عبد القادر خالد قدسي
الحوار المتمدن-العدد: 1355 - 2005 / 10 / 22 - 10:55
المحور:
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
مفهوم الديمقراطية وحوامل الإصلاح السياسي
إنّ الحديث عن الديمقراطية والإصلاح السياسي الذي شاع في الآونة الأخيرة بحكم التغيرات التي طرأت على النظام العالمي وانتقل إلينا على أهميته وضرورة إدراك مزايا ومقومات الديمقراطية كأسلوب في الحياة والحكم يبقى مجرد دعوة عاطفية ما لم تتم ترجمتها والتعبير عنها عبر منظمات وهيئات تعبر عن درجة النضج ومستوى التطور الذي يتمتع به المجتمع.
أي أنّ الديمقراطية ليست حلاً سحرياً للمشاكل المطروحة وليست بنت اللحظة الآنية, إنها إرثٌ من العقلانية والاعتراف بالآخر وبحقه في القول والتعبير حتى وإن كان مختلفاً, هي حوارٌ مستمرٌ للوصول إلى حلول أنجع للقضايا الاجتماعية والإشكالات التي تواجه المجتمع في سيرورته, وتمكّن الناس من الدفاع مصالحهم عبر قنوات وسبل متنوعة مشروطة ومعبّرة عن العلاقة بين الوعي والمصلحة. من هنا نستطيع الدخول إلى موضوعنا (الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي) وهو من أهم المواضيع الجديرة بالبحث والمتابعة كي يستطيع وطننا العربي مواكبة تطور الفكر والمعرفة بمعناهما المعاصر من موقع الاستفادة والمشاركة والإنتاج, لا من موقع التبعية والاستهلاك.
من الواضح أنّ الأزمة التي يعيشها الواقع السياسي العربي مردها إلى غياب الديمقراطية, ومن الواضح أيضاً أنّ تطبيق الديمقراطية والإصلاح السياسي ليس مسألة قرار إدراي من طرف السلطة إنما هو تعبيرٌ عن إرادةٍ شعبيةٍ واعيةٍ تخضع لعدة عوامل أو علاقات نبينها بشكلٍ مختصر علّها تلقي بعض الضوء.
أولاً: مفهوم الديمقراطية وعلاقته بالإصلاح السياسي.
ينبغي أن ينظر للديمقراطية على أنها ركنٌ أساسي فيما يمكن أن نسميه مشروع الإصلاح السياسي في الوطن العربي, لأنها تعني المشاركة في أرقى صور العلاقة بين السلطة والمجتمع وبالتالي فإنها تعتبر أهم مصادر الفاعلية السياسية للإصلاح حيث أنها تحتضن قاعدتي القانون والمشروعية التي ترتكز عليها قواعد ومقومات التوازن الاجتماعي والسياسي.
إنّ الديمقراطية تعدُّ حلاً عملياً وعقلانياً للإصلاح السياسي لأنها الضمان الجوهري للإصلاح الحقيقي وهو ما يعني إطلاق حرية العمل لكل القوى المؤمنة بالإصلاح السياسي والمعادية له على حدٍ سواء من الناحية القانونية, ومن ثمّ يصبح على الجماهير أن تختار المناهج والطرق التي يطرحها أيٌّ من هذين الفريقين.
ثانيا: مفهوم المجتمع المدني ودوره في الإصلاح السياسي.
يعتبر المجتمع المدني حالة مستنيرة يقر إقراراً صحيحاً بالمكونات والمميزات الاجتماعية والمدنية والروحية القائمة في مجتمعٍ ما, ومفهوم المجتمع المدني يتضمن الاختلاف والتناقض والاعتراف بالآخر واحترام رأيه وتوجهاته. ولكنّ جنينية المجتمع المدني في الوطن العربي والعوائق الحقيقية التي تقف في طريق نموه وتشكله وتأخّر تشكيل ظاهرة الفردنة الضرورية لتطوير أنماط من الروابط العقلانية والاختيارية في المجتمع إضافةً إلى احتكار الدولة في المجتمع العربي للسلطة بحيث تبدو أية محاولة للخروج من الوضع السائد وممارسة خطاب نقدي تجاه الواقع تعدُّ شكلاً من التهديد للدولة.
ثالثاً: القوى الحاكمة والإصلاح.
إنّ الأنظمة العربية الحاكمة لا تستطيع الإقدام على الإصلاح بسبب خطابها الشمولي. لذلك تتفق على استنكافها عن اتخاذ إجراءات عملية الإصلاح سواء في تعبيرها السياسي أي في الدعوة معها في صد الهجمات والضغوطات الخارجية (أمريكية وغيرها) أو في طغيان تعبيرها الشخصي على العملية السياسية في دمج مؤسسات الحكم, وجميع الناس يعرفون هذا ويقرون بأنّ تفكيك الاستبداد والبناء الديمقراطي هما عمليتان متكاملتان وإنّ التّدرج النسبي في البناء هو الذي يحكم نموها وإن امتلاك أدوات ووسائل العمل هو الذي يجعل من الديمقراطية والإصلاح حقيقة واقعة.
رابعاً: الفكر السلفي والإيمان بالمطلقات.
لابدّ لنا حين نتصدى لمشكلة الديمقراطية والإصلاح السياسي في أن نذكر بوضوح المعوقات التي تقف أمامنا والتي تتجلى في تاريخنا القديم بقيام دولٍ التي يمكننا القول حولنا إنها كانت دولاً وثيقة الارتباط بالاستبداد والطغيان نتيجة الانجراف وراء المطلقات واحتكار الحقيقة والبعد عن كل ما هو نسبي ومتعدد الاحتمالات, مازالت جذور هذه الدول وممارساتها راسخةً في عقولنا حيث لا تراث سياسي حقيقي ولا وجود للتعددية ولا اعتراف بالآخر ولا مجال للمشاركة في تقرير الشؤون العامة, هذا بالإضافة إلى أن الفكر السلفي مازال مسيطراً على أغلب عقول الناس في مجتمعنا مدعياً الكمال في العلوم والمعارف وممتلكاً الحلول لكل المشكلات الدنيوية وبذلك يحوّل الإنسان إلى عبدٍ خانعٍ منطوٍ على ذاته يخشى الطبيعة وظواهرها يتلقى ما عليه بإذعان ويقبل ما نزل به من ويلات على أيدي طغاة البشر نزولاً عند طاعة أولي الأمر التي اكتسبت شفافية, فانتفت لديه روح المشاركة في شؤون الدنيا وضمرت عنده مَلَكَة النقد المبدع والشك العلمي بل انعدم لديه حتى الحلم في حياة حرة.
إنّ وعينا الجيّد لها لا يعني تسويقنا بل يجب أن يعني لنا المباشرة في نسف ركائزها وتصحيح مسارها التاريخي, وأول خطوة هي الوعي النقدي العلمي وأن نعيد للعقل مكانته واعتباره وأن يكون الأصل في الحكم على الأشياء والناس والعلاقات.
خامساً: القوى حاملة مشروع الديمقراطية والإصلاح السياسي.
معظم الأدبيات المعاصرة تشير إلى أنّ القوى التي يقع على عاتقها تطبيق الديمقراطية والقيام بعملية الإصلاح السياسي في العالم _ ووطننا العربي جزءٌ منه _ هي قوى التحديث القوية والقادرة على التغيير الديمقراطي والمتمثلة في أحزاب سياسية ديمقراطية متواجدة في كافة شرائح المجتمع وطبقاته, حاملة له ألف باء المفاهيم الديمقراطية, متمكنة بها من اختراق كافة العقبات التي تعترض عملية الإصلاح, مدعومةً من مؤسسات المجتمع المدني التي تتشكل وتعمل خارج إطار عملية التنميط مع بيئة الحاكم وأدواته ويكون لها امتدادا فعال في أنشطة النقابات العمالية والمهنية والاتحادات النسائية والطلابية وغيرها.. متوجةً بمثقفين تنويريين يقع على عاتقهم العمل على تأسيس المعنى والقيم الديمقراطية في المجتمع العربي.
أخيراً نختتم بالقول: إنّ الديمقراطية لا تبنيها القوى الظلامية ولا يمنحها الديكتاتور ولا تأتي بوصفة جاهزة بل هي حصيلة ممارسة الأفراد اليومية في المجتمع التي تنطلق من نظامٍ معرفي حرٍ منفتحٍ على التساؤل وروح النقد. وإذا تمكن وطننا العربي من الانفتاح على هذا الأفق ستتوفر له إمكانية الشروع في التغيير والإصلاح الديمقراطي.
عبد القادر خالد قدسي
21/10/2005 اللاذقية – سوريا
#عبد_القادر_خالد_قدسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟