طالبتي شهيدة

نجلاء فؤاد أبو شلبك

الحوار المتمدن-العدد: 5028 - 2015 / 12 / 29 - 16:11
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    

في كل العالم يولد الأطفال للحياة، إلا في وطني فإنهم يولدون للشهادة...
كم من الصعب على النفس البشرية أن تحتمل فكرة الخسارة، خسارة المال، خسارة الحب، خسارة الصحة، أو حتى خسارة التعليم والفشل، فما بالك بخسارة أقوى وأعظم من خسارة الحياة... أي قلب هذا الذي لن ينكسر إن خسر شخصاً عزيزاً على قلبه، وأي خسارة أصعب من خسارة الأب، الزوج، الأخ، الحبيب، الأم، الزوجة، الأخت، ولكن الأصعب الأصعب خسارة الابن أو الابنة... خسارتهم تعني خسارة الحياة، بمعنى أن كل الأمل حاضر وأهمه الأمل بالله ... أن تفقد ابنك يعني أن يصبح في قلبك شرخ أبديّ...
أحاول استراق السمع لصديقات هديل، هديل عواد، شهيدة مخيم قلنديا الصامد. ولا أكثر صموداً من المخيم إلا جسد هديل... هديل ابنة الأربعة عشر ربيعاً، ابنة الصف التاسع، صديقة هؤلاء الطالبات الواقفات على الباب لعدم وجود مجال في كل الغرف للجلوس لكثرة المهنئين!!! أحاديثهن مختلطة فيها حزن جمّ وفيها فرح جميل، لا أحسبهنّ إلا مجرد أطفال لا زالت البراءة تتربع في قلوبهنّ، فتلك التي تقول " قررنا أن مقعد هديل فارغ لن يملأه أحد"، وتلك تضيف " صورة هديل وأوراق امتحاناتها ذات العلامات الكاملة وشبه الكاملة ستظل معلقة على حائط الصف".. كل تلك الكلمات تؤكد فكرة واحدة لا ثانيَ لها أن هديل ستظل حاضرة كما كل الشهداء وكما كل الفلسطينيين في قلوب من يعرفهم ومن لا يعرفهم...
هديل كانت واحدة ممن أعرف، كان لقائي بها لساعات معدودة، ساعات كنت أنا فيها مجرد مساعدة للطبيبة المستقبلية، تلك الطبيبة أرادت أن تتأكد من تميزها باللغة الانجليزية للامتحان القادم، فالطب كان حلم الطفلة التي شهدت استشهاد أخيها، استشهد أخاها محمود بعد رصاصة اخترقت رأسه واستقرت لمدة ستة شهور، فما كان حلمها بدراسة الطب إلا رغبة منها باكتشاف نوع الرصاصة التي سرقت حياة أخيها... رصاصة غدر استقرت في رأس أخيها قبل عامين ولحقتها لتستقر في قلبها بعد العامين...
يستوقفني في وطني الشهداء! ولكن يبهرني بينهم الأطفال .. أي أبطال هؤلاء!! وأي وطن هذا!!
الشهداء لا يموتون، الشهداء يرتقون.. كالنجوم في السماء ..
لكل شهيد حكاية، عائلة، أبناء، أصدقاء، أحباء، مقعد دراسي ينتظره، وظيفة طمح بها فخسرها، بيت فقد الدفء من بعده... قلوب منكسرة إلا من رحمة الله.. لكن ليحيا الوطن، لابدّ من التضحيات..
ولنسلك الطريق المعبدّة بالحرية والزهور، لا بدّ أن تنزف أقدامنا دماً وألماً..
فبعد الألم، أملٌ كبير.. وليمسي وطني حراً، لا بدّ أن يبزغ فجر بعد الظلام...

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل