أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - الغنجة هشام داوود - الاستراتيجيات الطاقوية الجديدة للقوى الكبرى















المزيد.....


الاستراتيجيات الطاقوية الجديدة للقوى الكبرى


الغنجة هشام داوود

الحوار المتمدن-العدد: 5050 - 2016 / 1 / 20 - 17:57
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


مقدمة
يحتل قطاع الطاقة مكانةً بارزة في التفاعلات بين مختلف القوى الكبرى، ذلك أنّ أكثر هذه القوى لم تصل بعد إلى تحقيق اكتفاءٍ ذاتي في مجال الطاقة، يسمح لها بالتخلص من "التبعية للخارج" طاقويا. وفي المقابل هناك قوى أخرى تمتلك مصادر كبيرة من الطاقة، وتعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على مداخيل المواد الطاقوية.
غير أنّ التغيرات الكبيرة التي عرفتها سوق الطاقة الدولية في السنوات الأخيرة، دفعت هذه القوى إلى إعادة النظر في سياساتها الطاقوية القديمة، وتبني استراتيجيات طاقوية جديدة، تركز على المديين المتوسط والبعيد، وتأخذ بعين الاعتبار مختلف المعطيات التي أفرزتها التحولات في جيوبولتيكية الطاقة، ذلك من أجل تحقيق هدف "الأمن الطاقوي" بما يحمله هذا المفهوم من أهمية ومضامين لهذه القوى.

I. الرهان الطاقوي في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية.
1. ثورة "الغاز الصخري والنفط الزيتي" في الولايات المتحدة الأمريكية:
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستهلك عالمي للنفط، بـ 19.035.000 برميل يوميا، أمام الصين بـ 11.056.000 برميل يوميا، وأكبر مستهلك عالمي للغاز بـ 759.4 مليار متر مكعب قبل روسيا بـ 409.2 مليار متر مكعب.
لكن في المقابل، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة الأمريكية للنفط بنسبة 65% بين عامي 2005 و2014، وأصبحت أكبر منتج عالمي لهذا المورد؛ متجاوزةً لأول مرة المملكة العربية السعودية، بإنتاجها 11.644.000 برميل يوميا، مقابل بـ.11.505.000 مليون برميل يوميا من قبل المملكة العربية السعودية. أما إنتاجها للغاز الطبيعي فارتفع بـ 34% في نفس الفترة، وصارت أكبر منتج عالمي للغاز الطبيعي كذلك، بإنتاجها 728.3 مليار متر مكعب قبل روسيا بـ 578.7 مليار برميل.
ويرجع سبب هذه الطفرة، التي سمحت بتخفيض تبعية الولايات المتحدة الأمريكية للخارج في ما يخص الطاقة؛ إلى قدرتها على تطوير إنتاج الموارد غير التقليدية، ممثلةً في الغاز والنفط الصخريين، مستغلة الاحتياطات الضخمة التي تملكها في هاتين المادتين. ونذكر في هذا الصدد أنّ قدرة إنتاج الغاز الصخري في بنسلفانيا فقط، تعادل نسبة تصدير الغاز الطبيعي لقطر قاطبة. أما قدرة مدينتي تكساس وداكوتا الشمالية على إنتاج النفط الصخري، فتعادل إجمالي ما تنتجه العراق من النفط العادي.
كما أنّ للولايات المتحدة الأمريكية احتياطي يقدّر بـ 58 مليار برميل من النفط الصخري، 17% من نسبة الاحتياطي العالمي لهذه المادة، و665 تريليون متر مكعب من الغاز الصخري، 9% من إجمالي الاحتياطي العالمي لهذه المادة. وحسب توقعات الوكالة الدولية للطاقة عام 2013، من المترقب أن ينخفض استيراد الولايات المتحدة الأمريكية للنفط ومشتقاته من 50% عام 2010 إلى 32% عام 2035. وأن تتحول كذلك إلى دولة مصدرة للغاز عام 2018.

2. التداعيات الجيوسياسية لثورة الغاز والنفط الصخريين في الولايات المتحدة الأمريكية:
من شأن هذه المعطيات الجديدة أن تجعل الولايات المتحدة الأمريكية أقل اعتمادًا على الحصول على الطاقة من الشرق الأوسط، ومن الخارج عمومًا، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات جيوسياسية، نذكر منها:
- توقع اتجاه المستثمرين العالميين في الطاقة نحو الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من دول منطقة الشرق الأوسط، باعتبار الأولى أكثر أمانًا وأحسن مردودية للمستثمرين من حيث استفادتهم من التكنولوجيا الأمريكية المتطورة في هذا المجال.
- في المقابل؛ قد تتخلى الشركات الكبرى الأمريكية عن استثماراتها المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تعيشها هذه المنطقة.
لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتخلى عن دورها نهائيا في هذه المنطقة، بل بما أنها لم تحقق بعد الاكتفاء الذاتي في هاتين المادتين، فلا تزال السياسة الخارجية الأمريكية تعتبر البعد الطاقوي غايةً في الأهمية، من نواحي عدة، خاصة فيما يتعلق بحماية ممرات عبور سفن نقل النفط في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مضيق هرمز، قناة السويس، ومضيق باب المندب، إذ حسب الوكالة الدولية للطاقة، فـإنّ 50% من تجارة النفط العالمية عام 2035 ستمر عبر مضيق هرمز، عوضًا عن 42% عام 2010.
3. نحو تبني استراتيجية طاقوية أمريكية جديدة:
بناءً على ما سبق صارت الولايات المتحدة الأمريكية أمام طريقين:
أ- منهج يتوافق مع استراتيجيات حلفاء الولايات متحدة الأمريكية، ومع أهداف المنظمات العالمية: هدفه تحقيق الاستقرار الطاقوي العالم بـ:
- تشجيع كافة الدول على إنتاج الموارد الطاقوية غير التقليدية.
- حماية وترقية التجارة الحرة في ميدان الطاقة.
- العمل على مواجهة التغير المناخي العالمي.
ب- النفوذ الطاقوي: مضمونه استعمال "ثورة الغاز والنفط الصخريين" كأداة لتحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية الجيوبوليتيكية والاقتصادية في العالم، ومن ثم تعزيز زعامتها العالمية.
ويتضح في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" للولايات المتحدة الأمريكية الصادرة عام 2015 محاولة إيجاد توازن بين هذين المنهجين، بالتأكيد من جهة على ضرورة مساعدة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية على تقليل تبعيتها النفطية للقوى أخرى:
The challenges faced by Ukrainian and European dependence on Russian energy supplies puts a spotlight on the need for an expanded view of energy security that recognizes the collective needs of the United States, our allies, and trading partners as well as the importance of competitive energy markets.
في حين تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية في نفس الوثيقة عن سعيها إلى الحفاظ على البيئة، والتقليل من الانبعاثات السامة:
We will continue to develop American fossil resources while becoming a more efficient country that develops cleaner, alternative fuels and vehicles. We are demonstrating that America can and will lead the global economy while reducing our emissions.

II. الاتحاد الأوروبي والسياسة الطاقوية الموحّدة:
1. الاتحاد الأوروبي و"التبعية" الطاقوية للخارج:
- تعتبر أوروبا أكبر مستورد عالمي للمواد الطاقوية التقليدية، حيث تستهلك دول الاتحاد الأوروبي خمس الطاقة المنتجة في العالم.
- رغم وجود بترول في بحر الشمال بالنرويج، مناجم للفحم في بولونيا، محطات نووية في فرنسا، آبار غاز في الدانمارك وهولندا، إلاّ أن استغلال هذه الثروات لم يكن كافيًا لكي يحقق الاتحاد الأوروبي اكتفاءً ذاتيا في مجال الطاقة، حيث أنّ الاحتياطات الطاقوية–رغم قلتها- هي في تناقص مستمر وسريع.
- لا ينتج الاتحاد الأوروبي سوى 1.411.000 برميل يوميا من النفط، ويستهلك في المقابل 12.527.000 برميل يوميا.
- كذلك الأمر في ما يخص مادة الغاز الطبيعي، إذ ينتج الاتحاد الأوروبي 132.3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويستهلك في المقابل 386.9 مليار متر مكعب.
- إضافة إلى ذلك من المرشح أن يتزايد الطلب الأوروبي وكذلك العالمي للمواد الطاقوية التقليدية، فالطلب على الغاز وحده من المرشح أن يزيد بـ 24 % من 2005 إلى 2025.
هذا ما جعل أوروبا تستورد أغلب طاقتها من دول خارج الاتحاد وبشكل أساسي من روسيا والجزائر وقطر في مادة الغاز الطبيعي، ومن روسيا، المملكة العربية السعودية، ليبيا، وإيران. في مادة النفط.

2. السياسة الطاقوية الأوروبية المشتركة:
لسنوات طويلة؛ كانت لكل دولة من دول الاتحاد الأوربي سياستها الطاقوية الخاصة بها، فكل من ألمانيا، المملكة المتحدة، وفرنسا كانت لها استراتيجيتها الخاصة في ما يخص مسألة الطاقة، لكنّ هذا تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة بعد نشوب أزمة الغاز بين روسيا وأوكرانيا عامي 2006 و2009م، حيث صار من الصعب فهم السياسة الطاقوية لألمانيا مثلاً، دون فهم السياسة الطاقوية للاتحاد الأوروبي.
تبنى الاتحاد الأوروبي عام 2009م استراتيجية طاقوية ذات ثلاثة محاور:
1- أمن التموين: ضمان حصص كافية من الطاقة لأوروبا، ورفع معدلات إنتاج الطاقة داخل أوروبا.
2- التنافسية: بناء سوق داخلي للطاقة قائم على المنافسة، مع الحرص على الحفاظ على البيئة.
3- والديمومة: محاولة توفير أسعار ثابتة ومناسبة للجميع.
وجاء في المادة 194 من اتفاقية لشبونة (الاتفاقية حول طريقة عمل الاتحاد الأوروبي) التي دخلت حيز التنفيذ في 1 ديسمبر 2009م رسميا تبني "سياسة طاقوية أوروبية موحّدة".

وأهم أهداف هذه السياسة:
- إقامة شراكات استراتيجية مع الدول الطاقوية.
- المساعدة على تحسين الهياكل القاعدية في الدول المنتجة ودول عبور الطاقة.
- تنويع واردات كل مصدر من مصادر الطاقة، ليشمل عدة دول.
من أجل تحقيق هذه الأهداف الأساسية تم تبني خطة عمل تركز على ما يلي:
• على المستوى الثنائي:
- العمل من أجل تحقيق اندماج بين السوق الروسية والسوق الأوروبية.
- مواصلة تحسين الشراكة الطاقوية الاستراتيجية مع الجزائر.
- مساعدة تركيا على أن تصبح دولة عبور كبرى للطاقة.
- ترقية الحوار والتعاون الثنائي مع الدول المستهلكة الكبرى للطاقة.
• على المستوى متعدد الأطراف:
- العمل على الدفاع عن المصالح الأوروبية في تجمع مجموعة 8+5 الذي يضم الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة معًا، وعلى مستوى الوكالة الدولية للطاقة كذلك.

ولقد تراجع بشكل كبير استهلاك الغاز والنفط معًا، والطاقة عمومًا في الاتحاد الأوروبي، لتتحقق إلى حد ما الأهداف التي وضعها الاتحاد سابقًا عند تبنيه للسياسة الطاقوية المشتركة؛ وهي:
- تخفيض الاستهلاك العام للطاقة بـ 20% من 1990 إلى 2020.
- الوصول إلى نسبة 20% كنصيب للطاقات المتجددة كمصادر جديدة للطاقة الإجمالية في آفاق 2020، و27% في آفاق 2030. وفعلاً انتقل نصيبها من 8.5% إلى 14.1% بين عامي 2005 و2012.

III. الاستراتيجية الطاقوية الروسية:
1. روسيا كقوة طاقوية على المستوى العالمي:
تمتلك، تنتج، وتصدّر روسيا كمياتٍ كبيرةٍ من الطاقة، خاصة مادتي النفط والغاز، إذ حسب إحصائيات BP لعام 2014:
1- في ما يخص مادة النفط:
- تمتلك روسيا سادس أكبر احتياطي عالمي من النفط بـ 103.2 ألف مليون برميل،أي ما يمثل نسبة 6.1% من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط.
- تعتبر ثالث أكبر منتج عالمي للنفط، بإنتاجها 10.838.000 برميل يوميا، بنسبة 12.7% من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط.
- تصدر حوالي 70% من إنتاجها النفطي، أي ما يمثل 7.4 مليون برميل يوميا حسب إحصائيات عام 2013، ما يضعها في المرتبة الثانية عالميا في قائمة أكبر المصدرين للنفط بعد المملكة العربية السعودية.
2- مادة الغاز الطبيعي:
- تملك ثاني أكبر احتياطي عالمي من الغاز الطبيعي بعد إيران بـ 32.6 تريليون متر مكعب، بنسبة 17.4% من الاحتياطي الإجمالي العالمي من الغاز.
- تعتبر ثاني أكبر منتج عالمي للغاز الطبيعي بـ 578.7 بليون متر مكعب، بنسبة 16.7% من الإنتاج العالمي، بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
- كما تعتبر روسيا أكبر مصدر عالمي للغاز الطبيعي.

2. روسيا والتحولات الطاقوية الداخلية والدولية الجديدة:

لكن هناك في المقابل معطيات أخرى ضيقت من حيز المناورة لروسيا، ومن وزنها في مشهد جيوبوليتيك الطاقة الجديد. نذكر من أهمها:
- أنّ 40% إلى 50% من مداخيل الميزانية الروسية هي من عائدات البترول (80%) والغاز الطبيعي (20%). و70% من صادرات روسيا هي من البترول والغاز كذلك.
- الانخفاض الحاد في أسعار النفط بدايةً من سنة 2014، وما تبعته من تأثيرات على الاقتصاد الروسي.
- توتر العلاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، خاصة بعد أزمة الغاز بين أوكرانيا وروسيا عامي 2006 و2009، وما تلاها من بداية تفكير الاتحاد الأوروبي في إيجاد سبل أخرى لتقليل تبعيته لروسيا طاقويا.
- التوقعات بانخفاض الطلب على موارد الطاقة التقليدية من قبل الاتحاد الأوروبي، بسبب السياسة الطاقوية للاتحاد من جهة، وبسبب الانخفاض المستمر في نسبة النمو الاقتصادي في دول الاتحاد.
- التوقعات بتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى منافس مستقبلي في سوق الطاقة في آسيا خاصة، نظرًا للطلب العالي والمتصاعد للطاقة من قبل الدول الآسيوية الكبرى.

3. الاستراتيجية الطاقوية الروسية 2030:
كل هذه العوامل؛ تضاف إليها السياسة الطاقوية الجديدة التي تبناها الاتحاد الأوروبي، باعتباره السوق الأولى لصادرات الطاقة الروسية؛ دفعت الكرملين إلى إعطاء موافقته "للاستراتيجية الطاقوية الروسية 2030" عام 2010، التي جاء فيها التأكيد على ما يلي:
" الأمن الطاقوي لروسيا هو أحد المكونات الأساسية للأمن القومي. الأمن الطاقوي هو من أمن البلد، ومن أمن مواطنيه، مجتمعه، واقتصاده من مختلف التهديدات... هذه التهديدات محددة في عوامل خارجية (جيوبوليتيكية، اقتصادية، وسوقية)...".

ومنه، يمكن أن نقول، أنه وبمصادقة الكرملين على هذه الوثيقة، تبنت روسيا سياسة طاقوية جديدة، هذه أهم أهدافها:
1- تحديث وإقامة هياكل قاعدية جديدة، خاصة في منطقة سيبيريا وفي الشرق الأقصى لروسيا.
2- التنويع الجغرافي للصادرات وللإنتاج الروسي، من أجل تقليل التبعية للسوق الأوروبية، لصالح دول آسيا والباسيفيك.
3- تقليص حصة النفط والغاز الطبيعي في الناتج المحلي الخام لروسيا من 30% إلى 18% عام 2030.
4- العمل على استغلال الطاقات المتجددة.
5- إنجاز أنبوب جديد يزود أوروبا بالطاقة NORD STREAM ينطلق من روسيا مباشرة نحو ألمانيا، للتخلص من التبعية لأوكرانيا في ما يخص تزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز.
6- كذلك هناك مشروع لإنجاز أنبوب آخر SOUTH STREAM ينطلق من روسيا، ويمر عبر عدة دول أوروبية، ليصل إلى إيطاليا.

بناءً على ما سبق، بدأ مسؤولو غاز بروم أكبر شركة طاقوية روسية بالتفكير في تحويل صادرات الغاز الروسي نحو الصين بدلاً من الاتحاد الأوروبي، وهذا بعد إنجاز أنابيب للغاز تنطلق من سيبيريا نحو الصين، وغيرها الاقتصادات الآسيوية الصاعدة.
وكذلك نحو الهند بعد توقيع سلسلة من عقود النفط معها، الغاز، وفي القطاع النووي في ديسمبر 2010م، هذا إضافةً إلى تصديرها الغاز الطبيعي نحو اليابان وكوريا الجنوبية.
إضافةً إلى ذلك، تعمل روسيا على الاتجاه إلى منطقة جديدة من أجل تنويع مصادر الحصول على طاقتها، هي جهة القطب الشمالي، أو الأركتيك، إذ تتعاون مع النرويج التي تواجه خطر تناقص الاحتياطات والاكتشافات في بحر الشمال؛ من أجل اكتشاف ثروات جديدة في منطقة الأركتيك، في تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها إلى العمل على استكشاف الثروات بهذه المنطقة كذلك.

IV. الاستراتيجيات الطاقوية للقوى الآسيوية الكبرى.
يختلف مفهوم "أمن الطاقة" بالنسبة للاقتصاديات الكبرى في آسيا (اليابان، الصين، والهند)، إذ يُعرّف عند هذه القوى على أنّه يعني: "الحصول على الطاقة"، مع ضمان الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لكل المواطنين. لذلك تعتبر الطاقة بالنسبة لهذه الدول مسألة بقاء، لأنها تعتبر شرطًا ضروريا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي.
ومنه، فإنّ أكبر سؤال يطرحه القادة الآسيويون، هو ماذا يمكنهم أن يفعلوا من أجل أن يبقى العرض العالمي للطاقة مرتفعًا؟

1. الرهان الطاقوي في الاستراتيجية الصينية:
• معطيات حول قطاع الطاقة في الصين:
- حسب إحصائيات وكالة الطاقة الدولية لعام 2012، يعتبر الفحم أكثر المواد الطاقوية استهلاكًا في الصين، بنسبة 66%، يليه النفط، بنسبة 20%، ثم الطاقات الأخرى بنسبة 14%.
لكنّ إنتاج الصين من الفحم يكاد يغطي ما تستهلكه، إذ حسب إحصائيات BP لعام 2014، تعتبر الصين أكبر منتج للفحم؛ 1844.6 مليون طن، بنسبة 46.9% من الإنتاج العالمي، فيما تستهلك 1962.4 مليون طن من الفحم، بنسبة 50.6% من الاستهلاك العالمي لهذه المادة.
في حين أنّ إنتاج الصين من النفط والغاز الطبيعي السائل لا يكفي لتغطية الطلب الداخلي المتزايد، إذ حسب إحصائيات BP عام 2014، تنتج الصين 4.246.000 برميل نفط يوميا، و134.5 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما تستهلك 11.056.000 برميل نفط يوميا، بنسبة 12.4% من الاستهلاك العالمي للنفط (المرتبة الثانية عالميا)، وتستهلك 185.5 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، بنسبة 5.4% من الاستهلاك العامي للغاز الطبيعي (المرتبة الثالثة عالميا).
ويفسر التباعد الشديد بين إنتاج واستهلاك الطاقة داخل الصين، احتلال الصين المرتبة الأولى عالميا كأكبر مستورد للنفط، باستيرادها 6.1 مليون برميل يوميا، أغلبها من دول الخليج العربي.
• السياسة الطاقوية الجديدة للصين:
تبرر هذه المعطيات، والبيانات السابقة المذكورة في الفصول الأخرى، تغير السياسة الطاقوية الصينية، وبروز تصورات جديدة لصناع القرار في الصين؛ نذكرها من أهمها:
- تغير النظرة التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية من ناحيتين:
1- على أنّها "قوة في طور الأفول": أي أنه مع الاكتشافات الجديدة للغاز الصخري والنفط الزيتي في الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت الصين تنظر للولايات المتحدة الأمريكية على أنّها دولة "ممكن التعاون معها طاقويا" بدل النظر إليها كمنافس طاقوي.
2- مع الاضطرابات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر أكبر مورد للصين في مادة النفط، صار توطيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية حتميا، بسبب أنّ هذه الأخيرة تلعب دورًا أساسيا في تأمين ناقلات النفط المتجهة إلى الصين من الخليج العربي، عن طريق أساطيلها العسكرية المنتشرة في المنطقة.
- من جهة أخرى؛ ومن أجل التخلص من "تبعية" الصين طاقويا لمنطقة الخليج العربي وشمال إفريقيا، ومن "التبعية" الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية، لجأت الصين إلى فكرة تنويع مصادر وارداتها من الغاز الطبيعي، باللجوء إلى الغاز الروسي عبر إمدادها مباشرة من روسيا عبر سيبيريا، وكذلك من النفط، باللجوء إلى نفط دول آسيا الوسطى. ما يفسر الأهمية الكبرى التي صارت توليها الصين لمنظمة شنغهاي للتعاون، كإطار متعدد الأطراف قادر على تجسيد توجهات الصين الطاقوية الجديدة.
- وتعول الصين كذلك على استغلال الموارد الطاقوية غير التقليدية المستكشفة حديثا في الأراضي الصينية؛ خاصة الغاز الصخري، إذ تمتلك الصين أكبر احتياطي من الغاز الصخري عالميا من هذا المورد غير التقليدي

2. الرهان الطاقوي في الاستراتيجية الهندية:
تتشابه إلى حد بعيد الحالتين الصينية والهندية، إذ:
- يمثل الفحم أكثر المواد الطاقوية استهلاكا في الهند بنسبة 44%، تليه الطاقة المولدة من القاذورات بـ 22%، والنفط كذلك بـ 22%، ليأتي الغاز الطبيعي بنسبة 7%.
- تستهلك 3.864.000 برميل يوميا من النفط (المرتبة الرابعة عالميا)، فيما لا تنتج سوى 895.000 يرميل يوميا.
- فيما لا يظهر التباعد كثيرا بين العرض والطلب في مادتي الفحم والغاز الطبيعي.

فيما يخص الاستراتيجية الطاقوية الهندية؛ تتفاوض الهند مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إقامة اتفاقية طاقوية، في حين تتفاوض من جهة أخرى مع إيران من أجل توفير خطوط تصدير جديدة للبترول والغاز من إيران، وتسعى كذلك الهند إلى توسيع استثماراتها الطاقوية في إفريقيا.
من جهة أخرى، تراهن الهند كثيرًا على تطوير الطاقة النووية من أجل توفير الكهرباء للبلاد. كما تراهن كذلك على تعميق تعاونها الطاقوي مع روسيا، من خلال توسيع استثماراتها لاستغلال الاحتياطات الضخمة في منطقة سيبيريا، مثال على ذلك مشروع Sakhalin لاستغلال النفط في سيبيريا بمبلغ قدره 1 مليار دولار.

3. الرهان الطاقوي في الاستراتيجية اليابانية:

تعتبر اليابان من الدول "التابعة" بشدة للخارج في القطاع الطاقوي، إذ لا تنتج سوى 15% من حاجياتها الداخلية من الطاقة. في حين تستهلك 4.298.000 برميل يوميا من النفط (ثالث أكبر مستهلك عالميا للنفط)، وخامس أكبر مستهلك للغاز الطبيعي في العالم.
• الاستراتيجية الطاقوية لليابان:
رغم أنّ اليابان حاولت الاعتماد على القطاع النووي سابقًا لتوفير الطاقة، إلاّ أنّ كارثة فوكوشيما في مارس 2011 أحدثت تغيرا كبيرا في السياسة الطاقوية لليابان، حيث أعطت الأولوية للغاز الطبيعي المسال بدلا من الطاقة النووية.
وتحاول اليابان استغلال المعطيات العالمية الجديدة في قطاع الطاقة، بتبني استراتيجية تقوم على تنويع مصادر الإمداد بالطاقة، ذلك:
- باستغلال القرب الجغرافي مع الولايات المتحدة الأمريكية، للاستفادة من "ثورة الغاز الصخري والنفط الزيتي في هذه الدولة".
- الاستفادة من مشروع الأنبوب الجديد لنقل الغاز الطبيعي المسال من سيبيريا بروسيا، وكذلك من مشاريع الغاز الطبيعي المسال في أستراليا وكندا.

خاتمة
تختلف الاستراتيجيات الطاقوية للقوى الكبرى في العالم، إذ غيرت "ثورة الغاز والنفط الصخريين في الولايات المتحدة الأمريكية" من جيوبوليتيك الطاقة، وكذلك غيرت الاستراتيجية الأمريكية في ميدان الطاقة بصفة خاصة.
بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وبما أن دوله لا تمتلك إلا مستويات متدنية من الطاقة، فإنها في المقابل تعول على الطاقات البديلة، وعلى تنويع وارداتها من أجل تقليل تبعيتها الطاقوية للخارج.
أما روسيا، فباعتبارها دولة طاقوية بامتياز، فإنّ استراتيجيتها بعيدة المدى تعمل على جعل الطاقة أداة في يد السياسة الخارجية من جهة، ومن جهة أخرى على التخلص من التبعية الطاقوية لمجموعة من الأسواق التقليدية، بفتح أسواق جديدة، وكذلك ممرات جديدة، لتصريف الموارد الطاقوية نحو الخارج.
أما بالنسبة للقوى الكبرى في آسيا، فإن طلبها على الطاقة مرشح أن يتزايد بقوة، مقابل إنتاج داخلي ضعيف أو منعدم، هذا ما جعل هذه الدول تعتبر مسألة الأمن الطاقوي، مسألة حيوية، وتدرجها في أولويات أجنداتها الخارجية.



#الغنجة_هشام_داوود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - الغنجة هشام داوود - الاستراتيجيات الطاقوية الجديدة للقوى الكبرى