انتصار كمون الرباعي
الحوار المتمدن-العدد: 5103 - 2016 / 3 / 14 - 11:13
المحور:
الادب والفن
تشكيل العجائبي باللغة
قراءة في القصة القصيرة جدا
"الحَسّ بالأَسِّ "للدكتور حمد حاجي بقلم الأستاذة انتصار كمون الرباعي
أتعبني أرهقني رأسي..
في بقعة منسية، قيل لي يا أحمد الأحدب..!
هناك اذهب وبعْ رأسك ..
تخلص منه، ثقيل هدَّ أكتافك ..
بليلِِ، دبَّرتُ..
صففتُ له الشعر،
نتفتُ له الشيبَ،
صبغتُ له الشنب
يوم السُّوق، اجتمعت عليه عترة جامعة
تراكلته سيقان وأيادي كالعقبان
قبضت حين استقرَّ في كفِّ عفريت ...
التفت إليَّ معاتبا :
أتبيعني لهؤلاء المخبرين..؟
عجبتُ كيف يُكلم من ليس له ساسُُ ورأس...!
النقد :
ـــــــــــــــــــــــــ تشكيل العجائبي باللغة ـــــــــــــــــــــــ
مدخل الى علم اللغة العربية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ان الدارس لعلم اللغة لاشك يبقى متحيرا امام بحرها الكبير ومجالاتها الفسيحة ..
اقصد بعلم اللغة العربية ، أصوات اللغة العربية ومخارجها وخصائصها وتأثير بعضها على بعض، وأهم القوانين الصوتية كالمماثلة والإدغام والقلب والإعلال والإبدال والتفخيم والإمالة، والميزان الصرفي، الصيغ الفعلية، معاني زيادات الأفعال، الصيغ الإسمية، معاني زيادات الأسماء، صيغ الجموع، التصغير، النسب، ولست أقصد المقارنة بين آراء اللغويين العرب القدامى والمحدثين في مجال الأصوات والصرف والنحو والدلالة ولكن الذي حدا بي الى الانطلاق في نقد النص الادبي الاستاذ حمد الحاجي ما رأيته من تفرد بنصه القصصي القصير جدا
اولا: حروف الصفير دلالاتها
وتشكيل العجائبي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ ـــ العلاقة بين أحرف الصفير وأثرها في اللفظ والمعنى:
انّ أول ما يلفت الانتباه في هذا النص القصصي القصير جدّا حضور الحروف االصفيرية الصاد و السين منذ العنوان...
هناك ثلاثة أحرف ، كان العرب إذا نطقوها خرج لها صوت فيه قوة شبهه العلماء بصوت صفير الطائر، وذلك في حرف الصاد، وحرف السين، وحرف الزاي، هذه الثلاثة هكذا صوتها ( أَصْ، صَ، صُ، صِ، أَسْ، سَ، سُ، سِ، أزْ، زَ، زُ، زِ )، هكذا نلاحظ أن هذه الأحرف صوتها قوي فالصفير صفة تدل على قوة الحرف في السمع،اما بنصنا اذ ورد حرف السين في كلمتي حس و أس و هو حرف أآساسي في كلمة رأس
ــــــــــــــــــــــــ
ب ــ أثرالصفير في اللفظ والمعنى
الرأس يمثل بطلا عجائبيا في هذه القصة اذ يمكنه الانفصال عن صاحبه متى شاء و رغم هذا الانفصال تتواصل وظيفة السرد و لا تنقطع و السين و الصاد حرفان مبثوثان في كامل النص مثل منسية _رأسك _السوق _ سيقان _استقر _ساس _رأس و الصاد في كلمات مثل تخلص _صفف _صبغ و كلا الحرفان رخوان مهموسان صفيريا ن
ــــــــــــــــــــــ
و لعلّ هذه الميزات تجعل من النص دعوة للتوقف و التبصر عند معانيه انه ذاك الصفير الذي ينادينا و يستوقفنا و هو صفير شبيه بصفير صرّار مزعج...
و في القصة احساس بالانزعاج عبر عنه عنه السارد بقوله في البداية _أتعبني أرهقني رأسي كيف يمكن للرأس أن يرهق صاحبه ؟ لعلّ الاشارة هنا تبدو واضحة الى أن المقصود هو الذهن و التفكير و العقل و كلها في الرأس ساكنة
ـــــــــــــ
لكننا نتساءل عن محتوى التفكير المرهق الذي يحمله ذاك الرأس و كي نجد الجواب نتقدم في القصة لتتضح الصورة فهو أحمد العربي وقد خرج من بين أسطر قصيدة محمود درويش أحمد الزعتر التي يقول في بدايتها ....
هذا النشيد للأحمد المنسي بين فراشتين لكن أحمد الأحدب في القصة لم يكن هو المنسي بل كان في بقعة منسية هي الدول العربية و هو شخص أحدب به عوج و العوج موجود في العربي من ساسه الى راسه كما نقول في لغتنا اليومية ___و يأتي القول الذي تمت نسبته الى المجهول باسلوب انشائي قام على النداء يا أحمد و على الأمر _تخلص _هو نداء للتنبيه و هو أمر فيه دعوة غريبة الى التخلص من رأس بات عبءا ثقيلا على صاحبه ...
ــــــــــــــــــــــــــــ
هكذا يتوغّل بنا الكاتب في عالم عرائبي يمكن فيه يباع الرأس و بالطبع يشترى كما لو كان رأس غنم أو بقر أليس في ذلك تجريد للانسان من انسانيته ...
ج ــ المعنى والتناص:
تجريد للانسان من انسانيته هو موقف أعدني الى مقامة من مقامات الهمذاني
*** هي المقامة الحلوانية و قصة ابن هشام مع العاملين في الحمام عندما تخاصما على رأسه و كل منهما يقول هذا الرأس لي و لما سألوا صاحب الرأس
أجاب: يا عافاك الله هذا رأسي قد صحبني في الطريق و طاف معي بالبيت العتيق و ما شككت أنه لي _
*** و في هذا النص نفس المقصد انه تهميش القيمة الانسانية و تشييء الانسان ان تلك الغايات النقدية التي وجدناها في المقامة نجدها في هذه القصة ...
خاتمة :
فمشهد البيع محيل على حدث الخيانة في الواقع هي الخيانة العربية بأياد أجنبية هي التي اشترت الرأس بأبخس الأثمان و تراكلته بازدراء ...
وانقضت عليه انقضاض العقاب على الفريسة انهم مخبرون جواسيس باعهم مع الرأس الوطن و يبقى السؤال الذي طرحه السياب في احدى قصائده... حين يقول اني لأعجب كيف يخون الخائنون أيخون انسان بلاده...
دمت مبدعا أستاذ حمد الحاجي
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟