داود أمين
الحوار المتمدن-العدد: 1367 - 2005 / 11 / 3 - 11:31
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بمناسبة رسالة برزان ( وجهان لعملتين مختلفتين !!! )
ربما لم تكن رسالة ( إسترحام ) برزان التكريتي , ألآخ غير الشقيق للدكتاتور صدام حسين , مفاجئة للكثيرين , فقد بدا الرجل ضعيفاً ومهزوزاً أثناء محاكمته ألآخيرة , إذ إمتدح قاضي التحقيق ( جوحي ) , وهو أمر لم يفعله غيره , كما كان الوحيد الذي سمعت منه كلمة ( سيدي ) وهو يخاطب القاضي ( رزكار محمد أمين ) , كما إن ألآخبار التي تسربت قبل أشهر , تحدثت عن تجاوبه في التحقيق , وشهادته ضد أخيه صدام .!! لذلك يمكن إعتبار الرسالة تتويج منطقي لشخصية مريضة , شخصية لاتهمها سوى مصلحتها الأنية وألآنانية , شخصية رجل جُلِبَ من الشارع ليوضع في أمكنة وظروف , ليس فقط لا يستحقها وإنما لا تناسبه أبداً , فقد مُنِحَ سلطات تفوق قدراته المحدودة ووعيه البدائي المتدني , فإقترف وشارك في إقتراف جرائم يندى لها الجبين , وكان واحداً من بين المجموعة القليلة التي ساندت صدام ونظامه ,حتى أخر لحظة !! وهذا ما سيكشفه التحقيق والوثائق والشهود , رغم أننا جميعاً نعرفه, بل ومتأكدون منه !!
ما أود تأكيده إن رسالة برزان أمر طبيعي , فمثل هذه الشخصيات , التي كانت تبدو كلية القدرة , وهي تحت بريق السلطة والقوة والمال , تكشفت هشاشتها ألآن بوضوح , بعد أن أزيل عنها المكياج والتصنع , ووضعت في حجمها الحقيقي , إذ ثبت للجميع أنها كائنات أقل من عادية , ومخلوقات لا تهمها سوى مصالحها الآنية والآنانية , سواء كانت في السلطة او خارجها !!
رسالة برزان في رأيي , علامة من علامات حقيقة ( النمر الورقي ) الذي كانت عليه سلطة صدام وأزلامها , إنها نموذج لسلوك سيتكرر, لاؤلئك الحفنة من الجبناء , الذين تزعمهم ( جرذ العوجة )!! والذين بدوا خارقي القوة والوحشية أيام بريقهم , وخارقي الضعف والخواء أيام أفولهم !! لذلك أتعاطف أنا المواطن العراقي _ ألضحية _ مع طلبه , وأرجو أن يُسمح له بالمعالجة الطبية , وأنا حين أطلب ذلك _ وارجو أن يفعل مثلي كل الضحايا _ أستند لنبل قضيتي , ولعظمة ألافكار والمُثُل التي حملتها , ولا أزال , عندما صارعته ونظامه !! تلك المُثل التي لا يمكن أن تشوهها , روح الثأروالحقد اللاإنساني !!وكذلك عندما أتعاطف مع قضيته , واُطالب بمعالجته , أدرك أنه أهمل مخاطبتي _ أنا الضحية _ كما إنه لم يعترف , في رسالته , بما سببه لي وللاخرين من أذى وعذاب , بل ولم يندم أو يعتذر عما لحق بنا _ نحن الضحايا _ بسبب جرائمه ونظام أخيه !! ومع كل ذلك فأنا الضحية ( الذي أهملني برزان في رسالته , والذي لم تربطني به صداقة او صلة عائلية ! ليتشفع بها ) أكرر طلبي صادقاً بنقله الى المستشفى ومعالجته من مرضه , مع التأكيد بأن نقله الى المستشفى , لايسقط حقي وحقوق كل الضحايا , في مقاضاته ومحاسبته , فإنسانيتي التي دعتني للمطالبة بمعالجته ,لاتتقاطع مع إنسانيتي في المطالبة بمحاكمته ,عندما يشفى !!
لقد حسبت وأنا أقرأ رسالة برزان , انها هذيان ميت , وهي كذلك في مواقع كثيرة , لذلك إعتبرت ما ذكره عن صداقته الحميمة للرئيس جلال الطالباني , وتذكيره إياه بالعلاقة العائلية التي تربطهما , إعتبرتها جزءاً من هلوسات محتضر !! وتصورت أنها تشبه كذبة إنتسابه للنبي محمد وأل بيته !! ولكن ما فاجئني , وربما غيري أيضاً , هو تأكيد السيد جلال الطالباني على صداقته السابقة لبرزان , وعلى العلاقات العائلية التي كانت تربط بين اسرتيهما !! أي تأكيده على خطأ ما إعتبرته , إدعاء وهلوسة وأوهام !!
أجد من الضروري أن أؤكد , بأنني كنت ولا أزال من المعجبين بالسيد جلال الطالباني , وبأدائه كرئيس للجمهورية _ وسط جوقة المتخبطين الذين يتصدرون المشهد السياسي العراقي ألآن _ وإن إعجابي باداء الرئيس , لم ينسني تلك البقع السوداء في تأريخه السياسي !! ولكني لم أكن أتصور أن الحنكة والحكمة ستغيب عن السيد الرئيس , لكي يتورط بتأكيد صداقته السابقة والحميمة لبرزان , وعلاقتهما العائلية !! فإذا عرفنا أن مام جلال وحزبه كانا في المعارضة , وفوق قمم وسفوح الجبال , منذ أيام أحمد حسن البكر, أي منذ نهاية السبعينات على ألآقل , أي في الوقت الذي كان فيه صدام ( سيداً نائباً ) فقط !! ولم يكن برزان أي شيء يذكر !! فهل من المعقول أن صداقتهما بدأت وقتذاك ؟! لا أعتقد أن أحداً يصدق أن سياسياً محنكاً كمام جلال , يمكن أن يقيم علاقة من أي نوع , مع شخص كان ( نكرة ) كبرزان !! وإذا تحركنا مع الزمن قليلاً , أي بعد أن إغتصب صدام الموقع ألآول في السلطة , ونحر رفاقه وقادة حزبه , ودفع بإخوته وأفراد عائلته للمواقع الآساسية في أجهزة الدولة, وبينهم برزان , الذي يحاكم ألآن على جريمة الدجيل , التي حدثت عام 1982 , والتي كان يحتل وقت وقوعها موقع مدير المخابرات العام , قلت إذا تحركنا قليلاً مع الزمن , فإن المنطق يقول أن إحتمالات بدأ صداقة برزان للرئيس مام جلال _ التي أكدها ألآثنان _ لم تكن إلا في ربيع 1983, وكان ثمنها دم عشرات البيشمركة الشيوعيين , الذين تم ذبح معظمهم _ وهم أسرى _ في بشت أشان !! ورغم أني أتجنب نكأ الجراح , إلا أن تفسيراً أخر لا يمكن أن يرد غير ذلك , لمعرفة وقت وسر تلك الصداقة بين برزان ومام جلال !! وربما توطدت هذه الصداقة أكثربين الرجلين , عندما ذهب مام جلال من مؤتمر بيروت للمعارضة العراقية ( بعد إنتفاضة أذار 1991 ) ليحتضن صدام حسين في بغداد !!
إن قضيتي مذبحة بشتأشان وإحتضان مام جلال لصدام في بغداد , أكثر من معروفتين وموثقتين , وربما هما بداية وتواصل الصداقة التي يتحدثان عنها , أما هل تعززت هذه الصداقة , في الظل , وفي الغرف السرية بعد ذلك , فعلى برزان أن يقول ذلك بصراحة ووضوح , وعلى السيد الرئيس أن يوضح ويجيب !!
ألمأخذ ألاخر على السيد الرئيس , هو تأكيده على العلاقة الحميمة والتأريخية بين عائلته وعائلة برزان ( إقرأ صدام ) ! وإعتبار هذه العلاقة سبباً في رأفته ببرزان , وإستجابته لطلبه , وهو أمر تنقصه أيضاً الحكمة والذكاء اللذان يتميز بهما الرئيس مام جلال , فهو وبإعتباره رئيساً للجمهورية , فهو مسؤول عن كل العراقيين , وبغض النظر عن علاقته الشخصية أو التأريخية معهم , فالعدل والحياد والواجب , يحتِمُ عليه أن ينظر لجميع العراقيين بمساواة تامة , وأن لا تؤثر فيه الصلة , مهما كان نوعها ( حزبية أو قومية أو طائفية أو عائلية أو غيرها ) إنه رئيس للجمهورية , ويفترض أن يتعامل وفق الحق والعدالة مع جميع مواطنيه ! إذ من حقنا أن نتسائل ماذا سيكون مصير المتهمين المرضى , إذا لم تكن تربطهم صداقة قديمة أو صلة عائلية بالسيد الرئيس ؟؟ هل سيموتون في السجن ؟
أعتقد إن هفوة الرئيس , كانت كبيرة , ولا تتلائم مع حنكته وذكائه المعروفين , وكان بإمكانه أن يطلب نقل برزان الى المستشفى , دون الآشارة لموضوع الصداقة القديمة والعلاقة العائلية , فالجعفري , وهو ليس أكثر ذكاءاً من مام جلال , تعاطف مع رسالة برزان , دون أن يشير أو يؤكد أنه يشاركه النسب لعائلة النبي وأل بيته !!!
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟