أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بدر الدين شنن - دفاعاً عن آمال العقلانية والعلمانية والتقدم















المزيد.....

دفاعاً عن آمال العقلانية والعلمانية والتقدم


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 5041 - 2016 / 1 / 11 - 11:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تقول الرواية التاريخية الموجزة ، أنه في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي ، بعد فشل الشيخ " أبو حامد الغزالي " في دحض طروحات علماء الكلام في بغداد ، عاد إلى سيده الخليفة العباسي " المتوكل " وأخبره بفشله وقال له " لم يبق إلاّ السيف " . فكلف " المتوكل " السلفيين المتعصبين بحمل هذا السف . والسيف السلفي التعصبي الذي فتك بعلماء الكلام ، وأحرق كتبهم ، أغلق باب الاجتهاد ، وصادر العقل ، وأدخل المسلمين في نفق الظلام . ونتيجة لذلك ألغي حق محاكمة الظواهر ، والوقائع ، والضرورات ، والرهان ، وساد التعصب والجهل والتخلف العلمي والحضاري في كل المجتمعات العربية والإسلامية . ومنذ ذلك الحين بدأ ت المذهبية بالظهور ، دفاعاً عن الذات ، ولتخفيف تأثير القيود التي فرضت على حركة وحرية العقل . وطوال تسعمئة عام ونيف الماضية ، والمجتمعات العربية والإسلامية تتخبط في المتاهات والعدوات المذهبية التي أوصلتنا إلى ما نحن عيه الآن من ترد وانحطاط وإحباط ، وستوصلنا إلى ما هو أكثر تردياً وانحطاطاً وإحباطاً ، إذا استمرت قوى الإرهاب الدولي ، تجتاح مجتمعاتنا ، بشراستها وتدميرها ، وفرض عقليتها المتعصبة المتوحشة علينا .

وفي الظروف الراهنة ، حيث يكتسح هجوم التعصب " التكفيري " وأشباهه ، بالنار والدم ، معظم مجتمعاتنا ، وانحدر العقل إلى أحط درجاته . والعلماء على اختلاف اختصاصاتهم وعددهم ، قتلوا ، أو شردوا ، أو اختفوا ريثما يحصلون على ملاذ آمن في مكان ما في الخارج . والجامعات ، والمعاهد ، والمدارس ، ومراكز البحوث ، المنتجة لمقومات العقل والفكر تدمر بالصواريخ ، أو احتلت لتتحول إلى مراكز حربية ، وسجون ، ومراكز إعدامات للأبرياء . والقائمون على الحرب التكفيرية التجهيلية الجديدة ، يمعنون في إرهابهم ، وسحقهم ، لقيم ومؤسسات الفكر والتقدم ورموزها التاريخية والحديثة ، كما حدث في الموصل وتدمر وكافة المدن الأخرى ، وذلك بالتوازي مع سحقهم العمران ، وارتكاب المذابح الهمجية المتوحشة ،في سوريا ، واليمن ، والعراق ، ولبنان ، وليبيا .. فإن كل المثقفين ، والسياسيين ، الملتزمين بشرف الحقيقة والثقافة ، والفكر ، والإبداع ، وبحب الوطن ، والدفاع عن حقوق الإنسان ، والبحث ، والتفكير ، والاعتقاد ، والتقدم ، والاختيار ، مدعوون .. للتصدي لجريمة قتل العقل المتجددة باسم الدين .. أي كف سيف الإرهاب ضد العقل .. عن الفعل .

إن جريمة قتل حرية العقل والتفكير ، هي الأسوأ ، والأكثر توحشاً ، من جريمة قتل النفس . لأن جريمة قتل العقل والفكر تقتل المكون الرئيس للحرية ولإنسانية الإنسان بكل تعاريفها ، ومضامينها ، ومحدداتها . وبدون العقل والحرية بكل مجالات الحياة ، والفكر ، والمعتقد ، يقتل أسمى وأهم ما يعبر عن حضور الإنسانية والحضارة ، ويحول الإنسان المصادر عقله وحريته ، إلى حيوان مطبع .. إلى شيء يتحرك بآليات التعصب والجهل .

لقد اضطهد المتعصبون السلفيون في المغرب ، الفيلسوف ، والقاضي ، والطبيب ، والفقيه ، والفلكي ، والفيزيائي ( ابن رشد 1126 - 1198 ) الذي أعاد الاعتبار للعقل والبرهان . وأحرقوا كتبه أمام عينيه . ولما توفي رفضوا أن يدفن في المغرب . فحملوه وبعض كتبه على دابة ، ونقلوه إلى الأندلس ليدفن فيها . وفي الأندلس شق ما تبقى من صفحات كتبه سليماً الظلام الأوربي ، وكانت المشعل الرئيس ، الذي أضاء الطريق للنهوض الحضاري في أوربا .. وبقينا نحن في نفق ظلام التعصب والتجهيل .
وقتل المتعصبون في مصر ، المفكر ( فرج فودة ( 1945 - 1992 ) . وحاربوا فكره ودعوته للعلمانية ، وفصل الدين عن الدولة واحترام حرية الفكر والإبداع .
كما حاصر المتعصبون المصريون المفكر المصري ( نصر حامد أبو زيد - 1943 - 2010 ) . ورفعوا دعوة قضائية تتهمه " بالردة " .. أي هدر دمه .. ولتفريقه عن زوجه . فاضطر للهجرة قسراً وعاش غريباً يدرس في جامعة لايدن في هولندا ، وقبل أسبوعين من وفاته عاد مريضاً إلى مصر ، لكنه توفي نتيجة إصابته بفيروس قاتل مجهول .. أضيف إلى فيروس التعصب الذي قتل قسماً كبيراً من عمره في المنفى .

الآن تتكرر نفس الجريمة في تونس ، التي أبى المتعصبون السلفيون فيها ، إلاّ أن ينتهكوا قيم الثورة التونسية الرائدة ، فأرسلوا آلاف الشباب التونسيين ، المجهلين ، للجهاد في سوريا ، وليس للجهاد في فلسطين التي يحتلها الصهاينة ويفتكون بالشعب الفلسطيني طوال نحو سبعين عاماً ، ويتعرض المنتفضون الفلسطينيون يومياً للقتل في الشوارع أمام سمع العالم وبصره ، لصالح الدول الاستعمارية والعربية الرجعية وإسرائيل ، متجاهلين القيم الإسلامية ، التي تدعو إلى الدخول في السلم كافة ، وإلى طلب العلم ولو في الصين ، والتي تقضي أن لا جهاد لمسلم في بلد مسلم ، ولا حرب إلاّ على من اعتدى . وهم يعرفون أن البلاد التي يرسلون الشباب التونسي للقتال فيها باسم الجهاد هي بلاد إسلامية ، ولم تعتد سوريا مثلاً على تونس لا في الماضي ولا في الحاضر . وتفصل بينهما آلاف الكيلو مترات ، وتفصل أيضاً روابط الأخوة القومية ، التي تتمسك بها سوريا عبر تاريخها كله .

وقام المتعصبون السلفيون في تونس أيضاً بممارسة الاغتيال السياسي لعدد من الرموز السياسية الوطنية التونسية . كان أولها " لطفي نفض " ثم " محمد البراهمي " وبعده " شكري بلعيد " . ثم شرعوا بنشر الإرهاب على نطاق واسع ، وهاجموا الجيش التونسي الوطني ، وهاجموا المنشآت السياحية والخدمية ، لضرب الأمن والاستقرار والسياحة والاقتصاد عموماً في تونس ، وذلك لإضعاف الدولة التونسية ، ثم الانقضاض على السلطة ، والتسلط على الدولة والمجتمع ، والقضاء على إنجازات الشعب التونسي الديمقراطية ، وإعادته إلى أحضان التعصب والتخلف .

في هذا المناخ السياسي التونسي المضطرب ، وقع الهجوم ، البعيد عن مفاهيم السياسة الحضارية ، والفكر ، والعقل ، الذي شنه الصحافي " مقداد الماجري " مدعوماً من الجهلة المتعصبين ، على الأستاذة الجامعية المناضلة " آمال قرابي " واتهمها " بالردة .. أي هدر دمها .. تماماً كما يتهم " داعش " خصومه بالتكفير والردة ، ويستبيح ذبحهم ، الذي يوثقه على أشرطة فيديو ويعممه على الملأ . ومن الخطورة بمكان ، أن يتجاوب المتعصبون في أجهزة الدولة المصرية، وينسقون ، مع المتعصبين التونسيون ، بمنع الأستاذة " قرابي " من دخول مصر بجواز سفر نظامي يحمل فيزا صالحة للاستعمال لأكثر من شهر آخر . وأصبحت المناضلة " قرابي " ضحية ، محاصرة من قبل المتعصبين في مصر وتونس .

إن المتعصبين البسطاء ، الجهلة لمضمون معتقدهم الديني ، والمخدوعين بإرشادات التكفيريين المتخلفين ، علمياً ، وإنسانياً ، وحضارياً ، الذين يهاجمون الأستاذة " قرابي " ومن يدافع عنها ، إنما يهاجمون أنفسهم ، ويساهمون باستمرار الحجر على عقولهم ، ومصادرة طاقة التفكير والإبداع فيها ، ويشاركون ، دون تعقل أو تفكير ، في حرب الإرهاب الدولية ضد أهلهم وشعبهم في تونس ، الرائدة في التمرد على النظام العربي الديكتاتوري القبلي والشمولي ، كما يشاركون دون احترام لمعايير الأخوة والانتماء القومي ، في حرب الإرهاب الدولي ضد أشقائهم في البلدان العربية .

إن المقارنة الموضوعية ، بين " آمال قرابي " المتماهية بقناعة مشرفة بآمال ، العقلانية ، والعلمانية ، والتقدمية ، المتمثلة بفصل الدين عن الدولة ، وتطبيق مبادئ ومقتضيات العلمانية ، في أنشطة ومستويات الحياة الاجتماعية عامة ولاسيما في مؤسسات ومفاعيل الدولة ، والعدالة الاجتماعية ، وبين خصومها المتعصبين " الدواعشيين " ، المدعين زوراً ، الدفاع عن الدين وعن الرسول الكريم ، تظهر كم هي كبيرة " آمال قرابي " التي تتحدى كل هؤلاء المتعصبين ، في ذروة هجومهم الإرهابي الجنوني على مستوى تونس والوطن العربي .. وكم هي الآمال العقلانية والعلمانية والتقدمية ، التي طرحتها " آمال " كآمال توثق وتطبق في الوقت الراهن كضرورة مصيرية وحضارية .. من أجل أن يعم نور الحرية والإبداع والجمال ، والعدالة الاجتماعية .. كم هي عظيمة ومحقة .. ومؤهلة لتكون راية كل المناضلين ، من أجل مجتمعات عربية متحررة من الإرهاب الفكري والجسدي .. ومن طغيان وظلم كل أشكال التجهيل والتعصب .



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحالف العدواني التوسعي الجديد ومخاطره
- الأرض السورية تقاتل
- إنها البرهان
- من الربيع العربي إلى التحالف الإسلامي
- الذين يرسمون خريطة سوريا الآن وغداً
- سقوط قناع التحالف الأميكي الدولي
- - الناتو - يزحف إلى دمشق .. وسوريا تقاتل
- الحل السياسي بين الإرهاب والتدخل الخارجي
- جلالة الشهيدة
- داعش يغزو فرنسا
- - فيينا 2 - والرهانات المتعاكسة
- الجري وراء الحلول السياسية في زمن الحرب
- مقومات الحل السياسي الوطني في سوريا
- صانعو الحلول الوطنية المشرفة
- فلسطين في القلب
- سوريا موحدة جديدة قادمة
- هل بدأت نهاية الإرهاب في سوريا ؟ ..
- أيلول أسود بشع آخر
- دفاعاً عن هوية المسجد الأقصى ووجوده
- المؤتمر النقابي الدولي بدمشق .. توقيته وأهميته


المزيد.....




- المصارف الإسلامية تحقق نجاحات كبيرة على حساب نظيراتها التقلي ...
- -الأقصر ولكن الأفضل-.. الرئيس الأوكراني يعلق على اجتماعه مع ...
- مصر.. فتاة ترفع الأذان داخل مسجد أثري يشعل  نقاشا دينيا
- خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 TOYOUE EL-JANAH ...
- برازيليون يحولون نبات يستخدم في الاحتفالات الدينية إلى علاج ...
- TOYOUR EL-JANAH KIDES TV .. تردد قناة طيور الجنة على القمر ا ...
- الحسيني والقسام في مواجهة تسريب العقارات لليهود قبل النكبة
- مجانية.. نزل تردد قناة طيور الجنة الجديد على نايل سات الان
- ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية مجانًا ...
- ترامب ينشر صورة -مثيرة للجدل- بزي بابا الفاتيكان


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بدر الدين شنن - دفاعاً عن آمال العقلانية والعلمانية والتقدم