أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نور العذاري - عندما يبكي الوطن














المزيد.....

عندما يبكي الوطن


نور العذاري

الحوار المتمدن-العدد: 1350 - 2005 / 10 / 17 - 05:00
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


وبكى الوطن.. وضع يديه على وجهه وبكى.. يوم أمس كانت بغداد مدينة للأشباح.. الصمت الرهيب يملأ المكان.. حتى الهواء فشل في أن يحصل على بطاقات حرية الحركة لأنه لم يكن من أقرباء السيد الوزير فقرر الذهاب إلى بيته وأغلق الباب.. الشوارع خالية إلا من ضوء القمر وأوراق الأشجار اليابسة المنحنية على الأرض إجلالاً لمجيء الخريف، السلطة الأعلى التي تسلب الأشجار رونقها.. فتحيلها من مبتسمة خضراء إلى كئيبة حزينة صفراء كقرية خيم عليها الجوع والمرض... يوم أمس ظننت أن ملكاً من ملوك الجان دخل إلى بغداد فضرب النوم على أهلها الذين لا يكفون المتعة والمرح رغم آلامهم وجراحهم.. إنهم أناس طيبون بسطاء أخذوا الحياة من جانب البهجة والمتعة بتناسي الجراح وإسدال الستار عليها.. لم أكن اعلم أن الجميع كان ينتظر ولادة الوطن في صمت رهيب.. لم أكن اعلم أن بغداد تلك المليحة الحسناء كانت تتزين لهذه الولادة الجديدة.. لم أكن أتوقع أنها ستبدو بهذا الشكل.. أنها مميزة فعلاً كامرأة ارستقراطية من العهد القديم.. لم تكن علاقتي بها على ما يرام.. خصوصاً في الأيام التي خلت.. كنت أظن أنها طائشة وغير مبالية.. لم أكن اعرف أنها كنز من الحنان ومعطف يقي العراق من البرد.. وحلقة وصل بين ثلوج الشمال وشمس الجنوب حيث تتجمع مياه دجلة الخالد على محيط خصرها الذي تدور حوله العصور.. حين التقيت بها وجهاً لوجه في جلسة خاصة قبل فترة ليست ببعيدة أبديت لها امتعاضي فقابلتني بابتسامة تفيض عذوبة ومحبة.. لم أكن اعرف أنها لازلت مراهقة في الألف من العمر.. بغداد يا بغداد.. يا جميلة الجميلات.. كم أنت جريئة وشجاعة رغم انثوتك الساحرة التي تسلب لب الرجال.. يوم أمس.. كنت قد توقعت كل شيء.. حين عم السكون وخيم الظلام على مدينة تلبس السواد حزناً على أبناءها الذين يحرقون كل يوم بنار الطائفية المريضة.. وتبكي دماً حين تقدم النذور والقرابين لآلهة الحرية التي لا زلت بعد متعطشة لدمائنا من اجل أن تمنحنا بعض الطمأنينة والسلام.. توقعت كل شيء إلا أن تدخل بغداد إلى حجرتها لتضع عنها ثوب السواد.. الكل في صمت رهيب.. اليوم ولادة الوطن وبغداد ترتدي أجمل ثيابها احتفالاً بالمولود الجديد.. لقد بدت بغداد اليوم فتاة في العشرين من عمرها.. مميزة في كل شيء.. تسريحة شعرها.. فستانها الليلكي المشرشح المنزوع الأكمام.. احمر شفاهها وعطر الروش الذي اغدقته على نهديها.. ذلك الغنج والدلال الذين أبدتهما وهي تخرج من شرفتها فتنحني شمس الله بخشوع لتقبل جبنها العالي.. خرجت بغداد رغماً عن انف الطغاة الذين يشحذون خناجرهم وزبد الشهوة يتقاطر من أفواهم لاغتصابها... تحدتهم وخرجت لتشهد ولادة الوطن... جلست على ضفاف دجلة الخالد والقمر يبعث بضوئه الفضي اللامع في مياه دجلة لتظهر صورته جنب صورتها فيغطي وجهه بيديه خجلاً من جمالها.. في شارع أبي نؤاس جلست بغداد على ضفاف دجلة في موعد مع القدر.. وهب النسيم.. كان عليلاً يحمل دفئ شفتيها ورائحة التبغ المحروق... واستيقظ الناس على بكاء الوطن.. كان يبكي.. يضع يديه على وجهه ويبكي.. لكنه بكاء الفرح.. فرحاً بالولادة الجديدة.. وبغداد تتراقص على ضوء النجوم.. انه يوم الفرح.. اليوم خرج الجميع ليلبوا نداء الوطن.. إنهم لم يخرجوا ليلبوا نداء مرجع أو رجل دين اخرق يريد الطائفية أو زعيم حزب سياسي أو دين متشرد وضائع مع شلة من القرود لا تفقه شيئاً عن الوطن.. خرج الناس اليوم ليروا بغداد وهي تلبس ثوباً ابيض كعروس خرافية وتركب على صهوة جواد ابيض يطير بها بين السحب التي تدفعها العواطف.. ذهبوا ليضعوا الحناء على أصابعهم.. أنها حناء من تراب الفاو معجونة بمياه دجلة الخالد ومخلوطة برائحة البلوط من شمال العراق.. اليوم تحدى أبناء العراق الإرهاب.. خرجوا رغم كل شيء ليقولوا نعم للعراق.. رغم طائفية الدستور المقيتة وعرقيته التي تسبب بها حفنة من العملاء الذين ساهموا في كتابته باملاءات خارجية من تلك الجارة أو تلك مقابل رزم من الدولارات تليق بتلك العمالة.. قبلوا الدستور رغم انف الطغاة الحاقدين لينقذوا الوطن الجريح الذي يتقطع ألماً على أبناءه وهو يبتسم لهم رغم الألم.. فكم هو رائع وعظيم هذا العراق.. حين خرجت بغداد بثوب العرس الأبيض لك أكن لأتوقع حجم الهدايا التي ستقدم لها.. أهديت لها حناء من تراب الفاو وزهور من جبال كردستان العراق ممزوجة بدبكات كوردية وهلاهل عربية.. كانت بغداد سمراء من الجنوب.. تملك عينين ولا أجمل منهما.. مكتحلتين من صنع بارئهما.. وكانت ترتدي ثوباً ابيض من جبال كردستان العراق صنعته الأيادي الكوردية التي أنفلها الطغاة مع إكليل من الغار على رأسها كأميرة أسطورية من عهد الرومان.. دماءنا اليوم تبذل لبغداد فهي تستحق التضحية بالدماء.. لقد عشقناها وعشقنا هذا الوطن.. ونحن حينما نحب.. نحب إلى قطع الرقبة.. أما نكون مع من نحب أو لا نكون.. أحببنا بغداد حباً أسطوريا لا يليق إلا بمدينة أسطورية ومتميزة كبغداد.. وأحببنا الوطن.. وأحب الوطن كلينا.. وبكى من شدة الفرح.. ابتهاجاً بالولادة الجديدة.. لطفل إذا قدر له أن يعيش ويتعافى من مرضه فسيكون أمل العرقيين في بناء وطنهم.. لذلك.. اليوم.. ومنذ أكثر من أربعين عاماً.. رغم القهر والظلم والألم.. رغم الإحباط بالولادة الجديدة.. دقت طبول الفرح.. رقصت مياه دجلة وعانقت الفرات على أنغام ضوء النجوم.. وأضرمت النيران كما في نوروز وتعالت دبكات كردية في أعلى الجبل حيث تفاخر كوردية هنا وأخرى هناك البدر بجمالها.. وفي الجنوب.. رقصت الشمس مع الجنوبيات وهن يضعن الكحل على تلك العيون التي لم تعرف النوم يوماً من شدة الجوع والفقر والمرض والألم.. فهل رأيتم وطناً يفرح بأبنائه كالعراق.. وهل رأيتم امرأة أجمل من بغداد تفقد أبناءها وهي تغني للآخرين مواويل عراقية لئلا تحزنهم.. فمبارك لنا بهذا الوطن العظيم وهذه المدينة التي تضيء سمائها رغم ظلام الحاقدين.. مبارك لكل كوردي وعربي.. شيعي وسني ومسيحي.. تركماني وصابئ ويزيدي هذه الولادة الجديدة.. وسحقاً لمن يريد النيل منا.. فنحن شعب لا يقهر..



#نور_العذاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في معبد القدر
- الممثلون -1
- عندما يبيع الوطن الوطن- هوامش على مقال ( المحامية بشرى الخلي ...
- بين جسر الأئمة وخطبة يوم الجمعة وصوت امرأة تنتفض نحو الحرية ...


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نور العذاري - عندما يبكي الوطن