توخاتشيفسكي..المجزرة العسكرية وموسم قطاف الرؤوس!(6)

ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 4976 - 2015 / 11 / 5 - 22:33
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

"ببطء دربوا البشر
ووسموا كل شيء بالخاتم الاشر
صمت رهيب حيث الصراخ يجب
وصراخ حيث الكلام منكر"..
من قصيدة(الخوف)لبفتيشنكو


مضت دائرة التنكيل،والتصفيات البشعة،بالتوسع والامتداد،ولم يكن اعدام توخاتشيفسكي،ورفاقه من الضباط،اول او اخر المطاف،او توقف حملة الابادة العسكرية الستالينية.بل بالكاد كانت في بدأها!.
وكرنفال الرعب والدم،كان واحدا من العوامل الرئيسية لهزيمة1941 المشينة،والتي ادت لموت الملايين من الشعوب السوفييتية:مدنيين وعسكريين.
كل ذلك الهول الاسود كان النتيجة الحتمية التي تسبب بها،استهتار ورعونة واخطاء وقسوة ودموية"ابو الشعوب الحبيب"_ذلك اللقب الرسمي الذي اطلق عليه من قبل الزمرة البيروقراطية والاحزاب التابعة ايديولوجيا لمركز الكرملين!_وتحكمه وتلاعبه بتقرير مصائر الملايين من الابرياء،وقطعه المتعمد لرأس الجيش الاحمر من قادة وضباط..
وتلاحقت فصول تلك المجزرة العسكرية،ومهرجانات سفك الدماء!.فقد اعدم ميدفيديف،الذي اعترف ضد توخاتشيفسكي،ومن جراء التعذيب الوحشي.
القادة العسكريون الذين شاركوا في محاكمة توخاتشيفسكي،جاء دورهم ايضا،واعدم غالبيتهم،ليدفنوا في نفس الحفرة التي حفروها لسابقيهم،بأرادة"القائد العظيم"!.
ديبينكو:ذلك البلشفي الباسل،وعضو الحزب منذ عام1912،ومسؤول لجنة اسطول البلطيق في انتفاضة اكتوبر المجيدة،تلك الشخصية الثورية الفريدة،والتي دخلت تاريخ الثورة باستحقاق متميز،فهو الذي استطاع بأقناعه القوزاق التابعون للجنرال الابيض كراسنوف،والذين كانوا يستعدون لشن حملة هجوم من غاتشينا على بتروغراد،هو بالذات،هذا البحار البلشفي"ديبينكو"من تمكن من كسب القوزاق،وقلبهم ضد حكومة كيرنسكي،وغير موازين الانتفاضة!.اجبره ستالين على المشاركة في محاكمة توخاتشيفسكي،ثم امر بأعتقاله فيما بعد واعدامه ايضا،كواحد من" عصابات التروتسكية الفاشية"!!.حتى يوجوف الجزار،وكسابقه ياغودا،تلك الكلاب المسعورة-وكنوع من التجديد والتغيير للجلادين،الذين ساءت سمعتهم!-وبعد ان محى آثار جرائمه بجرائم اخرى،اتى دوره ايضا،وشرب من نفس الكأس الذي سقاه لضحاياه،واعدم!.
بعد اعدام توخاتشيفسكي،لم يبق من ماريشالات الجيش الاحمر الابرز سوى اربعة:فورشيلوف:المضمون اخلاصه وولائه،فقد كان يتمتع بفضيلة الكلب لحد السفه والعمى لسيده!.
وبوديني:المتحمس والمعجب بستالين لدرجة التأليه!والذي قدم عنه يوجوف تقريرا لستالين يزعم فيه،ان لزوجة بوديني علاقة مع اجانب!.
ويغوروف:الذي اكل معه ستالين الحساء في صحن واحد اثناء الحرب الاهلية!ذو"العقل التحليلي"كما وصف من قبل خبراء عسكريون غربيون!وبأمر من ستالين!شمله مد التصفية،فقد جرت متابعة قضيته من قبل ساعد ستالين الايمن!واجبروا زميلا سابقا له على كتابة وشاية ضده!وبعد شهرين من التعذيب الشنيع مات يغوروف دون ان يعترف بشيء!وحسم امره!..
اما فاسيلي بلوخير:اكثر القادة العسكرين تميزا ونفوذا وتأثيرا،فقد حصل قبل اعتقاله على:وسام النجمة الحمراء من الدرجة الاولى!،واربعة اوسمة للراية الحمراء،ايضا من الدرجة الاولى،وهو من اوائل الذين منحوا وسام لينين!.
هو ايضا اعتقل وتعرض لتعذيب بشع،وطولب بالاعتراف والمشاركة في"المؤامرة الفاشية"!.ولكنه صمد،ولم ينهار او يعترف!.هذا الماريشال الذي شارك ايضا في محاكمة توخاتشيفسكي الجائرة،وبصفته عضوا في المحكمة العسكرية،والذي لم يهزه ضميره الصامت حينها لينقذ رفيقه الماريشال الاول في الجيش الاحمر من مصيره المأساوي،ها هو الان في قبضة بيريا:جلاد ستالين وسوطه الجديد!.
شوهد بلوخير للمرة الاخيرة من قبل فيكتوروف-وهو من المحققين في قضيته-فقد شاهده يوم6تشرين الثاني(نوفمبر)1938مضروبا بشكل وحشي،ولايمكن التعرف على ملامحه،وقد فقئت عينه اليسرى،وحتما مات تحت شدة التعذيب!.
وهو اخر جنرال قضى في معتقلات بيريا ومحاكم تفتيشه البلشفية!ودون ان يستسلم او يعترف او يوقع على تلك التلفيقات التي حاولوا ان ينسبوها اليه..
ستالين لم يعد بحاجة لمثل هؤلاء القادة المهنيين والبارين في تخصصهم،والذين تحوم حولهم دائرة شكه المرضي،وهواجسه السلطوية.فما يناسبه هم اناس مطيعون،خانعون،ذوو تفكير محدود وقاصر،وولاء مطلق لشخصه،وعلى شاكلة:فورشيلوف،وبوديني!.
مناجل التصفية والتطهير حصدت غلتها الوفيرة في مواسم عامي1937و1938من مئات الآلاف من العسكريين:قادة،وكوادر التوجيه السياسي،وضباط،وضباط صف،واغلبهم من الشباب،ومما يزيد الاسى والمرارة،انهم قتلوا ليس وهم يحاربون الفاشية الهتلرية،بل تمت تصفيتهم بدم بارد وخسة،وبأرادة وقصد وعزيمة"القائد"وزبانية جحيمه الاوغاد!.وبهراء تلك التقارير والتبليغات والوشايات المغرضة الاكثر حقارة ونذالة وانتهازية..
لقد انزل ستالين ضربة مميتة بالجيش الاحمر قبل الحرب،وكأنه يعد الجيش للهزيمة لاللنصر!.بقطعه لرأس الجيش،من خلال اعدامه لخيرة الخبرات والكفاءات من قادة الجيش،واكثرهم اخلاصا ووفاء لوطنهم وشعبهم وحزبهم،والتي قادت لهزيمة1941 الكارثية!.
فلم تحلم لاالمخابرات الفاشية،ولا اقطاب الحرس الابيض،ان مابذروه من اشاعات ودسائس وفخاخ مخطط لها بأحترافية،قد اينعت في ارض الكرملين الخصبة،وقطفها ستالين بمنجله القاطع الباطش في موسم حصاده الاخير!.
ومن اجل تثبيت سلطته المستبدة اقدم"محبوب الشعوب"على تنفيذ اعمال لايصح او ينطبق عليها-حتى بالمعايير التبريرية-سوى وصفها السافر ب"الجرائم"!.
فقد قضى عمليا على جميع نواب مفوضية(الشعب)للدفاع!.وعلى غالبية اعضاء المجلس العسكري التابع للمفوضية!.وعلى اكثرية قادة المناطق،بناءا على(المعطيات)و(التحقيقات)و(الاعترافات)و(الوشايات)و(وسائل التعذيب)-التي اعطى الضوء الاخضر لمسعوريه المستكلبين:يوجوف،وبيريا،لممارستها على نطاق واسع،وكمنهجية فعالة في انتزاع الاعترافات المطلوبة!-..
فبين عام1937و1938نكل واعدم"البلشفي العظيم"اكثر من 55%من الهيئات العسكرية والسياسية للجيش الاحمر،من رتبة قائد فرقة فما فوق،ونتيجة لذلك فأن الجيش شل تماما،وفقد قدرته القتالية.
فليس من السهل التعويض بشرياعن الخسارة الفادحة للاعداد الهائلة من القدرات العسكرية النوعية والمتميزةللذين اعدموا!.فمن اجل اعداد ضابط برتبة ملازم لاتكفي دورة لعدة شهور،فالامر يتطلب سنوات طويلة من الدراسة والتدريب،واكتساب الخبرة،و الجيش ينزف قدراته وطاقاته وخبراته عن طريق القتل المتواصل والاعتقالات!.وكان هذا هو هف وغاية الفاشية النازية من ترويج الاكاذيب والافتراءات عن تعاون قادة الجيش الاحمر مع الالمان النازيين!واعدادهم لمؤامرات مزعومة عارية عن الصحة،صدقها ستالين وابتلع الطعم بسذاجة!.وهذا ما سهل عملية الاجتياح الفاشي للاتحاد السوفيتي،بتلك البساطة،وقتل مايربو على10ملايين عسكري سوفييتي!.فقد كان الامر اشبه بنزهه صيد ممتعة ،ولكن دامية!!.
الجزار يوجوف الذي اصبح في تشرين الاول(اكتوبر)1937 مرشحا لعضوية المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي!!!._حزب لينين المناضل الذي انحط الى الحضيض!فأصبح قادته من السفاحين الاوغاد والقتلة الساديون!_لم يعرف حدودا لانتهاك كل القوانين الوضعية والاخلاقية،ونتيجة لاقتراحه في مفوضية(ستالين)للشؤون الداخلية،بدأ بأعداد قوائم بأسماء الذين سيقعوا في قبضته الغليظة،وتحت رحمة المحاكم العسكرية بأدارة المسخ اورليخ!.
فما ان يتهم احدهم او يدخل اسمه في تلك القوائم حتى يقف دون ادلة امام المحكمة العسكرية،فاما الى معسكرات الاعتقال الشاقة،او يغادر الحياة محظوظا!!...
..................................
وعلى الاخاء نلتقي...

#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات