|
منطق اقتصادي يحدث حاليًا في أوروبا الفائدة السالبة !
احمد عبدالكريم القحطاني
الحوار المتمدن-العدد: 5018 - 2015 / 12 / 19 - 03:59
المحور:
الادارة و الاقتصاد
فائدة بالسالب.. منطق اقتصادي يحدث حاليًا في أوروبا.
اثناء قراءاتي للأخبار الاقتصادية انتابني خبر عن انخفاض سعر الفائدة في السويد الي (0.35-)، وبرغم انها ليست الحالة الاولي بل ان كثير من دول الشمال الأوربي والاتحاد الأوربي قامت بخفض سعر الفائدة دون الصفر، الا ان الخبر من الناحية الاقتصادية للأفراد مثير. فأن يقرأ او يسمع المواطن العادي أن بنك يدفع فائدة سالبة يعتبر امر غير منطقي، بمعنى أن من يقوم بوضع أمواله في بنك سيدفع من راس مالة مبلغ مقابل إبقاء ماله في أحد الحسابات الاستثمارية، وبدل ان يحصل الفرد المودع على فائدة شهرية او سنوية مقابل إيداع أمواله او شراء سندات من البنوك فسوف يقوم البنك بخصم مبلغ من راس مال المودع وفقا للفائدة السالبة المعلن عنها. وكمثال رقمي للتوضيح لو قام فرد او مؤسسة بوضع (100) ألف دولار ببنك او شراء شهادات وسندات بنكية سنوية، فسوف يتحول المبلغ الي (99.650) ألف دولار اخر العام، بعد خصم الفائدة السنوية السالبة (0.35-) كما بحالة السويد. انه واقع ادخاري للأفراد والمؤسسات يعبر عن حالة اقتصادية مالية جنونية في مظهرها، إلا أن الواقع العملي للاقتصاد العالمي أصبح لدية سياسات وأليات مالية مبتكرة وجديدة، لتحفيز الاقتصاد الوطني على النمو، واحدي هذه السياسات هي خفض سعر الصرف دون الصفر ليصل الي السالب لتجنب دورات الكساد والانكماش الاقتصادي وتحفيز الاقتصاد الوطني. فمن الجانب النظري كل نظريات علم الاقتصاد الأساسية، كانت تتجنب وصول سعر فائدة الي منطقة الصفر سياسات الفائدة الصفرية (ZIRP) حيث عند هذه النقطة تفقد السياسة النقدية فعاليتها، أي قدرتها على التأثير في معدل الفائدة وهو بمثابة الاعلان عن وصول الاقتصاد الي مرحلة كساد وانكماش اقتصادي لا يمكن تقبلها نظريا. ولكن هذه النظريات أصبحت شيء من الماضي ، بعد ان استحدثت اليات وأدوات للسياسية المالية والنقدية للاقتصاد الحديث، وفقا لمفاهيم الاقتصاد الكمي والرقمي، حيث تبنت البنوك المركزية لاقتصاديات قوية مثل سويسرا وألمانيا والسويد سياسات معدلات سالبة وهي الفائدة الاسمية السالبة(NIRP) ولكيلا يتعقد الامر على القارئ، فأن وصول أسعار الفائدة على القروض الي الصفر ثما الي السالب كان يعني قديما وفقا للنظريات الاقتصادية الكنزية وما قبلها وما بعدها، ان المستثمر المنتج لا يستجيب للدخول باستثمارات وإنتاج جديد مهما انخفضت أسعار الفائدة، التي تمثل بالنسبة له انخفاض في الكلفة الإنتاجية الاستثمارية، وبالمقابل فأن المواطن المستهلك هو الاخر لا يتوقف على الادخار والاحتفاظ بالأموال، حتى لو اضطر لدفع فائدة مالية من أمواله مقابل الاحتفاظ بأمواله.! وهذا منطق غير مفهوم وفقا للنظريات الاقتصادية التقليدية ...! ولكنة أصبح عمليا إحدى وسائل وأدوات السياسات المالية والنقدية التي تتبعها البنوك المركزية في الاقتصاديات القوية، خصوصا بمنطقة اليورو لتجنب الدخول في مرحلة كساد اقتصادي مزمن، ومعتمدة في ذلك على الثقة بمؤشرات استمرار وزيادة قوة ومرونة الطلب الخارجي على منتجاتها، وتنشيط الطلب الداخلي في نفس الوقت. وفي هذه المقال سوف نحاول الإجابة على بعض الأسئلة المهمة: - أولا لماذا تلجا اقتصاديات ما على خفض سعر الفائدة. يجب أولا ان نعتبر ان هذا الاجراء حكرا على الاقتصاديات القوية والكبيرة من حيث العملية الإنتاجية والتصديرية مثل مجموعة دول شمال أوربا، الدنمارك والسويد والنرويج ومثل سويسرا وألمانيا. وتلجأ هذه الدول الي خفض تدريجي لسعر الفائدة للحصول على عدد من النتائج أهمها - زيادة عرض الائتمان أي القروض الاستثمارية والاستهلاكية (خفض تكلفة الاقتراض لقطاع الأعمال الخاص وللقطاع العائلي) - خفض الميل الحدي للادخار الاستثماري والفردي (ومن ثما زيادة مستويات الاستثمار والاستهلاك، والطلب الكلي بشكل عام) - زيادة الاستثمارات الجديدة - زيادة معدلات التضخم من خلال تحفيز الطلب. - معالجة البطالة المرتفعة وبالتالي دفع الاقتصاد الوطني للنمو وتجنب دورة انكماشية للاقتصاد.
ولكن بنفس الوقت سنجد ان خفض معدلات Term Structure of Interest Rates)) أي معدلات الفائدة على الاستحقاقات المختلفة ، هي اجراء مباشر ضد العملة المحلية، لان خفض سعر الفائدة هو خفض للفائدة المالية علي المحتفظين بالعملة المحلية بالبنوك ،وبالتالي سينخفض الطلب علي العملة المحلية ويزيد من رغبة المؤسسات والافراد في تحويل العملة المحلية المدخرة بوعاء استثماري ، الي ادخار استثماري بعملة دولية اخري تكون الفائدة عليها موجبة، وبالتالي سيؤدي الي تراجع في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأخرى، مما سيعكس ارتفاع للكلفة علي الواردات الاستهلاكية والاستثمارية ،ويشكل ضغط مباشر وزيادة التكاليف علي المؤسسات والافراد الذين لهم التزامات خارجية . ولكن وفقا للاقتصاديين القائمين على تطبيق هذه السياسات، فأن هذا الأجراء له إيجابيات ستودي الي تحقيق ما ترمي اليه سياسة البنك المركزي من خفض سعر الفائدة ثما انخفاض العملة المحلية كما اوضحنا، مما يمهد لزيادة الطلب على الصادرات التي يتم تقيم كلفتها بالعملة المحلية مقابل العملات الدولية الأخرى، وفي الوقت ذاته انخفاض الطلب الداخلي على الواردات التي ارتفعت أسعارها بسبب انخفاض قيمة العملة، أو باختصار يرفع من القدرة التنافسية للدول صاحبة هذه السياسات. مما سيودي الي تحقيق الأهداف الاقتصادية الأساسية واهمها تحفيز عمليات الاستثمار وزيادة الصادرات وخفض معدلات البطالة لتبدأ دورة النمو الاقتصادي بمعدلات عالية. ومنذ أن اعتمد البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة السالبة انخفضت العملة الاوربية اليورو في مقابل الدولار بأكثر من 30 في المائة، وقد رحب قادة الدول في منطقة اليورو بتراجع اليورو مثلما فعل الرئيس الفرنسي، وذلك لما له من آثار إيجابية متوقعة في التجارة الخارجية لمنطقة اليورو. ولكن هل من سلبيات او مخاطر لمثل هذه السياسات من خفض سعر الفائدة دون الصفر؟ واقع الحال أنه إذا كانت الأزمة كبيرة ، ودرجة عدم التأكد والثقة بمرونة وقوة الطلب الخارجي غير مؤكدة، عند اذن ستظهر بالضرورة مخاطر اقتصادية مالية متمثلة في التوقف عن خدمة الإقراض، وخدمة الديون من جانب المانحين و المقترضين، واكتناز الافراد لمدخراتهم، وفي ظل هذه الأوضاع لا يتوقع أن تؤدي هذه السياسة إلى تحقيق الهدف منها، نظرا لأن البنوك التجارية في هذه الحالة قد تفضل الاستمرار في إيداع أموالها لدى البنك المركزي، ودفع فائدة عليها بدلا من أن تقرضها للجمهور أو قطاع الأعمال بدون فائدة ربحية، مع تحمل مخاطر أعلى نتيجة التوقف عن خدمة الديون وتحول أصولها إلى أصول مسمومة. من جانب أخر فإن من أهم السلبيات والمخاطر التي يمكن أن تتبع سياسات معدلات الفائدة الصفرية والسالبة، هي أنها إذا شملت بالإجمال كل القيم المالية لمودعات الأفراد لدى البنوك، فغالبا الإجراءات تتم علي المودعين المستثمرين او من أصحاب الودائع الكبرى، ولكن ان شملت جميع الافراد فإنها من الممكن أن تدفع المزيد من المدخرين لاكتناز مدخراتهم بدلا من استثمارها، أي بسحب المودعين مودعاتهم والاحتفاظ بها سائلة بحوزتهم او تحويلها الي مشتقات مالية اخري مقيمة بعملة اخري، وهو ما يؤدي إلى تجفيف منابع السيولة لدى البنوك المحلية . كذلك فإن أهم الانتقادات التي توجه لسياسة معدلات الفائدة السالبة هي أنها تسهم في نفخ بالون أسعار الأصول والموجودات وتكون بالونات أسعار نتيجة لذلك، وهو ما يرفع مخاطر الانهيارات السعرية للأصول لاحقا. من ناحية أخرى فإن تحسن الأوضاع التجارية الخارجية للدول التي تطبق هذه السياسات، سيكون دائما على حساب شركائها في التجارة ولذلك فأن الشركاء الاقتصاديين الكبار بالعالم يتابعون اي اجراءات من شانها قيام دولة من الشركاء التجاريين، بتطبيق سياسات مباشر لخفض قيمة عملتها المحلية للحصول على ميزة تنافسية تصديرية؟ وما يسمي بحرب العملات.. وحرب الإغراق، مما يودي لفرض حزم مضادة من الرسوم الجمركية ضد هذه الدولة. وأخيرا فإنه من المتوقع والغالب أن تنجح هذه الآثار المفترضة لمعدل الفائدة السالب في حالة محددة، وهي أن يكون معدل التضخم العام موجبا، ولكن ظهور او استمرار معدل التضخم سالبا، فإن فرض البنك المركزي لمعدل الفائدة السالب يؤدي إلى رفع معدل الفائدة الحقيقي، و على سبيل المثال لو عدنا وطبقنا ذلك على حالة البنك المركزي الأوروبي، نجد أنه في ظل معدل فائدة سالب( 0.3-%) ومعدل تضخم سالب ( 0.4-% ) في يناير 2015، فإن معدل الفائدة الحقيقي يصبح في هذا الشهر معدلا موجبا (0.1 %)، وليس سالبا، بعكس ما يستهدفه البنك المركزي الأوروبي. اليوم، وفي ظل الانكماش السعري الذي يضرب عددا كبيرا من اقتصادات العالم المتقدم، والذي ساعد عليه تراجع أسعار النفط، فإن الفوائد المتوقعة من معدل الفائدة السالب ربما تكون محدودة، ولكنها تظل الخيار والبديل الأفضل للسيطرة التدريجية على حالة الكساد والانكماش الاقتصادي التي يتجه لها الاقتصاد الوطني بالدول المتقدمة اقتصاديا. وتظل منطقية فرص سعر فائدة سالبة امر غير منطقي من قبل الافراد، حتى لو كان امر لابد منه لتجنيب الاقتصاد الوطني لدولة ما امن الدخول بدورة كساد اقتصادي وانكماش الاقتصاد الوطني وتوقف النمو.
احمد عبدالكريم احمد القحطاني باحث اقتصادي
#احمد_عبدالكريم_القحطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قفزة مش طبيعية.. سعر الذهب بدون مصنعية اليوم 4 نوفمبر 2024 و
...
-
سيئول والدوحة تتفقان على تعزيز التعاون في مجال إمدادات الطاق
...
-
السعودية تستعد لإنزال أول كابل بحري يربطها بمصر
-
المغاربة متفائلون بموسم فلاحي واعد بعد 6 سنوات من الجفاف
-
أرباح -رايان إير- تهبط بـ 18% في النصف الأول 2024
-
تركيا.. التضخم يتراجع لكن دون التوقعات في أكتوبر
-
منافسة محتدمة بين هاريس وترامب لحسم السباق إلى البيت الأبيض
...
-
6 طرق لتبسيط حياتك المالية قبل التقاعد
-
الجابر: هناك ترابط وثيق بين قطاعي الطاقة والذكاء الاصطناعي
-
الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر -احترازيا-
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|