أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليمان الخليلي - إزدهار الحضارات بالفنون















المزيد.....

إزدهار الحضارات بالفنون


سليمان الخليلي

الحوار المتمدن-العدد: 4971 - 2015 / 10 / 31 - 10:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لطالما كانت و(لاتزال) الفنون بجانب علومٍ إنسانيةٍ أخرى كالفلسفة والأدب والترجمة وعلم الاجتماع والأعمال الفكرية تمثل حجر الزاوية لإزدهار وتقدم أي حضارة إنسانية في مختلف نواحي الحياة، والفنون بإختلاف مجالاتها كالموسيقى والمسرح والغناء والرسم والفن المعماري والزخرف والتصاميم والنحت والفنون البصرية والرقص وغيرها مما تندرج في قائمتها، فأنها بكل تأكيد تمثل نواة لصناعة مجتمعٍ متقدمٍ ومتحضر حيث تقوده إلى الازدهار الحضاري وتسهم في دفع التطور العلمي والثقافي الى الأمام، وثمة رابطٌ عجيب بين الفنون والعلوم فكلاهما يعملان بخط متواز للغاية ويتطور بتطور الآخر، حيث تملك الفنون (المخيلة) للإبتكار والإبداع العلمي، وتصنع (الوعي) لمجتمع مثقف ومنفتح للآخر من أجل إنتاج مناخ مجتمعي يتسم بالاستقرار النفسي والاجتماعي، ولذلك نفهم مدى أهمية دور الفنون في الحضارة الإنسانية وفقاً لما أعتبره الفيلسوف الألماني " هيغل " الفنون بأنها المصدر الثالث لفهم الحضارات بعد الدين والفلسفة، فالدين يعطي التوازن داخل الإنسان، والفلسفة تعطي الرؤية لكيفية الحياة، والفن يعطي التواصل مع بقية أفراد المجتمعح".

لعل التحدي الأكبر للفنون تلك المجتمعات التي تعتبرها مجرد لهوٍ أو عبث إخلاقي، وتحاربها وتصورها بأبشع الأوصاف، وتقيدها بقيود الأفكار المتخلفة وتحبسها في زاوية المحرمات، فالتحريم الذي يواجه الموسيقى والرسم والتصوير والسينما وغيرها من الفنون يأتي من منطلقٍ ديني بدعوى جرَ النفس البشرية إلى الرذيلة والإنحطاط وغيرها من الأفعال التي تتعارض مع التعاليم الدينية كما (يعتقدون)، بكل تأكيد تعتبر هذه مجرد إضحوكات غبية بمجملها تحيكها ببراعة المؤسسات الدينية من أجل تقييد العقل البشري بالخرافات والأوهام، وهنا يصبح (الدين) شماعة لتبرير أفعالهم والدين بريء من هذه الاتهامات كبراءة الذئب من دم يوسف.

حتماً بأن تلك المجتمعات تقود نفسها إلى الدمار والهلاك، ولن تستطيع مواكبة التقدم الإنساني كبقية المجتمعات الآخرى، حيث تنغلق على ذاتها، فينتشر بها التخلف والجهل، ولعل الأكثر خطراً هو إحتضان مناخ مناسب للأفكار المتشددة الأصولية، يدعو إلى محاربة التجديد والتطوير والأفكار التنويرية في المجتمع، والمؤسف حقاً من يستمع لتلك الآراء ويتبع هفوات الغلاة والمتشددين بأفكار أكثر ضيقاً من عنق الزجاجة والتي تحتكر الرأي بتحريم الفنون والمنادة بإقتلاعها من المجتمع ك(نبتة خبيثة)، ولعلهم لا يدركون بإنهم يقتلعون أهم الأسس والقواعد في صناعة الحضارة الإنسانية، فالفنون والثقافة والفلسفة وغيرها من العلوم الإنسانية أهم
الأسس للتطور الثقافي والفكري والعلمي للمجتمع، وهذه أمور طبيعية بطبعها يحتاجها الانسان ولا غنى عنها مهما كانت الاسباب، لأن الفنون هي( الرئة) التي يتنفس بها المجتمع بضخ افكار جديدة كالاكسجين للتغير نحو الافضل.
الحضارة الإنسانية كما يعتبرها بعض العلماء المتخصصين في فلسفة الحضارة بأنها تتألف من عناصر أربعة: (الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون)، وحينما تتكامل هذه العناصر تتطلق العنان للفرد نحو الإبداع والإبتكار مما ينتج إزدهاراً متكاملاً للحضارة ، ولذا يجب على كل حضارة ان ترفع مستوى الفنون بها إلى جانب المجالات الفكرية والأخلاقية والاقتصادية، وهناك علاقة طردية فكلما زاد نبل الفن في المجتمع ازدادت قيمته الحضارية.

تاريخ الحضارة البشرية عُزفت من خلال الرسومات التي اكتشفتها الحفريات والأثار المختلفة، وهذه تعتبر النواة الاولى للفن والتي أكدت البدايات الاولى للحضارة البشرية حيث ان معظم الأثار تمثل فنا بحد ذاته، لو ألقينا نظرة لتطور بعض الحضارات لوجدنا إختلافا اسلوبياً فنياّ يميز كل حضارة عن الأخرى وذلك بإختلاف الدين والثقافة واللغة والعادات، مثلاً الحضارة الإسلامية وبالرغم من معارضة بعض علمائها سواء في فترات ماضية او حاضرة حول الفنون باختلاف اشكالها، لكن يتضح بأن أوج أزدهار الحضارة الاسلامية خلال عصرها الذهبي كما يطلق عليه في منتصف عهد الدولة العباسية آنذاك وتمتد الفترة من منتصف القرن الثامن الميلادي لغاية القرن الرابع عشر والخامس عشر الميلادي، وحينها كانت تعتبر فترة متقدمة بمراحل تسابق الزمن حيث تطورت العلوم والفنون واثر ذلك على المجالات الاخرى فازدهرت المجالات المختلفة كالزراعة والاقتصاد والصناعة والأدب والملاحة والفلسفة والعلوم  والفلك، وكل ذلك أتى بسبب االمناخ الذي اتسم بالحرية الفكرية والانفتاح على الحضارات الآخرى فأعطى فرصة كبيرة للفلاسفة والشعراء والفنانين للأرتقاء بالآدب والفنون والفكر والفلسفة مما قاد إزدهار الاكتشافات العلمية خلالها لأنها مكنت العلماء والمخترعين إستثمار المناخ لإنتاجتهم العلمية، هنا نلاحظ بأن رقي الفنون وتقدمها كانت دافعاً في عجلة التطور الفكري مما إزدهار العلوم الأخرى والاكتشافات، وحينما أفول نجم العصر المزدهر في الحضارة الاسلامية نتيجة افكار جامدة سيطرت على الحركة الفنية والثقافية واحتكارها في فكر واحد لم يقدر قيمة الفنون.

بالنسبة للنهضة الاوربية بإعتبارها أساس الحضارة الغربية كما تسمى حالياً، انطلقت في فلورنسا بايطاليا على أرضية مميزات عديدة فريدة بذاتها، والتي ربما كانت إحدى الأسباب التي أدت إلى الحراك الفني والثقافي والفكري من خلال رعاية وتحفيز الفنون مما اعطي الدافع للفنانين وشجعهم نحو الابداع أمثال "ليوناردو دا فينشي وساندرو بوتيتشيلي ونيري بيتشي وفيليبينو ليبي"، وبغض النظر عن آراء بعض علماء التاريخ المجحفة نوعا ما والتي تعتبر مولد عصر النهضة في فلورنسا جاء مصادفة إلا أن الدور التي لعبته الأسر الثرية الأستقراطية خلال تلك الفترة أسهمت في تنشيط الحركة الثقافية وتشجيع الفنون للظهور، ولذلك تميزت الحضارة الغربية بخصائصها الثقافية والفنية من الشكل والمضمون وانعكست بارتقاء الفنون كالرقص والموسيقى والفنون البصرية وفن العمارة ونشطت حركة التأليف الأدبية 3كالقصص والروايات، لذا تمثل الفنون القوة الثقافية للحضارة الغربية في عصرنا الحالي.

كما إستفادت الحضارة الفرعونية قديماً من الفنون في اظهار إبداعهم، والذي تجلى في التماثيل والمسلات والنقوش والرسم وصناعة حلى وفن العمارة، كما اشتهر المصريون القدماء بحبهم للموسيقى واستخدامها بشكل كبير في حياتهم اليومية كتربية الأبناء والاحتفالات واقامة الصلوات ودفن الموتى وخلال الحروب وغيرها، إلى جانب الزخارف التشكيل والرسم، وفن الكتابة على ورق البردى ، فكل هذه الفنون ادت إلى التطور العملي والفني لدى حضارة المصريين القدماء وقادتهم إلى إختراعات واكتشافات مهمة مثل الكتابة واستخدام المداد في الكتابة على أوراق وتحنيط الموتى وغيرها من الطفرات العملية التي أشتهرت في العصر الفرعوني، ولا ننسى الحضارة الهندية التي قدمت الكثيرة للحضارة الانسانية حيث اشتهرت بفنون خدمت العقائد الدينية كالنحت والرسم والفن المعماري، وكذلك الحضارة الصينية التي اهتمت كثيراً  بالادب والموسيقى والرسم والزخارف و الفنون البصرية إلى جانب المهارات الحركية في الدفاع عن النفس حيث اسهمت الحضارة الصينية في العديد من الاختراعات كصناعة الورق والبارود والطباعة، وكذلك الإسهامات العلمية في الرياضيات والفلك والطب.

إن الفنون استطاعت على مر التاريخ أثبات دورها الكبير في التطور الحضاري لأي مجتمع لكي يصنع حضارة متقدمة، ويتضح ذلك جلياً في مختلف جوانب المجتمع سواء كانت العلمية والصناعية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يجوز قطعاً إغلاق الأبواب أمامها وإنكار أهميتها في المجتمع، وحصرها في مساحات ضيقة جداً عن البيوت والمدارس والمجتمع بشكل عام لإنها تؤدي لغلق العقول بأحكام شديد، وهذا يعني إنتاج مجتمع فاشل في تحقيق الإبداع والابتكار سواء من الناحية العلمية في تحقيق التقدم العملي والتقني والصناعي، أو الناحية الاجتماعية والثقافية في خلق مجتمع واعٍ ومثقف ومنفتح للثقافات الاخرى، فالطريق الصحيح هو التشجيع وفتح الأبواب بإتساع للمبدعين والمفكرين والفنانين في إنتاج فنٍ راقِ يعكس مدى تقدم المجتمع.



#سليمان_الخليلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليمان الخليلي - إزدهار الحضارات بالفنون