أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هبةالله الذهبي - حراس المكتبة














المزيد.....

حراس المكتبة


هبةالله الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 20:29
المحور: الادب والفن
    


في أحد الأعوام جاء اليوم الذي عدت فيه إلى بيتنا باكيه
فقد اعتدت أن أكون الإبنة المتفوقة في دروسها والمتميزة بشكل خاص في مادة القومية العربية.
فمنذ الصف الأول الذي أخذت فيه هذه المادة كانت درجتي تامة .
وكثيرا من الأحيان ما أثرت تسائل المدرسين والعائلة عن سبب تراجعي في موادي كافة إلا مادة القومية كانت ثابتت النجاح برغم جميع الظروف المرافقة لي طول سنوات دراستي الإبتدائية والإعدادية والثانوية ... وحتى الجامعية ..بعدها .
أذكر أنها حادثة الفشل الوحيدة لمادة القومية التي لم تتكرر لكن كان لها الأثر المديد في حياتي
عدت في أحد الأيام من المدرسة وعيناي ممتلئتان بالدموع حاولت الاختباء لم أشئ أن يلاحظ دموعي أحد من عائلتي, إلا أن سمعت صوت جدي ينادي هبة ..
كان جدي مريضاَ ,كان هذا عامه الأخير,فدخلت غرفته ,كان ملازماَ للفراش
في شهوره الأخيرة متعبا دائما لكن برغم غياب قوة جسده التي عرفته بها طوال ثلاثة عشرة عاما لم يغب عني بروحه وعقله واهتمامه .
قال لي تعالي لماذا أنت حزينه ياهبة الله ...
هنا لم يعد للدموع مكان في عيني وأنهمرت بالبكاء.
أذكر لمحات وجهه القلقة وصرامتها فمن ذلك الأب الحنون الذي أحسَ بحزن طفلته إلى ذلك الرجل الذي قليلاَ ما رأيت هذه النظرة على عينيه الخضراوتين.
غمرني الخوف ...ولم أرد أن أطيل قلقه علي فأجبت مسرعة أستاذ القومية وضع لي علامة متوسطه في المادة ..
فسألني وكان على علم مسبق بتفوقي الخاص بهذه المادة .
أنت الوحيدة التي نالت مثل هذه الدرجة بين زملائك ..
فأجبته لا .. وضعها لكل الصف المشاغب.
هنا ضحك جدي وقال لي اقتربي ومسح بيديه الناعمتين دموعي
وقال لا تهتمي يا هبة الله
فأنت فتاة ذكية ومجتهدة ..وأنت تعلمين هذا .. أما أستاذك فهو جاهل وزملائك طائشون قليلوا الأدب... وكثيرا ما نعاني من هذه المشاكل في مدارسنا العربية ..
اذهبي يا حبيبتي إلى مكتبتي الخاصة فقد آن الأوان ...
كان لدينا في البيت مكتبة كبيرة مليئة بالكتب المتنوعة والمجلدات التي لطالما تأملتها في سنواتي الأولى .. وعندما حان وقت أن أتعلم القراءة والكتابة ,تعلمت القراءة متطلعة أن يأتي يوم وأقرأ جميع كتب جدي ..
كان هناك على أحد الرفوف مجموعة أنيقة, كبيرة و مرقمة من المجلدات التي تحمل فقط رقم المجلد واسم جدي ..كنت فخورة جدا بقراءة اسمه على هذه الكتب واعتقدت لسنوات أنها من تأليفه ... كانت غامضة وثقيلة الوزن بالنسبة لطفلة أن تحمل كتاباَ واحداَ منها .
ولم يكن فضولي بهذه الجرأة فخصوصياته ممنوعة الإقتراب حتى لوكانت على بعد سنتيمترات ..فكيف بمكتبة شاهقة الارتفاع بالنسبة لطفلة.
كان بإمكاني أن أضع كرسياَ صغيراَ وأتسلق المكتبة فقد كانت في غرفتي ومواجهة لسريري ,لكنني كنت أقول لنفسي سيأتي يوم وتكبرين وتمتلكين كل هذه المكتبة..
أما الآن فلأقضي وقتي ألعب مع دمى الباربي ..
في مرحلة أخرى ..التي لم تعد فيها لدمى الباربي مكان في نشاطاتي اليومية فكرت أن أضع هذا الكرسي وأمدد جسدي وأتناول مؤلف من مؤلفاته ..لكن في كل مرة كان هناك شيئ ما يمنعني .. ربما وجوده في جميع لحظات حياتي فما النتيجة من قراءة مؤلفات شخص يعيش معك يومياَ ...من الفطور حتى العشاء .. شخص تعرفه جيدا..هذه المؤلفات للأشخاص الذين لا يعرفون جدي .. أما أنا فأعرفه جيدا ..
بالإضافة إلى الحادثة الطريفة عندما تمكنت من تخطي جميع القناعات أخيرا محاولة سحب مجلد ليقع آخر على رأسي كم هو مؤلم هذا الشعور أن تخالف قناعاتك لتتلقى فورا ضربة موجعة على الرأس لا ليست صدفة أنها روح جدي تحرس المكتبة حتى في غيابه..
اذهبي إلى مكتبتي وأحضري المجلد رقم 1 .. لم أصدق ماسمعته أذناي ...
المجلد السري رقم 1 ... شكرا استاذ القومية
توجهت إلى المكتبة وكانت جدتي جالسة هناك.. بعد كل هذه السنوات الآن أنا أعرف ماذا أفعل
سألتني ماذا تفعلين ... أجبتها أحضر المجلد سأقرئ مع جدي .. فابتسمت وهزت رأسها بصمت .. فجدتي هي الحارسة الثالثة للمكتبة بعد جدي وروح جدي ..
جلست بجانبه فقال يا حبيبتي ستكبرين وتتفوقين مجددا في دراستك الأكادمية فحصولك اليوم على درجة متوسطة ظلما في مادة إعتدتي فيها المثابرة على النجاح ليس نهاية العالم لتذرفي هذه اللئالئ الغالية لكن بعد هذه الدراسة ستواجهين مجتمعا مليئا بالأشخاص من مختلف الثقافات والعقليات وهنا يجب أن يكون لديك ليس فقط درجاتك الأكاديمية المتفوقة
بل يجب أن تكوني ذكية اجتماعيا وثقافيا لتواجهي كل هؤلاء .. فانظري إلى ما حدث معك اليوم ما الفائدة من معلم حاصل على أعلى الدرجات العلمية التي أهلته التدريس وهو لا يستطيع أن يميز بين طالب مجتهد مؤدب وبين مجموعة من الطلاب الكسالى المشاغبين..
لا أريد منك بعد اليوم التركيز على مقرارتك الدراسية فقط .. أهديكي يا حبيبتي هذه المكتبة المتواضعة لتقرأي منها ما تحبين وأريدك أن تبدأي بهذه المجموعة لأنها تحتوي على معلومات ثقافية شاملة لمختلف جوانب الحياة .. فهذه مجلة قيمة جدا تابعت أعدادها شهريا لسنوات وجمعتها لتبقى لكم لما رأيت ما فيها من فائدة تحفظ ..


كاتبة سورية



#هبةالله_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هبةالله الذهبي - حراس المكتبة