أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو زيد - الحياة بالأبيض والأسود















المزيد.....

الحياة بالأبيض والأسود


محمد أبو زيد

الحوار المتمدن-العدد: 1222 - 2005 / 6 / 8 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


ضغطة على زر الكاميرا من إصبع صغير في يد الواقف خلفها وينتهي الأمر.. لا، ليست هذه هي راندا شعث، لان المصورة الفلسطينية المصرية راندا شعث لا تفعل هذا. راندا تظل تعلق كاميراتها في رقبتها تدور بها في أحياء وشوارع وأزقة ـ وأسطح أيضا ـ القاهرة بحثا عن بسمة مفتقدة، عن ضحكة وسط ركام الفقر، عن مصباح يكاد نوره ينفد، لكي تعطي أملا لعيون مترقبة متلصصة، راندا تظل أياما تبحث عن زاوية التصوير، وعن اللقطة التي تقول شيئا قبل أن يقترب إصبعها المتردد من زر كاميرا التصوير.
راندا تحب أن تصور الحزن، أن تقتنصه في العيون، في النظرات في الخطوات، حتى لحظات البهجة، وتحب أن تلتقط الأمل وسط ركام الدمار والخراب، ربما لهذا تفضل راندا أن تكون صورها باللونين الأبيض والأسود لأنها ترى الدنيا حيادية، لا تحتمل كل هذه الضجيج الصادر عن الألوان.
راندا شعث، المصورة الفلسطينية الأصل، وابنة الوزير الفلسطيني نبيل شعث، والتي اختارت القاهر ترى بين عيون أطفالها الذين تحب أن تصورهم دائما أملا جديدا لمستقبل قد يكون أفضل.
راندا التي ولدت في يناير 1963 من أب فلسطيني وأم مصرية وعاشت حياتها في مصر 7 سنوات من طفولتها التي قضتها في لبنان قالت لي أنها طوال عمرها تحب التصوير، وان أباها اشترى لها كاميرا وعمرها 7 سنوات وظلت سنين طويلة تصور في الرحلات العائلية وفي الحفلات، لكن عندما أرادت أن تدرس فضل والدها أن تدرس شيئاً جادا، فدرست دراسات شرق اوسطية والعلوم السياسية، ثم حصلت على شهادة الماجستير في الإعلام المرئي من جامعة مينيسوتا (Minnesota) بأميركا عام 1987.
راندا تحب الناس، وتحب الأماكن، وتحب أيضا التعرف على كليهما. وتقول أنها وهي صغيرة لم تكن تعرف كيف تتكلم، وكيف تعبر عن رأيها بالكلام لذلك قررت أن تبحث عن وسيلة أخرى للتعبير عن أحاسيسها وأفكارها ووجدت أن التصوير وسيلة مناسبة، ولذلك هي تحرص دائما على ان يكون في الصورة رأيها وإحساسها تجاه الأماكن والناس. ومن اجل هذا أيضا لا تصور إلا في بلدها الذي عاشت فيها، وترفض التصوير في البلاد التي تزورها، لأنها لا تحس بها، لأنها لم تعش بين أحيائها ومنازلها وتقول: «اشعر أن الملصق سيعبر عن هذه الأماكن السياحية أكثر مني، والصورة اعبر بها عن الإنسان في كل المواقف، وارصد كيف يستطيع أن يتكيف مع الصعاب، ويتغلب عليها. الصور لا بد أن تقول شيئا، لابد أن توصل إحساسا وأنا لست ضد أن تكون الصورة جميلة، لكن لابد أن تقول شيئا، تحكي شيئا، وأنا أحب تصوير الناس أكثر من الأماكن، وهناك كتاب لي عن القاهرة الإسلامية، كان يفترض أن أصور المعمار، فصورت كيف يعيش الناس حوله ومعه، فرأيي أن المكان والمعمار هم من قاموا به، ومن صنعوه، ومن أعطوه روح الوجود».
تفضل راندا أن تكون صورها بالأبيض والأسود، فالألوان في رأيها لابد أن تستخدم لإضافة معنى، وليس لمجرد الاستخدام، فهي قد تكون مبهجة أكثر من اللازم، أو تزحم الصورة، أما التركيز في الأبيض والأسود، فهو تركيز على الصورة نفسها، «ولأني أحمض واطبع بنفسي فأنا أستطيع أن أغمق الصورة أو افتحها، وبالتباين بين الأبيض والأسود، أضيف إليها معنى آخر».
وتعمل راندا شعث مصورة في جريدة «الأهرام ويكلي» المصرية، وترى انه لا بأس في الجمع بين الفن والصحافة وتقول «أنا لا أصور خبرا مباشرا، والبشر في حياتهم اليومية بأهمية أن يوقع الرئيس على اتفاقية بأهمية أن يفرح إنسان عادي لدخول المياه الى بيته، ولا أؤمن ان الفن للفن، بل اشعر أنه لو استطاع أن يعطي ولو إحساسا، ولا اقول: ان يعلم، فهذا شيء جميل، وأنا لا اغير طريقة عملي سواء في الصحافة أو في غيرها، لا يهمني ان يتقبل الناس عملي الصحافي على انه فن أم لا، لكن احرص على توصيل قيمة الفن من خلال الصورة الصحافية، فالبورتريه لابد ان يعطي للمتلقي شيئا مهما، والصورة تقول شيئا لا تستطيع ان تقوله الكتابة أو على الاقل فهي مكملة للموضوع الصحافي، لكن للاسف فصحافتنا المصورة متأخرة ولا تهتم بفنية الصورة».
ورغم ان راندا هي ابنة الوزير الفلسطيني نبيل شعث الا انها ترى ان ذلك لا يعني شيئا لديها فقط سوى انه رباها جيدا، وعلمها، وانها فخورة بما يفعله، لكنها في النهاية فخورة بأنه أبوها، مع ان المسؤولية يجب ان تكون لدى أي انسان يملك ضميرا حيا.
عندما سألت راندا، لو أردت الآن تصوير وجه وطنك فلسطين، فكيف سيكون؟ قالت في حزن: «سيبدو لي حزينا ممزقا، في الماضي كان هناك امل يسري في الناس أما الآن فالناس يريدون أن يعيشوا فقط، الناس يريدون أن ترجع إليهم آدميتهم، والأطفال يريدون أن يذهبوا إلى مدارسهم دون أن يُقتلوا وأنا منذ 3 سنوات لم استطع أن اذهب، وتنهدت في مرارة: «وجه الوطن أصبح ممزقا تماما».
لكن راندا الفلسطينية المصرية العربية المسلمة كما تعرف نفسها لا يهمها ان ترصد ماذا قدمت لفلسطين، لكن كل إنسان في رأيها يستطيع ان يكون نقطة مفيدة في محيط الانسانية، وان يحارب بطريقته. وتسترجع راندا ذكرياتها، وتعود قليلا الى الوراء في مقعدها، وتردف «لم يكن بامكاني الذهاب الى فلسطين قبل عام 1994 ولم يعد بامكاني الذهاب بعد عام 2001، ولكن بينهما قمت بأول مشروع كبير في فلسطين، وتم بعد 5 سنوات من السلطة الوطنية، وكانت هناك اشياء تحدث في البلد، مدارس تبنى، ومستشفيات، ثم عملت مشروعا عن الحدود الصعبة فصورت الحدود بين فلسطين واسرائيل، ودرست في ورشتي عمل في غزة ورام الله للمصورين الفلسطينيين.
حكت لي راندا ايضا عن مشروعها للتصوير التوثيقي وان الإنسان عندما يمكث في مكان ما لمدة اطول، ويتعرف على الناس بشكل اكبر، ستكون الصور أفضل، حتى البورتريهات، فهي عندما تذهب لتصوير احدى الشخصيات تظل تدور حول الشخصية التي تصورها للجريدة طويلا وتسأل الشخصية أسئلة بغرض استكناهها، وان كانت لا تعرفها تقرأ عنها وفي النهاية تكون الصور بعد اكثر من جلسة مع الشخصية. فالمهم ان تكون الصورة معبرة عن الإنسان. وأكثر جملة تحب راندا أن تسمعها ممن تصوره هي (هذا انا) حيث تعني انها التقطت شيئا له معنى، ربما الحياة ذاتها .
الصورة اذن تقوم بدور توثيقي مهم مثلها مثل كتاب التاريخ، مثل لحظة نختزنها في ذاكرتنا ونسترجعها في لحظة الفرح، والحزن، والحب ايضا. وهو ما فعلته حين قامت بتوثيق جزيرة الذهب في قلب النيل، التي يسكن فيها صيادون، وفلاحون فقراء، بدون اية اوراق تبنت ذلك، ولا توجد عندهم اي خدمات، ولم يلتفت احد اليها إلا عندما لفتت نظر احد رجال الاعمال واراد تحويلها الى مكان سياحي، راندا ذهبت وعاشت عاما كاملاً وسط هؤلاء الناس، رصدت تاريخهم احزانهم، افراحهم، قلقهم، حقهم في الحياة، ارتباطهم بهذا المكان، وثقت بهذه الصور حياتهم في الجزيرة، وكأنها أوراق رسمية.
ولا تعرف راندا اذا كانت عدستها تنتمي الى الواقعية السحرية أم لا، ربما لانها لا تستطيع ان تقيم عملها، لكنها تعرف جيدا انها تحب الناس الذين تصورهم، وهم ايضا يفرقون ويعرفون الذين يتفرجون عليهم من الذين يتفرجون معهم على عذابات الحياة. هم يعرفون من يحبهم ومن لا يحبهم، وربما لهذا ارتبطوا براندا، واعتبروها ابنتهم، وسفيرتهم التي تحمل مشاكلهم الى صفحات الجرائد، والى قاعات المعارض. راندا قالت لي ان استثمارها في الحياة هو حب الناس، معرفتهم، وان عملها يعطيها الفرصة لان تزيد من هذه المعرفة، وتعود لتقول أنها لا تدري اذا كانت كاميراتها تنتمي للواقعية السحرية أم لا، ولكنها متأكدة تماما من أن رؤاها وأحلامها وأساطيرها الخاصة، وذكرياتها، وثقافتها وحكايات جدتها وهي صغيرة كل هذا يخرج في صورها التي تلتقطها.
هل هناك جمال في الفقر، وهل يبدو الفقر جميلاً، أم ان الألفة التي تخلفها لدينا صور راندا شعث هي التي تجعلنا نشعر بذلك، أم لأن راندا ذات النصفين (الفلسطيني والمصري) والتي عانت كثيرا في حياتها، عندما تذهب الى افقر مكان، تبحث عن أجمل شيء فيه، وهو الإنسان. نعم، هذا صحيح، وهي تقول إنها لا تبحث عن الفقر، ولا تبحث عن شخص فقير تأسى له، بل تبحث عن المناطق الفقيرة عن قوة الناس، فالناس الفقراء لديهم استراتيجيات أيضا لمقاومة مصاعب الحياة، وقوة عزيمة تساعدهم في التغلب على الصعاب التي تحيط بهم، وهذا هو ما تنبهر به، وما تحاول ان تظهره في صورها وقد يبدو المكان فقيرا ومتواضعا، لكن الناس يحولونه بآمالهم الى مكان جميل.
بعد ساعة من الحديث مع راندا شعث قالت لي ان الصورة تعبر عن جزء منها، عن رأيي، وقالت: «لا تصدق من يقول لك ان الصورة محايدة، فاختيار المكان والاضاءة، والشخصية، وزاوية التصوير.. كل هذا لا يوجد به أي حياد، الكاميرا آلة مستفزة، ومخيفة، وأنا شخصيا- الكلام لراندا هنا ـ أخاف منها لكنها تعبر عني، وتحمل أفكاري الى العالم.
راندا تعرف أيضا أن الحزن لا يكتب، لكن من الممكن تصويره وهو يطل من عيني طفل، في نظرة اسعد الناس. راندا ترصد الواقع بمرارة، بجدية، فكم أنت مؤلم أيها الواقع



#محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو زيد - الحياة بالأبيض والأسود