أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - سهاد ضاهر ناصيف - العنف الجنسي وأجساد النساء والكولونيالية الإسرائيلية الإستيطانية – الجزء الأول















المزيد.....

العنف الجنسي وأجساد النساء والكولونيالية الإسرائيلية الإستيطانية – الجزء الأول


سهاد ضاهر ناصيف

الحوار المتمدن-العدد: 4905 - 2015 / 8 / 23 - 15:25
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    




-نادرة شلهوب كيفوركيان، سارة حمود، سهاد ضاهر ناصيف

” لم يقوموا فقط بإقتحام منازلنا، وسلب الحيز الخاص بنا، وطردنا، بل قاموا باعتقالي واقتيادي إلى قسم الشرطة في منطقة المسكوبية. وتم وضعي في الغرفة رقم 4 لوحدي لفترة طويلة. حتى جاء ضابط شرط ضخم وطويل البِنية ودخل غرفة التحقيق. كنت لوحدي وكنت أرتعدُ خوفاً خاصة عندما أغلق الباب، وبدأ يحرك الأشياء في الغرفة من حولي ويتفحصني من رأسي حتى أخمص قدمي. لقد أرهبني تماما، حيث كان قلبي يخفق بسرعة. وكانت عيناه تهتك جسدي، بينما كان يبحث عن شئ ما في الأدراج. بعد ذلك غادر الغرفة ليعود بعد خمس دقائق يحمل في يديه صندوقاَ. أخرج منه زوجاً من القفازات الزرقاء، ووضع واحدا على كلتا يديه بينما كان ينظر إليّ قائلا: ” اقتربي مني “. واجبُ عليّ أن أقول أنني كنت أرتعد خوفًا عندما اقتحموا منزلنا وطردونا منه. وكنت متوترة وقلقة جدا عندما اعتقلوا ابني. لكن خوفي، جلّ خوفي من أن تتم الإساءة إلي، أن يتم اغتصابي بيديه الزرقاويتين وأكثر من ذلك ربما، كانت تلك أكثر اللحظات رعباً في حياتي. ”



كاننت تلك كلمات سما، البالغة من العمر 36 عاماً، والتي فقدت الشعور بالحميمية والحيز الشخصي الذي اعتادته في منزلها الذي سُلب منها، من أجل أن تتعرض لتجربة من التهديد بالإساءة الجنسية لاحقا. إن رواية سما ليست بشاذة، فهي كإمرأة تعيش تحت ظل الإستعمار وتخضع لحالة متردية من الحرمان والتهجير فهي معرضة لإعتداءات يومية تِجاه جنسانيتها وحقوقها الجسدية. فالعنف الجنسي يعتبر مركزياَ في التشكيلِ العام للقوة الإستعمارية، فهو آليتها العنصرية للإستبداد والسيطرة، وركن من أركان منطقها الخاص بإقصاء الآخر. وهذا أمر بالغ الوضوح في التاريخ الإستيطاني في أي حالة إستعمارية، حيث هذه الآلية العنفية تستهدف تحديدا جنسانية النساء المواطنات الأصليات وأمانهنّ الجسدي بصفتهن ” أعداء داخليين ” ينظر لهنّ كمخلوقات حيويّة فقط بما إنهن منتجاتٌ للأجيال القادمة.

إن الكولونيالية الإستيطانية كبِنية وليست كحدث، تعمل من خلال منطق الإقصاء والذي يهدف لمحو وجود السكان الأصليين من على منطقة معينة وهو ما يعتبر غير قابل للإختزال في المنطق الكولونيالي الإستعماري. فهذا النوع من الكولونيالية إحلالي وتدميري، يهدف من خلال محو السكان الأصليين بشكل دائم من أجل إحلال مستوطنين ومجتمع ونظام إستيطانيّ جديد. ولقد دار جدل بين الأكاديميين بخصوص كون المنطق الكولونيالي الإستعماري قد يؤدي إلى مجازر بحق السكان الأصليين. ففي شكلهما الأوروبي، قام المنطق الكولونيالي الإستيطاني والمذابح أيضا بالإعتماد وتوظيف ” القواعد المنظِّمة للعِرق ” في منطقهما الخاص. فمنذ نشأة الدولة اليهودية ضُمِّن هذا الكيان في هذا المنطق الإستيطاني العِرقي. حيث يقوم هذا المنطق بتأسيس صورة للفلسطينيين على أنهم ” الآخر الخطر ” في مقابل اليهودي-الأبيض. وكما ذكر العديد من الكتاب، أن هذا المنطق العنصري كان موجودا في أذهان المفكرين الصهاينة الأوائل وفي أيدولوجيتهم الإستشراقية والتي أطّرت اليهود كحَمَلة للحضارة الأوربية في وجه الثقافة المتخلفة والرجعية في المنطقة. فمشروع ” تحديثي ” أو ” حضاري ” هو مهمة اعتمدت على مخيال صهيوني يقول بخصوصية للعامل اليهودي، والذي يقوم بزراعة أرض جرداء وقفر، ويصنع من هذه الصحراء أرضاً مزدهرة ومُخضرّة. لقد قام القادة الصهيونيون الأوائل بتأصيل ومأسسة الخرافة الصهيونية التي تقول ” أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض ” من خلال تطهير عرقي ممنهج للفلسطينيين في عام 1948. فالكيان الصهيوني ما زال يمارس طرد الفلسطينيين حتى الآن. فالمجزرة التي قام بها الكيان في قطاع غزة في شهر يوليو – أغسطس من عام 2014، وسياسات القبضة الحديدية القمعية التي تستهدف الفلسطينيين المقدِسيّين حتى وقت كتابة هذا المقال، كل هذه الوسائل إنما هي أساليب حديثة يستخدمها الكولونياليون المستوطنون لطرد الفلسطينيين حيث هم السكان الأصليين.

إن استهداف أجساد النساء الفلسطينيات وجنسانيّتهن، الذي نناقشه هنا، لهو عاملٌ بنيوي في تركيبة المنطق العنصري الخاص بالمشروع الإستيطاني الكولونيالي الإستبعادي للآخر الفلسطيني. فلطالما كان الإغتصاب والأشكال الأخرى من العنف الجنسي تجاه النساء الفلسطينيات عاملا من عوامل محاولات الدولة الكولونيالية الإستيطانية لتدمير واستبعاد الفلسطينيين من أراضيهم. وبالإضافة للإغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخرى ، يقوم المنطق العنصري للعنف الجنسي بتنشيط المخيال الصهيون والمشروع الإنتزاعي للأراضي الفلسطينية وتنميتها، وتحويلها لمجتمع يهودي. ومن هنا فإن حديثا عن العنف الجنسي ليس مُضمّناً في الممارسات الجنسية وفي سياسات الدولة الصهيونية فحسب، ولكن أيضا في طبيعة العنف الكولونيالي الإستيطاني ذاته.

ونحن كنسويات فلسطينيات، نؤكد على أن المخيال حركة الصهيونية لإختراق الخصوصية واستيطان الجسد الفلسطيني لا ينفصل عن المشروع الاستيطاني للأرض الفلسطينية، ومحو وجود السكان الأصليين من عليها. نقوم هنا ببناء منطقنا الخاص على أساس تأكيدات الأكاديمية أندريا سميث القائلة بأن المنطق العنفي للكولونيالي الجنسية ” يؤسس الأيدولوجيا القائلة بأن أجساد المواطنين الأصليين بطبيعتها قابلة للإنتهاك، وبالتالي أراضي هؤلاء السكان الأصليين قابلة للإنتهاك والسلب “. وهذا المنطق العنفي الكولونيالي الجنسي هو ما نجعله محوراً في تحليلنا للنكبة المستمرة لشعبنا. فنحن نتقفى أثر العنف الجنسي هذا، في شكله التاريخي وشكله الحاضر بصفته آلية واضحة وخفيّة، للبطريركية الكولونيالية تجاه المجتمعات الأصلية في فلسطين. فمنطق العنف الجنسي يهدف إلى تشظية العائلة الفلسطينية والحياة المجتمعية، كونها تشكل قناة الإتصال بالأرض الفلسطينية. إن المشروع الصهيوني بطبيعته مبنيٌّ على تدمير الجسد الفلسطيني والأرض الفلسطينية، وذلك لا ينفصل عن المنطق الكولونيالي الإستبعادي. فالعنف الجنسي ليس ببساطة منتج ثانوي للكولونيالية، ولكن “الكولونيالية ذاتها تتشكل من خلال منطق العنف الجنسي”.



العنف الجنسي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين منذ النكبة

إن فهم الهجمات المكثفة على أجساد النساء الفلسطينيات في وقت تزايد الهجمات من قِبل النظام الإستيطاني الكولونيالي يستدعي تحليلاً نسوياً. تحليلٌ يجعل من النكبة نقطة انطلاق التحليل. فإسرائيل شُيدت على أطلال الأراضي الفلسطينية التي دمرتها، على آلام أهلها، وعلى آثار هجرتهم. وقد بُنيت أيضا على حساب الأواصر الإجتماعية المدمرة، وانتهاك حرمات منازلنا وأجسادنا.

فقتل وإغتصاب النساء الفلسطينيات كان عاملا مركزيا في نظرة الجنود الإسرائيليين ومجازرهم الممنهجة وتهجيرهم للفلسطينيين أثناء تدميرهم للقرى في 1948. ففي مجزرة دير ياسين على سبيل المثال:

تم جمع سكان القرية جميعهم في ساحة القرية. حيث تم صفّهم في صفٍّ واحد تجاه أحد الجدران وإطلاق النار عليهم. وكانت إحدى شهود العيان ذكرت أن أختها، والتي كانت حاملاً في شهرها التاسع، تم إطلاق النار عليها في عنقها من الخلف. ومن ثم قام المعتدون عليها بفتح بطنها بالسكين الخاصة بمحلات الجزارة وإخراج الجنين من بطنها. وعندما حاولت إحدى الفلسطينيات أخذ الطفل تم إطلاق النار عليها. وتم أيضا إغتصاب النساء أمام أطفالهن قبل أن تتم تصفيتهن وإلقائهن في بئر ساحة القرية.

وكان ديفيد بن غوريون مثله مثل أي زعيم صهيوني، ناقش وبشكل مفتوح إغتصاب وتعريض النساء الفلسطينيات للعنف الجسدي في مذكراته في عام 1948. وفي ذات التوقيت كان قد دعى وحرّض إلى قتل النساء الفلسطينيات والأطفال، باعتبارهم خطراً على المجتمع اليهودي الإستيطاني، أيضا قام بتسليم جائزة لكل أم يهودية تنجب الطفل العاشر. وقد حرصبن غوريون على أن الوكالة اليهودية لا الدولة هي من تشرف وتحفّز على عمليات ” كثرة الإنجاب ” من أجل ضمان إقصاء العرب من فلسطين. هذا التصنيم والتقديس لمفاهيم الخصوبة جعل الفلسطينيين – النساء منهم بالتحديد – هدفاً لخطاب قومي يسيّس تناسلهنّ بشكل حاد. فبالنسبة للصهاينة، النساء الفلسطينيات كنّ دوما، وسيظلّون كما رأينا في عدوان غزة الأخير، أهدافا لآلة القتل الصهيونية.

وكانت قد أقترحت الأكاديميات النسويات أن الدولة الصهيونية تقوم بتحشيد العنف تجاه أجساد النساء الفلسطينيات وجنسانيتهنّ من أجل تقوية البُنى البطريركية المحلية لتساعدهم في طرد الفلسطينيين من أراضيهم. أضف إلى ذلك تفشي عسكرة الإساءة الجنسية تحت الإحتلال الإسرائيلي. فلقد قامت الدولة الإسرائيلية وقواتها العسكرية باستغلال وتوظيف خطر العنف تجاه النساء الفلسطينيات، وقامت بتوظيف التصورات البطريركية للجنسانية ومفاهيم الشرف من أجل توظيف بعض الفلسطينيين كمتعاونين مع الإحتلال خلال الإنتفاضات ومن أجل ردع أي محاولة لإيجاد مقاومة منظمة. هذه الممارسة كانت تاريخياً منتشرة لدرجة أنها اكتسبت لفظاً خاصاً بها بالعربية وهو “الإسقاط السياسي” ويعني ذلك الإساءة الجنسية للفلسطينيين من أجل أهدافٍ سياسية. وما زالت أجهزة دولة الإحتلال الأمنية مستمرةً في إستخدام الهويات الجنسية للفلسطينيين والمفاهيم الإستشراقية للـ”الثقافة العربية” من أجل تجنيد المتعاونين وتشظية المجتمع الفلسطيني. وكانت المخابرات العسكرية الإسرائيلية، الوحدة 8200، قد كشفت من قبلُ هذه عن الحقيقة.

إن الأغتصاب الفعلي والمجازي الرمزي لأجساد النساء الفلسطينيات، يتم تأطيره بأنه جوهرانياً مُجاز وممكن من قِبل الكيان الصهيوني، وأنه من صلب البنى التي تكون ذات المنطق الخاص بالعنف الجنسي الذي يجعل من المشروع الكولونيالي الإستيطاني ينشط ويستمر في انتهاك ومصادرة والأراضي من الفلسطينيين.



#سهاد_ضاهر_ناصيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...
- دراسة: النساء أقلّ عرضة للوفاة في حال العلاج على يد الطبيبات ...
- الدوري الإنجليزي.. الشرطة تقتحم الملعب للقبض على لاعبين بتهم ...
- ” قدمي حالًا “.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة في الب ...
- دراسة: الوحدة قد تسبب زيادة الوزن عند النساء!
- تدريب 2 “سياسات الحماية من أجل بيئة عمل آمنة للنساء في المجت ...
- الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري
- -اغتصاب الرجال والنساء-.. ناشطون يكشفون ما يحدث بسجون إيران ...
- ?حركة طالبان تمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - سهاد ضاهر ناصيف - العنف الجنسي وأجساد النساء والكولونيالية الإسرائيلية الإستيطانية – الجزء الأول