أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسن أيت العامل - من يوميات أستاذ متدرب















المزيد.....

من يوميات أستاذ متدرب


حسن أيت العامل

الحوار المتمدن-العدد: 5101 - 2016 / 3 / 12 - 21:34
المحور: سيرة ذاتية
    


في زنقة بلا منفذ على جدار المنزل الأول على اليسار، عُلِّق صندوق إطاره من حديد غزاه الصدى وبه صفحة من زجاج تحمل أثر إصابة بحجر مكتوب عليها بخط بارز وأسود: صالون الحلاقة للرجال. أسفله مباشرة؛ رُسِم مُشط طويل ومقص، وآلة حلاقة عصرية.
ليس في الظاهر ما يثير الانتباه، مثل تلك اللافتات، تنتشر في كل الأحياء، فبالإضافة إلى الدَّورِ الذي يقوم به الحلاقون من قص الشعر وتزيين اللحى...فإن صالونات الحلاقة مرتع للقاءات والتعارف وتبادل أطراف الحديث.
كثيرون هم الرجال؛ الذين ربطوا علاقات صداقة مع آخرين انطلاقا من صالون الحلاقة.. ليس في الأمر ما يدعو إلى الاستغراب.
في دوار الشمس بورزازات، ذاعت شهرة الحلاق مصطفى؛ شاب في منتصف العشرينات من عُمرِه؛ أنيق ورشيق. يُجيدُ أنواعاً من قصات الشعر.. أصدقاؤه الذين يعرفونه حق المعرفة ينادونه"سْطِيفْ". هو اختصار لاسم مصطفى، وتدليل له، والموضَة، التي أصبحت سائدة بين شبان وشابات هذا الجيل.
وقد كان من جملة زبنائه الجدد؛ شاب حديث الاستقرار بدوار الشمس. الشاب كان واحداً من مئات الشبان الذين التحقوا بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين. وكما يحلو لأهل ورزازات أن يسموه: مدرسة المعلمين.
جميع من في ورزازات، بل في المغرب؛ يعلمون أن كل من ولج هذه المدرسة لا شك هو رجل تعليم. ولهذا، فقد كان الجميع يحترم ويوقر هذه الفئة المثقفة.. فهي التي ستحمل مشعل التربية والتعليم. وعليها يتوقف مصير البلاد والعباد؛ هم القدوة الأولى للتلاميذ، وصلة الوصل بين الأبناء والآباء. حتى رجال الأمن، إذا ما قبضوا على أحدهم في مكان مشبوه واعتقلوه، ما إن يبدؤوا بالاستجواب معه، فيعرفونه رجل تعليم ؛ إلا وأسرعوا في إطلاق سراحه، وربما يرثون حظهم على ذاك الفعل.
في الموسم التكويني 2015-2016، نزلت حكومة الحزب الحاكم على هذه الزمرة بمرسومين قانونيين: الأول يقضي بفصل التوظيف عن التكوين، والثاني يقضي بتحويل أجرة هؤلاء إلى منحة مع التقليص منها إلى أزيد من النصف.
لم يرُق هذان المرسومان هذه الفئة المثقفة؛ فبعدما اعتقد المساكين أنهم- وأخيرا، قد تنفسوا الصعداء ووفقوا في امتحان الانتقاء الأولي، والمبارتين الكتابية ثم الشفوية- نزلت عليهم المراسيم كالصاعقة.
دون سابق إنذار، ودون أي اتفاق مسبق، قاطع أساتذة الغد الدروس النظرية داخل المراكز، والتطبيقية في المؤسسات.
لما اتخذ هؤلاء هذه الخطوة الجريئة، أصبح لزاماً عليهم الاستمرار. وإلا، سجَّل عليهم التاريخ التراجع والنكوص.. أصبحت القضية تتخذ مجرى آخر. فبعدما كانت حبِيسَةَ مدارس التكوين، صارت قضية شعب ساهم في نشرها الإعلام الخارجي خاصة، والأسر والعائلات، ورجال التعليم الممارسين.
سكان ورزازات ونواحيها صاروا، أيضا، على علم بقضية أساتذة الغد وبالمرسومين. وبالرغم من أن عددهم، في هذه المدينة السياحية، لا يتجاوز المائة بقليل، فقد صاروا مألوفين من كثرة الوقفات والاعتصامات والإضرابات. فمرة أمام نيابة التربية الوطنية، ومرة في ساحة الموحدين، وأخرى أمام مدرسة المعلمين، والأخيرة كانت في جماعة ترميكت أمام السوق في تابونت.
كان ما يميزهم- ويخيف السلطة، التي أضحت، دائما، تلاحقهم وتتربص بهم- الوِزْرَة البِيضاء والشارتان الحمراءُ والسوداء.
إنه الصفاء الذي يكسو أرواحهم، كما تكسي الثلوج جبال" سمرير، أميشليفن، وتيشكا..". أما السواد، فهو الحزن والغضب، الذي خلّفهُ المرسومان في النفوس... أما الأحمر؛ فهو الدم الذي أقسم عليه هؤلاء ذات مرة أمام مقر البرلمان في الرباط. إما أن نموتَ، أو نحيا حياة الكِرام، إما أن " نكون أو لا نكون".
ما لا يعلمه هؤلاء، أن الدولة تراقب بعيونها المتلونة تصرفات هؤلاء بورزازات حتى أصبحوا شغلهم الشاغل. ولهذا، فقد أصبح المقدم يتمتع بصلاحيات ساعي البريد كي يُوصِل الرسائل التهديدية إلى هؤلاء بمحلات سكنهم.. ما زلت أتذكر واحدة من الرسائل التي أوصلها في السابعة صباحاً إلى دار إحدى الأستاذات.
السيد باشا المدينة أخطأ الاختيار. فالشابة كانت تتمتع بروح رجولية وبطاقة عالية في النضال. هي الآن تقول بلهجة أمازيغية: إنها لن تخاف، ولن تهاب، ما دامت تدافع عن حقها. هي، فعلا، أنموذج لنضال المرأة الأمازيغية الحرة.
تستمر تهديدات المخزن، ويستمر نضال هؤلاء. في كل مرة يتساءل هؤلاء: كيف يُعقلُ أن يستمر الأساتذة المتدربون بعد كل هذه المدة؟ فالدولة لم تمنحهم ولو درهما واحداً، بل نزلت على عظامهم وجماجمهم المثقفة!! أجل جماجمهم مثقفة تَحْبَلُ بالعلم والمعرفة. ورغم ذلك، هشَّمتها أيادي" كلاب شرسة".
في يوم خميس، توجه الأستاذ المتدرب أيوب إلى صالون الحلاقة. شعره كان طويلا جداً. ربما لم يكن يملك المال لقصه، وربما لم يكن لديه الوقت الكافي للقيام بذلك... أقْفَلَ مسرعًا نحو صالون "سطيف".. وقف في مدخل الزنقة، عقارب ساعته اليدوية تشير إلى الثامنة ليلا إلا بضع دقائق.
أحس، بعدما نظر إلى ساعته، بعيون تراقبه، وبخطى خفيفة على الإسفلت.. توقف، ولم يلتفت إلى الخلف، توقف الشخص الذي يتربص به، لمح الضوء ينبعث من صالون الحلاقة على بُعدِ خمسة عشر خطوة تقريبا. واصل لخَطْوَ إلى أن وقف بالباب، ثم اندفع بجسمه المثقل إلى الداخل:
- السلام عليكم.
- رد الجميع: وعليكم السلام. أما الحلاق فقد أضاف: ورحمة الله تعالى وبركاته.
توجه تلقاء الكَنَبَةِ ثم جلس، رجلان وامرأة في الصالون فقط. المرأة اصطحبت ابنها الرضيع، وها قد أوشك على الانتهاء. خُيِّلَ إليه الرجلان لا يبدوان عاديين.
فرغ "سطيف" من الرضيع وسلمه لأمه التي سلمته بدورها عشرة دراهم؛ كانت واضحة الدراهم العشر وهي تُسلِّمها له. بالباب وقف رجل كهلٌ بدا وكأنه أُ صيب بنزلة برد، ورغم ذلك، فقد قدِمَ ليحلِقَ ذقنه.
استأذن "بالنُّوبَة" بسبب المرض والليل. قبِلَ الجميع. إلا أن مصطفى علَّق مباشرة:
"هذا إذا لم يكن الأستاذ أيوب معترضًا". رد أيوب: "ولِما أعترض؟".
أجابه الحلاق: لقد علمت أنكم، هذه الأيام، تعترضون وتحتجون على كل شيء. ماذا ينقصكم؟ الأمن وفَّرته الدولة لكم، والخبز والدجاج والخضر والفواكه كلها لكم. فماذا تريدون أكثر من هذا؟ أنتم أساتذة وعليكم أن لا تخلقوا بلبلة بين العباد في هذه البلاد.
رد أيوب: وهل تعتقد أن كل من يطالب بحقه في هذه البلاد يخلق فيها بلبلة؟!!! ثم أضاف: تنقصنا الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية... أما ما قُلتَه من أكل وشرب.. وغيرها، فحتى الحيوانات تأكل وتشرب ثم تنام. بل أكثر من ذلك، لقد رأيت مجموعة من الحمير في الأسواق الأسبوعية في الصيف تأكل البضيخ. فما الفرق بيننا وبينها إن كنّا نأكل الفواكه على السواء؟؟
انتبه الرجلان اللذان يلبسان" الكوير" وسروالي " الدجينز" إلى الحوار، لكنهما التزما الصامت؛ فهما لم يَنْبُسا ببنتِ شفة منذ دخل أيوب.
استمر الحوار طيلة "نُوبْةْ" الرجل الكهل. أحيانا يستهزِئُ سطيف من أيوب؛ فيقول له: أنتم مجرد (شخشوخات). منكم من دفع أبوه مليونين أو أكثر مقابل ولوج مدرسة المعلمين. كما أنكم تطالبون بالتوظيف المباشر. وحينما لم تستَجِب الحكومة لكم؛ أصبحتم تطالبون بإسقاط أشياء أخرى!!!
تعجب أيوب لما يقوله "سطيف"، كان يعتقد أنه وأمثاله الشباب لن ينزاحوا وراء أكاذيب العامة، وما يروج له الإعلام التضليلي. ولكن: ما هي هذه الأشياء الأخرى؟؟
لم يرُدِّ الحلاق هذه المرة، بل رد أحد الرجلين: أنتم تطالبون بإسقاط المقدس وتدنيسه.
رد أيوب: أنا فعلا لا أنكر أنني أريد الخير لهذه البلاد. ولكن، لا بد من تغيير أمور كثيرة، أولها: إسقاط المرسومين ثم بعْدها..
رد الرجل-دون أن يترك فرصة الكلام لأيوب- ثم بعدها ماذا؟؟
دون أن ينتبه أيوب، وقفت على باب الصالون سيارة للأمن. الضوء الأحمر وهّاج فيها كسيارة إسعاف. اندفع رجلان من الأمن بلباسهم الرسمي إلى الصالون. حينها استفاق الرجل الكهل من نومه على الكرسي:
الأستاذ المتدرب أيوب الحُرْ: أنت رهن الاعتقال. أنت مطالب للتحقيق في تهمة التحريض على الفساد والإخلال بالنظام العام للدولة.
دُفِع أيوب إلى "السطافيت"- وقد تجمهر حوله العشرات من أبناء دوار الشمس- مرددا فلتتهموني بما يحلو لكم، لكن فليسقط الباطل ولتسقط الذئاب الملتحية..
قام الرجلان من الكنبة، وقام الرجل الكهل من مقامه مبتسما، ثم قال "سطيف" بالصحة والراحة لحسانة. غير أن الكهل قال: (لحسانة هي دْيالْ) الأستاذ.




#حسن_أيت_العامل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسن أيت العامل - من يوميات أستاذ متدرب