أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الجواهري - محاكمة آخر وأول الزمان















المزيد.....

محاكمة آخر وأول الزمان


حمزة الجواهري

الحوار المتمدن-العدد: 1354 - 2005 / 10 / 21 - 07:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في مشهد اختلطت به مشاعر الفرح والشماتة بالرغم من أن الجميع كان يردد "اللهم لا شماتة" توقدت من جديد مشاعر الغضب عند رؤية الجلاد وهو يستهتر بالمحكمة، ويشير بإصبعه القذر للقاضي، ويسأل من أنتم؟ كأنه بهذه الإشارة قد أعاد للأذهان تاريخا طويلا من الجبروت والظلم والتهميش لمعظم مكونات الشعب والتنكيل بها واستباحة مقدراتها من خلال حكم ما عرفت البشرية مثيلا له بالهمجية والدموية وكل ما هو غريب عن الإنسانية.
قد يكون الاحتلال غير شرعي وفق المعايير بعض الأخلاقية، لكن احتلال العراق قد جاء بناءا على قرار دولي شرعي، وانتهى أيضا بقرار دولي، لكن المهم هو ما ترتب عليه، فهو الشرعية بعينها، لأن العراقيين بدمائهم قد اختاروا نظامهم بكل حرية رغم العقبات التي وضعها بطريقهم دول الجيران وفلول النظام المقبور، وهكذا كل ما ترتب عليه كان شرعيا بكل ما للكلمة من معنى، فالعراق قد أقام حكما مؤقتا من العراقيين وفق قانون تمت صياغته بأيد عراقية ليقيم بعد ذلك الشرعية الحقيقية يوم توجه أكثر من ثمانية ملايين نحو صناديق الانتخابات ويختاروا ممثليهم، متحدين بذلك جميع أنواع الإرهاب البعثي والسلفي الذي صدره ودعمه جيران السوء. لكن الذي كان يعترض على شرعية المحكمة هو صدام بشحمه ولحمه النجس، وليس شخصا آخر، بالرغم من أننا لم نكن نتوقع منه غير هذا الادعاء والصفاقة وقلة الأدب، فهو صدام بصفاقته العجيبة!! لأنه بلا شك يعرف كل ما فعل، لذا لم يكن يتوقع النجاة خصوصا بعد أن تأكد من تصميم الناس على رؤيته وهو يهتز معلقا والحبل في رقبته، وهذا أقل ما يتمناه الشعب العراقي له، لذا لم يكن متوقعا من صدام التصرف مع الشرعية بأسلوب مؤدب، فإن أقل ما يمكن توقعه من دكتاتور مهزوم هو الطعن بشرعية المحكمة والإساءة للقضاة، لكنه وكأي جبان، سرعان ما تخاذل وأذعن للمحكمة وأقر بأنه يوكل المحامي خليل الدليمي، وهذا بحد ذاته إقرار ضمني بإجراءات المحكمة وشرعيتها.
قانون المحكمة كتب بأيدي عراقية وأقرته الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة وهي سلطة تشريعية كاملة الشرعية، فالقانون الذي أصدره بريمر والذي تأسست بموجبه المحكمة قد حل محله هذا القانون العراقي البحت، والمحكمة عراقية، جميع القضاة عراقيين، أتموا تعليمهم في الجامعات العراقية، وحصلوا على شهادة القضاء من العراق. ولكن ليس غريبا على صدام أن يعتبر النظام الجديد غير شرعي، والمحكمة غير شرعية، لأن هذا المخلوق يفهم المعايير بغير ما نفهمها نحن، فهو لم يرى بالشعب إلا قطيعا وعليه أن يقوده على النحو الذي يراه صحيحا، وهو لم يدرك لحد الآن أن نظام البعث لم يكن شرعيا، وإن كل ما بني على ذلك خلال الخمسة وثلاثين عام، كان غير شرعي أيضا، ومن لا يعرف أن نظام البعث وصل للسلطة عن طريق انقلاب عسكري؟ ومن قبلهم كان حكم الأخوين أيضا غير شرعي لأنه جاء على أعقاب انقلاب عسكري أيضا، وقبله كان حكم البعث الدموي الأول لم يكن شرعيا هو الآخر، بل نظاما مجرما بكل ما للكلمة من معنى، فقد أغرق العراق بالدم وملئ أرضه سجونا ومقابر، ولم يكن حكم عبد الكريم قاسم يختلف من حيث الجوهر عن باقي الأنظمة التي تقلدت السلطة بانقلاب عسكري، بالرغم من أنه كان نظاما منصفا مع الطبقات الأوسع في العراق، وكذا، على هذا الأساس، لم يكن الحكم الملكي في العراق شرعيا لأنه جاء كنتيجة للاحتلال البريطاني عام 1914 ، وإن الملك لم يكن عراقيا وقد تم تنصيبه من قبل الإنجليز، وهكذا جميع الحكومات التي سبقت وجميع الحكومات العربية حاليا غير شرعية لأنها جاءت على أعقاب احتلال أو إنها جاءت بانقلاب عسكري أو اغتصابا للسلطة من الحكام الشرعيين.
الغباء العربي يطلب من القضاء العراقي أن يتنازل عن حق العراقيين وعن كرامته والقبول بالإهانة التي يوجهها له العرب على أنه فاقد الشرعية في حين هم من فقد الشرعية في كل شيء، حتى زواجهم سفاح، لكننا سوف نعود لهذا الموضوع في مقال آخر.
فأي شرعية يتحدث عنها صدام؟ ربما سمع ذلك من المحامين العرب الذين أفرغوا الكلمات من معانيها، كرؤسائهم الذين قلبوا معاني الأشياء رأسا على عقب لكي يتمكنوا من البقاء في السلطة. ولكن للتاريخ والحق إن صدام هو من علم الجميع معنى النفاق السياسي والدجل، فالشرعية بنظره أن يكون هو القانون، كما كان يقول أو يفعل! والبناء في نظره خراب العراق! وتشريد أبناء العراق في المنافي هو بناء للإنسان! وملئ السجون بهم هو الحرية لأبناء الشعب! وهزائمه المذلة والمتكررة انتصارات للعراق! ونزقه ورعونته حكمة! والنزاهة بنظره نهب ثروات البلد هو وأقاربه وأزلامه وتوزيع الباقي منه هبات لمن يتستر على جرائمه من العربان وغيرهم! والرفاهية هي أن يعيش الموهوب العراقي براتب قدره دولار واحد شهريا، وأي معنى لم يقلبه صدام؟ وكأني به قد وضع القاموس العربي أمامه ليقلب معانيه بالكامل، كلمة بعد أخرى. فلم تشذ مفردة "شرعية" عن باقي المفردات؟!
كان القاضي الذي مثل أمامه صدام كورديا، ليحاكمه على جريمة كان ضحاياها جميعا من العراقيين العرب، وهذا المشهد فيه رمزية ورومانسية رائعة، لكن مع الأسف لم يكن القاضي صارما مع المجرمين بشكل كافي، بالرغم من أن البعض قد أعتبر سلوك القاضي بأنه سعة صدر وأدب جم، وهو فعلا كذلك، ولكن قلوب العراقيين حرى ومكلومة، وكان عليه أن يثلج هذه القلوب بشيء من الشدة والصرامة معه حين رفع إصبعه النجس بوجه القاضي ليتهم المحكمة والنظام بأنهم غير شرعيين، عسى أن يكون صارما في الجلسات القادمة ويقطع تلك الإصبع حين يرفعها مرة أخرى، لأن صدام، وكأي جبان، لا يفهم هذا الأمر على أنه أدب جم أو سعة صدر، أبدا فهو يعتبره ضعفا، وسوف لن يتورع عن توجيه الإهانة للمحكمة في الجلسات القادمة.
كان المشهد خارج المحكمة مهما أيضا، فقد كشف عن النفاق السياسي للواجهات التي كانت تدعم النظام، فقد شاهدنا في تكريت، مسقط رأس الدكتاتور، مشهدا مهما للغاية، ذكرني بكل تلك السجالات والمناظرات عن الظلم الذي وقع على الشعب العراقي من نظام البعث، وتلك الطروحات التي كانوا يتهربون بها من الحقيقة المرة وهي أنهم قد استمرئوا طائفية وعنصرية النظام وبنوا إمبراطوريات مالية ضخمة وتمتعوا بنفوذ السلطة وألقها، ويوم سقط النظام وأصبح باستطاعة المظلومين الحديث عن مظالمهم وحجم الدمار الذي أصابهم، تصدت لهم أبواق البعث وراحوا يزايدون على عرب الجنوب والكورد بأن الظلم الذي أصابهم لم يختلف كثيرا عن باقي مكونات الشعب، والعبارة التي كثيرا ما ترددت خلال الفترة السابقة منذ سقوط النظام وحتى الآن هي "أن النظام ظالما في كل شيء، لكنه كان عادلا في توزيع الظلم على أبناء الشعب العراقي" لكن مظاهرات تكريت التي خرجت وهي ترفع صور الدكتاتور وتردد الهتاف الدموي "بالروح بالدم نفديك يا صدام"، هذه المظاهرات قد كشفت عن الزيف وحجم الكذب والنفاق في تلك العبارة. وكذا كشفت زيف الادعاء الفارغ والنفاق السياسي لنفس الفئة وهم يدافعون عما سمي بالمقاومة، ودعاوى مقارعتها للاحتلال، في الوقت الذي مفتأت صواريخها تتساقط على مدارس الأطفال! لكن بقى هناك جانب مهم وصادق وجميل من ذلك النفاق السياسي، ألا وهو الاعتراف القوي والصريح من قبل من كان يستأثر بالنفوذ والسلطان بأن نظام البعث كان ظالما فعلا، ولم يستطع أحد إنكار ذلك، وهذا هو الموضوع الأساسي للمحاكمة. فالمحكمة إذا مهمة لفتح الملفات التي مازالت مغلقة ولم نعرف عما تحتويه إلا القليل.
كان العراقيين والعالم أجمع ينتظرون على أحر من الجمر، لكن خيبة الأمل الأولى هي إننا لم نكن نسمع وقائع الجلسة بشكل واضح، فهل فرغ العراق من مهندسي الصوت؟ أم إنهم يخشون الظهور أيضا كما اختبأ القضاة ليتركوا القاضي الكوردي رزكار محمد أمين والقاضي رائد جوحي كبش فداء لهم بحجة الخشية من الإرهاب؟ فكل ما نتمناه هو أن نراهم في الجلسات القامة.
سلبيات الجلسة الأولى لم تكن قليلة، لذا أرى أن تتم مراجعة الأداء وتشخيص السلبيات لكي تكون فعلا محاكمة العصر، لأن جرائم هذا الوحش ليست قليلة ولا ضحاياه قليلون، ولا القضاء العراقي حديث العهد بهذه المهمة المقدسة.
ولنا حديث آخر عن هذه المحاكمة



#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرافضة للدستور، هم الرافضة لخروج المحتل
- لا يحق للكويت منفردة تطوير حقولها الشمالية
- ميلودراما تحرير العراق من العراقيين
- لابد من وضع النقاط على الحروف
- الجوهرة المفقودة هي البديل الثالث للعراقيين
- قراءة متأنية لتصريحات علاوي في عمان
- يخطأ للمرة الثالثة والعراق يدفع الثمن
- أنا لا أدين الحيوانات المفخخة
- مهمات أمام القوى الديمقراطية في العراق
- الدستور وثيقة توحد العراق وليس العكس
- النفط في الدستور- عدالة التوزيع وأداة لوحدة الوطن
- النفاق البعثي وسجية الأعراب
- الأهداف الحقيقية وراء رفض النظام الفدرالي
- لا تقتلوا الشهداء مرة ثانية، فمنْ قتلهم هو البعث
- دستور أم غابة دستورية؟
- إنا أهديناك النجدين ......
- النفط في الدستور- حل ربما يرضي الجميع
- الهوية العراقية في مسودة الدستور
- محاولة تغيير قانون الانتخابات في خمس دقائق
- يا وزير الكهرباء، المشكلة لها جوانب اجتماعية أخرى


المزيد.....




- قدمت نصائح وإرشادات للمسافرين.. -فلاي دبي-: إلغاء وتأخير بعض ...
- -شرطة الموضة-.. من يضع القواعد بشأن ما يُسمح بإرتدائه على مت ...
- رئيسي لبوتين: إيران لا تسعى للتصعيد في الشرق الأوسط
- إسرائيل.. إصابات جراء سقوط مسيّرتين أطلقتا من لبنان (فيديو + ...
- إسرائيل تغلق الطريق رقم 10 على الحدود المصرية
- 4 أسباب تستدعي تحذير الرجال من تناول الفياغرا دون الحاجة إلي ...
- لواء روسي: الحرب الإلكترونية الروسية تعتمد الذكاء الاصطناعي ...
- -سنتكوم-: تفجير مطار كابل عام 2021 استحال تفاديه
- الأمن الروسي يعتقل مشبوها خطط بتوجيه من كييف لأعمال تخريبية ...
- أوكرانيا تتسبب بنقص أنظمة الدفاع الجوي في الغرب


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمزة الجواهري - محاكمة آخر وأول الزمان