أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعود سالم - عن الذباب والذئاب والندم














المزيد.....

عن الذباب والذئاب والندم


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4926 - 2015 / 9 / 15 - 12:52
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


" لا نرغب في شيء ما لأنه جيد، ولكن هذا الشيء جيد لأننا نرغب فيه " هذا القانون البسيط والذي صاغه سبينوزا بهذه الصورة يبقى مع ذلك معادلة مبهمة وغير قابلة للفهم من قبل العديد من المواطنين الذين تعلموا في المدارس والمساجد والجامعات المختلفة وكونوا ثقافتهم العامة من خلال شاشات التلفزيون والجرائد المحلية أو العالمية أن الأشياء "جيدة" أو "سيئة" في ذاتها بغض النظر عن علاقة الإنسان بها. وحقيقة الأمر أن رغبة الإنسان وإرادته وقصديته هي التي تضفي صفة الجودة والرداءة والجمال والقبح على الأشياء، التي بطبيعتها مجرد أشياء منغلقة على ذاتها ومحايدة. وبالتالي إذا حاولنا توسيع هذه المقولة البسيطة لتشمل أيضا المواقف والأحداث التاريخية، فقد يساعدنا ذلك على فهم هذه الأحداث ورؤيتها من زاوية مغايرة وجديدة. وعلى سبيل المثال، الوضع السياسي الراهن في بلدان ما يسمى بالربيع العربي، والذي يمكن تسميته "الكابوس العربي - الإسلامي"، فإن هذه "الثورات" هي أحداث "جيدة" ولا يمكن الندم أو الأسف على حدوثها أو الحنين إلى أوضاع سابقة، بل أنها توصف بالعظيمة والتاريخية والبطولية … فرغم الكوارث الناجمة عن هذه الأحداث ورغم العنف والدماء والأشلاء والحرائق والمذابح والتشريد، ورغم الرعب والخوف والخسائر المادية والبشرية والحضارية للمجتمعات المعنية، فإن ثوراتها "جيدة" ورائعة وناجحة، لأنها تعبيرمضيء عن "رغبة" عارمة في الحرية، لأن شعوبها أرادت هذه الثورات ورغبت في التغيير لمدة عقود طويلة من الزمن. وهذه الإرادة وهذه الرغبة هي التي جعلت هذه الثورات ضرورية ولا مفر من القيام بها، وتعطيها في نفس الوقت صفة الشرعية والقداسة. ولهذا فنحن نتفهم اليوم كل هذه الأصوات التي ترفض النقد الذاتي وترفض تحليل هذه الأحداث وترفض النظر إلى الوراء خوفا من إكتشاف مجموعة من "الحقائق - الأكاذيب" المروعة، والتي كانت تخبئها بسذاجة تحت الحصيرة، وتواصل بعناد تسمية الإنقلابات المسلحة بالثورات الشعبية والأنظمة الدينية تنعت بالديموقراطية، لأن الشعب هو الذي كان يرغب في ذلك. ولكن هناك خلل منطقي بسيط في هذا التطبيق الميكانيكي لمقولة سبينوزا على الجتمعات التي نتحدث عنها هنا، لأن الشعب كما تعودنا أن نعرف هو "الجميع" ولا أحد في نفس الوقت. فحتى لو افترضنا ان الفيلسوف لا يتحدث فقط عن حالات فردية وخاصة وأنه يمكن تطبيق هذه البديهية على كتل جماعية، فإنه بطبيعة الحال من السهل القول والتأكيد بأنني "كفرد" أرغب في هذا الشيء أو ذاك، بطريقة لا تدع مجالا للشك. بينما يكاد الأمر يكون مستحيلا عندما يتعلق الأمر بعدة ملايين من الناس وفي ظروف شديدة البلبة والغموض والتعمية الإعلامية. والسؤال الذي يمكن طرحه ثانية اليوم، حيث أنه لم يسمعه أحد عندما طرحناه منذ أربعة سنوات نتيجة الطرش والعمى الجماعي في ذلك الوقت : هل الشعب الليبي -مثلا- كان يرغب في الثورة على الدكتاتورية العسكرية التي تسيطر على المواطنين منذ أربعين عاما؟ وهل الشعب السوري كان يرغب في الثورة على الجزار الذي يحكمه؟ وهل الشعب المصري كان يرغب في الثورة على العائلة المالكة المصرية؟ لن نجد إجابة أخرى سوى "نعم" والتأكيد أن هذه الشعوب كانت لا تريد فقط تغيير شيئ ما في هذه الأنظمة، وإنما التخلص منها إلى الأبد. إن رغبة هذه الشعوب في إسقاط هذه الأنظمة كانت "الحجة" الرئيسية للترويج للتدخل العسكري الأمبريالي في المنطقة وجلب "الديموقراطية" التي نتمتع بها اليوم في الحقائب الدبلوماسية - في الواقع هي صناديق وحاويات دبلوماسية - للطبقة الحاكمة منذ أربعة سنوات ويزيد. غير أنه اليوم هناك العديد من المواطنين الذين راجعوا الأحداث، وأعادوا الشريط إلى الوراء وأكتشفوا أنه لا أحد يستطيع أن يؤكد، لا نقول بنزاهة أو بصدق، وإنما بدقة علمية ورياضية أن هذه الشعوب - بأغلبيتها ـ أرادت إسقاط هذه الأنظمة. بالأحرى اكتشفوا اليوم أن ما يسمونه بالشعب هو في الحقيقة "شعبين" وربما أكثر من ذلك. بطبيعة الحال كان هناك "شعب" ممن يريد الحرية والعمل والكرامة والخدمات الصحية والتعليمية لأولاده وبناته، ومئات المواطنين دفعوا بحياتهم ثمنا لهذه القناعة ولهذه الرغبة في حياة حرة وكريمة. ولكن لايجب مطلقا أن ننسى الجانب الآخر من المعادلة، أي الشعب الآخر، والذي يريد نفس الشيء ودافع عن هذه الأنظمة ودفع بدوره حياته ثمنا لقناعته. وهو أمر طبيعي أن لا نعرف بدقة ,ان نقرأ الأحداث من جانب واحد، فطبيعة النظام لا تسمح بإقامة إستفتاء شعبي لمعرفة نسبة الراغبين في الثورة ونسبة الذين يريدون الدفاع عن النظام. ولذلك فإن أقلية قوية ومسلحة تستطيع أن تكون الشعب بكامله في عدة أيام، وتستحود على رغبة الشعب في التغيير وتقوم بالعمل نيابة عنه، ويعود الشعب إلى صمته الأول، وربما يتمتم بينه وبين نفسه بأنه لا يريد شيئا في نهاية الأمر سوى أن "يعيش" وأنه يستطيع أن يستغنى عن الحرية والديموقراطية التي لن تفيدانه في شيء. ولذلك فإنه ليس غريبا أن ترتفع أصوات اليوم تشعر بالندم وتعض أصابعها وتقارن بين الديموقراطية التي قدمها ساركوزي وكاميرون هدية لصديقهم الديموقراطي الرجعي الشيخ عبد الجليل وزمرته، وبين ديكتاتورية القذافي ونظامه الفاسد، ومعرفة من هو أكثر فسادا. أو بين النظام المصري لعائلة مبارك وبين ديموقراطية العسكر الجديدة، أو بين نظام الأسد ونظام داعش لمعرفة من هو الأكثر دموية .. غير أن هذه المقارنات لا تنفع ولا تضر وإنم تجعل المواطن يعيش حالة من الندم مثل سكان "آرغوس"، المدينة التي تفوح منها رائحة الموت ويحتلها الذباب، غارقة في الندم والشعور بالخطيئة ويطاردها شبح آجاممنون المغتال في مسرحية سارتر.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى من يهمه الأمر .. خذوا آلهتكم ومدرعاتكم وغادروا
- حدود العقل .. 13 - الموت
- حدود العقل .. 12 - الفن
- حدود العقل .. 11 - العقل المنفصم
- حدود العقل .. 10 - العقل الإنتحاري
- حدود العقل .. 9 - الحلقة المفرغة
- حدود العقل .. 8 - العقل الغيبي الأوروبي
- حدود العقل .. 7 - العقل الغيبي
- المختصر في أخبار الكابوس الليبي
- حدود العقل .. 5 - الإيمان
- حدود العقل .. 5 - اللغة
- المختصر المفيد في أخبار ليبيا
- حدود العقل .. 4 - الحجر
- حدود العقل .. 3 - السيبورج
- خرائب الوعي .. 27 - لماذا هناك أي شيء؟
- حدود العقل .. 2 - الجسد
- جدلية السيد والعبد
- حدود العقل .. 1 - الإنسان
- الإنسان حيوان قاتل - حل الجيوش هو الحل
- الجريمة والعقال 6 - العلم ضد التربية


المزيد.....




- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعود سالم - عن الذباب والذئاب والندم