الإسلام عقيدة فيها ثوابت لا محيد عنها وفيها جانب آخر تأويلي ليظل النص القرآني مواكبا لتطور الحياة ومستجيبا لمصالح الإنسان فيما يستجد حوله من ظروف.. واقترحتُ عَلَى المهتمين بهذا الأدب محاور عدة فِي حينها تجدها مفصلة فِي ذلك البحث.لكني أعيد التساؤل هنا ، هل من الجدوى إقحام الأديان في الآداب والفنون ، وخلق مناخات اختلاف جديدة تضاف لما نحن فيه من اصطراعات ، أم من الأجدى الدعوة المتواصلة إلى أدب إنساني يدعو لإسعاد الانسان وتكريس أمنه وتوفير حاجاته الأساسية واحترام حقوقه وكرامته ، والدعوة لإشاعة المحبة بين المخلوقات والمجتمعات جميعا.

-;- هل الصراع بين التقليدي والحديث، فِي مناخ الشعر والنقد، وبين الشعراء والنقاد، هو حالة صحية منتجة فِي دفاع كل منهما عن نموذجه أم ماذا؟

نحن – العراقيين – مغرمون بالعنف ، ليس في هذا المجال حسب ، بل في معظم جوانب حياتنا بسبب ما نعيش من ظروف بالغة القسوة. لماذا نسمي القضية صراعا ولا نسميها حوارا أو حراكا، فحين ستكون صراعا لا بد من خسارة احد الطرفين ما دمنا فِي حرب، وحين تكون حراكا وحوارا سنتبادل المعارف وتتسع رؤانا ونطلع عَلَى آراء زملائنا الَّتِي ربما ستكون مخالفة لآرائنا فتثرينا، وقد يجرنا الحوار الجميل للقناعة بها او تقبلها دون اعتناقها مع احترام معتنقيها، فاحترام الرأي الآخر وان خالفنا تحضّر وفن وتهذيب ، ما دامت القضية قضية رؤى وقناعات، وفي العلوم الإنسانية لا يوجد أراء حاسمة، بل هي وجهات نظر، شرط أن تغني الثقافة وتثري الإبداع وألا تطرح لمجرد الجدل والاختلاف أو الصراع.لقد صادف أن قرأت رأيا للدكتور منذر عياشي يطرح فيه جهد عبد القاهر الجرجاني للحوار كونه لم يتعدَ غير عملية الجمع سواء في النحو أو في البلاغة أو في قضية النظم والإعجاز ، فقد كان معتمدا على كتاب سيبويه مرة وعلى المعتزلة في النظم والبلاغة ، وعلى الكثيرين في الإعجاز. فتطيّر كثير من قراء الرأي ، مع أن القضية باعتقادي كانت حثاً على ضرورة مراجعة التراث وأهمية فحص الأحكام السابقة بالعودة الى المصادر الأصلية من اجل الحوار معها وإثرائها برؤى فاحصة وعصرية ، فالحراك الدائم إذاً بين الشاعر والناقد وبين النقاد أنفسهم والشعراء كذلك أمر في غاية الأهمية وهو حالة صحية ومطلوبة على الدوام .

-;- يقول نزار قباني: (الشعر العربي الحديث يسمع بالعين)، هل استطاع النقد فِي الحقول الايقاعية أن يعطي منطقة البصر حقها فِي التشكيل والدلالة، ما قولك بالقصيدة البصرية؟
لا أميل لتفسيرات الكثير من النقاد ولا سيما زملائي الأكاديميين منهم للقصيدة البصرية أو ما يدعونه الإيقاع البصري بأنه الإيقاع الطباعي، أو ما يشكله الحرف الأسود عَلَى الورقة البيضاء من أشكال أو الكتابة داخل مشجرات وترسيمات، فضلا عن طرائق استعمال علامات الترقيم وما يوكلون لذلك من أحكام دلالية كالتشتيت، وتفتيت الدلالة، وفتح فضاءات المعنى أو إغلاقه، صحيح ان ذلك قد يشارك فِي الإفصاح الجزئي عن الدلالة، لكنه لا يقرر الحكم عليها. أو يتمكن وحده من رسم حدودها، لأن اللغة غير عاجزة عن التعبير عما يريد الشعر البوحَ به ، فضلا عن أن صاحب الشأن في تشكيل النص الأولي الذي هو المبدع ، كثيرا ما يتجاوزه المنسق في دار النشر المصدِّر لديوانه ليغير إيقاعه لأسباب عدة ، وباعتقادي فإن القصيدة البصرية أبعد مدى من ذلك، فهي تلك القصيدة الَّتِي تنفتح عَلَى الفنون البصرية تشكيلية وفوتوغرافية وسينمائية وتحتفي بألوانها وتشكيلاتها وتداخلاتها الصورية، وللألوان دور مهم فِي القصيدة لأنها لا تلون الشعر حسب ، بل تعمل عَلَى تنشيط الحواس وفتح الأمزجة للتلقي أكثر من الأبعاد البصرية الأخرى ، إن المرتكز الزماني للشعر لا يمنعه من التعبيـر عما هو مكاني لأنه لا تحقق للزمن بدون المكان من خلال التعبيـر بتقنيات التشكيل البصري لوناً وكتابة فِي بناء الصورة الشِّعرية وموضعتها عَلَى الورقة – المكان – لتكون اللغة هنا تشكيلاً ذا دلالة مكانية اشتبكت فيه فنون بصرية عدة ويلعب فيه المونتاج اليوم دورا مهما ولاسيما بعد دخول الآليات اللسانية ومعايير الخطاب فِي طرائق التحليل الشعري كالسياق والأنساق وغيرها، أما أن تعدَّ الأشكال الطباعية والمشجرات والترسيمات فِي كتابة النَّص عنواناً لتحولات إبداعية مهمة فذلك ما لا أراه حقيقياً، لأنَّ الإبداع الشِّعري يشتغل فِي اللغة، وهي موضع اشتغالنا النقدي كذلك ، وهذه الترسيمات تشتغل خارج اللغة، إلا إذا عُدت نوعاً من التَّداخل..

-;- يجد رينيه ويلك الإيقاع متجسداً فِي النصوص الأدبية كلها بشكل عام، كيف تقيمين الدراسات الَّتِي تدور فِي فلك الإيقاع شعرا وسرداً ، وهل استطاعت هذه الدراسات رصد حركة الشخصية وتناوب السرد والحوار والبناء الدرامي... ؟
-;- لا شك أن الإيقاع بدلالته الواسعة ركن مهم من أركان شعرية القصيدة والقصة والرواية والدراما والاخراج أيا كان نوعه في التشكيلات التركيبية والدلالية والزمنية ، تكرارا ، وزنا ، توازيا ، ، قافية منوعة على الداخل والخارج وطرائق مونتاج .. وشخصيات أحداثا ، إلخ ، وأننا مع قصيدة النثر – دون شك - أحدثنا فجوة مهمة لم يملأها إلا الموهوبون فِي كثافة التصوير، وكثافة التصوير تحولت فيما بعد لقضية ذهنية تنهمك بالعمل على الربط بحثا عن العلاقات ، فالإيقاع ركن مهم فِي كل عمل أدبي وفني؛ لأنه الناظم الَّذِي يهتز بغيابه البناء الفني للنص، فللقصة إيقاع ، وللرواية إيقاع زمني لا ينتظم سير أحداثها ووقائعها إلا به ومن خلاله ، وهذا الايقاع كلما كان خفيا ، زاد النصَّ طاقة على الايحاء واقترب من المستوى التأويلي ، وللمسرحية وإخراجها إيقاع، كما أن للوحة التشكيلية ولكل عمل جيد إيقاع خاص به، بوجوده الخفي ينتظم العمل، وبغيابه تهتز أركانه وقد تتبعثر. حياتنا عبارة عن ايقاعات متنوعة في المجالات كلها ، وهذا الايقاع بدءاً من نبض القلب دليل وجود حياة ، أما دراسة الإيقاع فِي الأعمال السردية اليوم فهو من الأمور المهمة، لأن لسير الحدث وللزمن النفسي إيقاعاً ولحركة الشخصية إيقاعاً ، وللرؤى السردية إيقاعات كذلك ، وهكذا فِي القصة القصيرة والمسرحية ، لكن هذه الدراسات للأسف تحولت لمحاور تقليدية تبحث في الشكل دون توظيفه عميقا في استثماره دلاليا ، وهذا الأمر سمة معظم الدراسات الحالية ولا سيما الأكاديمية منها لأسباب ذُكرت في جواب آخر.

-;- إلى أي مدى تتجسد سيرتك بتفاصيلها كلها، الذاتية و الإبداعية فِي شعرك؟
-;- لا شك أن سيرة الشاعرة أو الشاعر تتجسد فيما يعلنه هو أولا من علاقة قصيدة أو نص بحادثة واقعية شخصية وكيف تعاملت معها المخيلة ، وماذا أبقت من واقعيتها بعد نمذجة اللغة ، وقد تحدثتُ عن مرجعيات بعض قصائدي في كتاب (الشعر والنقد والسيرة) الذي حاورني فيه الناقد السوري عصام شرتح أولا ،، وثانيا سيتم العثور على الكثير من ملامح السيرة في المدى الأبعد الَّذِي يصل إليه القارئ وما يتيحه أفق قراءته وتلقيه هو، وما يستطيع التقاطه من تلك السيرة فِي أعماق الشعر والنقد معا، وباختصار يمكنني القول إن تفاصيل دقيقة من حياة المبدع يمكن أن تكون مضمرة فِي صميم ما يكتب من أدب وما ينتج من إبداع ، لأن الإبداع لا يأتي من فراغ ، وإنما يستمد من الواقع نسغا أصيلا يُغذيه وإشارات تنبه مخيلته للعمل على تحليل الاشارة والتلاعب بها لحد تغييب أصولها حين تكون المخيلة نشطة في إعادة التركيب ، لكن الناقد الذكي وحده وبمجساته التأويلية هو الذي يتمكن من الإمساك بتلك التفاصيل.

-;- هل نجحت القصيدة العربية فِي مراحل تحديثها كلها من القديم إلى المعاصر أم كانت لها خطوات حسبت ضدها؟
-;- عمليات التجديد والتحديث فِي الأدب لا تفعل فعلا فوريا كضربات الجزاء، فكل عملية تجديد لها ظروفها واشتراطاتها، وهذه الاشتراطات موضوعية وذاتية، الموضوعية تتعلق بنضج اشتراطات الواقع الأدبي والفني ومدى استعداده للتحول ودعم التجديد، والذاتية تخص المبدعين وإمكانياتهم ومواهبهم ومعارفهم وقدرتهم عَلَى الدفاع عن مشروعهم التجديدي، فالمشروع الذي استوفى شروطه يكتب له النجاح والنماء والتطور، والذي لم تتوفر له الشروط ينكفئ ويتلاشى، وأبسط مثال عَلَى ذلك التطور الحي شعر التفعيلة وقصيدة النثر ، وما تستنفد طاقته من تلك الفنون يذبل ويتلاشى، بينما يعيش وينمو ويتطور من كان يمتلك الطاقة عَلَى البقاء. ولا شك ان هناك محاولات كثيرة للتحديث لكن التاريخ لا يحفل كثيرا بالمواليد الضعيفة الَّتِي تؤول إلى زوال، انه يقف عند الانعطافات الَّتِي تمتلك الطاقة عَلَى الاستمرار. والقدرة عَلَى التواصل بالتحول من حالة الهواية واللعب التجريبي إلى الاتقان والمهارة الحرفية .

-;- هل الشعر العربي القديم بحاجة إلى قراءة بعيدة عن كل ما من شأنه أن يقيد مقولات الشعر؟ قراءة حرة وجديدة ؟
-;- نعم، ما أحوجنا إلى قراءة الشعر القديم قراءة جديدة فهو كنز ما يزال مخبوءا ، وهو تراث يحق للعرب أن يفخروا به أيما فخر ، لما تضمنه من قيم فنية جمالية ومعرفية جعلته قادرا عَلَى التجاوز والتعالي عَلَى الزمن ، فنحنُ تقرأه دون أن نزيح عنه غبارا كثيفاً ؛ لأنه لم يكن مركونا عَلَى رفوف الزمن، بل عاش متداولاً مع الأجيال جيلا فجيلاً.. نقرأه وكأنَّه كتب لنا ومن أجلنا، إنَّه يعبر عن إشكالياتنا الوجودية وعن قضايانا، ويمنحنا ما نحن بحاجة إليه من قيمٍ وحكمٍ تدحض الخطيئة الإنسانية لتفتح فضاء الجمال وفعل القيمة. هذا على مستوى التداول ، أما على المستوى البحثي فإن شعرنا القديم بحاجة لوضعه في المستوى التأويلي من أجل دراسته دراسة أكثر عمقا من الدراسات التاريخية والتفسيرية والوصفية التي تناولته عبر الزمن ، فالقراءة التأويلية هي القادرة على الكشف عما يُضمره من رؤى وجودية وأبعاد دلالية وطاقات جمالية قيمية ، ومواقف من الإنسان وإشكاليات الوجود.

-;- من هز الشَّجرة الشعرية لبشرى البستاني، وهل كان الرطب جنياً بوصفك ناقدة؟
-;- هي نداءات ملتهبة ومشتبكة ومتواشجة من الاغتراب والحب والحرب والفقدان والإشكاليات الوجودية في تأمل المصير والخوف من المجهولات التي صارت تهدد حياتنا ، تلك هي الكف الَّتِي هزت الشجرة، وعلى المستوى الذاتي كان الرطب جنياً، لأنَّ القصيدة كانت ملاذاً وخلاصا من العذاب الَّذِي كان وما يزال يثوي في أعماق النفس الشاعرة على كل المستويات الذاتية والوطنية والإنسانية، لقد كانت القصيدة تغسلني بالضوء والعبير، لأنها تحول مكابدتي من الداخل إلى الخارج عبر كتل لغوية نسميها شعرا، أما نوعية الرطب فِي رؤية القارئ الآخر فالجواب له لأن ذلك من حقه.

-;- البنيوية / السيمياء / التفكيكية / القراءة والتلقي / التأويل وغيرها من الوافد الغربي، ماذا يعني عندك هَذَا الدرس الغربي فِي المحاضرة النقدية بجامعاتنا؟
-;- تعد اللسانيات اليوم وما نتج عنها من نظريات ومناهج وأجهزة مصطلحية من المعارف المهمة الَّتِي اجتاحت الحقول الأكاديمية والثقافية في المجالات الإنسانية ، وما زلت أعجب من معارضة بعضهم تدريس المناهج الغربية الحديثة وأجهزتها المصطلحية أو الاستفادة منها فِي الحقلين الأكاديمي والثقافي خوف الانبهار بها أو الاستسلام لها مع وجود النت ، وأي الحالتين أجدى، أن أدرسها للطلبة بإشرافي موضحة لهم سلبياتها وإيجابياتها، جديدها وما له بعض الجذور القديمة فِي تراثنا أو التراث الإنساني، وأيهما أفضل أن نحاور بها الشباب المثقف، أم ندعهم يأخذونها من النت ومن الكتب المترجمة الَّتِي يتسم الكثير منها بالإرباك ترجمة وتفسيرا، ليرتبكوا بارتباكها هم كذلك، أو يأخذهم الرفض أو الانبهار بنظريات ومصطلحات مغرية وفيها إغواء لم يكونوا قد تعرضوا له من قبل، لقد تغير حال المعارف اليوم ، فلم يعد أي فرع منها محجوبا عن نظر الشباب والدارسين، ولذلك لابد من تدريس هذه المناهج وأجهزتها فِي الدراسات العليا، ولا بدَّ من طرحها للحوار المعرفي بين الشباب بكل فروعها بغض النظر عن اتجاهات علمائها أو انتماء مفكريها والمؤسسين لها، علما أن الكثير من طروحاتها قد أضفى حراكاً وحركية لا تنكر عَلَى الثقافة العربية الراهنة، وعلى النقد والإبداع العربي عموما، كما فعل الجهاز المصطلحي للتفكيك من اختلاف وكسر المركزيات النصية والعناية بالهوامش والاهتمام بالفجوات في القراءة واللعب باللغة ومن تصدٍ للتمركزات ، وأهمية تفكيك المركزية الغربية وإعادة النظر بالثنائيات وغير ها.
-;- ثمة تاريخ وسلطات متنوّعة فرضت مناخها عَلَى المرأة، وثمة تكوين سيكولوجي وبيولوجي خاص بها، وثمة من يقول بانعكاس هذه المشتركات بين النِّساء بالضرورة عَلَى أدبها، وثمة من يستفتي الأستاذة الدكتورة بشرى البستاني فِي الأمر.
-;- نعم هذا كلام صحيح، ليس الرجل هو المسؤول الوحيد عن سوء أحوال المرأة فِي بلداننا وفي أرجاء العالم عموما، لأن الرجل كالمرأة تشكيل إنساني وسماته الشخصية ناتجة عن فعل عوامل السلب والإيجاب السائدة هو الآخر، هناك الكثير من الرجال يحتاجون لمن يحررهم من عوامل السلب فكرا وسلوكاً، فالرجل الحر لا يغبن امرأة ولا يجرح كرامتها، ولا يضربها ، ولا يحرمها من حقوقها ، ولا يظلم مخلوقا ، والحقيقة أن المسؤول عن كل ذلك هو مراحل تاريخية ومتطلبات وأحداث ووقائع ومستويات حياتية أنتجت منظومات قيم متخلفة هيمنت فيها الاستلابات والظلم والمفاهيم القائمة عَلَى الاحتكار والإقصاء وتغييب دورها من قبل المؤسسات الَّتِي يحتكر قيادتها رجال ذوو مصلحة، مع غياب برامج تمكينها، وتقسيم العمل بينها وبين الرجل عَلَى أساس إقصائي، والتخلف السائد فِي مناهج التعليم وفي الإعلام الَّذِي يقلل من شأن مهماتها الجليلة فِي الحياة وفي كونها راعية الديمومة، كل ذلك يلقي بظله عَلَى حالتها السايكولوجية فِي زرع الشعور بالضعف والانكفاء والخوف من صنع أي قرار وعدم القدرة عَلَى تحمل تبعاته، وأحيانا بالتمرد كرد فعل عكسي، أما انعكاس هذه المشتركات بين النساء عَلَى ما يكتبن من أدب فذلك أمر طبيعي ، فقد عمل هذا الارباك على اختلاف ردود فعل المبدعات ، فمنهن من اخترن مواصلة التبعية للرجل ، ومنهن من تطرفن في اتخاذ مواقف التمرد ضد التبعية والإقصاء ، ومنهن من حاولن اختيار الحوار المعرفي والعمل بمثابرة على الكشف عن أهمية التحرر بالأدوات الايجابية التي تضمن حقوق المرأة من النواحي كافة بالعلم والعمل ، وكان لكل ذلك صدى واضح في إبداعهن من أجل تشكيل امرأة متوازنة في البيت وفي العمل وفي القدرة على صنع قرار سليم.
-;- صار للقارئ اليوم سلطته الَّتِي تضاهي سلطة النص ومنتجه، لاسيما وان عملية القراءة بالغة الأهمية ، وليس بعيداً عما يحيط بالنص من ظروف وملابسات وقضايا كبيرة ، إلى أي حد نجحت المناهج التي توجهت لسلطة القراءة فِي تعاملها مع النص..؟
قلت في حوارات سابقة إن الناقد الجاد هو الذي يستثمر كل معارفه المنهجية وخبراته في الكشف عن الطاقات الدلالية والجمالية والقيمية التي يضمرها النص ، إنه لا يركن لمنهج واحد يسجن النص داخل حدوده المرسومة ، بل هو الذي يبتكر المنهج الذي يحتاجه النص ويلائم مستوياته بعد قراءته قراءات واعية ، وذلك لن يكون إلا بامتلاكه الأدوات والمعارف التي تؤهله لاختراق سطح النص والولوج إلى كوامنه ، إن سجن النص فِي منهج واحد يؤدي لخسارة العمل الكثير من ثرائه ، نعم ، نظريات القراءة والتلقي لا تعزل النص عن محيطه وظروفه وعن أفق تلقي قرائه كما تفعل البنيوية ، ولا تشتغل بعيداً عما يحيط بالنص من ظروف وملابسات ومرجعيات وآفاق معرفية وقضايا كثيرة وتفاصيل دقيقة، بل القاعدة فيها أن أفق التلقي لدى القارئ كلما كان ثريا فِي معارفه وخبراته ، وواعيا باشتراطات جنس النص وبعلاقاته مع الاجناس الأخرى وبظروفه وفضاءاته ومرجعياته ومقاصده من جميع النواحي، فإن قراءته ستكون قادرة على الكشف عن مستويات ذلك النص وعلَى الامساك بالدلالات الثاوية في طيات تشكيله. على أن تبعات الفشل لا تُلقى بشكل مطلق على المنهج ، فليس هو من ينجح أو يفشل كليا ، بل الباحث أو قارئ النص هو الذي ينجح حين يكون قادرا على اقتحام هذا الوحش – على حدّ تعبير ناقد فرنسي- المسوّر بأسوار الغموض والمراوغة والمليء بالفجوات والنتوءات التي لن تستسلم إلا لقارئ يتسم بعمق المعرفة وسعة الرؤيا.قارئ قادر على اختيار نصه المدروس فليس كل نص أدبي يستحق الدراسة ، دالاً المتلقي على مواطن الإثارة الجمالية فيه ومؤشرا وظائف الفن ورؤى الفنان الابداعية التي شكلت الجمال ، مؤكدا على التذكير بحضور الانسان وبقدرته على المقاومة بتنمية عوامل الايجاب في الحياة من خلال دحض الشر والقبح والرداءة ، فالشعر والفنون هي الجواب الأبلغ على صدمة البؤس الذي نعيشه ونحتاج لشجاعة فائقة كي نقاومه وننتصر عليه بالجمال وتفعيل عوامل الايجاب.

-;- في شعرك صراع دائم مع الأخر الموازي والأخر النقيض، بتفاصيله وقضاياه، لكن الأمر ينتهي فِي الأحيان أغلبها إلى خيار واحد من اثنين ، إما التمرد أو الانسحاب بقوة وعنفوان.
-;- لا أعتقد أن ما يدور فِي شعري والشعر الحديث عموما يمكن أن يصنف اشتغاله فِي خانة واحدة واضحة المعالم، لأن شعر المضمون الواحد قد انتهى عصره مع اجتياح مرحلة ما بعد الحداثة لعصرنا الراهن ، إذ حلت الإشكاليات وتداخلاتها مع تغير إيقاع الحياة إلى سرعة مذهلة واشتباكات وتداخلات وتناقضات لا تُصدق، لكن يمكن إطلاق حكم آخر ربما يكون أكثر دقة، ذلك أن الدائرة الَّتِي تلعب فيها نصوصي ومعظم نصوص الشعر المعاصر ولاسيما فِي الدواوين الأخيرة هي دائرة إشكالية حوارية، فهناك حوار دائم ومتواصل بين الذات والآخر، بين الذات والطبيعة والوقائع والحوادث والأشياء، بين الذات وذاتها، بين الذات وبحثها الدائب عن ملاذات وخلاص، حوار لا يصل حد الصراع إلا مع الغباء والقبح والطغيان ، مع من حارب شعبي وأحرق وطني وقتل أهلي، ومع من يحاول أن يقف بوجه إرادتي ووجودي، وخارج هَذَا الإطار التدميري ستجد شعري ايجابيا، مقبلا عَلَى الحياة، وعاشقا للجمال وتشكيل الانسجامات؛ لأن الصراع قد يؤدي إلى الصدامات والخسائر وحتى الاندحار، وأنا لا أحب الصدام لانه يعطل مشروع الحياة المبجل ، لكن حين يصادمنا الأخر ويصارعنا بإصرار وعدوانية فنحن لاشك جاهزون للمواجهة والتصدي بما نمتلك من قدرة على المقاومة والرفض.. على أنك ستجد عوامل السلب الَّتِي دمرتنا تتشكل اغترابا مضنيا فِي المفاصل المركزية لمجموعاتي الشعرية.. وهذا ما يجعل الذات الشاعرة امام خيارين ، إما التمرد والرفض والثورة وإما الانسحاب بعنفوان حينما تكون غير راضية عما يجري حولها من احترابات، وتجد القيم الإنسانية مهدورة ومقهورة بالعنف والاستلابات والغباء والتحجر وخيانة الحب والخير والجمال بالضغينة والحقد وقتل الطفولة وتشتيت العوائل و... الخ.
-;-
-;- تواجه السيرة الذاتية إشكاليات عديدة وهي تتحول من ذاكرة الكاتب إلى ذاكرة الورقة، إلى أي حدّ تتفقين مع الشاعرة فدوى طوقان بقولها ((ليس من الضروري النبش فِي الخصوصيات)).
-;- نعم، تواجه السيرة إشكاليات عدة عبر تحولها إلى نص عَلَى الورقة، ذلك أن اللغة مضللة, فالكلمة ليست هي الشيء بل إشارة إليه أورمز له، والذاكرة هي الأخرى مضللة.. تنسى أو تتناسى أو تفرز وتحذف لمقاصد ذاتية شتى ، ثانيا أتفق مع الشاعرة فدوى طوقان وأضيف أنه ليس من وظيفة النقد العمل عَلَى رصد خصوصيات المبدعين بحجة تفسير نصوصهم، لأن الناقد الذكي بإمكانه التقاط أدق خصوصيات الأديب من نصوصه شعرا وقصة ورواية أو أي نص آخر ولكنه يتحاور مع التشكيلات النصية وليس مع خصوصيات المبدع ، فبين الخصوصيات والعمل الفني مسافة عبور من الواقع بثقله المادي إلى النص الشعري بخفته وجمالياته التي ترقى به سمواً ، مما يجعل فعله ساعيا نحو إثراء الدلالات وليس نبش الخصوصيات لنشرها وتداولها بوصفها خصوصية الإنسان وليس إبداع الشاعر أو الفنان ، إنه عندئذٍ يقلل من شأن عمله هو أولا ، كون الابداع أكبر من فرد ومن خصوصيات ؛ لأنه دال يشير إلى حياة كاملة والى جوٍّ مجتمعي ، وإلى كون إنساني ، فنبشُ الخصوصيات الشخصية هو فعل المجتمعات المتخلفة الَّتِي تعاني من جهل معرفي ، ومن الفراغ وبعثرة الزمن اجتماعياً ونفسيا وحضاريا ، فما يربطنا بالآخر هو حدود عملنا معه ثقافيا وإبداعيا وفكريا وحتى أيديولوجيا إن اقتضى الحوار، أما أموره الشخصية فهي ملكه لا حق لنا فيها ، لكن من حقنا مساءلة نص الفنان والأديب وتقليبه والحوار معه، والتوصل إلى نتائج فِي حيثياته لكن بوصفنا مبدعين متحضرين وليس جواسيس أو شرطة أمن أو متلصصين عَلَى سلوكيات لا حقَّ لنا فِي الترصد عليها ؛ لأنها سلوكيات شخصية خارج اشتغالنا، وأبعد ما تكون عن ميدان عملنا ، والناقد الواعي يدرك بدقة المراحل التي تعبرها إشارات الواقع من الحقيقة الى الخيال والمخيلة التي تتفنن بالتلاعب بها وتبدع في تشكيلها.

-;- هل تعتقدين بوجود ما يمكن التعويل عليه ويشكل ظاهرة فِي السير النسوية العربية، وإن كان كذلك فكيف تجدين مستقبلها وإشكالية تجنيسها.
-;- نعم يمكن الركون لمثل هذه الظاهرة الَّتِي باتت واضحة للعيان، فكما أن سيرة الرجل أثبتت حضورها فِي الميدان الأدبي، كذلك فعلت وستفعل سيرة المرأة، لا بل يمكن للمرأة أن تقدم خبرات جديدة لم يسبق للرجل أن خاض غمارها، لأنه لا يمتلكها، وليست من طبيعته البايولوجية أو مما يقع فِي دائرة جسده أو اهتمامه، أما سيرة فدوى طوقان (رحلة جبلية، رحلة صعبة) فهي نموذج مهم فِي رصد إشكاليات حياة المرأة العربية المبدعة، وقد ذهلتُ وأنا أقرأ فِي سيرتها أنها لم تتعلم فِي المدرسة بل علمها القراءة والكتابة والعروض شقيقها الشاعر إبراهيم طوقان رحمه الله ، ولولا ذلك الأخ الرائع لضاعت موهبة مهمة لم تستوفِ واحدا من أهم حقوقها الأساسية وهو التعليم، لقد انتهيتُ قبل أشهر من قراءة آخر نتاج للمبدعة العراقية عالية ممدوح في كتابها (الأجنبية) وهو نموذج من نماذج كتابة السيرة النسوية فِي الأدب العربي، فقد مازها ذلك الأسلوب الرصين وهو يعرض قضايا فِي منتهى الخطورة ، تتعلق بخصوصية مشاعر المرأة وإشكاليات حياتها الزوجية فِي الانفصال وإكراهها عَلَى العودة لبيت الطاعة، وهي سيرة تدون بشاعة الخوف وهيمنته عَلَى الإنسان المعاصر ولا سيما المرأة، وتكشف عن الاغتراب وأزمة الهوية والإشكاليات الَّتِي يعيشها الإنسان فِي افتقاده الأمن والشعور بالطمأنينة ، فضلا عن كون عالية ممدوح كشفت عن جماليات الصداقة بشكل حميم، ومن خلالها عن قضية يكاد فقدانها اليوم يهدد الإنسان عموما، هي قضية القيم والإخلاص للإنسان. أما عن تجنيس هذه السيرة الخاصة بالمرأة، فلا أجد فِي تجنيسها ما يدعو لإشكالية، فقد سبقها الشعر النسوي والقصة النسوية والرواية والمسرحية، فأين موضع الإشكال في السيرة النسوية.؟

-;- يجد الدكتور خليل شكري هيّاس وهو يعدُّ عن شعرك كتاب ( ينابيع النص وجماليات التشكيل)، قراءة فِي شعر بشرى البستاني، نفسه أمام سؤال ((هل سيفي هَذَا الكتاب الاحتفائي الَّذِي أسهم فيه عدد من الأساتذة والباحثين حقَّ هذه الأستاذة المعطاء))؟
-;- كتاب ( ينابيع النص وجماليات التشكيل ) لم يكن عن الأستاذة المعطاء، بل كان عن شعرها، وحين يُحتفى بشعر الشاعرة لا تكون الأكاديمية بمنأى عن ذلك الفعل الجمالي، لأن فكر معظم طلبتها وزملائها وأقلامهم هو الَّذِي منح شعرها زمناً وجهدا لا يمكن إلا تثمينه والاعتزاز به. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن طالبي وزميلي الدكتور خليل هياس ومعه طالبتي وصديقتي الدكتورة عشتار داؤد جاءا لبيتي مشكورين وانتزعا من أدراج مكتبتي ومن ملفات حاسبتي ما كان لدي من بحوث، وصدرت بعد هَذَا الكتاب عن شعري كتب ورسائل وأطاريح، عَلَى أن كثرة الكتب عن الشعر أو النقد أو الرواية لا يمكن أن تكون عَلَى الدوام دليلا عَلَى ايجابية العمل أو مظهرا من مظاهر طاقته الشعرية والإبداعية ، فنحن في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل ، وهيمن فيه التزوير ، ولا بد للباحث الحق من الرجوع للمصادر الأصلية لمعرفة الحقيقة. فالمهم فِي اعتقادي هو مدى حضور النص الإبداعي فِي ذات متلقيه، ومدى قيمته الفنية الَّتِي تعمل عَلَى تجديده جمالياً كلما عاودتَ قراءته عبر الزمن . عَلَى أن د. خليل وكل طلبتي الذين درستهم فِي الدراسات العليا والأولية والذين أشرفت عَلَى أطاريحهم أو ناقشتهم أو حاورت مشاريعهم البحثية في كل أقطار الوطن العربي وبكل وسائل الاتصال قد وفوا الأكاديمية حقها بحب ووفاء متبادلين وظلّ تواصلهم معي من أسمى العلاقات الراقية الَّتِي يحلم بها أستاذ أو أستاذة جامعية، ولذلك ظلت علاقتي بهم علاقة محبة وحوار وانسجام ، وتلك المشاعر المتبادلة أعدُّها أثمن كنوز الأستاذ الجامعي كونها رصيده الأرقى في مسيرته العلمية، وهي فضلٌ من الله سبحانه ونعمة من نعمه الَّتِي لا تُحصى.

-;- بوصفك ناقدة وعروضية كيف لك برهنة فرضية مناسبة الوزن للغرض أو ردها أو الوقوف وسطاً منها، ولك الاستشهاد بتجربتك الشعرية فِي هذا.
-;- لا أتردد أبدا فِي القول بعدم وجود علاقة بين الأوزان والمضامين، وأقرب مثال عَلَى ذلك شعر المعلقات وشعر المتنبي والشعراء العرب الخالدين ، ذلك الشعر الَّذِي يلازم معظمنا، فنحنُ تقرأ البحر الطويل فِي الرثاء وفي المدح والغزل والوصف والهجاء والفخر، وفي معظم ما كُتب من مضامين، ويكفينا ذلك دليلا مع احترامنا لرأي أجدادنا الفارابي وابن سينا والقرطاجني ومن المعاصرين الدكتور أنيس والمجذوب وآخرين، وقبلهم أرسطو الَّذِي خص الوزن الأيامبي والتروكي للرقص والفعل لما يشتملان عليه من حركية. لقد أطلق هؤلاء الدارسون حكما شموليا عَلَى التناسب بين الوزن والغرض ربما كان لأرسطو أثرٌ فيه، أما فِي شعري فتجد كثيرا من النصوص الَّتِي تتباين دلالاتها لكنها تشترك ببحر واحد، وهذا دليل مرونة العروض العربي وقدرته عَلَى احتواء دلالات شتى بالوزن الواحد، وقد أوضحتُ ذلك مفصلا فِي دراستي لعينية الصمة القشيري المنشورة فِي مجلة إبداع التي تصدرها الجامعة الأمريكية فِي القاهرة عام 2000 والموجودة فِي موقعي وبصفحتي عَلَى النت..
www.dijlaiq.com
-;- يجد أبو العتاهية نفسه أكبر من العروض، وهو لا يخرج عَلَى العروض بالحجم الَّذِي يمكن عدّه متعاليا على هذا العلم، هَذَا من جهة، ومن جهة أخرى يرى الكثيرون أن تداخل الأوزان فِي القصيدة الواحدة يعد خللاً، كيف لك أن تعلقي عَلَى ذلك، وتدافعي عن ((قصيدة العراق)) لبشرى البستاني.
-;- أولا، تتلون أمزجة الشعراء والمبدعين فِي الرد عَلَى محاوريهم او المختلفين معهم فِي الرأي ، فهذا أكبر من العروض وآخر أكبر من النحو وثالث لا يأبه بعيوب الروي من إقواء أو تضمين إلى غير ذلك من أمزجة الشعراء والفنانين...أما الرؤى الَّتِي أوردتها فِي ( يرى الكثيرون ) فلا يمكننا التعويل عليها فِي الدرس النقدي ولا العروضي ولا في البحث العلمي الرصين ما دمنا لا نشير لأسماء ومصادر وآراء مسوغة بحجج علمية، ولا نعتمد على أمثلة تؤكد كثرتها تعالي هؤلاء الشعراء حقيقة على العلوم التي ذكروها ، لأن مراجعتنا لمنجزهم تؤكد أنهم لم يخرجوا على العروض والنحو إلا في مسائل محدودة جدا ، وما وصلت اليه الشعرية فِي الواقع المعاصر يؤكد لنا عكس المقولات الَّتِي طرحها السؤال ، لان الواقع الأدبي قد تجاوزها شعرا ونقدا. نعم من حق الآخرين أن يقولوا ما يعتقدونه، ومن حقنا أن نطالبهم باقتران أقوالهم بالتعليل المعرفي. وعلينا لو كنا حواريين أن نتقبل آراءهم وإن كنا غير متفقين معها، فالقبول هو استسلام للرأي الآخر، بينما التقبل أن نبقى عَلَى اختلافنا متقبلين بعضنا، وهذه هي ثقافة الاختلاف حيث لا يلغي أحدنا الآخر ولا يقصيه ولا يفرض عليه رأيه ، وهذا السلوك المتحضر هو ما نحن بأمس الحاجة اليه، مادام الأمر مشتغلا فِي فضاء وجهات النظر. أما تعليقي عَلَى الأمر فيمكن إيجازه بأن المسألة تكاد تنتهي أصلا بتطور مفهوم الشعرية، وانسحاب الأوزان عن صدارتها فِي الشرط الشعري منذ طغت قصيدة النثر والومضات والالتماعات عَلَى الأنواع الأخرى. أما (قصيدة العراق) لبشرى البستاني الَّتِي تداخلت فيها الأوزان فلم يتهمها أحد لأدافع عنها، بل دُرست أكثر من دراسة عروضية جادة سوغت تداخلاتها بالحجة الحوارية ، درسها الدكتور قاسم محمود وهو مبدع وباحث مختص بالإيقاع، كما درستها الدكتورة فاتن غانم ومعها قصيدة موسيقى عراقية الَّتِي تداخلت فيها البحور كذلك ، والتي درسها الأستاذ الدكتور محمد جواد البدراني ، وتعرضت الأستاذة الدكتورة بتول البستاني أكثر من مرة لتداخل الأوزان فِي قصائدي، وكتبت الباحثة شيماء سالم رسالتها فِي الماجستير عن الإيقاع فِي شعري، وخصصت مبحثا مهما فيها للتداخل، ولم يعد الاختلاف فِي هَذَا الأمر ذا شأن مهم لان الشعر قد تجاوزه بالانفتاح والتجريب وولوج مناطق جديدة لم تكن مألوفة من قبل، فلم تعد الأوزان الصافية ذلك الشرط الملزم حين دخلت سمات مرحلة ما بعد الحداثة وفجرت المراكز كلها وأحلت التداخلات محلها.

-;- من يعمل فِي حقول النظرية فحسب يبقى قاصراً فِي حقل الأجراء، هل هذه الفرضية صحيحة؟
-;- السؤال يقول هي فرضية، ونعرف أن الفرضية تحتاج إلى براهين كي تؤكد صحتها من خطئها، وعلينا ألا نغبن الناس حقوقهم ، فبعضهم اشتغل فِي الحقلين وبعضهم انصرف للنظرية حين وجدها أقرب الى قدراته من مقاربة النصوص وتفكيكها وإعادة تركيبها من جديد، أو ان مشروعه الذي ارتآه يهدف إلى العمل على مراجعة الفكر والحوار معه والإضافة إليه وهذه قضية مهمة . أما عدم الاهتمام بالإجراء فهَذَا أمر خطير لأنه يترك الإبداع وشأنه دون كشف ولا اضاءات ولا فرز ، ونسي الناقد مهمته فِي الشراكة مع النص والمبدع والقراء فِي تشكيل الدلالة ، وفي الكشف عن القيمة الفنية للنصوص وجمالياتها وتفكيك غموضها من أجل تقريبها ما استطاع من جمهور قرائها، إن عملية التوازن بين التنظير والتطبيق كثيرا ما تصعب عَلَى الناقد لأنها تحتاج لجهدين، ولمعارف وآليات مضافة تحيله عَلَى حقلين فِي وقت واحد فما بال الذين يعملون عَلَى أكثر من سؤالين معرفيين.؟ أما عن القصور فلا أحب توجيه التهم لأحد، كلا العملين فيهما نفع وفوائد وجهد كبير، ولا ضير فِي تنوع الطاقات والتوجهات، فناقد يشتغل عَلَى النظرية، وآخر فِي التطبيق، وثالث بهما معا، عَلَى أن القضية لا يمكن أن تنفصل عن بعضها ؛ لأن كل حقل يحتاج الآخر ليكمل ذاته.

-;- أحسب أن افتتاح دراسة الأستاذة الدكتورة بتول البستاني الموسومة بـ((محنة الحرب، قراءة فِي قصيدة بانتظار القصف ))، بمقولة هاو سمان حول مهمة الشاعر (( تنسيق أحزان العالم))، موفقة جداً ولها أن تنفتح عَلَى أكثر من قصيدة وديوان فِي منجزك الشعري.
-;- مقولة هاوسمان ضربة بليغة، ومفارقة تخفي اتهاما جارحا لمعذبي الإنسان وسارقي أحلامه، وزارعي الحزن فِي حياته، فقد لجأ لمفردة (حزن) وليس (ألم) إشارة لكون المسببات نفسية سببها العذابات المحيطة بالإنسان ، وليست جسدية عضوية مؤلمة، فِي اتهام واضح للحضارة المادية الراهنة وآليات دمارها، إنه يؤكد أن أحزان الإنسانية فِي الزمن المعاصر كثيرة، وكثرتها تعود لتنوع مصادرها وهيمنة شرور مسببيها ؛ ولذلك فهي دائمة التراكم، وتراكمها يربك الإنسان ويزرع فِي روحه الكثير من الغم والقلق، ولتراكمها المربك هذا فهي بحاجة لمن ينسّقها، تخفيفا من عبء عذابها وثقل هواجسها، ولما كان للتنسيق وظيفة جمالية، فإن هاوسمان يؤكد أن مهمة الشاعر هي تنسيق هذه الأحزان فِي مفارقة تضمر الكثير من العذاب مغلفاً بالسخرية من عصر حوّل وظيفة الشاعر من إسعاد الإنسان بالجمال إلى تنسيق أحزانه ، فكيف سيكون للشاعر مثل هذه المهمة وهو أكثر الناس عذابا بضراوة محنتها وكيف لجمالية التنسيق أن تطول أحزان العالم والأحزانُ أبعد ما تكون عن الاستجابة لتلك الجمالية ما دامت تضمر العذاب والقبح الذي يُجريح روح الإنسان. وأتفق معك ان هذه المقولة يمكنها الانفتاح عَلَى نماذج شعرية كثيرة لشاعرات وشعراء عاشوا ألم عصرهم، وليس عَلَى منجزي الشعري حسب، لان الحزن محرك الشعر الأول ومشعل فتيل الفنون جميعها لعمقه وكونه يشتغل فِي الأغوار البعيدة للإنسان بشكل عام والمبدعين بشكل خاص. وأظنه تكوينا ماهوياً فِي النفس الإنسانية لكون الإنسان يعي مصيره وما ينتظره من مجهول وغياب ورحيل وفقدان وموت في النهاية، بينما الفرح شعور أفقي لا يحفر بعيدا، وكانت الدكتورة بتول موفقة فعلا فِي تلك الرؤية، فهي مبدعة وباحثة أكاديمية ومختصة بالشعر كذلك.

-;- وسمتِ قصصك القصيرة بـ (( هواتف الليل))، وهو عنوان قصة هيمن عَلَى فضاء العنونة الكبرى، ومن ثمّ يمكن أن تعد مجموعة قصصية -بحسب يقطين- وليست قصصا قصيرة كما أفصح الغلاف.ماذا تقولين في أمر التجنيس .؟
-;- لعلك تتفق معي أن قضية التجنيس الدقيق لم تعد تلك القضية المركزية الَّتِي كانت تتمتع بالصدارة في الكلاسيكيات الماضية ، لان التداخل بين الأجناس والأنواع والفنون صار حقيقة من حقائق الفن أولا، ولأنها منذ أفل عصر المبدع، أو مات حسب رولان بارت وبزغ عصر القارئ، صار المتلقي هو صاحب الحق فِي الكثير من هذه القضايا ، ومنها التجنيس وتشكيل الدلالة حسب توجهات قراءته وأفق توقعاته، فضلا عن أن دور النشر لا تولي كثير اهتمام للموازيات النصية الَّتِي يدونها المبدع أو يطالب بها وله فيها مقاصد. أليس العنوان من أهم الموازيات النصية..؟ لقد غير أحد دور النشر عنوان كتابي وفوجئت به متغيرا يوم استلامه. نحن فِي الوطن العربي وفي دور نشرنا ما نزال بعيدين عن التعامل فِي الأمور الإبداعية والثقافية والحضارية بالدقة المطلوبة، فمعظم دور النشر للأسف لا تهمها القضية المعرفية أو النقدية أو الإبداعية، بل تهمها القضية التجارية من بيع وارباح. وقليلة هي دور النشر الَّتِي تعي أهمية هذه القضايا وتدرك علاقتها بمقاصد المبدع والدلالات ، وتعطيها ما تستحق من اهتمام.

-;- تنفتح القصة القصيرة جداً أو الأقصوصة عَلَى فنون عدة، و لاسيما الشعر إلى حد تماهي الحدود، ما تعليقك عَلَى ذلك، وكيف تثمنين هَذَا التداخل.
-;- لا أتردد من الوقوف مع كل منجز إبداعي يرنو للتجريب أو التجديد المشروط بالوعي والمعرفة، وأقول لطلبتي من الأدباء الشباب ألا يتوجسوا من التجريب شرط احترام اللعبة الفنية وعدم العبث بقوانينها، لأن العبث سيؤدي الى تخريب اللعبة وسقوطها، ومن شروط اللعبة فِي الفنون: الموهبة والوعي والخبرة والمعرفة بعلوم اللغة من نحو وصرف ودلالة وإملاء وإيقاع وبلاغة وعروض، ومعارف مجاورة وغيرها، والاهتمام بمجمل الجوانب الثقافية العامة. أما التداخل فهو اليوم سمة ما بعد الحداثة الَّتِي اجتاحت الحياة فِي الجوانب كلها، ولعل تداخل الاقصوصة أو القصة القصيرة جدا بالشعر أمر ليس بالغريب لأنهما يجتمعان عَلَى البوح والتعامل مع الومضة والضربة والمفارقة وغير ذلك من ملامح الشعرية ، إن إبداع الفنان اليوم يتجلى في قدرته على توظيف كل الطاقات الفنية التي يمتلكها من تصوير وتشكيل وموسيقى ودراما ومعارف وايقاعات متباينة لتشكيل نصه ليكون النص في الذروة من الفاعلية. القصة القصيرة والقصيرة جدا فن جميل فيه من الكثافة والإيجاز ما يؤهله للايحاء والقدرة على البوح؛ لكنها للأسف خفتت كثيرا فِي السنوات الأخيرة خفوت الشعر الَّذِي لا أجد له تفسيرا غير إهمال الذات الإنسانية وإهمال بوحها وتجلياتها، والعمل عَلَى استلابها من قبل الحضارة المادية المعاصرة المهيمنة عَلَى العالم، وغياب لغة الكينونة وكثافة الدلالة الَّتِي يعمل الشعر عَلَى إضمارها، بشيوع لغة الصيرورة الأفقية وفوضى لغة الإعلام الَّتِي أشاعها العصر الحديث.

-;- يتعارض انتقاء القناع بادراك ووعي بوظيفته وهو يؤسس لهوية ثابتة كثيراً مع الرمز مرّة ، ويتداخل معه مرّة أخرى، ما علاقة القناع بالرمز.؟
-;- تعارضه يكمن فِي كونه يقدم مقاصده فِي واجهة النص لأنه ذو مرجعية واضحة أسطورية، دينية، تاريخية، واقعية، بينما الرمز يخفي دلالته وقد يغلفها بالغموض، فتكون وظيفته تشويش الدلالة أو تضليلها وإحاطتها بلبس يفتح للنص تعددا دلاليا يثريه ، وليس الإفصاح عن دلالة أحادية، ويرى الكثير من الباحثين في هذا الميدان أن كل قناع رمزا ، وليس كل رمز قناعا. الرمز أوسع أفقاً وأبعد فضاءً من القناع، وهو عرضة لتعدد الدلالات وتباينها أكثر من القناع بسبب ارتباط القناع بمرجعية بيّنة المقاصد ، مما جعل وظيفة الرمز تتباين كما أوضحتُ مع وظيفة القناع الَّذِي شاع لدى شعراء الستينات ومن جاء بعدهم ممن توجهوا لتوظيف التراث العربي الإسلامي فِي شعرهم، مفيدين من التراث الديني والتاريخي والأسطوري فِي انتزاع أقنعتهم المطلوبة للتعبير عن مقاصدهم، واهتموا بتوصيف سمات الأقنعة واشتراطاتها، وأهمية ضبط القناع وتجنب خرقه فِي النص من البداية إلى النهاية. وعليه فإن الرمز لا يتشكل بتلك المقصدية الَّتِي يتشكل بها القناع، إنه ينزل عَلَى الورقة فِي غمرة إشراق القصيدة دون تفكير مسبق بالاختيار، بينما قد يحتاج القناع لاختيار شخصيته من قبل الشاعر، ولا يطلع كالرمز مع انبثاقتها إلا نادرا، ودليلي عَلَى ذلك قصيدتي (مكابدات ليلى فِي العراق) (ديوان مكابدات الشجر) الَّتِي لم يخطر ببالي أبدا أن أكتب قصيدة أتقنع فيها بقناع ليلى العامرية لا قبل الكتابة ولا أثناءها، لكني اكتشفت ذلك بعد الانتهاء من الكتابة، وفي أول قراءة نقدية لها ، وتوقفت عند قضية تحويل العاطفي الى السياسي ، فليلى العامرية رمز للحب في تراثنا الشعري العربي ، لكنها غدت في القصيدة المعاصرة رمزا لفعل سياسي منتقِدٍ ورافض وثائر .

-;- هل أصاب جاك دريدا بإعلانه موت البنيوية، وإلى أي حد يوفق النقاد بتعاملهم الصارم مع النص عَلَى منهج محدد وثابت ومؤطر لا يمتلك قدرة الاجتهاد والخروج إلى فضاء نقدي أرحب.
-;- سبق وان ذكرتُ أني مع الرافضين لوجود أجوبة أحادية حاسمة فِي الأدب والنقد والعلوم الإنسانية ، كما أنني مع الذين يعتقدون أنه ما من تيار ولا نظرية ولا مذهب ولا منهج من مناهج العلوم الإنسانية يمكن أن يموت كليا، فنحن لسنا فِي فضاء علم الرياضيات ولا الكيمياء، عملنا هو أفكار ووجهات نظر ورؤى تتقدم وتهيمن ثم تأتي أفكار ووجهات نظر لتزيحها وتتقدمها لكن لا تستطيع اقتلاعها من الجذور، أمواج تتداخل فاذا انحلت امتزج ماؤها بموجة أخرى.. ورؤى تتراكم وتتقدم لتنسحب أخرى وهكذا، والصحيح أن البنيوية كان لها سلبيات كثيرة أهمها عزل النص عن ظروفه وسياقاته الخارجية والتعامل معه بوصفه بنية لغوية مغلقة ، ولذا جاءت البنيوية التكوينية فِي حركة تصحيحية لفتح بعض النوافذ التي يمكن لها التنفس من خلالها ، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن من الظلم للنص الأدبي ادعاء دراسته عَلَى منهج مغلق واحد، فالنص الثري وذو المستويات أكبر من حدود المناهج كلها ، والصحيح باعتقادي أن الناقد الجيد هو من يخطط منهج دراسة النص بعد قراءته القراءة الدقيقة ثم يرسم له خط سير الدراسة الَّتِي تستوعب أبعاده وتثريه بأفق توقعات وقراءة معرفية حرة.

-;- دارت إشكاليات كثيرة حول الرِّيادات، كريادة قصيدة التفعيلة بين السياب ونازك، أو أنها عراقية أو من خارج العراق، وكذا عن ريادة القصة القصيرة جداً والرواية العربية، هل لي أن أعرف رأيك في قضية الريادة.؟
-;- لست ممن ينظرون إلى هذه الرِّيادات الَّتِي تشكل الانعطافات فِي الفنون والآداب عَلَى أنَّها جهود فردية انبثقت عَلَى يد نازك أو السياب او احمد باكثير أو.. إلخ، لأن مثل هذه الانعطافات الكبرى فِي الأدب أو الفن لا يمكن أن تتم بجهود فردية مفاجئة ، بل هي نتاج تحولات مهمة لشبكة متكاملة من البنى الثقافية والاجتماعية والسياسية مرت بزمن طويل من التفاعل لتجعل الأشكال القديمة غير قادرة عَلَى احتواء التحولات الجديدة بتطوراتها، حينها يستنهض الفن طاقته من داخله حتى يصل مرحلة نضجٍ يكون فيها قادرا عَلَى الوثوب والثورة لمواكبة التحولات الَّتِي تكتنفه ، وحينها يملي عَلَى مَنْ هم أكثر وعياً بطبيعة الفن وبضرورة التطوير من مبدعيه، ومَنْ هم أكثر قدرة عَلَى تحمل أعباء التغيير بتجريب طرائق وأشكال جديدة تصمد بوجه مقاومة القديم وأتباعه كلما كانت الظروف مهيأة للتغيير. وعليه فأن أكثر من شاعرة وشاعر، ومن قاص وقاصة ومن بلد وقطر قد يكونون هم الرواد فِي التغيير، لكنْ تعود النقد العربي عَلَى الاحتفاء بالاسم الواحد والزعيم الواحد والرائد الواحد، وليس العبرة فِي الريادة هي الفردية والزمنية، بل بمدى الحضور والجدة والتأثير الَّذِي يحدثه الفن الرائد، وبقدرته عَلَى التطوير والتواصل والاستمرار.
-;- أنت من هواة الفنون ماذا تمنحك، ومن هو المفضل لديك عراقيا وعربيا، شاعرا، ناثرا، ناقدا، موسيقيا، تشكيلياً ، إلى غير ذلك.
-;- الفنون الأصيلة وسيلة نبيلة وغاية جمالية تهدف لمقارعة القبح والظلم والرداءة وانهيار القيم بما تطرح من جمال وبهاءات تخاطب النفس الانسانية وتعمل على ردم الفجوات التي تتسع بين الأنا والآخر بتغوّل الجشع المادي الذي يجتاح عصرنا الراهن ، فضلا عن كونها تذكرنا باستمرار بما نسيناه من مكابدات الإنسان ومن كون وكائنات وأحداث ، ومن طبيعة جميلة معتدى عليها تحيط بنا ، ومن أشواق إنسانية ومعاناة ، وكل ذلك يشجعنا على مقاومة الشرور التي تكتنف حياتنا الزاخرة بالصراعات ، لكن هذا الأمر المهم لن يكون إلا بالتأمل ومغادرة ضوضاء الثرثرة التي تعمل على التضليل وحجب الحقائق وبعثرة الزمن ، ولن يكون لنا هذا إلا بتدريب أنفسنا وأجيالنا على الانتقال من حالة الفوضى التي نعيشها إلى حضارة الصمت ، والصمت غير السكوت ، الفنون تجددنا وتمنحنا القدرة عَلَى مواصلة الحياة، واحتمال مكابدتها، إنها تنتزعنا من الواقع المادي الثقيل والبائس لتأخذنا لعالم أكثر خفةً وحنوا وشفافية و(لولا الخيال لقتلتنا الحقيقة)، لا أحب صيغة (أفعل التفضيل) التي مضت أساليبها مع ابن سلام الجمحي وأول وثيقة كتابية له في النقد العربي ، لأنها تلغي جهد الكثير من المبدعين المجيدين الذين نحب إبداعهم، وحسنا فعلتَ أنك لم تسألني بها، لأني أحب كل الشعر الجميل الَّذِي قرأتُه من زمن جلجامش وروائع ألواح سومر والمعلقات وحتى اليوم ، كما أحب المئات من الروايات والقصص القصيرة الَّتِي دونتْ عذاب الإنسان الكبير وأفراحه القليلة، وأسمع الموسيقى فِي الظلام لأدعها وحدها الَّتِي تضيء، وأبكي مع الأغنية الحزينة وأشعر بلوعة أشواقها، وأذهب مع اللوحة التشكيلية لمداها، وأقف بضراعة أمام أنامل الفنانين الذين أنجزوا نصب الحرية ونصب الشهيد ونصب الجندي المجهول فِي بغداد، ومرة كنت فِي معرض تشكيلي عراقي فِي برلين، وجابهني عَلَى منضدة منفردة صدر برونزي أنثوي مثقوب من الوسط ، ما إن لمحت الثقب حتى أصبت بدوار أسقطني عَلَى الأرض ، آه ، أي حزنٍ جارح أو فقدان مفجع ذلك الذي ثقب قلبها. وأتفرغ لمشاهدة الفلم الجيد لألمَّ بجماليات التقنيات المتعددة التي شكلته من الرواية أو القصة إلى السيناريو الى التمثيل والتصوير الى المونتاج الى الموسيقى ، الى الاخراج ، من هنا كنت وما أزال أعتذر عن اختزال أسماءٍ محددة لمثل هذا السؤال ، حرصاً على علاقتي بكل النماذج الجيدة والجميلة من الفنون كافة وحفاظاً على حقها في احترام بهائها وقدرتها على التأثير.





#محمد_يونس_الجريسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد يونس الجريسي - مع بشرى البستاني،،شاعرةً وناقدة