مستوطنة جبل ريش الحمام -3-:

‏ياسين لمقدم‏

الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 08:43
المحور: الادب والفن
    

مستوطنة جبل ريش الحمام -3-:

في ركضه تُجاه باب المقبرة، كاد قلب سعيد أن ينخلع. وبعد أن غمره نور الشارع، استجمع شتات ذهنه، وبحث في مدلولات كلام الطَّيف الذي كاد أن يزهق روحه من الهلع.
شعر بغرابة في نظرات المارة إليه، وتذكر أنه لم ينفض بعدُ عن ملابسه غبار المقبرة التي تمرغ في ثراها خلال تعثراته المتعددة.
حثَّ الخطوَ إلى المقهى، وبعد أن وصل إليها أشار إلى صديقه عمر أن يخرج إليه آثِراً الجلوس خارجها لتجنب الزحمة والضجيج وروائح السجائر.
نشر سعيد أوراق تصاميمه الأولية على طاولة المقهى، وبدأ يشرح أفكاره حول السُّبل التي يراها سالكة خلال صعوده إلى القمة. ولم يعترض عمر على هذا، لكونه لا يملك معلومات دقيقة عن وعورة الجبل الذي بالكادِ تسلقه مرتين في صغره.
ثم انتقل الجدال حول سبل بناء الكوخ، ونصح عمر صديقه بأن يوجه باب الكوخ ونافذته تُجاه المدينة التي سيهجرها، أي إلى الشمال الشرقي لكي لا تغيب عن عينيه وإن كان عنها راغبا. ولكن سعيدا رفض هذا الاقتراح، وعلل ذلك بما يقوم به أهل البادية حين يوجهون أبوابهم قِبل المشرق لكي تلج منها أشعة شموس الأصباح الدافئة، ويوَلَّون ظهور بيوتهم إلى الغرب اتقاء للرياح والعواصف.
طال الحديث بين الصديقين، واحتدم الجدال وارتفع، وأثارت كلماتهما والأسماء التي يتلفظان بها انتباه الفضوليين الذين ينحشرون في كل زوايا المقهى إلى آخر ساعات الليل.
وفي خضم اشتغالهما على المشروع، استأذنهما رجلٌ ستِّيني في مُجالستهما لإبداء بعض الرأي، وكان قد تابع حديثهما من طاولته التي تجاورهما. أذن له سعيد بمشاركتهما الحديث ولو لم تكن بين الثلاثة أية معرفة مسبقة.
عرّفهما الرجل على نفسه قائلا إنه كان من سكان سفوح جبل ريش الحمام قبل أن يستقر مع أهله في وسط المدينة. وإنه قضى فترة مهمة من طفولته في الرعي على جنبات الجبل. وكانت القُطعان التي تُعهد إليه بالرعي في ملكية والده الذي كان يتاجر في الماشية. وبعد هذا، عرج بالحديث على فكرة سعيد التي تتمحور حول الرغبة في استيطان الجبل. وكانت المفاجأة الكبرى حين أخبرهم أن هنالك شخصا آخر حاول أن يستوطن قمة جبل ريش الحمام في بداية الثمانينات من القرن الماضي.
وكان هذا الرجل أمريكي الجنسية، زار مدينة العيون الشرقية، وكغير عادة السياح الأجانب الذين كانوا يكتفون بزيارة قصيرة للقصبة وبعض أحياء المدينة في ذلك الزمن الذي كانت فيه الطريق الوطنية تمر عبر وسط المدينة. قام هذا الأمريكي بتسلق الجبل، وقرر المكوث في مغارة الحمام. وكان ينزل خلسة من الجبل لأجل التبضُّع، ثم العودة إلى مغارته. ولكن شاع خبر هذا الغريب بين الناس، ووصل الحديث عنه إلى السلطات.
وفي باكرة يوم ما، عزم قائد المدينة وأعوانه على تسلق الجبل، فوجدوا الأمريكي متواريا في غار الحمَام، وقد أغلق مدخل الكهف بالحجارة لكي لا تباغته الذئاب أو الثعالب. وبعد أن بحثوا في متاعه، وجدوا معه جوازه الأمريكي، فطلبوا منه أن ينزل برفقتهم من الجبل.
وقضى هذا الأمريكي عدة أيام في المدينة تحت وصاية السلطات، إلى أن تسلمته بعثة ديبلوماسية أمريكية حلت بالمدينة...
يتبع...

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل