أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حيدر عبدالسلام العتّابي - أنسنة الطبيعة ومحنة الأنسان البدائي















المزيد.....

أنسنة الطبيعة ومحنة الأنسان البدائي


حيدر عبدالسلام العتّابي

الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 21:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أنسنة الطبيعة ومحنة الإنسان البدائي


منذ فترة ليست بالقليلة وقد أصبح مفهوم البعد الزماني لدى الانسان مفهوم ديناميكي خاضع لأمكانية معرفة ماضية والتنبؤ بمستقبله بحسب الإمكانية العلمية الرياضية والمنطقية، تلك المعرفة التي انزلت الزمن عن عرشه وألغت عنه صفة الإطلاق التي تمثل بها عبر القرون التي سبقت القرن العشرين، فنظرية تمدد الكون مثلا من خلال رصد الإشعاعات أو الانزياح نحو الأحمر كما أطلق عليها العالم "هابل" استنادا للنظرية النسبية لأينشتاين كانت قد قادتنا الى نظرية الانفجار العظيم BIG BANG بالضرورة بمجرد التراجع بالزمن إلى 13.8 مليار سنة والتي تقدر لحظة حدوث الانفجار العظيم و ولادة الكون.
مؤخرا تم تأسيس فرع علمي حديث أطلق عليه علم التسلسل الزمني الكوني حيث أمكانية دراسة التطور الزمني للأجرام والأحداث الفلكية، وعلى النسق العلمي ذاته دخلت عمليات تحديد الأزمنة الغابرة على الأرض بدقة متناهية للأحفوريات والآثار و المواد العضوية، الاكتشاف الثوري الذي جعل من الزمان معادلة حسابية نحدد بها وبدقة كل ما كان لغزا بالنسبة للبشرية، ذلك الاكتشاف الذي يسمى بـ"التأريخ عن طريق الكربون المشع" قاد مكتشفه العالم الأمريكي ويلارد ليبي عام 1960 الى الفوز بجائزة نوبل للكيمياء، وهكذا اصبح الزمن طرفا في معادلات الكثير من العلوم طالما أردت ان تلقي بنظرك نحو المستقبل أو تلتفت نحو الماضي مهما كان سحيقا ً.
ما أود الوصول اليه إننا وبعد تراكم كم هائل من مدونات الإنسان البدائي وآثاره وأساطيره أصبحت الصور البدائية لنشوء الشعور الديني للإنسان قابلة للتفسير والتحليل والدراسة وبذلك برزت العديد من التفسيرات المهمة ومنها ما ذهب إليه العالمان البريطانيان سبنسر و تايلور.
تفسير الفيلسوف والاجتماعي البريطاني هربرت سبنسر لنشوء الشعور الديني يتمثل أبتداءً بتقديس ذلك الانسان لأرواح الزعامات المميزة لتلك المجتمعات البدائية والتي اصبحت أسلافاً بعد موتها حيث تطورت لتكون ارواح تلك الأسلاف هي الآلهة ثم طوّر الانثربولوجي ادوارد تيلور تلك النظرية ليضع الأسس لما يطلق عليه النظرية "الارواحية "فمن فكرة الروح التي طوّرها الإنسان القديم "انطلاقاً من تفسيراته الخاطئة لبعض الظواهر التي يتعرض لها كالأحلام والمرض والنوم والموت حيث يرى تايلور ان الأحلام والموت كانت المؤثر الأبرز في توجيه الفكر الأعتقادي لدى الإنسان"1 انتقل تايلور الى الربط بين فكرة الروح وتطور مفهوم الآلهة ونشوء الطقوس ومن فكرة الأرواح البشرية أنتقل تايلور الى فكرة الأرواح الحالّة"1 أي حلول الأرواح البشرية بمظاهر الطبيعة سواء المتحركة أو الجامدة.
ومن هنا برز مفهوم "أنسنة الطبيعة" كنتيجة طبيعية لعملية العودة بالزمن إلى العصور السحيقة ومحنة الإنسان في مواجهة جموح الطبيعة الهادر وظواهرها الغامضة التي تقهره تارة كالبراكين والأعاصير والفيضانات والزلازل وغيرها وتؤثر عليه سلباً تارة أخرى حين تدخل في صميم حاجاته الأساسية كالزراعة أذا حلّ القحط والصيد أذا ما تغير المناخ والأمراض التي تفتك به ولا يعلم لماذا، وغيرها .
إن أنسنة الطبيعة ما هو إلا تجريد للطبيعة من الصفة المادية وإضفاء الصفات البشرية عليها ليسهل التعامل وتنظيم العلاقة معها وبالتالي خلق موائمة براغماتية لصالح الإنسان كان حلاً طبيعيا لابد أن يفرزه الواقع المعاش للإنسان البدائي.
تجريد الطبيعة من أطلاقها وانسنتها كان يحتم على الإنسان أن يضفي محددات الزمان والمكان عليها من جهة لأن "وعي الإنسان أو مركب وعيه يسير على سكة (الزمان والمكان ) وبالنتيجة فهذا الوعي لا يستطيع أن يوصل الإنسان لآلهة بلا زمان ومكان لأن وعيه محدد بممكنات لا يستطيع مبارحتها ،وعي الإنسان لا يمكن له أن يستوعب اللانهائية التي يمكن لها وحدها ان تكون حاضنة لوعي يفهم أبعاد الوجود اللانهائي أو الوجود المطلق "2
ومن جهة أخرى كان عليه عكس صفاته عليها كالغضب والرضا والعطاء والرحمة والانتقام وغيرها من الصفات البشرية فهو لا يستطيع تصور اي كائن متفوق عليه بالقدرة والقوة دون أن يتفاهم معه بوسائله هو التي يستخدمها مع أبناء جنسه لا يمكن ان يتصور إلها لا يتكلم مثلا أو يبصر أو يسمع وهي صفات الإنسان ذاته في حقيقة الامر لذا كان لابد له من اختزال الطبيعة بأحد مظاهرها ليلائم ذلك طبيعة الإنسان في التعامل مع أبناء جنسه لذا اتخذت بعض الاقوام من الجبال آلهة كاليابانيين مثلا الذين اعتبروا جبل فوجي إله( كامي ) اي مقر الهة الجبل الشنتوية وآخر اتخذ مظهر من مظاهر الطبيعة كالشمس حضارة الأنكا مثلا والذي يطلقون عليه (إنتي) وكذلك الفراعنة الذين عبدوا الشمس( رع) وعبدوا الفرعون باعتباره ابن الشمس (آمون رع) أما النار فقد دخلت منذ زمن سحيق في لب الديانات بين من اعتبرها إله كالزردشتيه وبين من اعتبرها عنصرا مهما في الديانات كالكثير من الديانات الحديثة .ولا يخفى ايضا تعدد الآلهة لدى الحضارة الاغريقية والتي وصل عدد الآلهة وأنصاف الآلهة الى 180 حيث يفسر بعض الآلهة الظواهر الطبيعية والخلق والتي اعتبر آلهة ( الأوليمبوس) اهمها والتي تختص بأهم متطلبات الانسان وحاجاته، وغيرها الكثير كديانات وادي الرافدين والفايكنك واغلبها تتمثل بمظاهر الطبيعة .
ان اغلب هذه الديانات بمختلف الشعوب التي اوجدتها أو طورتها تعتبر حديثة ومتطورة ربما نسبة الى تاريخ بداية تطور البشرية وحضارتها حيث لا يتعدى تاريخها بضعة آلاف من السنين 6-7 آلاف سنة أو أكثر بقليل وهي تعتبر فترة زمنية متواضعة مقارنة مع الفترات السحيقة لنشوء البشرية وتطورها والتي تمتد الى 2.5- 1.5 مليون سنة لظهور شبه الإنسان (الهومو) و 200 ألف سنة قبل الميلاد لظهور الانسان العاقل(هوموسابين) وبإمكاننا أن نتصور بساطة الوعي البشري في تلك الحقب السحيقة وتصوراته حول محيطه وما يحوي من مخاطر محدقة من الطبيعة ومن الكائنات المفترسة المختلفة التي تتصدر الهرم الغذائي وقتئذ والتي كان الانسان يعد فريسة سهلة لها.
يعتبر فرويد أن من البديهيات ان يسقط الانسان ماهيته على الطبيعة كي يسيطر على غضبها ويتوسلها كي تعينه فهو "يشتق انسنة الطبيعة من الحاجة التي تخامر الإنسان الى أن يضع حدا لحيرته وضياعه وضائقته امام قوى الطبيعة المخيفة الأمر الذي يتيح له أن يقيم علاقة معها ويؤثر عليها في خاتمة المطاف"3 .
انسنة الطبيعة وتحويلها الى آلهة أدى الى ظهور علم السحر والعرافة او الإشارات والذي كان علماً ذو اهمية كبرى في حياة الشعوب حيث كان تحت رعاية مؤسسات رسمية لدى الكثير من الشعوب متخصصة بالتنبؤ والتحري عن المجهول حيث يتحرى السحرة و العرّافون سبب عدم رضا الآلهة عند ظهور الأشارات والكوارث (مجاعات ،أمراض، كوارث طبيعية..) فالغموض المحيط بالإنسان فرض عليه ان يعمل جاهدا كي يتنصت على الآلهة أو ياخذ منها التوجيه أو يفهمها على أقل تقدير كي يحمي نفسه من الكوارث والظواهر الطبيعية يشير هيرفه روسو بهذا الصدد " كان للعلامات وقع خاص في نفوس الرومان وبذلك يحق لهم ان يدعوا انهم اكثر الناس تدينا فكانت ديانتهم تنصتاً مرهفا على الآلهة ولم ينجز اي عمل الا بعد ان تكون الآلهة قد ألتُمست واستشيرت"4 .
1-مبروك بطقوقة، موقع انتروبوس الالكتروني
2-فراس السواح، دين الانسان ص 313
3-سعدون محسن ضمد، أوثان القديسين ص 19
4-سيجموند فرويد، مستقبل وهم ص 30
5-هيرفه روسو، الديانات ترجمة متري شماس ص25



#حيدر_عبدالسلام_العتّابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيورباخ و رؤية الدين الذاتي بديلاً عن الألهي


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حيدر عبدالسلام العتّابي - أنسنة الطبيعة ومحنة الأنسان البدائي