محمود الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 4930 - 2015 / 9 / 19 - 05:56
المحور:
الادب والفن
بيروت، صيف العام 1982
الحصار مطبق على غرب المدينة، ومنافذ البحر، أيضاً، مقفلة.
حدّثني، فقال:
بحلول المساء، تصاعد القصف الاسرائيلي على "محور المتحف" واشتدَّ أواره، فتحسَّبنا لحدوث محاولة اختراق.
اختارونا خمسة من بين رماة الآر.بي.جي. في الكتيبة، فحمل كل واحد جعبة ثلاثية على الظهر وقذيفة رابعة مع القاذف في اليدين، ثمّ نُقِلنا في مركبة مكشوفة الى ميدان سباق الخيل. هناك نصبنا الكمين.
قضت التعليمات بأن نكمن بهدوء وصمت، وبأن لا نشارك في القتال الدائر تجنُّباً لاكتشاف مخبئنا، وبأن لا نطلق قذائفنا إلاّ على آليّات تتسلّل.
بعد منتصف الليل، أخلى مقاتلونا "حاجز المتحف" وتراجعوا عن المحورالى الطوابق العليا في المباني القريبة ذات الشُرُفات المطلّة على كورنيش المزرعة، وتقطّع ردُّهم على الغزاة، ثمّ تلاشى شيئاً فشيئاً حتى خَمَد، إلاّ من تلك الرمايات العشوائية التي تتردد من مسافات بعيدة بما يوحي بتقهقرهم عن خط المواجهة.
مضت ساعة، أو أكثر، في شبه سكون ثَقُلَت خلاله الأنفاس في صدورنا، وتفتَّحت آذاننا على دعسات النمل، واخترقت أبصارُنا الظلامَ المهيْمن لتتعقَّب أيَّ ظلام قد يتحرّك. سكون سكنّاه بين شطري الدنيا والآخرة.
بلغ مسامعنا من الجانب الشرقي لخط التماس صرير دبابات ال"الميركافاه" وهي تتحرك. وبعد لحظات اقترب منّا حفيف الجنازير على الكورنيش ، ثمَّ جاوَزَنا غرباً باتجاه مطعم "أبو النوّاس" ومطعم "الماندرين" على مدخل فردان الجنوبي. وتكرر الحفيف كل نصف دقيقة تقريباً، يمرّ بنا ويغيب، الى أن صار في حوزتنا رتْل تموضع على امتداد الشارع، فقصفنا مؤخّرته لكي نسدّ عليه طريق الإنسحاب.
أعطبنا الدبابة الأخيرة، فشبّت بها النيران. عندئذٍ دبَّ بهم الذعر. صار صرير الجنازير يتصاعد، والمحرّكات تجأر بالهدير، والمدافع تدور بأبراجها وتنطلق عشوائيا. وقعوا في الفخّ. وصرنا، بدورنا، نذخّر القواذف، ونتعقّب الآليّات المتقهقرة، ونطلق: كلّ مَنْ حاول منهم الفرار من "الميركافاه" أرداه رجالنا الكامنون على الشُرُفات، وكلّ مَنْ بقيَ في داخلها اصطلى بأتونها.
وهكذا دواليك حتّى مطلع الفجر.
#محمود_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟