قراءة في نص العرافة والأفعى ...للقاصة هداية مرزق (Houda Aizel)

عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 4882 - 2015 / 7 / 30 - 23:47
المحور: الادب والفن
    

قراءة في نص العرافة والأفعى ...للقاصة هداية مرزق (Houda Aizel)

النص:


أعد لنفسه متكأ وراح يحلم بعمر جديد، الثواني تمرّ سراعا، تقطف اللّحظات الجميلة لتزرع شوكا وألما... شيخ القرية يتدثر بأثقال رؤية خائب، يدور على نفسه ، يطرد الشيطان ، يلملم أطراف أسمال بالية رمتها عرّافة القرية على بابه... منذ سبعة أقمار ونجمين والرؤيا تطرق بابه كل ليلة ، يراها تجرّ قميصا بألوان البحر ، تحرق أطرافه وتتمتم ، تسلّ الخيوط من بعضها لتعيد نسجها بشكل غريب، تعقد ما بين الحاجبين ، تحل ضفيرتها ، تستخرج إبرا مختلفا حجمها ، تغرسها في القميص ، تضغط وتضغط حتى تغيب عن الوعي، ينتفض القميص بين ذراعيها ، يرتق جراحاته ويستعيذ بالله، يزحف على الجسد المغمى عليه، يلملم أشلاءه ليرحل ...
مع كل فجر تطلّ العرّافة من كوّة الباب، تجمع رماد القميص، تعدّ خلطتها السّحرية، تبعثر الودع وتجمعه بيدها اليمنى، تبعثره ثانية وثالثة ، تتّكئ بمرفقها على ركبتها وتتأمل حركة الودع، تتصنّت على حكايات ترويها ودعة مثقلة بآلامه، تمسح عليها توشوش لها بتعويذة .. تنفلق الودعة ، تتكوّر على الرمال البيضاء راسمة دوائر متعرجة، تحيطها بسلسلة سرقتها من جيده في حلم ليلة مقمرة...
شيخ القرية المتعب برؤياه يعقد اجتماعا لأعوان الإنس والجان، يتلو ما تيسّر من القرآن، يشعل الشّموع وأعواد البخور، تتراءى له بجسمها النحيل ، تتشكّل أفعى بلون النّار، تتلوى بين الشموع، تصعد جسده المتهالك، تطبق على رقبته، تعتصر آخر ما تبقّى من روحه، يعلو صوت الشيخ بالذّكر، تصدح الدّفوف، تنتشي الافعى وتعلن انتصارا برقصة هادئة ، وعيون دامعة ...
ينفتح الباب ليتسمّر الجمع وهو يرى العرّافة تغرز الإبر في رأس الأفعى ، تشقّه نصفين ، تستخرج من زاوية السّمّ عقدة من قميصه... يعلو صوت الشيخ بذكر الله، ينتفض القميص بعد نزف شديد ، يغادر الحلم إلى عالم جديد...


القراءة :


هنا تدخلنا د.هداية مرزق في نص تمزج الأسطورة مع الحكاية الشعبية مع فانتازيا وتخرج لنا نصا جميلا.يمكن أن تتعدد فيه القراءات والدلالات بتعدد الشخوص وتداخلها.
مدخل النص عام لا يذكر من الذي أعد لنفسه متكا وراح يحلم بعمر جديد هل هو شيخ القرية الذي ينتمي لعصر سابق وزمن ولى/يتدبر بأعمال رؤية خائبة/ والممعن في الخرافة إلى حد اليقين/يطرد الشيطان ، يلملم أطراف اسمال بالية/.
وربما علاقته مع العرافة مدخل مزج الحكاية بالاسطورة.فهي رمته برؤيا منذ سبعة أقمار ونجمين وهنا تدخلت العرافة بشيء محدد فلكيا بالإشارة إلى الأقمار السبعة وهي لكوكب زحل مما أحالني لكتاب شمس المعارف الكبرى لأحمد بن علي البنوني واشارته الغامضة كرؤية العرافة هنا:" للأعداد أسراراً كما أن للحروف آثاراً وأن العالم العلوي يمد العالم السفلي ، فعالم العرش يمد عالم الكرسي – وعالم الكرسي يمد فلك زحل – وفلك زحل يمد فلك المشتري – وفلك المشتري يمد فلك المريخ – وفلك المريخ يمد فلك الشمس – وفلك الشمس يمد فلك الزهرة – وفلك الزهرة يمد فلك عطارد – وفلك عطارد يمد فلك القمر – وفلك القمر يمد فلك الحرارة – وفلك الحرارة يمد فلك الرطوبة – وفلك الرطوبة يمد فلك البرودة – وفلك البرودة يمد فلك اليبوسة – وفلك اليبوسة يمد فلك الهواء – وفلك الهواء يمد فلك الماء – وفلك الماء يمد فلك التراب – وفلك التراب يمد فلك زحل في العلويات ." وما جعلني أشير إلى البنوني ما قامت به العرافة بربط الرؤية بالاسمال البالية بالقميص ونسيجها.هنا ترابط كالترابط أعلاه فهل تستند العرافة اليه؟وغرز القميص بالإبر يحيلنى إلى السحر الاسود وغرز دمية المسحور بالدبابيس وهي من السحر الاسود الكاريبي.ومع كل غرزة ينتفض القميص وتنزف الضحية.
هنا عالم السحر والعرافة يتداخل مع وشوسة ومع سلسلة سرقت في ليلة مقمرة.النص مليء بالتلغيز والاحالات قد يكون منها حكاية الأميرة التركية كز كولسي ووفاتها بلسعة أفعى.
إدخال الأفعى في الرواية والشيخ والذكر ربما تكون إحالة على واقعنا واختلاط السم والافاعي وتسترها بالدين. ودخول العرافة لشق الأفعى وتقضي عليها وانتزاع عقدة القميص قابل لتفسير متعدد أقله أن الأفعى منا والقميص جزء من جسدنا والمواجهة هي بين افعي تزحف بيننا وبين عرافة تبيعنا الوهم وان خلاص الجسد لن يكون إلا بالعودة إلى مبادئ محددة ، هي عند الكاتبة ذكر الله وبعد نزف شديد.

#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات