أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الخولي - الصعلوك 2















المزيد.....

الصعلوك 2


طارق الخولي

الحوار المتمدن-العدد: 4927 - 2015 / 9 / 16 - 18:55
المحور: الادب والفن
    


لم يكن في الغرفة غير مكان صغير خال من الجرادل، صغير بمقاس كتفي، في تلك اللحظة شعرت برطوبة الدم الذي رشح من قميصي الممزق المهترئ، في كل مره أنظر من شباك الغرفة، واختلس اللحظات كي أحظى بالقليل من الراحة، لم تر عيني غير تلك الأبنية الشاهقة الارتفاع، وخلفها صحراء قاحلة ،وتلال ورمال تشع وهجا ٬-;-عندما تضربها حرارة الشمس المحرقة ، تمر الدقائق كالسنوات ،ودرجات السلم تئن من قدماي المهملة. اختلس النظرات ﺇ-;-لى عم إسماعيل ،كان الأمل يراودني في كل مرة، أن يقول لي استرح قليلا، ولكنه كان غائبا، شاردا مع أصوات سكاكين المعجون باصطكاكها مع الحائط، يغرق في العمل ساعة، واخري مع المهندس عمار، يتجادل معه في همس، ويلوح بيده في الهواء تارة، ويتجهم وجهه تارة، ثم يتركه مغمغما.
الان ..الشمس ضعفت واضمحلت ،تنوي ككل مرة أن تقبل الأرض راحلة، كفتاة انهكها الفراق،غاب عنها الحبيب،انتظرته كثيرا، ولم يأتي..قبل الرحيل فرضت جحيمها، واحرقت رؤوس كتب عليها الشقاء تحت وهجها، لم يجرؤوا علي الفرار من سطوتها، فان لهيبها اهون من صراخ الجوعى، وخواء البطون، كلما اطلقت بصري وجدت وجوه بائسة ،تقلصت قسمات وجوهها، وهي تمشي في تململ كمشية الثمل،نعم،كمشية السكران..... ها هي هناك..تتواري شيئا فشئا خلف التلال،تختبئ ..حمراء ،الان هي كفتاة تتوسل ،لم تعد كما كانت متسلطة وعنيده، ستنتهي في غضون لحظات وتذوب الي عالم اخر، وتترك ملتهم الفؤاد ليحل مكانها، انه الليل،تساءلت بعقلي المحدود،ماذا سيكون الليل في مكان كهذا؟..جال في ذهني كل ما مضي من سنواتي الغابرة،وأين كنت أمس،وماذا قالت أمي وأنا أنظر من تلك النافذة المطلة علي ترعة صغيره ذات مياه راكده،وأشجار الصفصاف تراقص النسيم وتشدوا شدوه، وتتدلى علي سطح المياه في رسوخ،وسنابل القمح مد البصر،واشجار التوت البعيدة بدت صغيره ومتعانقه،لم تكن الشمس كما اعرفها من قبل،غدت مختلفة وغريبة،طالما كنت انتظرها كل يوم ساعة رحيلها وقت الغروب،لكنها هنا ترحل خلف التلال،لا خلف الأشجار المورقة كما هناك،خلف الأشجار كانت تحدثني وتبتسم لي،هي كما امي الحنونة،تتطبع الاف القبل علي خدي،وتتحسس راسي في وداعه،وتوهبني نصائح متشابهه كل صباح..انت الان أصبحت رجلا..وكثيرا ما كان يقطع ابي تلك اللحظات بصوته الاجش..ولم يقتصر الامر الا ببضع صفعات او اقزع الكلمات،ثم دموع امي المتتاليه،وماذا اذا؟..يبدوا فقط انه تبدلت الأماكن،ولكن الجحيم مازال قائما،الي سجن عم إسماعيل ومئات الجرادل،انه إرهاب ولكن من نوع اخر... الان..حل الظلام،وقالها عم إسماعيل،كفي..هكذا قال في غضب،بينما الثلاثة يجمعون اشياءهم،ثم نزلوا مهرولين الي مبني اخر ،وكل واحد منهم يلتفع فوطه حول عنقه،وخرجوا بعد ما يقرب من ساعة،بشعر مبلل،والقطرات تتساقط من أجسادهم،بينما نحن ننظف الغرفه التي ستؤوينا،كان فيها قليل من الورق وكثير من أكياس القمامه،بدون باب ولا نوافذ،والهواءيسفحها من كل جانب،وكيف لا وهي مصممة للاسترخاء،وكنت أتساءل،لم لم يكن لعم إسماعيل بيت كهذا؟..انه يسكن بجوارنا في منزل قديم متشقق الجدران،الي الان لم يطليه بلون مثل تلك الألوان الفاقعه التي اراه يطليها في اكثر من منزل عندما كنت امر عليه مع ابي وهو في عمله،الي الان لم يكن بمنزله غير اثاث معدم متهالك ،وحتي الحصير الذي يفترش الأرض كان به بعض الخرق،مما جعل الأرض ظاهرة من تحته،كانت الأرضية طينيه جافة،لقد ظل عم إسماعيل طيلة حياته كحمار العنب،عليه ان يحمله فقط،حتي انه لم يفكر يوما في ان يتذوقه. جلس عم إسماعيل وسط الغرفة وامامه أسطوانة غاز من الطراز الصغير،الذي يصلح لطهي الطعام،وبجانبه الثلاثة جلسوا،الأول يقشر البطاطس،واخر يقطع الطماطم،واخر ينتظرليقوم بالطهي،واشعر ان عم إسماعيل قد سرق تلك الحصير التي نجلس عليها من منزله ،فهي تشبهها تماما فقط في كثره الخرق،ولكن هنا يظهر من تحتها الرمل،الرمل يفترش الغرفة تمهيدا للبلاط. كنت اجلس في زاويه الغرفة،علي حقائبهم الممتلئة بالاغراض ،ملابس داخلية،وخارجية،وبعد الطعام الطازج،بصل وارز وبطاطس،وهناك من يجلب معه مشط ومراه وبعض علب مرطبات الشعر ،وبعد ان ينتهي من الاستحمام في بعض الأبنية،ويرتدي ملابسه يشرع في تصفيف شعره،وينظر في المراه ،وكانه علي موعد غرامي،ايقنت بعد ذلك اننا نتجرع الذل والمهانة،دون ان نعلم،ربما لأننا لم نري العدل والكرامة،فاصبحت المهانة شيء الفناه ،لم نعرف طعم المرار حتي نعرف الحلو،لم نقدر السعادة،حتي نتذوق الهموم،هناك دائما معادلة،في كل موقف وكل جملة وكل كلمة،بل وكل نظرة توجد خلفها معادلة وقانون،لا شيء يسير عبثا..ثم التفت الي عم إسماعيل،وانا اغفوا،ثم اصحوا علي بعض حديثهم ،لا اعلم لماذا كانوا يتكلمون بصوت عال،اجفاني تنغلق رغما عني،وراسي تتساقط وتهبط كلما غبت عن العالم،صحوت علي بعض الكلمات ،مثل حلم،لابد انه صوت عم إسماعيل: -انزل هات شوية طفش عشان نسد الباب والشباك عشان الهوا والرطوبه. قلت : -انا خايف الدنيا ضلمه. قال مطاطئا رسه: -احنا قصادك لو فيه حاجه اصرخ،يلا عشان نتعشي اما تيجي. كانت هناك ردهه طويله،كاحلة الظلمة،ولكن كسر هذه الظلمه نور المصباح الخافت المضئ في الغرفة،فارتسم الضوء بابا،والسلم في اخر الردهه من الجهة الأخرى ،مشيت متعجلا،انظر في كل الاتجاهات بعين لائجه،لقد طرد الخوف النوم سريعا،لم اعد اشعر بالنعاس،نزلت درجات السلم اتحسسها باطراف قدمي،رفعت كفي قرابة عيني ولم اراها،فكيف ساري طفشا (الطفش هو قطع من الخشب القديم طولها لايتعدي المتريستخدمه النجارون في اعمال الخرسانه المسلحه )خرجت في الفناء،ابحث عن القمرفي صفحة السماء،لقد غاب،وغابت النجوم،فقط سحب سوداء تركض خلفها سحب،في سرعة غريبة،ثم تظهر بضعة نجوم،فتضئ الفناء بضوء خافت،ثم تتواري تلك النجوم خلف سحابة فتبتلعها،فيظلم المكان مرة اخري،انتظر لبضع ثوان حتي يأتي الضوء،ثم انظر هنا وهناك،امشي حريصا الا ابتعد واضل المكان،ها هي كومة من الطفش حملت حزمة منها وادرت وجهي الي حيث اتيت،ربما احلم،هذا المشهد لم اعتد عليه من قبل،اراه فقط في احلامي،شيئا يبرق هناك،ربما هي عينا قط..اقتربت قليلا،انه قط اسود ،،تلمع عيناه كلما ومضت نجوم،ينظر لي بعين ثابتة،ثم يقترب،اما انا فلقد تجمدت قدماي،لم استطع الصراخ،اخذ يحوم حول قدمي ، اشعر بنعومة فروته،يمشي اذا مشيت ويقف اذا توقفت،نملت يدي فسقط ما فيها،جاء ضوء اخرسقط مباشرة علي القط الأسود فاختفي في حينها،ركضت علي درجات السلم المظلم صعودا،يخيل لي انه يركض خلفي،ولكني لم اظن للحظه انها الحقيقة......



#طارق_الخولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقليه الشاعر
- الصعلوك
- دوله من ورق...
- بقايا رجل


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الخولي - الصعلوك 2