أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فاروق عطية - محمد صابر والحمي الديكرومية














المزيد.....

محمد صابر والحمي الديكرومية


فاروق عطية

الحوار المتمدن-العدد: 4991 - 2015 / 11 / 20 - 20:07
المحور: كتابات ساخرة
    


حين كانت ابنتي بالمرحلة الثانوية بمدرسة طلخا الثانوية للبنات, جاءتني تسألني معاونتها في فهم فواعد النحو باللغة العربية. سألتها إذا ما كان المدرس لا يقوم بواجبه في الشرح حتي اتحدث في ذلك مع مديرة المدرسة بصفتي العضو المنتخب في مجلس إدارة المدرسة. (عندنا تقليد متبع كل عام دراسي في بدايته تقوم المدارس بدعوة أولياء الأمور ويطلبون منهم انتخاب أحدهم انتخابا ديموقراطيا ليكون عضو مجلس إدارة المدرسة المنتخب, وبعد الانتخاب لا يدعونه مطلقا لبحث أي أمر من أمور المدرسة, أي أن الأمر مجرد تقليد فج لما يتم بمدارس الدول المتقدمة بدون تفعيل), فاجأتني ابنتي برد لم أتوقعه ولم يخطر لي علي بال إذ قالت أن مدرس اللغة العربية هو نفسه مدرس الدين الإسلامي, وحيث أنها الطالبة الوحيدة المسيحية بالفصل, تفتق ذهن المدرس المريض أن يحرمها من حضور حصص اللغة العربية وإخراجها من الفصل بحجة أن حصة اليوم للدين الإسلامي, وتكرر ذلك بجميع الحصص, وحين أصرت مرة ألا تخرج وأن تبق بالفصل أدار المدرس الحصة كحصة دين إسلامي واستخدمها في سب اليهود والنصاري كونهم كفرة ومشركين وأولاد القردة والخنازير مما اضطرها للخروج من الفصل حانقة.
قررّت أن أفعّل دوري كعضو الإدارة المنتخب للمدرسة وذهبت لمقابلة السيدة مديرة المدرسة التي استقبلتني هاشة باشة ومرحبة, وحين شرحت لها ما حدث ويحدث من مدرس اللغة العربية أبدت اندهاشها وعدم علمها بذلك وحمّلت ابنتي الخطأ أنها لم تخبرها بالأمر من بدايته حتي تقوّمه, وطلبت احضار المدرس لتحاسبه أمامي, وحين حضر أنكر ذلك جملة وتفصيلا وادعي أن ابنتي لا تحب اللغة العربية وتغادر الفصل برغبتها وأنها كسولة وكاذبة. وحين دافعت عن ابنتي أنها ليست بكاذبة وأنها لم تتعود الكذب طوال حياتها, انفعل المدرس واحمرت عيناه وانتغخت أوداجه وقال لي: إذن أنا الكذوب الجبان في نظرك, وانقض علي بلكمة أطاحت بمقلة عيني فصرخت من الألم وقمت من نومي مفزوعا مروّعا وام العربي تنظر إلي شذرا دون أن تنطق ببنت شفه.
زمان علي أيامنا ويا حسرتي علي هذا الزمان الأغبر عندما أتذكر أيامنا الخوالي بما فيها من حلو ومر, وما أكثر ما كان فيها من حلو وما أقل ما كان فيها من مر, حتي ما كنا نظنه مرا في حينه عندما كبرنا أحسسنا أن قسوته كانت في مصلحتنا ليجعل منا رجالا صلبي العود أقوياء الشكيمة مرفوعي الرأس مملوئين بالهمة والعزيمة. ومن الأحداث التي أحسست أنها كانت مرة في زماننا وما تيقنت بعد الكبر أنها لم تكن أبدا مرة ولا قاسية وخلاصتها ما سوف أرويه لكم في هذه السطور.
فى السنة الثالثة الابتدائي كان يدرسنا الحساب مدرس إسمه محمد سراج الدين, كان هذا المدرس عملاقا عريض المنكبين قاسى الملامح مفتول العضلات أبيض البشرة ذو شنب يقف عليه الصقر شديد البأس جهورى الصوت, وعندما ينفعل يحمر وجهه وعنقه كلون الدم لذلك كنا نسميه الديك الرومى, كان شديد الشبه والهيأة بالممثل القدير الراحل يوسف داوود, تعلمنا منه الدقة والنظام والإيجاز فى الإجابة. كان يعقد لنا إمتحانا فى نهاية كل أسبوع يضع فيه أسئلة عويصة تحتاج ليقظة وتنبه وحنكة فائقة لما تحتويه من التواء وخداع, ومن يحصل منا على أقل من 35 من 50 عليه أن يلتحق بمجموعة التقوية. وكانت المجموعة تتم فى المدرسة بعد الحصة السابعة مقابل 35 قرشا فى الشهر (وكانت هذه الـ 35 قرشا مبلغا كبيرا لا بأس به). كثير من الزملاء دخلوا مجموعة الديك الرومى للتقوية ماعدا إثنين هما محمد صابر وأنا, حيث كانت نتيجة اختباراتنا لا تقل عن 40 من50. ذات يوم حصل محمد صابر على درجة أقل من المعتاد وهى 35 من 50 فعاتبه الديك الرومى منبها أياه باحتمال تدهور نتائجه مستقبلا. فاغتاظ صديقى (محمد صابر) وقال مشوحا بيده: هى 35 درجة وحشة؟. إنطلق الديك الرومى إلى غرفة المدرسين وعاد وفى يده خيزرانة غليظة فى آخرها صامولة حديدية وانهال على صديقى ضربا وهو يقول: كمان تبقى غبى وتشوح لى بإيدك يا ابن الأبالسة. وأثناء الضرب إنفصلت الصامولة عن الخيزرانة ووقعت بين قدمى فأمسكتها ومددت يدى بها للأستاذ فازداد حنقه وترك صديقى وانهال على ضربا وهو يقول: وانت مالك يا ابن الكلب. ثلاث خيزرانات نلتها جعلتنى طريح الفراش لمدة يومين.
أما محمد صابر الذى نال الكثير من الضرب لم نره لمدة أسبوع, وعندما ذهبت لمنزله للاطمئنان عليه علمت أن درجة حرارته قد ارتفعت لدرجة خطيرة مما دعى والده لنقله لمستشفى الحميات. مكث بالمستشفى ثلاثة أيام بعدها فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها وكان التشخيص "حمى شوكية" وإن كنت في داخلي وإن كنت غير متخصص طبيا ولكني موقن أنها حمى ديكرومية.
كان عم صابر والد صديقى يعمل بالبلدية عربجى على عربة رش الشوارع بالماء لمنع الأتربة وكسر حدة القيظ صيفا (عربة فنطاس مملوء بالماء بمؤخرتها رشاش ويجرها حصان). كان عم صابر رجلا طيبا يضع كل آماله فى إبنه صابر, يحلم باليوم الذى يراه فيه موظفا ذو قيمة وأبهة مثل سكرتير البلدية مثلا, ولكن القدر لم يرحمه واختطف منه الأمل فأصابه الاكتئاب والحزن الشديد. زرته ذات يوم فوجدته طريح الفراش يئن, فحاولت أن أسرى عنه قائلا: يا عم صابر إبنك محمد الآن فى نعيم الفردوس مع الأنبياء والقديسين وأولياء الله الصالحين, وإذا كنت قد فقدت إبنك فنحن كلنا أولادك. طفرت الدموع من عينيه واحتضننى قائلا: نعم كلكم أولادى وأنت أعزهم عندى. بعدها بأيام قلال توفى عم صابر ليلحق بإبنه, ولن أنسى ما حييت صديقى محمد ولا أبوه عم صابر رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.



#فاروق_عطية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إفتكاسات حول الانتخابات
- عودة حزب الكنبة للانعقاد
- حلمى البايظ بين المال والمؤهلات
- عمو فؤاد والكيف وليلة الجمعة
- التعليم بين الأمس واليوم
- تخبط كاتب وتصحيح معلوماته
- طفولية نظرتنا للأمور
- الجن والتدجيل والتداوي ببول البعير
- حصادنا التآمر وجزاء سنمار
- بعد الوليمة
- الشعوذة وعقدة الأعياد والطقم الاسود
- النيل نجاشي أسمر ملك روحي
- الجميلة والأقرع
- إتش الذي أحببناه حتي قتلناه
- فضيحة أبو العربي في بيرث
- يا خوفي يا بدران
- الحمير وعلي الله التدبير
- الأقباط والسيسي في عامه الأول
- بدون حجاب دونك والباب
- عصر وراء عصر تطور برلمان مصر


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فاروق عطية - محمد صابر والحمي الديكرومية