أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهرة محمد الكحلي - التلقي والنقد















المزيد.....

التلقي والنقد


زهرة محمد الكحلي

الحوار المتمدن-العدد: 5092 - 2016 / 3 / 3 - 15:05
المحور: الادب والفن
    


أشيرُ في البداية ـ بشكل تبسيطي ـ إلى أن التلقي ، مصطلحا نقديا ، يقومُ على ركيزتين : الأولى استقبالُ النصِّ من قبل القارئ . والثانية إرسالُ النصِّ من قبلِ القارئ ذاتِه، باتجاه متلق ٍآخرَ ، وذلك بعد استنطاقِ النص والتدخلِ في تكويناته والكشفِِ عن خطابه غيرِِ المعلَنِ أو المخاتل .
إنَّ هذه المعادلة َقائمة ٌَعلى ثلاثةَ أركانٍ ، هي : النص والقارئُ الأول (وهو قارئ نموذجي لأنه يعيد إنتاجَ النصِّ بصورة جديدة ، ويرسلُه إلى متلق ٍ جديد ) والركنُ الثالث هو ذلك المتلقي الجديد ، الذي نفترض أنه القارئُ ُ العادي بشكلٍ عام ، ولكننا لا نلغي في الوقت نفسِه إمكانية ََ أنْ يكون أيضا قارئا نموذجيا ، وإذا كان كذلك فسيعيد هو أيضا تجربة َالقارئِ النموذجيِّ الأول ، وإنما بخصوصية قراءته هو . وهكذا تتوالد بشكل لا متناه ٍ مجموعة ٌ من القراءات .
ولأننا لسنا بصدد مناقشة تعدد القراءات وتداولها من قارئ نموذجي إلى قارئ نموذجي آخر. فإن مهمة ََ القارئ النموذجي ـ بشكل عام ـ ذاتُ أهمية بالغة ، لأنها ستتوجه إلى القارئ العادي ، وتدفعُه إلى تكوين موقف ٍورؤيا تجاه النص ، أو مجموعة ِالنصوص ، أو الظاهرةِ الأدبية ،أو التراثِ الثقافي بشكل عام .
من هذا المنطلق، فإن الموسوعة َالمعرفية والمنهجية َالنقدية التي ينطلق منها القارئ النموذجيُّ في قراءة النص تحدِّدُ غالبا طبيعة النص ومكوناتِِه الزائفةِ أو الموضوعية ، وكذلك أحكامَ القيمة التي يمكن أن تلتصق به . وهذا يمهد بدوره إلى تعميم النتائجِ التي يتوصل إليها ذلك القارئ النموذجي. وتكون المعطياتُ العامة أكثرَ سوءا إذا كان المتلقي العادي ـ بشكل عام ـ ينتمي إلى بنيات ثقافية عليا تمجِّد النقل والشرح على حساب القراءة التفاعلية التي تعلي من شأن الحوار والعقل والبحثِ عن معطيات ِبلاغة الإقناع ، على المستويين العقلي والشعوري .
ولذلك فإننا بحاجة إلى قراءات متعددة لقرّاء نموذجيين متعددين للظاهرة الأدبية الواحدة ، وللثقافة العربية بشكل عام ، و لكنَّ التعبيرَ عن تلك الحاجة ليس دعوة ً إلى البحث عن التوافقية أو التوليفية ، وإنما هي دعوة ـ بدءا ـ إلى التنبيه إلى مسؤولية ومخاطرِ ما يكتبُه القارئ النموذجي في قراءته للنصوص الثقافية بشكل عام . فما يكتبه قارئ نموذجي ـ مثلا ـ عن قصيدة النثر، يجب أن يتسم بالموضوعية والمسؤولية ، لأن ما سيقوله عن تلك الظاهرة الأدبية قد يتمُّ تداولُه بوصفه مقولاتٍ ثابتة ً، في ظل البنيات العليا الثقافية النقلية التي تـَحدثنا عنها . وهكذا يؤسس من دون قصدية لمقولات نظرية وأحكامٍ نقدية قد ترقى في ظل تلك البنيات العليا إلى الثوابت التي يصعُبُ فيما بعد تجاوزُها في وعي الأجيال القادمة .
إن تلك المسؤولية ليست ضميرا أخلاقيا ـ كما قد يَظن البعض ـ لأن الفعلَ الأخلاقي ينتمي إلى حقل الممارسة الاجتماعية . وليست ضميرا علميا أيضا بالرغم من أن الضميرَ العلمي ينتمي إلى حقل البحث العلمي ولكنه يُربط به مشفوعا بالضمير الأخلاقي ، وبالتالي فإن الفارق بينهما هو في الحقل الذي يعمل فيه كل ٌمنهما فقط .
إن المسؤولية هنا هي مسؤولية معرفية تجاه النص ، وليست تجاه المتلقي على الرغم من أن قصديتها المتلقي ، أي إن نتائجَها تنعكس على المتلقي ، في حين أنَّ مجالَ تموضُعِها وممارستِها هو النص. وبالتالي ليس لها علاقة بالطبيعة الأخلاقية للضمير ، إن كانت صفتُه علمية ًأو اجتماعية .
و لأننا نقول : إنَّ مجالَ تموضُعِها هو النص ، فيجب أنْ نشيرَ بوضوح إلى عدم اتسامها بالنفعية على حساب النص ، أو بمعنىً آخر الابتعاد عن اعتبار النص ـ الذي هو الغاية أدبيا ورسالة وحاملا في الممارسة النقدية ـ وسيلة ًإلى تموضع التلقي في احد ركني الرسالة : المرسل أو المتلقي . ولا أريد بذلك موتـَهما بوصفهما معطياتٍ هامة ً في تكوين الرسالة ، وإنما أريد موتــَهُما بوصفهما غاية ًووظيفةً ً في الممارسة النقدية ،وعناصرَ عضوية ً مستقلة ً في تكوين الرسالة . وبالتالي فإنَّ الحديث عن مكونات الرسالة ( المرسل ـ الرسالة ـ المرسل إليه ) هو إجراء درسي توضيحي ، لا يمكن أن نجعله شماعة َ نفعيتِنا في الممارسة النقدية .
إن مقاربة النص في الممارسة النقدية ليست إضافة نافلة على النص من قبل المتلقي النموذجي ، كما أنها ليست مِنَّة تعطيه ما ليس من حقه ، وإنما هي مقاربةٌ تفاعلية موضوعية للنص وفق مكوناته وما تفرِضُه من استدعاءات . وهذه هي المسؤولية المعرفية ، التي لا تسمح للمتلقي النموذجي بالتموضع قبل النص أو بعده ، أي عند المرسل أو المتلقي ، وإنما تكشف عن مكوناتهما، وعيا وخطابا ثقافيا وجماليا، من خلال التموضع في النص ، والانطلاق ِ بعد ذلك إلى فضاءات موازية ، إنْ كان في حقل البنيات الثقافية العليا للمرسل أو المتلقي ، أو في حقل الرؤيا والتجربة المعرفية للعالم .
وفق ذلك يصبح التاريخُ الشخصي لمرسل النص خارجَ إطار الممارسة النقدية ، ولا يمكن العودةُ إليه إلا بوصفه جزءا من الموسوعة المعرفية للمتلقي النموذجي ، مَثلُه مَثلُ باقي مكونات تلك الموسوعة عند الناقد الذي لا يستطيع ـ موضوعيا ومنهجيا ـ استدعاء عناصرِها بشكل حُرٍّ ، وإنما وفق متطلبات النص وشروطِه وإشاراته ، ومن خلال تموضعه في النص . ولكي تكونَ إشارتـُنا إلى ذلك واضحةً فليس من المهمِّ أن نعرفَ ـ متلقين عاديين ـ التاريخَ الشخصي للمبدع وإنما أن نعرف الوعيَ الذي أنتجَ ذلك النص والبنيات ِالثقافية َالعليا التي أُنتج النص من خلالها . لأن تأطيرَ الحياةِ الشخصية للمبدع ليست من مَهمَّات الناقد ، وعندما وضعها ( الغولدمانيون ) بعد إنجاز المقاربة النقدية ،كانت قولا نافلا إستدراكيا وملحقا من بين الملحقات التي يمكن أن نثقل بها ـ إن أردنا ـ المقاربة النقدية .
يضاف إلى ذلك أن تموضعَ الناقد في حقل مرسل الرسالة سيحيلنا إلى إحدى مسألتين : الأولى : البحثُ عن تجلِّي تلك الحياة ، وما فيها من معطيات اجتماعية ، أو إيديولوجية . أي البحثُ عن التجليات الخارجية التي يتموضع فيها المرسل . وهذا يعني أننا لا نقارب نصا أدبيا أو ظاهرة أدبية ، وإنما نقارب حياة المرسل من خلال نصوصه . فالنص إذن وسيلةٌ حِجاجيةٌ لحياة أو عصر أو إيديولوجيا . وبذلك تكون حياةُ المؤلفِ والبنياتُ الثقافية العليا لعصر الكتابة موطنَ تموضع الناقد وليس النص ، لانَّ النصَّ وفق ذلك التموضع هو جزء من مجموعة من الوثائق ، أي إنَّ النصَّ وسيلةٌ نفعية لتعزيز موقف أو تاريخ أو حياة أو إيديولوجيا .
والمسألة الثانية : البحثُ عن التجليات الداخلية لطبيعة شخصية ِالمرسل . وهنا تكون المقاربةُ أعمقَ نصيا من المقاربة السابقة التي تبحث عن التجليات الخارجية ، ولكنها تتطابق معها في النفعية ، لأن الغايةَ من المقاربة، وإنْ انصبَّتْ على النص ، ليست فنية َالنص وإنما هي مرسلُ النص بوصفه مُنتجـِا يبحث عن تعويض ما ، أو توازن ما ، نفسيٍ أو اجتماعي ـ والنص وفق ذلك أيضا وثيقة لإثبات تهمة أو جناية ارتكبها المرسل واقعيا على المستوى الشخصي .
إنَّ مأزقَ تلك المقارباتِ المنهجية هو في اعتبار النصِّ وسيلة ًنفعية موظَّفة ً من قبل الموقف القـَبليِّ المرتبطِ عضويا بالمرسل. وبالتالي فإنَّ سلبيتـَها على المتلقي العادي ـ بالرغم من فوائدها المتعددة ، ولكن ليس في مجال معرفة النص التي هي مَهمـَّة الناقد أوالمحلل ـ إنَّ سلبيتـَها تكمن في فرض مقولاتٍ نقدية على الأدب ليست أدبية ، وإنما هي مقولاتٌ اجتماعية أو إيديولوجية أو أخلاقية . ويُصار بعد ذلك إلى تعميمها وتثبيتها في ذهن المتلقي العادي . وهي غير علمية أيضا ، لآنَّ المسؤولية المعرفية فيها غير متوافرة . فإذا سُئِلَ ـ مثلا ـ أيُّ متلقٍ ٍ عادي عن شعر أبي نُوّاس أجابك عن شخصيته وأمراضها وما تحبـُّه وما تكرهه من الغلمان وألوان الخمر وطبائع ِ النساء .ولكنه لن يستطيع الحديث عنه ـ أي الشعر ـ بوصفه بنيات ٍ فنية ً وصوراً إبداعية .
يماثل ذلك التموضع َمن قِبـَل الناقد المقارباتُ النقدية التي تتمترسُ وراء الواقع ، بوصفه معادلا غائيا للنص ، و ليس عضويا . وهنا يكون النص ، مرة أخرى ، مجالا للنفعية المرتبطة بالوظيفة الاجتماعية والإيديولوجية . ولا ننكر هنا أهمية َالنصوص الإبداعية في إطار تلك الوظيفة ، إلا أننا ، مع ذلك ، ننتبه إلى أنَّ قيمة َتلك النصوص ، وفق تلك المقاربات ، هي في حجم قدرتها على توصيل رسالتِها الاجتماعية أو الأخلاقية ، وغيرِ ذلك من الوظائف ، مما يحوِّلُ النصَّ إلى وسيلة نفعية عَبْرَ خطابها ، وإنْ كان أصحابُ ذلك المنهج يشيرون ، حين اعتراض معترض ، إلى ضرورة توافر المستوى الفني في النص . ولكن هل هناك متلق ٍ نموذجيّ في جميع أشكالِ المقارباتِ النقدية يمكن له ، حين يُعترضُ عليه ، أنْ يقولَ غيرَ ذلك ؟
نشير ـ أخيرا ـ إلى المقاربات النقدية التي تتعالى على النص ، فتقفزُ إلى أمامِه ، ولا نقـْصدُ القفزَ إلى المتلقي ( الطرفِ الثالثِ في معادلة الرسالة ) ، بل فرضَ تصوُّرٍ ذهنيٍّ شاملٍ لما يريد أن يقولـَهُ النص . هنا يكون القفزُ إلى الخطاب الكليّ للنص ، بعيدا عن القراءة الاستقرائية العميقة لجميع مستوياته والفواعلِ الإبداعية فيه .
ولذلك ، مهما أحْسَنَّا النيـَّة َ في الاستماع إلى تلك المقاربات ، لا يمكن أن نخرج بمعطيات عن النص ، وإنما عن تصورات ذهنية لما يعتقدُ الناقدُ أنه من مقولات النص . وهو لا ينتج ، في الحقيقة ، غيرَ خطابـِه هو .
وهنا تكمن المشكلة ، لان تموضُعَ الناقدِ ليس في الواقع ، كما لاحظنا عند بعض المقاربات ، وليس عند الرُّكنِ العضويّ الأوَّلِ في الرسالة ، أي المرسل ، وليس عند الرسالة ، لأنها وفق منهجيته ليست غيرَ سلَّةِ محمولةَ خلفـَه ، أي على ظهره ، ينتفع بها بشكل انتقائي ، بين لحظة وأخرى ، كلَّما احتاج للتدليل على أنَّ النصَّ يقول بصورته الذهنية التي يرسِمُها .
إن َّالضحيةَ في كل تلك القراءاتِ هو المتلقي العادي الذي يعطي الثقة المطلقة للقارئ النموذجي . إلا أنَّ القارئ النموذجي إذا لم يتمثـَّل المسؤولية المعرفية التي تحدثنا عنها في أوَّلِ هذه المداخلة ، وقلنا إنها مسؤوليةٌ تجاه النص ، ستكون أثارُه النقدية حاملةً وظيفة ًسلبية على المتلقي العادي ، لأنَّ المقاربة َ لم تقدم له القراءة الموضوعية التي تعطي ما لقيصرَ لقيصر ، وما للنصِّ الأدبيّ للنصِّ الأدبي .






#زهرة_محمد_الكحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهرة محمد الكحلي - التلقي والنقد