أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد صالح الطحيني - نور














المزيد.....

نور


محمد صالح الطحيني

الحوار المتمدن-العدد: 5087 - 2016 / 2 / 27 - 08:41
المحور: الادب والفن
    


(1)

كان اسمها نور. كل ذنبها أنها خلقت في هذا الزمن؛ فثمة أناس خلقوا على الرغم منهم في زمن تمنع فيه حتى الأحلام.
هذا كان ذنبها، أحلامها كانت أكبر من زمن الظلمة هذا، كانت تحلم بفجر يصارع هذا الزمن، بفجر تقوده جيوش النور القادمة من رحم الثورة، قادمة أعراس الزنود السمر لتغلق أفواهاً لا تشبع من سلب الأرواح وبيعها في سوق الأمم المتحدة، لا تشبع من شحذ الأسنان بالحجر الأسود لمضغ لحوم تحرقها شمس الحرية، يزيد أتون هذه الشمس لتنضج أفكاراً حرة تمضغها على موائد مؤتمرات القمة. الزنود السمر ستسحق أسباب الردة، ستعيد الشمس لمدارها الصحيح، ستعيد لنور ضفيرتها الشقراء. أحرامٌ على نور أن تبحث عن ضفيرتها الشقراء؟ ضفيرة نور جدلت سلاسل تقيد نسوراً تعبت من التحديق للعلاء، فضفيرة نور تقيدها، تمنعها من جر الإعصار القادم من رحم الثورة ، جدائل نور جدلت بيد أشباح ليل زمن الظلمة، أشباح الليل المتقوقعة في أطماع تولي العرش الممتد على جسد نور.
آه نور، ساقوكِ للذبح مراراً؛ ذبحوا بكِ حتى عروبتنا. لم تصرخي؛ أنت وحدك تعلمين أن آذاننا مسدودة بقذارة أنانيتنا، لا تصرخي، لن نستجيب.
نور بيعت في سوق النخاسة ، وقفت شامخة الرأس ، في عينيها كنت ألمحُ جيوش المسحوقين في وطني تحمل كرسياً أجوفَ تحرقه، وترسل لهيبه للشمس، ألمح جديلتها تاج نصر وغصن غار يتوج نصبها في ساحات بلادي ، ألمح في عينيها وطني.
بيعت نور وكان الشاري سادة وطني، بيعت لتحيا لياليَ عارية الصدر، وآلاف الأفواه القذرة تتلمظ تريد قسمة جسد نور آخر الليل، وكل ظل له الخيار في القسم. ونور تحلم بالفجر القادم من رحم الثورة. نور، كفاك أحلاماً! نور، هبّي فضفيرتك تنتظر الحسم!
آلاف النسور قادمة، تجر إعصاراً يدمر قصور أشباح ليل زمن الظلمة، وتخرجك من سرادق عهرهم. نور، خيارهم لن يجدي ما دامت الزنود السمر ستعيد ميزان العدالة.
لن يقتسموك، لن تنجح أسباب الردة، زنازينهم جدرانها هشة، تيجانهم باتت من ورق وأشباح الظلمة، سبوك خوفاً من أن يصبح حلمك ثورة.

(2)
اليوم كان يوماً آخر، لمحتك من إحدى النوافذ وحيدة يفوح من مشيتك وجع، كم تلمسته يضج في أعماقي! كنت على قناعة تامة بأننا بحاجة لبعضنا بعضاً كأصدقاء، كحبيبين، لأشياء لم أعرفها.
كنت أظنُ أني عرفتك جيداً، أحببتكِ صديقة طيبة ومخلصة، وألِفتك طفلة رائعة تقاتل بشراسة الثوار، بمفردات كتبِها المخبَّئة. تجفف ماضيها من الهروب والأنانية، ثورية منفعلة بأحلام الفقراء. أحببتك طفلة هاربة من ليل الذئاب، تثأر لكل الذين رحلوا ولكل الأطفال الفقراء في هذا الوطن، ترد لهم ابتسامتهم، فرحهم، وطفولتهم، ترد القتلة بالكلمات عن حدائق أطفالنا، بوعيها وبطيبتها المقاتلة.
لكن لقاء اليوم كان شيئاً آخر؛ حركاتك المرتبكة، وفزع يتجلى برعشات في جفونك، ونظراتك تائهة لا تعرف أين تستقر وكأنها تبحث عن شيء ما! كنت تسألينني عن أشياء غريبة: ما الذي يريدونه منك؟ ماذا سيفعلون بك لو علموا أنك واحد منهم؟ ما هي علاقتك بالآخرين؟ وعن سبب الاضطرابات الأخيرة و مظاهرات الطلبة، وهل تستطيعون المقاومة لو قوبلتم بالعنف؟
أسئلة كثيرة لا أعرف سببها! لم أعرف الحقيقة سوى بعد تلك المجزرة، وبعد أن رأيتك تلفين حبل الوطن حول عنقي وتشنقينني بسقف بيت أمي.
إن أصعب حالات القهر تلك التي يحسها الإنسان وهو مطعون في قلبه من أقرب الناس إليه، أبلغ جرح هو ذاك الجرح.
لم أكن أعلم أنك تلك الطفلة التي سيغتالون بها الوطن داخلي! صوتك ليلة المذبحة وليلة الاعتقال كان يخترق أفق غبائي، يخترق عصابتي، لأراكِ من خلالها جالسة بينهم تؤكدين كل ما أسند إلي، يتردد صوتك في أعماقي ليفجر براكين غضب ترسل حممها لتحرق أجمل الأشياء داخلي وتأتي على آخر زهور قد زرعتِها أنت بنفسك، يومها فقط تأكدتُ أن ذلك المخلوق المشوه قد وصلت أياديه الأخطبوطية إليك لتحولك إلى مسخ آخر يسخّره لخدمة أغراضه التي توصله إلى ذلك العالم الذي يتوق إليه.
لم أصدق أن نور بيعت وأن الشاري هم سادة وطني!
في زمن الطلق تتشوه كل الحقائق لتأخذ شكلاً آخر، شكل المرحلة، تمتد الظلال وتتسع لتغطي آخر نقطة مضيئة في النفوس، فتحيل النور إلى بحر من الظلام نتخبط فيه لتمتد المجازر بعيداً لتشمل كل شيء حتى الحق والخير والجمال، فتنزف الورود دماً وصديداً وتُذبح الأجنة في الأرحام خوفاً من أن تولد مشوهة كهذا الزمان، زمن الطلق، فكل شيء لا يأخذ شكل التشوه محكوم عليه بالإعدام حتى قبل أن يولد. فليشرب هذا الزمان أملاح التعب ولتنزف حتى الورود. الأمل باق وسينسج ألحان المستقبل؛ فالزهور لن تموت مهما نزفت.
هذا الزمن ليس بأخرس؛ فالصمت يخبئ ألف عاصفة، وعلى الرغم من لعبة الموت ومراسم الدفن، فإن الطفولة ستكبر وتكبر لتحطم تلك السلاسل لتأتي لحظة الولادة مهما طال زمن الطلق. فلندع النوافذ مشرعة لجميع رياح الأنانية وعواصف الجهل والخيانة، فلا بد من لحظات ألم مقدسة قبل الولادة.



#محمد_صالح_الطحيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآن
- انتصار محمد
- هجرة محمد الى المدينة
- محمد في مكة
- الإسلام
- الشريعة اليهودية
- الشعائر الدينية عند اليهود
- منشئو التلمود
- اليهود والنفي
- الأساقفة الشرقيون
- المارقون عن المسيحية
- تنازع العقائد المسيحية
- المسيحيون
- موت المسيح وتجلّيه
- الإنجيل
- رسالة عيسى اليسوع
- نشأة عيسى المسيح
- الديانة المسيحية
- بوذا في أيامه الأخيرة
- تعاليم بوذا


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد صالح الطحيني - نور