أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ياسين العوني - شذرات على هامش الشهادة















المزيد.....

شذرات على هامش الشهادة


ياسين العوني

الحوار المتمدن-العدد: 4896 - 2015 / 8 / 14 - 22:41
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


I- شذرات على هامش نبأ الشهادة

الأربعاء 13 غشت 2014.
1- لم تكن انتفاضة الشليحات (الواقعة مابين العرائش والقصر الكبير) قد وضعت أوزارها، حين تعرفت على الشهيد مصطفى مزياني. كان قد جاء بمعية
الرفاق للمشاركة في القافلة التضامنية مع
السكان المنتفضين حينذاك ضد واقع التهميش والبطالة وضد واقع استغلال أرض هي من حقهم من طرف رأسمالي جشع، وفر له النظام كل مايحتاجه من تسهيلات لتزيد المعاناة بين آباء يئن أبناؤهم وأحفادهم من وطأة الأمراض الجلدية والحشرات الفتاكة وبين أمهات لم تجدن من بد من إرسال بناتهن للعمل في معامل طنجة (وربما أشياء أخرى). جاء مزياني ليس للتضامن المبدئي وحسب، بل لتجسيد الموقف وللتأكيد على ضرورة التشبث بالأرض بما هو تأكيد على طرح المقاومة، مقاومة الطفيليات السياسية التي تقتات على آهات الشعب، مقاومة الاستغلال الرأسمالي، مقاومة النظام، لقطع دابر التبعية والعمالة والوساطة التي ترهن خيرات شعبنا البطل لأطماع الامبريالية. هذه هي التربة التي ينمو فيها عود مزياني ورفاق دربه، تربة المقاومة.
2- أمام مكتبتي المتواضعة، وقف مصطفى يتأمل، وعيني على عينيه، في ترقب ساخر، للكتاب الذي سيقع عليه ويظفر به ويغنمه. أخبرته أن أغلب الكتب التي أمامه قد اقتنيتها من القلعة الحمراء التي حصنها الرفاق، حيث كل المتون مفروشة على طول ساحة الشرف، أخبرته أنني اقتنيها بالثمن الزهيد الذي فرضه الرفاق، خلال الأيام التي ينظمها الرفاق، ويحج إليها من كل حدب وصوب جل الرفاق، أخبرته بكل ذلك... فأدى به عشقه ونظره لرواية "وليمة لأعشاب البحر". أردت فقط أن أراه لأسأله إن كان لا يزال يحتفظ بها، فبعد ذلك اليوم توالت الهجمات وضربات الغدر والإخلاءات والاقتحامات والاعتصامات بتوالي النضالات البطولية في القلعة الحمراء، هل يا تراه قد احتفظ بها؟ أظن ذلك.
3- وأنت في خضم صوم الموت، بما كنت تحس يا رفيق؟ ما طبيعة اللحظة الفارقة التي أخرجتك من الحياة إلى الموت ومن الموت إلى الخلود؟ هل كانت حركة أم سكونا؟ سما زعافا أم ترياقا بارئا؟ قل لنا فلم تخبرنا سعيدة ولم ينبئنا مولاي بوبكر ولا مصطفى ولا عبد الحق، رحلوا مثلك وتركوا لنا الدروس والعبر ومعادلة من الدرجة العليا بلا أي مجهول: صوم الموت، أم البطولات.
4- أرى أنك الآن ترعب أعداءك حتى بعد الشهادة، أراهم جيدا. فلن يستطيعوا الآن طرح تساؤلاتهم المشبوهة المعتادة كلما خاض الأبطال معاركهم البطولية، لن يجتهدوا في احتساب نسبة المياه المتبقية في الجسم على مدة الصوم، لقد رآك الكل مكبلا بالأصفاد والأجهزة ولم يكن هناك من يضمن لك وضعا "مريحا" أثناء ولادتك البطيئة. ماذا سيخترعون الآن من أكاذيب؟ لقد فقأت أعين الجميع لا نامت أعين الجبناء.
5- سمعت منذ مدة كلاما غير لائق بمثلك، في تصريحات الداخلية وفي التعليمات "السامية" وفي نشرة الأخبار وبكاء التماسيح ولدى "التجمع الوطني الديمقراطي لنبذ العنف" وفي لمز المتآمرين على تاريخ الشهداء، ففهمت أنك والرفاق منتصرون بقوة، فمثل هذا الهجوم الشرس والعلني لا يكون مقابلا سوى للنصر تلو النصر. وأغتنم الفرصة لأتساءل: هل يمكن في الإمكان أن يخوض "مجرم" معركة الأمعاء الخاوية حد الشهادة؟ هل يعرف هؤلاء ما معنى الموت؟ ما معنى صوم الموت؟
6- إنهم لا يفهمون: حتى لو قتلوا كل الرفاق سننتصر، حتى ولو هدموا مأوى الطلاب سنناضل ونبيت في العراء، حتى ولو اعتقل كل المناضلين الأشاوس ستستمر الحركة، فنور الحرية يضيئ دربنا أما مصدره فهو الشعب، وحتى لو قتلوا الرجال والنساء وحتى لو اقتلعوا الأرحام وحتى لو منعوا عن التربة السماد، ففي خضم القتل سيحدث الانفلات الذي يخشونه وسيولد مليون مصطفى مزياني.

7- مزياني مات... مزياني عاش.

II- شذرات على هامش الذكرى الأولى لنبأ الشهادة
الخميس 13 غشت 2015.

مزياني مات.. مزياني عاش

8- لقد التقينا عندما كان لا يزال صدى حركة/ انتفاضة 20 فبراير يعكس مجمل الهبات والانتفاضات والنضالات عبر ربوع الوطن، بداية اللقاء كانت في دائرة العوامرة باقليم العرائش ونهايته محطة القطار بالقصر الكبير، قطار امتطيته وقد
أقلع في مساره، وكنت حريصا أشد الحرص على الرجوع ولو ليلا، كنت ملتزما حتى بالتفاصيل البسيطة (أو التي قد تبدو بسيطة). أذكر جيدا حركاتك وسكناتك من أول اللقاء إلى آخره، كما أذكر الوجبة التي جمعتنا: خبز وشاي وزيتون وجبن ودردشة لطيفة وبعيدة عن حرارة اليوم الشاق إلى أن عكر صفوها تقرير "الجزيرة" عن انتفاضة الشليحات، وأذكر كم كان مقرفا أن تغدو انتفاضة الأرض بقدرة ماكر.... انتفاضة "الناموس"...

9- مرة أخرى علمتنا ورفاقك أن النضال مهنة الثوار بامتياز، وكما ينكب العامل على صنعته، وكما يمتزج عرق الفلاح بتربة الأرض، انصهرت وسط آهات أمهات مكلومات ورجال لاذوا بالغابة المجاورة، وقبل تأكيد كل الشهادات لهول الجريمة، علمتنا كيف يتلمس الثوري روائز السخط والغضب؛ فاللجوء إلى الغابة للترقب والاحتماء والتربص كان ذا دلالات عدة لدى ثوري من حجم مصطفى ورفاقه...

10- ماذا يحدث للإنسان بعد الموت؟ ماذا يحدث، خاصة إن كان هذا الإنسان مناضلا وإن كان هذا المناضل ثوريا وإن كان هذا الثوري مصطفى مزياني؟ ماذا يحدث يا مصطفى بعد الموت؟ ماذا يحدث، خاصة إن كان الموت شهادة وإن كانت الشهادة صوم الموت؟ أخالك في برزخ ترقبنا جميعا وتنتظر اللحظة التي يتصل فيها ماضينا بمستقبلنا.. أخالك، والخيال انعكاس مشروع لقلة المعرفة بالشيء، حيا بشكل مغاير للمألوف، وعموما، لا أحد عاد ليخبرنا على حد تعبير درويش، وكل ما أنا موقن به هو أن الموتى يرتاحون وأن الأحياء يتعذبون، ومن رحم العذاب يولد الجديد. وأدرك كم كنت تعشق الحياة حد الموت لأجلها وأعرف أن موتك إكسير الوطن البعيد...

11- لسنة كاملة – رفيقي- أحس بألم غريب، ألم ليس كباقي الآلام، لم يصفه أحد بعد بما يشفي الفضول، ولا أجد له اسما من بين الأسماء. أنا أب يارفيق، ولي أن أحس –بمقدار حبي لفلذة كبدي- بشيء مما أحس به أبونا محمد مزياني بعدما واراك التراب بمعية الأسرة والرفاق الأوفياء وهو ما قد نسميه "الكلم" فنقول أب مكلوم وأم مكلومة في فلذة الكبد وقرة العين. وأحس كذلك بألم كل طفل فقد أباه أو أمه في حرارة الصراع وعوادي الحياة، إنه اليتم. ولكم عشت لحظات عصيبة وأنا أشهد امرأة فقدت زوجها فترملت، وكم تأثرت في الحاضر القريب لفقدان رجل لزوجته فصار أرملا... لكنني لا أجد مسمى موفقا ومضبوطا لألم فقدانك.. إن ألم فقدان الرفيق كل هذا وغير هذا في نفس الآن.. إن ألم شهادة الرفيق يا رفيقي شيء مختلف تماما، شيء يلزمه وصف خاص، إنه وفاء للعهد ومسير على الدرب وإخلاص للقضية وذكرى لتجديد اليقين بقوانين الصراع، ومعرفة أرقى بشكل تواجد المادة، بحركة الأشياء والإنسان والعالم والطبيعة والثقافة، وشهادتك رفيقي حلقة/ تضحية في مشوار التطور والمعرفة...في تقدم الإنسانية.. كباقي شهداءنا الأبرار.

12- أقف بعد عام يا رفيقي على فقدانك، وأقسم لك أنك رافقتني بعد شهادتك أكثر مما قبل ذلك، فلم تبق أرضة في مخبئ أو حبة رمل على الصعيد إلا وعلمت طيلة السنة بولادتك قبل سنة، على أن "صناديد" كثر غادروا الركب كما التحق به شرفاء أنجبتهم شريفات الوطن-عشقك السرمدي، لازالت الأرحام تخزن النطفات إلى يوم يولدون، انطلق السهم من القوس على أية حال ولن أخونك أبدا. أراك في اليوم لمرات كي لا أفعل ذلك. هذا قسم أقسمناه فيما بيننا نحن الأحياء المعذبون وهو لك في مكانك حيث ترتاح بعد تعب طويل من أجل الحياة، ليس من أجل التسجيل بالماستر (كذا...) كما تفوه المغلطون، ولا تعتيما على جريمة مصطنعة قال أفاقون برؤية مرتكبها في كذب على الأموات، بل صونا لحياتنا جميعا، رفاقك وذويك وأبناء شعبك البطل. فلتصبح على وطن، هذه الأغنية لك وللشهداء لا لنا، نحن الأحياء، لا أصبحنا على قفة قوت يومي حتى دون نضال، فما بالك بالوطن...

13- بعد عام فهمت أنك قد ارتحت رفيقي من هذه الحياة الزائفة على درب نضالك من أجل الحياة الحقيقية لنا جميعا، وسيأتي اليوم الذي يعاد فيه تدوين التاريخ ويسمع صوت المضطهدين والمكلومين واليتامى والأرامل والشهداء ورفاق الشهداء، فليكتبوا "تاريخهم" كما أرادوا وليدبجوا نصوصهم/ المسخ وليبرموا صفقاتهم في البر والجو والبحر، وليحبكوا مؤامراتهم في الظل والمكشوف. نحن "ملاعين" الشاه والكسرى والقيصر والفرعون والنجاشي والكمبرادور، نحن "مساخيط" النظام وأزلام النظام/ أحباؤه في السر والعلن، نحن هكذا وسنبقى هكذا... كل عام رفيقي وأنت على امتداد البصر حيثما دار البصر.. أحييك بإجلال وحب، وأهديك نشيد الشهيد:

مضى عام على الآنِ //// فأنهى الدهر أحـزانـــــي
أتانا مصطفـى بالأحـْ //// مرِ الثوريّ والقــــــانــي
فــثار بقلبـه طفــــــل //// يعيــــش بقــلــب إنــسانِ
وأضحى تابل العيـشِ //// وصار كـبوح عــرفــانِ
وكان بوقــتها جســدا //// تمــدد فـوق وجــدانــــي
فأفجعــنــــي بمرقــده //// وأحـرجــني وأبــكــانــي
تهادى من على علـــمٍ //// أمام القاصـــي والدانــي
ومات كـكرمة عظمى //// كمثــــرى ذات أفـــنانِ
شهيــــــدا كيف ننساه؟ //// أننسى صوت عصيانِ؟
عريسا زفَ في نعــش //// غــــريـر القــدّ، فـتـّـانِ
غدا يا مصطفى نحيــى //// جميـــعا دون حرمـانِ
بلا تمييــــزِ "شـــوفينٍ" //// ودون "جهـادِ إخـوانِ"
رفاقك عـــروة وثــقــى //// تــدوم كحــَبِّ مرجانِ
وحتى ذلـــك الحيــــــن //// ستبقــى ملء أجفانــي
ورغــم القتــل والسجنِ //// سننــهي كل سجّــــانِ
ورغـــم الكِذب والظلـم //// سنمحق كــل بهـــتانِ
ونفضح كـــلّ مــرتزق //// بدعـوى "حقِّ" إنسانِ
يُغيــر بأرضنا العسـكرْ //// فيــلقى ألــفُ مزياني
يخــــون لعهدنا نفـــــرٌ //// ويأتي ألفُ مزيانـــي
يمــوت لشعـــبنا ولــــدٌ //// ويولد ألفُ مزيانــي

انتهي.



#ياسين_العوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الشرطة الإسرائيلية تعتقل محاضرة في الجامعة العبرية بتهمة الت ...
- عبد الملك الحوثي: الرد الإيراني استهدف واحدة من أهم القواعد ...
- استطلاع: تدني شعبية ريشي سوناك إلى مستويات قياسية
- الدفاع الأوكرانية: نركز اهتمامنا على المساواة بين الجنسين في ...
- غوتيريش يدعو إلى إنهاء -دوامة الانتقام- بين إيران وإسرائيل و ...
- تونس.. رجل يفقأ عيني زوجته الحامل ويضع حدا لحياته في بئر
- -سبب غير متوقع- لتساقط الشعر قد تلاحظه في الربيع
- الأمير ويليام يستأنف واجباته الملكية لأول مرة منذ تشخيص مرض ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف وحدة المراقبة الجوية الإسرا ...
- تونس.. تأجيل النظر في -قضية التآمر على أمن الدولة-


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ياسين العوني - شذرات على هامش الشهادة