موسى أبومحلولة
الحوار المتمدن-العدد: 5109 - 2016 / 3 / 20 - 14:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدارسون للطب من أمثالي يعرفون الكثير عن آﻻ-;-م الجسد والنفس ويعرفون مسببات الوجع ومستقبلاته وطرق سريانه في أعصاب اﻻ-;-نسان وصوﻻ-;- الي النخاع الشوكي والدماغ الذي هو مركز التمييز والتعرف على إشارات اﻷ-;-لم وتحليلها وإتخاذ مايلزم حيالها، وبناء على هذه المعرفة إجتهد اﻷ-;-طباء والعلماء وأفلحوا في أحيان كثيرة في إيجاد أدوية مناسبة وناجعة لتسكين اﻷ-;-لم وتخفيف الوجع ..
هذا على صعيد أوجاع الجسم والنفس لدى الفرد أو المواطن وإمكانية علاجها ...
أما الحديث عن شأن الوطن وأوجاعه فيختلف فيه الحال وقد يصعب تشخيص أسبابه وتوصيف طرق علاجه ، فمنذ ظهور الخليقة اﻷ-;-ولى وإستيطان اﻹ-;-نسان ﻷ-;-رض الله الواسعة وخلافته فيها نشأءت علاقة خاصة بين اﻹ-;-نسان أو المواطن ووطنه أو موطنه الذي ولد فيه ونشأ على ترابه وتطورت هذه العلاقة مع تطور البشرية وتكاثر أعداد بني آدم وبنات حواء ، فأصبح لكل جماعة بشرية وطن له حدود مرسومة ومعترف بها، ومواطنين صالحين وطالحين وحكومة أو حكومات كما هو الحال عندنا في ليبيا وعاصمة وجيش وإتحاد للعمال وآخر للفلاحين وثالت لكرة القدم وبطبيعة الحال نقابة للأطباء والصيادلة الذين يسهرون على تخفيف أوجاع المواطنين وﻻ-;-يفقهون شيئا عن علاجات أﻵ-;-م الوطن .
ألم الوطن وأوجاعه وجروحه وقروحه تكاد هذه اﻷ-;-يام تكاد تكون حكرا على أوطان ودول بعينها بدأ في رسم حدودها وربما تسبب في زيادة أوجاعها "السيدين" مارك سايكس وفرنسوا بيكو عام 1916م بعد أن كانت تعاني أصلا من ثالوت المرض والفقر والجهل الذي فرضه عليها الرجل التركي الذي أصبح مريضا في آخر أيامه العثمانية.
وعلى مدى المائة عام او يزيد تضاعفت اوجاع الوطن العربي وعانى مواطنوه من إستعمار جديد وتخلف أكيد فكان ﻻ-;-بد من أن تبدأ حقبة كفاح مرير ونضال بطولي لسنوات طويلة غادرت بعدها جحافل اﻹ-;-ستعمار العسكرية حدود الوطن لتترك فيه أذنابها الدكتاتورية لتزيد من ألم الوطن المزمن وعذاب المواطن البطيء.
في موعد غير متوقع مع التاريخ هبت نسائم الربيع التي مالبتث ان تحولت الى عواصف عارمة إقتلعت عروش الدكتاتورية وحررت إرادة الشعب الليبي وشعوب الربيع العربي الثائرة الحالمة بالحرية والخلاص ... دفع الشباب أرواحهم ودمائهم وأطرافهم وسالت دموع اﻷ-;-مهات وتعالت آهات الزوجات واﻷ-;-خوات وانشغل الناس بآﻻ-;-مهم الشخصية وظنوا أن ألم الوطن المزمن سيزول بعد كل هذه التضحيات ، وعلقوا آمالهم في مستقبل أفضل وعيش أرغد على ثورات قد إجتاحت المنطقة للتو وحتما ستغير كل شيء الى اﻷ-;-فضل والأحسن ... لكن السنوات توالت واﻷ-;-يام مرت وألم الوطن يتضاعف ويشتد وبنيانه يهتز ويتصدع ونسيجه اﻹ-;-جتماعي يبيد ويتمزق وعجلة إقتصاده تتوقفت عن الدوران .
زادت أﻵ-;-م الوطن حدة وأدخلته صراعات أبنائه "الثوار" البينية ومؤامرات أعدائه الخفية وأفكار وممارسات داعش الهمجية عرفة اﻹ-;-نعاش وزاد الم الوطن وأنين الناس ...
وأحتار المواطن المغلوب على أمره في تدبير قوت يومه وغده فقد إرتفعت اﻷ-;-سعار في اﻷ-;-سواق وتناقصت السلع على رفوفها ونقصت السيولة النقدية في المصارف الوطنية وتسربت إحتياطياتها من العملة اﻷ-;-جنبية الى جيوب خفية وحسابات سرية ...
أقفلت المدارس أبوابها بشكل مؤقت أو دائم وغاب اﻷ-;-طفال عن دروسهم ونقصت اﻹ-;-مدادات الغذائية والدوائية فوهنت أجسادهم وشردت عقولهم وغاب عنها التركيز واﻹ-;-بداع ...
وأقفلت موانيء تصدير النفط وأحرقت حقول إنتاجه ومستودعات تخزينه وزاد الطين بلة تهاوي أسعار براميله في اﻷ-;-سواق الدولية ...
جرت إنتخابات تشريعية نزيهة وبإشراف دولي وصار للشعب نواب منتخبون ما لبثوا ان عمقوا جراح الوطن وضاعفوا من آﻻ-;-مه ومن معاناة مواطنيه ... فإنعدام الرؤية السياسية وقلة الخبرة البرلمانية وتغليب المصالح الشخصية واﻹ-;-نتماءات القبلية والحزبية على مصلحة الوطن العليا أدى إلى إنقسامات حادة وشروخ مؤلمة وفشل كارثي لحلم بناء الدولة والرفع من شأن الوطن .
واليوم والوطن في هذا الوضع المؤلم المتأزم والمواطن يعاني ويتألم ويخشى على مستقبل أبناءه ومستقبل وسيادة بلاده أصبح لزاما على كل وطني غيور ومواطن صالح وسياسي وطني أن يعمل مافي وسعه لتخفيف ألم الوطن ومعاناة المواطنين وتجاوز الخﻻ-;-فات السياسية واﻻ-;-نقسامات القبلية واﻹ-;-نتماءات الحزبية والتنازل عن المصالح الشخصية ولو الى حين واﻹ-;-لتفات إلى المصلحة العليا للوطن والتصالح مع النفس ومع اﻵ-;-خرين والشروع في تشكيل وفاق وطني وتحالف ﻷ-;-جل الوطن يؤسس لبناء دولة عصرية عادلة وديمقراطية خالية من مظاهر التشردم المتخلفة وإشتباكات المليشيات المدمرة وأجندات مراهقي السياسة التي ﻻ-;-تزيدنا إﻻ-;- أنقساما وفرقة ... قد آن ﻷ-;-لم الوطن أن يزول وللمواطن أن يتنفس الصعداء بعد كل هذا العناء ... آن أوان المصالحة والشروع في البناء ليكتب لليبيا الموحدة القوية اﻹ-;-ستمرار والبقاء قبل أن يأتي يوما نبكي فيه كالنساء على وطن لم نحافظ عليه كالرجال.
#موسى_أبومحلولة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟