أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو زيد - الحياة في مصر ثلاث درجات.. أشهرها الدرجة الثالثة















المزيد.....

الحياة في مصر ثلاث درجات.. أشهرها الدرجة الثالثة


محمد أبو زيد

الحوار المتمدن-العدد: 1355 - 2005 / 10 / 22 - 06:30
المحور: الادب والفن
    


أن تكون على الهامش في مصر يعني أنك ستدخل سينما الترسو وتشجع ناديك من مدرجات الدرجة الثالثة، وتسافر إلى بلدك أو عملك بقطارات الدرجة الثالثة أيضاً.
الدرجة الثالثة في مصر هي درجة المهمشين، فكما يرتبط ذكر دول العالم الثالث بالدول التي تحارب من أجل لقمة العيش أو التي تعيش تحت خط الفقر أو فوقه أو في أي مكان قريب منه، فإن مهمشي مصر يعيشون بجوار وبداخل الدرجة الثالثة، ويصنفون على أنهم درجة ثالثة، يرتدون ملابس درجة ثالثة، ويسكنون مناطق عشوائية ويدخلون سينما ترسو، ويركبون حافلات سيئة السمعة، ويسيرون على أرصفة لا تأخذ من الأرصفة إلا اسمها، ويشربون مياهاً درجة ثالثة عشر، والعجيب أنهم يعيشون مع كل هذا في رضا.
سينما الترسو
أفيش قديم، مرسوم بألوان مائية سيئة، يحاول الرسام فيه أن يصل إلى ملامح وجه النجم الهندي القديم أميتاب باتشان وهو يؤدي إحدى حركات لعبة الكونغ فو، وخلفه سيارة تنفجر، وشخص يعدو، أعلاه اسم من نوعية "الصراع الرهيب" أو "انتقام الجبابرة" أو "المأساة" وبجواره أفيش آخر لفيلم تركي يظهر فيه جزء كبير من جسد ممثلة تركية شقراء الملامح ومرسومة بشكل سيئ بجوار سرير على خلفية حمراء، وعنوان يجب أن تكون فيه كلمة امرأة، أو العري، أو الرغبة أو الجسد، وأفيش ثالث لفيلم قديم لعادل إمام أو شمس البارودي أو إيناس الدغيدي، وأسفل هذا كله سوف تجد صفاً طويلاً من البشر يتزاحمون على شباك التذاكر في هذه السينما المتهالكة.
سينمات الترسو أو الدرجة الثالثة أحد معالم القاهرة القديمة، وخاصة المناطق العشوائية أو شديدة الشعبية، تتدافع عليها وجوه معروفة لوحتها أشعة الشمس، لعمال، وطلبة هاربين من مدارسهم و"صنايعية"، ومراهقين، وكومبارس.
منظر سينما الترسو يختلف كثيراً عن مناظر سينمات الدرجة الأولى أو الثانية، عن السينمات التي انتشرت مؤخراً في المولات والفنادق لاستيعاب أبناء البرجوازيين الجدد، وأبناء أغنياء الحرب القدامي، وعن السينمات متوسطة السعر المنتشرة في وسط القاهرة بشارع عماد الدين تلك التي تستمد بريقها من الزمن القديم.
أفلام سينمات الترسو تختلف كثيراً عن أفلام السينمات العادية، فأغلب هذه السينمات تقدم 4 أفلام في الحفلة الأولى والتي غالباً ما تكون ثلاث ساعات، وذلك بعد القص في الأفلام والتركيز على مشاهد الإثارة والعنف والجنس.
من المستحيل أن تجد فيلماً ليوسف شاهين في أحد هذه السينمات أو ليسري نصر الله أو محمد ملص وذلك لأنه على حد تعبير الحاج إبراهيم صاحب إحدى سينمات شارع 26 يوليو جمهور السينما "شاري دماغه" ويريد أن يدخل ليستمتع بوقته ولا يريد "فلسفة فارغة".
أشهر الأفلام التي يتم عرضها بشكل دائم في سينمات الدرجة الثالثة فيلم "حمام الملاطيلي" وهو فيلم يعود إلى حقبة السبعينيات قامت ببطولته الفنانة المعتزلة شمس البارودي ويوسف شعبان وهو ممنوع من العرض في التلفزيون المصري، أيضاً هناك فيلم "سيدة الأقمار السوداء" لناهد شريف، بالإضافة إلى أفلام المرحلة التي هاجرت فيها السينما المصرية إلى لبنان وحدث الخليط لينتج لنا مجموعة من الأفلام تكشف أكثر مما تخفي.
الجمهور أيضاً يحب الأفلام التركية، هذا ما أكده الحاج إبراهيم وتابع الأفلام التركية التي نعرضها تدور في أغلبها حول قصص الخيانة الزوجية، ومغامرات الحب على شاطئ البحر، لكن لا يخلو الخليط إلى جوار هذا من فيلم إثارة وعنف وهو عادة ما يكون فيلماً هندياً لبطل الأفلام الهندية القديمة أميتاب باتشان أو فيلماً أميركياً لفاندام أو سلفستر ستالوني أو جاكي شان، ولا يفضل رواد هذا النوع من السينمات أفلام الخيال العلمي، ومن الممكن أيضاً إضافة فيلم رابع لواحد من المضحكين الجدد، بعد سحبه من الأسواق وبعد أن أصبح منتشراً على اسطوانات DVD.
سينمات الترسو لا تدخلها النساء، وهي قاصرة على الرجال، "عيب يابيه" هكذا أجابني أحد رواد سينما الكورسال الجديدة في منطقة بولاق أبو العلا، وأردف "الستات هيدخلوا يعملوا إيه"، معللاً قوله بأن هذه السينمات سيئة السمعة، وأنه إذا أراد أن يدخل وخطيبته سينما سوف يأخذها إلى إحدى سينمات وسط البلد "النظيفة".
العامل الذي قادني إلى باب القاعة قال لي "ادفع" وحين لم أفهم قال لي "أنت أول مرة تخش سيما"، موضحاً أنني يجب أن أدفع أجر إنارته الطريق لي إلى مقعدي، لكن بمجرد أن أخذ "المعلوم" اختفى تماماً لكي يبحث عن "زبون" آخر، لأجد أمامي قاعة السينما، متهالكة تماماً، تدخلها الشمس من ثقوب في السقف، مقاعدها محطمة، ترتفع منها صيحات التصفيق إذا ما مر منظر سريع لافت للنظر، وترتفع التعليقات والشتائم لتتطاير فوق رؤوس الجالسين، مع صوت باعة الساندويتشات واللب والكولا "حاجة ساقعة يابيه، تاكل يا كابتن".
أشهر سينمات الترسو في مصر سينما الزيتون بمنطقة الزيتون، وسينما الكورسال ببولاق ابو العلا، وسينما علي بابا في شارع 26 يوليو وسينما شارع عبد العزيز في ميدان العتبة، وسينما ميدان الجيزة، ويلاحظ أن كلها تقع في مناطق شعبية يتجمع فيها الباعة الجائلون، والذين عادة ما يريدون أن يرفهوا عن أنفسهم بدخول السينما فيلجئون إليها.
ملك سينما الترسو هو الفنان الراحل "فريد شوقي"، وكان يطلق عليه لقب "ملك الترسو" ذلك لأنه كان يقدم أفلام عنف لترضي ذوق هذه الطبقة، ويليه الفنان "عادل إمام" الذي يحرص في أفلامه على أن يقدم التوليفة التي ترضي جمهور الترسو "السياسة التافهة والجنس والعنف".
ويبحث جمهور هذه السينمات عن بطل يمثله، بطل يشعر أنه منه وملامحه تشبهه، ضعيف مثله، ليس وسيماً، لكنه ينتصر على الأقوياء في النهاية، ربما يبرر هذا نجاح عادل إمام، أما نجاح أفلام نادية الجندي وإيناس الدغيدي فلأنهما تقدمان تقريباً نفس التوليفة، مع الحرص على تقديم أكبر قدر من الجسد لإرضاء رغبة جمهور الترسو.
جمهور الترسو هو الذي صنع في فترة ما أطلقت عليه سينما المقاولات وكان سبباً في صعود نجم العديد من النجمات، وسبباً في هبوط البعض الآخر ولعل أشهر المشاهد التي تمثل جمهور الترسو هو ما ورد في فيلم "المنسي" لعادل إمام، حينما دخل سينما ترسو وسؤال محمد هنيدي الشهير في الفيلم "الفيلم ده قصة ولا مناظر".
مدرجات درجة ثالثة
"بيب بيب أهلي"، "بيب بيب زمالك" هذه أشهر الهتافات التي تنطلق من مدرجات الدرجة الثالثة في مباريات كرة القدم في مصر، لتعطي للمباراة روحاً، وتمنحها الحياة، وتبث فيها قدراً من الحيوية يجعلها جديرة بالمشاهدة.
جمهور مدرجات الدرجة الثالثة هو صانع الفرحة، وهو صناع الهزيمة هو الذي يرتفع بلاعبي الكرة إلى عنان السماء ويهبط بهم إلى سابع أرض أيضاً.
جمهور الدرجة الأولى عادة ما يكون من ذوي البدل الكاملة، من ذوي ربطات العنق الأنيقة، من ذوي الياقات اللامعة الذين يجلسون صامتين كاتمين إحساسهم بجو المباراة، بما يدور فيها، يجلسون في الظل، لا يبتسمون، ولا يعبسون، وجوههم جامدة، أما جمهور الدرجة الثالثة فإننا نجده يرقص ويغني ويصرخ، ويلوح بالأعلام، أشهر شخصياته هو "ريعو" وهو الذي كان يقود الهتافات في المباريات وقد قدمته السينما بطلا في فيلم "إشارة مرور" وقام بدوره المطرب محمد فؤاد، ومؤخراً قامت النجمة عبلة كامل بهذا الدور، "هتيفة" الدرجة الثالثة، واشتهرت بعبارة "خدوا ستة رايح، خدوا أربعة جاي" تقصد نادي الزمالك.
الدخول إلى مدرجات الدرجة الثالثة بسعر قليل لا يرقى إلى سعر مدرجات الدرجة الأولى، لكنهم حين يدخلون يجعلون المباراة تتحرك، منهم تنطلق التعليقات التي تبقى زمناً، ومن الممكن أن يحددوا مصير المباراة، هم الذين يلقون الطوب والورود، وقد تسببت طوبة ألقيت في مباراة تصفية كأس العالم بين مصر وزيمبابوي في نهاية القرن الماضي في خروج مصر من التصفيات.
المباراة والكرة ليس لها طعم بدون مدرجات الدرجة الثالثة، هؤلاء الذين يصنعون البهجة ويعطون الحياة بهجتها، ربما لأنهم جزء أساسي من هذه الحياة.
السبنسة
هل تذكرون قطار الصعيد الذي احترق عام 2002، هذا الذي راح ضحيته المئات من الصعايدة العائدين إلى بلدانهم في العيد يحملون فرحة صغيرة، وملابس لأولادهم، ونقوداً قليلة تقيم أود أسرهم بعد أشهر طويلة من العمل الشاق في القاهرة، الحقيقة أن الذي احترق هو عربات الدرجة الثالثة حاملة كل هؤلاء البشر.
هذه التي تخلو من أي ملمح آدمي، رغم أنها تضج بالحياة الإنسانية، عربات قطار الدرجة الثالثة التي لا تصلح للاستخدام الآدمي والتي لا توجد بها أي خدمات، تضج بالحالات الإنسانية بالذين يريدون السفر، بالذين يعودون إلى بلادهم بعد سنوات طويلة، بالذين لا يملكون نقودا ويحاولون أن يتهربوا من المحصل، بالذين يسافرون من قراهم البعيدة إلى العاصمة وقوفاً، لأنه لا توجد مقاعد لهم، بالذين ينامون في الأرفف التي توضع فيها الحقائب.
تختلط رائحة العرق في عربات الدرجة الثالثة بالزحام بمئات الأحلام اليافعة، وآلاف الأحلام المجهضة، بباعة الخبز والفلافل، والبيض والجرائد الصفراء التي تباع بربع سعرها الحقيقي.
ملايين القصص الإنسانية تحملها عربات الدرجة الثالثة، وعربات السبنسة هذه التي يهرب فيها من لا يملكون نقوداً فقط يملكون رغبتهم في السفر، في الحلم، في التحقق.
السبنسة آخر عربات القطار لكن من يركبونها يعلمون بأن يكونوا في أول القطار أحياناً ينجحون، وفي أحايين كثيرة يفشلون، ويعودون إلى قراهم في عربات الدرجة الثالثة.
الدرجة الثالثة في مصر هي مأوى المهمشين، مأوى قطاع كبير من المصريين يدخلون السينما الترسو ويستمتعون بأفلامها، ويشجعون فريقهم المفضل من مدرجات الثالثة، ويسافرون ويعودون إلى أوطانهم في قطارات الدرجة الثالثة وهم راضون بحياتهم، وكأنهم يقولون: لا عزاء للبرجوازيين.



#محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يضحك العالم العربي علي خيبته؟
- الانقلاب : الطريقة المثلى للحكم في العالم العربي
- الحرب العالمية الثالثة
- أرصفة القاهرة : هامش الحياة حين يصبح متنا
- هكذا يلعب الفن بالأشياء
- ناجي العلي: ليه يا بنفسج تبتهج وانت زهر حزين
- بطرس غالي ينتظر بدر البدور
- في فلسطين يحتفلون بالأعراس حول فناجين القهوة
- الحياة بالأبيض والأسود


المزيد.....




- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو زيد - الحياة في مصر ثلاث درجات.. أشهرها الدرجة الثالثة