أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - كارل ماركس في العراق/ الجزء السابع















المزيد.....

كارل ماركس في العراق/ الجزء السابع


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4988 - 2015 / 11 / 17 - 12:38
المحور: الادب والفن
    


قيدوا يديه إلى الخلف بخرقة ملابس وغطوا وجهه بكوفية فلم يعد يرى شيئا.سحبوه بقوة ثم رفعوه من يديه وحشروه في حوض السيارة الخلفي جوار الرفيق جبار الذي لم تعد تصدر عنه كلمة واحدة وبدا وكأنه جثة هامدة، بل كان صوت تنفسه مثل فحيح أفعى. انتابت ماركس حالة من غثيان جراء رائحة العطن التي تحملها الكوفية التي عصبوا بها عينيه وشعر بحاجة للتقيؤ. كان جسديهما يرتفعان ويهبطان ويرتطمان ببعض مع اهتزاز السيارة التي شعر بسرعة سيرها على طريق غير معبدة ومليئة بالحفر. بعد مضي ما يقارب النصف ساعة توقفت السيارة فسمع ماركس ضحكات أطلقها من كان يجلس في مقاعد السيارة ودار حوار بينهم ورجال كانوا خارج السيارة.
ــ الله يساعدهم
ــ هله بولد العمام ..هاي سيارة جديدة.
ــ أي والله اليوم الصبح اشتريناها من معارض البياع .
ــ عدكم ممنوعات؟ رافق السؤال قهقهة بصوت عال صدر عن الجميع.
ــ يابه والله أنت سيطرة مضبوطه.. تريد تفتش السيارة ، ننزل وفتش ملابسنه الداخلية.. حتى أسولف العمي حجي رشيد شلون السيطرة صارت تلعب بقلاقيلنا.
ــ لا عمي شراح يخلصنه من الحجي ،مو هيج عمي أبو بشير.
ــ عفيه وليدي ولله أبن حموله وتعرف الأصول، بس عمي تكدر تقوم بواجبك الرسمي وتفتش السيارة.
ــ مو عيب عمي .. شنو أنكلبت الدنيه .. جلمتك كافية عمي الحجي.. الله وياكم محروسين.
ــ شكرا وليدي.
تحركت السيارة ببطء وبدأ الاهتزاز يزداد ويسبب ألما حادا في مواضع كثيرة من الجسد. في هذه اللحظة أراد ماركس حصر تفكيره بما يدور حوله، في محاولة لمعرفة السبب الذي جعلهم يقعون بيد هؤلاء. وتساءل، ياترى من هم هؤلاء؟ وإلى أين يأخذونهم؟ وإذا كانوا من العساكر الحكومية، فلماذا يعاملونهم بهذا الشكل السيئ. ما الذي جعل الرفيق جبار بهذه الحال، لماذا لم تصدر عن جبار أية كلمة . دفع بجسده بقوة نحو جسد الرفيق جبار ولكنه لم يجد منه ما يوحي بالاستجابة. وبصوت خافت سأل .
ــ رفيق جبار ما الذي حدث؟
لم يسمع جوابا من الرفيق جبار لذا راح ينادي صارخا
ــ أين نحن.. ماذا تريدون منا .
فأجابه أحدهم بحدة.
ــ أنجب لك أثول تره أجيك وأطشر مخك ..
عندها سمع صوت جبار الخافت يقول .
ــ اترك هذا الآمر،لا تتحدث هكذا معهم .. سوف يقتلوننا أن عاندتهم.
ــ ومن هم هؤلاء ..
ــ عصابة خطف.. نحن اختطفنا.. اختطفنا وسوف نعرف ما الذي يفعلوه بنا بعد حين.. وعلينا الصبر لعلنا نجد مخرجا أو حلا قريبا.
صمت ماركس وما عاد يفكر بالألم الذي يولده اهتزاز السيارة وارتطام رأسه بسقف الصندوق. شعر بأن فكره أبتعد قليلا ولم يعد يكترث لمكانه الضيق الذي حشر فيه مع جبار. فكر بالقدرة اللانهائية للطبيعة البشرية على البقاء بلا مشاعر إنسانية، بلا وعي للآلام التي يلحقونها بالآخرين.فهو يعرف الساعة بل هو على يقين بأن قول تيمون الأثيني كان صوابا ويقينا كاملا، وهو بالتحديد يعني هؤلاء المصابين بلوثة المال، حين قال إن العهر المشترك للجنس البشري هو المال ، المال لعنة الإنسان التي لا تضاهيها لعنة، فهو الذي يدمر المدن ويغوي ويفسد أجمل ما في الروح من معاني، أنه طريق الفجور والعار، وهؤلاء سائرون في هذا الطريق. كان يعتقد بأن مضي كل تلك العقود من السنين التي دون فيها ما يكفي من خبرات ونظريات وصنع ما استطاع تقديمه هديا للبشرية على طريق خلاصها من العبودية ربما كان كافيا، ولكنه أحس اللحظة، بأنه لازال بعيدا جدا عن الانتهاء من مهمته، فالحالات تظهر وتتوالد أمامه دون نهايات، ويجد نفسه يتقدم ببطء شديد جدا نحو اكتشافها، وتتطلب منه مزيدا من التفكير والبحث . فهذا الشعب العراقي منذ تأسيس سلطته الوطنية عام واحد وعشرين بالقرن الماضي ولحد الآن، تركت الأحداث فيه إن كانت صعودا أو هبوطا، نجاحا أم خيبة،آثارا هائلة طبعت تشكيلاته الاجتماعية بالكثير من السوء والشك والريبة والقسوة،ولم تمنحه ما يكفي لبناء طباع خيرة نقية متكاملة، ولذا لم يعد قادرا على الاستقرار على حال واحدة، فمسيرته صعودا نراها تتعثر ثم تهوي، دون ظهور لمن يهتم برؤية عميقة لمصالح الناس الحيوية ودوافعهم المادية ليلجم تلك الصراعات التي باتت تسحب الجميع نحو الفرقة وتدفع بهم لتشكيل عوالمهم الخاصة المغلقة والقاسية والأنانية .
توقفت السيارة فسمع ماركس أحدهم ينادي من بعيد يطلب جلبهم إلى البيت. أنفرج سقف صندوق السيارة وامتدت أيادٍ لتسحبه والرفيق جبار خارج الصندوق، ثم رفع أحدهم الكوفية عن رأس ماركس وفعل هذا مع جبار . نظر ماركس نحو جبار فشاهد خط خفيف من الدم يهبط من أنفه نحو فمه.جال بنظره المكان، فوجد نفسه يقف أمام ساقية ماء وضع فوقها جسر خشبي صغير وثمة بيت مشيد من الطابوق الأسمنتي يقع في الجانب الآخر من الساقية، تحيط به أشجار فواكه كثيفة وثمة بستان نخيل يغطي المكان ويمتد عميقا خلف البيت. وفي الخلف كان هناك الطريق الترابي المتعرج الذي اجتازته السيارة، يخترق بستان ظليل بنخيله وأحراشه. كان المسلحون المدججون بالسلاح يحيطون بماركس وجبار وينتشر البعض الآخر بعيدا قرب البيت.عدهم فكانوا سبعة مسلحين.
ــ ودي السيارة يم بستان حجي رشيد وسلملي عليه وكله أبو بشير يكول خليه يمك أمانه فد جم يوم.
ــ صار حجي .
تحركت السيارة عائدة نحو الطريق الترابي بينما سحب آخرون ماركس وجبار من فوق القنطرة الخشبية عبورا إلى البيت ، ثم أدخلوهم إحدى غرف البيت الضيقة الرطبة الخالية من الأثاث، بابها حديدي أصابه الصدأ، يصدر صريرا عند فتحه، وأرضها رصفت ببلاط أسمنتي مترب. جلبوا لهم بطانيتين فرشوهما أرضا ثم فكوا قيودهما وطلبوا منهما الجلوس.
ــ هذه أبو كفشة جوازه يكول ألماني.. زين وأنته الآخر عقيد جبار وبديوان الرئاسة.. شنو علاقتكم بعض.
ثلاثة رجال يقفون شاهرين بنادقهم نحو الرفيق ماركس والرفيق جبار وراحوا يوجهون أسئلتهم ويرقبون ردود الفعل .
ــ أي لك عقيد جبار سولف..منيلك هذا الطير المكلش..هم عسكري مثلك.. لو جاسوس لو مدرب ..شنو يشتغل وياكم بالقصر الجمهوري لو بغير مكان؟
ــ جنت عند أصدقائي بالناصرية وكلفني أحدهم بنقل هذا الأخ الألماني إلى بغداد، وأحلف بالقرآن ما جانت عندي سابق معرفة بيه . وهذه الهوية مالتي مزورة أني مو عقيد ولا حته جندي.. شوفوا هويتي الثانية شتقره.. مو موظف حكومي.
هكذا أجاب جبار على السؤال. وكان ماركس صامتا ينظر أليه بتعاطف فهو يرثي لحاله المزري ويرى دمه وقد سقطت على قميصه بعض نقاط منه ، وفكر بأن جبار يكذب الآن ليبعد عن نفسه شبهة ما يظنها خطر عليه، ولكنه تساءل لم يفعل هذا أن كان الأمر يتعلق بالنقود وليس شيئا أخر، مثلما أخبرني.

ــ لك قشمر .. هذي مو مشكلتنه .. صديقك ..تعرفه ما تعرفه ما يهمنه .. أنته هسه أطينه تلفون رئاسة الجمهورية لو رقم تلفون نتصل بيه وأحنه نعرف شلون ندبره وياهم.. خوش .
ـ وخير البر عاجله..نريد منك توقعلنه على أوراق بيع وتحويل ملكية السيارة، وراح نشوفلنه صرفه بصاحبك الألماني لان شغلته دسمه باليورو مو بالدولار. .
ــ يابه والله العظيم أني مو عقيد وهاي الهوية مزورة والسيارة مو باسمي ..وهي منيفست .. تكدرون تأخذوه، وفكوني خلوني أروح الأهلي.
ــ خوش هم زين كلتنه راح نسويله أوراق جديدة .. أكلك قشمر.. شنو يابه فكوني أروح الأهلي.. ليش شنو كالولك عدنه مدارس ومن تصير الحلة تروح الطلاب لبيوته. شوف أذا ما تتعاون أنته وأهلك تره البستان جبير ويوصل لحد نهر دجله وهناك راح أتسيس جثتك .
ــ زين أنتم مو أخذتوا السيارة... فلوسه ما تكفي.
ــ أنته مو تكول السيارة مو أبسمك .. أي شعليك بيه.. هي حصة غيرنه.
فجأة صرخ رجل آخر هازئا.
ــ لك هاي شنو اللغوة .. أنته هذا الحلو المريش هيج رخيص تتقيم بفلوس سيارة .. والله عيب عليك ما تستحي طول بعرض وجهامه، هسه لو مره جان كلنه ميخالف..كصه بكصه نأخذ السيارة ونرجعك ألأهلك.
أطلق المسلحون ضحكات هازئة وقدم أحدهم هاتف جبار النقال إليه، طالبا منه أظهار رقم هاتف أحد ما يستطيعون الاتصال به. فعل جبار مثلما طلب منه وأعاده لهم.
ــ هذا تلفون أخويه رضا .
ــ أوكي الحجي هو اللي راح يقرر شنسوي وياكم .. وهذا الألماني عندك معرفة بتلفون جماعته.
ــ لا ما عندي.. ومثل ما كلتلكم، صدفة كلفني صديق بالناصرية لنقله إلى بغداد.
ــ لكم أنتم تدرون ..هذا بس لحيته تسوه مليون يورو .. وراح نطلب من السيدة أنجيلا ميركل ادزلنه فصلية خمس نسوان مجكنمات مسنعات ألمانيات مو بشكل الخشبة العندي ... يايمممممه ... فدوه للنبي.
ــ ولك هاي منين أنجيلا ميركل ؟
ــ حبيبي أبو رزوق ما عليك بهذي السوالف.
ــ لا بروح الوالدة هاي منو أنجيلا ميركل.
ــ هاي مستشارة ألمانيا وبيده كلشي وأم الكول.. ومن تحجي تغرد..تقره وتكتب...وأتدير دولة جبيرة مو مثل جماعتنه مخربطين ما يعرفون غير طيحان الحظ.
ــ صدك لو كَال عنك عمي الحجي .. لعبي وبراسك ألف شيطان.
ــ دمشي أمشي بس هاي تعرفه .. أكو

خرج المسلحون من الغرفة يتضاحكون وأغلقوا الباب ورائهم ووضعوا سلسلة حديدية ربطت بأحكام دفتيه من أعلى. ساد صمت بين الرجلين، ولم تكن هناك رغبة ملحة لدى ماركس للحديث مع الرفيق جبار الذي مد جسده فوق البطانية وراح يطالع سقف الغرفة. كان ماركس يريد إدخال شيئا من الطمأنينة إلى نفسه ففكر بحصانته الشخصية كونه أجنبي وليس عراقيا، وهذا يكفي لجعل هؤلاء يحذرون التعامل معه بقسوة ورعونة أو إذلال. ولكنه وكمن يبحث عن ملاذ أو ملجأ ليجد نفسه في نهاية المطاف واقفا في فضاء مفتوح مكشوف دون سقف يحميه، وقد جرب ذلك حين عومل منذ البداية بابتذال وقسوة لم تكن لتهتم بكونه أجنبيا غريبا، ولذا عليه إعادة حساباته وعدم الاطمئنان. فربما تكون أجنبيته وبالا عليه، ودافعا حقيقيا لهم، ليهملوا وضعه ثم يفكروا بالتخلص منه. نظر نحو جبار ووجه له الكلام.
ــ لماذا كذبت عليهم .. ما الذي دفعك لهذا الفعل.
فأجابه جبار هامسا.
ــ نعم ليس لي معرفة بك .. فقط كلفت بنقلك إلى بغداد.أنت لا تعرف كيف يفكر هؤلاء .. علينا أن لا نظهر لهم علاقتنا الشخصية والرفاقية، فذلك حتما سوف يكون دافعا رئيسيا لتهور أحدهم وتسرعه بقتلنا. فأغلب هؤلاء يكنون عداءا مستحكما للشيوعية، فكيف بهم لو عرفوا من أنت وما علاقتك بي. ليفكر كل منا بوضعه الخاص دون خلط الأمور . أفهمت ذلك .
ــ حسنا ربما تكون على حق...وما الذي جعلنا نصمت حين وصلنا السيطرة العسكرية.
ــ حسنا فعلنا .. فهؤلاء ما كانوا ليتورعوا حين يكتشف أمرهم بقتل الجنود وقتلنا أيضا.

لم تمض غير ساعة واحدة حين تحركت السلسلة الحديدية لينفرج بعدها الباب ويدخل الرجال المسلحون ذاتهم. كان المساء يهبط رويدا فبدا الظلام يحيط بالمكان، لذا حمل أحد المسلحين مصباحا يدويا سلط ضوءه عليهم ثم ركزه على وجه الرفيق جبار قائلا.
ــ سوف أسلمك التلفون حتى تحجي ويه أخوك رضا .. أذا كتله شي عن المكان، لو شنو صار وياكم، أعتبر نفسك ميت .. خوش .. كله أني زين وخلي يطي المطلوب منه حتى نطلق سراحك.. أوكي أبن عمي..
ــ ميخالف .
أجاب جبار ورفع يده ليأخذ جهاز الهاتف ، فكان صوت أخيه المضطرب على الجانب الآخر .لم يظهر له مخاوفه، وتجنب الإفصاح عن مشاعره الحقيقية، وطلب من أخيه التماسك وتلبية ما يطلب منه، وان يطمئن العائلة ويبعد عنهم مشاعر الخوف
ــ حبيبي رضا لا تهتم.. الأخوة ديعاملونه بشكل زين.. شوف شيريدون ونفذ طلباتهم . لتخلي العائلة بقلق طمأنهم وكَلهم أنشاء الله قريبا أكون بيناتكم.
فجأة سحب أحد الرجال الهاتف النقال من يد جبار وأسرع بغلقه ووجه ضربة خفيفة من كفه لرأس جبار.
ــ هذا أخوك أغبر وقشمر..صارله ساعتين يماطل ويعتعت..ويسأل هواية.. تره أذا ما ينفذ طلبنا راح انطكَك بالدهن .
ــ ليش أنتم شنو طلبتم منه؟
ــ عشرة دفاتر.
ــ عشرة دفاتر ! هاي منين راح يجيبوهة..
ـــ ليش ما عدكم بيت .. كاع.. معارف .. تره أحنه مو قليل ..باجر راح نعرف عنك كلشي .. وعشر دفاتر ما تسوه شي.. خوش ..راح باجر أخليك تتكلم ويه أخوك مرة لخ.

خرج المسلحون وأوصدوا الباب ورائهم فخيم الظلام على الغرفة . تلمس ماركس مكانه ثم اتكأ على الحائط وشعر بثقل يرزح فوق صدره العليل. أحس بدبيب حشرة فوق ساقه فقصعها بإصبعه دون أن يعرف نوعها. وبدء طنين وصرصرة الحشرات يملأ الغرفة ونقيق الضفادع في الساقية القريبة يتعالى وكأنه ضجيج لبدأ معركة طاحنة. تسربت إلى أنفه رائحة شواء فتقلصت معدته جراء الجوع الذي بدأ يعتصر أمعائه. أثارته تلك الرائحة وتمنى اللحظة لو أنه في بيت أبو نداء يتناول الرز واللبن وهذا ما يكفيه الآن لا بل يغني عن جميع أنواع الأطعمة التي تناولها في حياتها.
ــ رفيق جبار هل تعرف أين نحن الآن ؟
ــ ليس بالتمام رفيق ولكن أعتقد أننا كنا قريبين جدا من منطقة الصويرة . وربما نحن في أحد بساتينها. وهي ليست بالبعيدة عن بغداد.
ــ أتعرف أن مثل هؤلاء لا يفاجؤني بأفعالهم ، صحيح أنك تكتشف لديهم شيئا من أفعال غرائبية، ولكنهم مثلما عند باقي الشعوب وفي مراحل عديدة وفي فترات شيوع العلاقات الاضطهادية يتضح للناس المقهورة أن العنف المسلح هو السبيل للتعبير عن النفس والحصول على الحقوق والمنافع، ولا تنسى إن تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام.

ــ رفيق هاي وين وذيج وين.. رفيق ماركس هؤلاء عصابات جريمة ، قطاع طرق سراق وهم جزء من قوة التسلط المتنفذه في المجتمع اليوم.
ــ ربما مثلما تقول، ولكنهم اختاروا هذا الطريق كرد فعل لمعاناتهم من البطالة أولا ثم كخيار ضد الفناء الاقتصادي والمعنوي، وطالما ظهر أمامهم باب للنجاة من الفاقة فهو يقصي عن تفكيرهم كل ما يوجه لأفعالهم من تهم وتشنيع.. وأيضا يتحول ضعفهم الذاتي إلى شعور بالقوة ويتخذ السلاح دلالة سحرية بما يملكه من قدرة على الحسم وجلب الغنائم.

ــ رفيق ماركس، شكرا على هذه المحاضرة القيمة ..رفيق كلامك على راسي وأحترمه، ولكن ثلاثة أرباعه لا علاقة له بهؤلاء، ولو حاولت التعرف عليهم جيدا فسوف تكتشف بأن من يترأسهم أو يقودهم كفصائل للسرقة والنهب والقتل سبق وأن كان مصدرا لقهر الآخرين ويمتلك السطوة والجاه، فالبعض منهم ملاك أراضي وضياع وربما رؤساء عشائر أو رجال دين وحتى أعضاء في أحزاب سياسية ربما هم اليوم ركن من أركان السلطة في العراق، ومثل هذه الأفعال ليست أعمال جرائم عادية فقط وإنما الكثير منها جزء من عمليات ترهيب وتشويش، ولي أذرع وضغط ولمأرب عديدة. رفيقي أتمنى لو خرجنا سالمين من هذه المحنة، أن توافقني وتبقى في العراق وتدخل بقوة بين أوساط الشعب ، بين الناس المسحوقين وكذلك المترفين لتكتشف كم يحمل الفرد العراقي من هويات ووجوه يرغب أحيانا أو كثيرا ما يضطر لارتدائها أو تغييرها واستبدالها مرات عديدة على مدار يومه.. هناك سوف تكتشف العقد الذاتية، الخوف والاستكانة،الجبروت والعنف والعواطف والرقة، التنكر للذات والجماعة، تبخيس الذات ثم تضخيمها، التحدي والتذلل،الحب المرادف للحقد أو الممزوج به، التمجيد والرفعة في مواجهة الضعة.. كل ذلك ينسف الكثير مما تعرفه ونعرفه أو نريد الإمساك به.
ــ لا غرابة في ذلك رفيقي العزيز .. فالفوضى والعشوائية والمحاولات غير المدركة للمهام، دائما ما تميز البشر حين يصابون باضطراب مناهج التفكير وسوء الفهم في محاولاتهم لاكتشاف الواقع أو سبر أغواره، وهكذا بدلا من العمل على تنظيم الوقائع وتسييرها بالسيطرة عليها، نرى البشر ينجرفون نحو حلول غير منطقية، وهذه الحالة ليست خاصية للطبقات المسحوقة أو الأمية بل تظهر بين أوساط المتعلمين ومن يطلق عليهم بصناع القرار، فالعقل كان دائما موجودا ولكن ليس دائما في شكل متزن.
فجأة سُحبت السلسلة الحديدية وانفرج الباب ودخل رجل قصير القامة برأس ضخمة يحمل مصباحا يدويا. تقدم وبيده طبقا وضعت فيه قطعتي رغيف وبعض خضروات وصحن كبير من اللبن.
ــ هذا عشاكم .. أعذرونه الباجة بعده ما مستويه، والبزونه باكت السمجه..أكلو وتريعو.. وبعد جم يوم هم راح تكولون ما احترمونا وموتونا جوع وأضطهدونه .
ــ لا عمي ..خلفله عليكم وكثر الله خيركم .
هكذا أجاب الرفيق جبار ومد يده وتناول رغيفا راح يلوكه بعجالة.
ــ أكول .. أني جنت وره الباب أتنصت على حجيكم ، هاي شنو جنتوا ترطنون .. أشو جبتوه خبط ولبط ولغوه ما بيه معنى ..ذكرتوني بمعلم الحيايتة من جنه بالمتوسطة، يلغي ويلغي ويدردم ساعة ساعتين وأحنه محد مفتهم منه شي.. وكلنه بالأخير رسبنه وجلقونه من المدرسة.. شوفو تره هذه اللغوة ما تنفعكم .. أولا أزقنبو .. ولمن أتطلعون بعد ما يدفعون ربعكم المقسوم.. هناك عد أهلكم أخرطو شكد ما بيكم خريط ولغوه.
أدار ظهره لهم وذهب وأوصد الباب خلفه لتعم الظلمة الغرفة، فراحت أياديهم تتخبط لتختطف ما تصل أليه من محتويات الطبق.



فرات المحسن

[email protected]



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارل ماركس في العراق / الجزء السادس
- كارل ماركس في العراق/ الجزء الخامس
- كارل ماركس في العراق : الجزء الرابع
- كارل ماركس في العراق الجزء الثالث
- حيدر العبادي يخوط بره الاستكان
- الطفولة بين دواعش السنة ودواعش الشيعة
- صاحب موقع ويكيليكس - لو أنك تفضح جميع الملفات.
- كارل ماركس في العراق ج2
- اتفاقيات جانتلمان بين السياسيين وداعش
- واقعة الرمادي قوة المثل عن سذاجة السلطة العراقية وهزالها
- كارل ماركس في العراق
- هل الحشد الشعبي عراقي ؟
- حلف عسكري عربي لخنق تطلعات الشعوب
- الحذر الحذر من خطة أمريكا لتحرير الموصل
- استشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة والموقف الرسمي العراقي
- حقيقة المساعدات الأمريكية لمنظمة داعش
- في النجف هناك من يبغض الحب
- الاستثمار ودواعش مدن وسط وجنوب العراق
- شخصية المالكي لا تسمح له قبول الهزيمة
- ما الذي تستطيع فعله لجنة التحقيق في سقوط محافظة الموصل


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - كارل ماركس في العراق/ الجزء السابع