أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ألفت شافع - النص والمنصة في المسرح















المزيد.....


النص والمنصة في المسرح


ألفت شافع

الحوار المتمدن-العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 04:13
المحور: الادب والفن
    


يتخلق الكائن المسرحي من مزيج من العناصر اجتمعت حولها حاستي السمع والبصر وهما من أقوى حواس الإنسان وان لم اقل أوحدها في الوقوع على جماليات الفنون وخاصة فن المسرح وللمسرح جناحين يطير بهما (النص المسرحي وهو الأساس في التحليق والتخليق والبحث عن الحلول التي تحيل كلام النص المسرحي إلى حياة تنبض بالمشاعر,..ومهندس الديكور هو الجناح المتين والذي بدونه لا يمكن أن يحلم المخرج وان يرسل الحلم ملونا عبر إرسال الخيال إلى رأس ووجدان المشاهد)
وهناك جدلية نقاشية تتعلق بالبحث في اصل بزوغ السنن الدرامية, هل الأسبقية أو الأولوية للنص أم للمنصة ؟ والحق أن الخروج بإجابة قاطعة باتة حول هذه الإشكالية أمر من المتعذر الإجابة عنه وذلك لان عرى الارتباط بين عناصر المسرح تصعب على الفصل ولكن إذا أخذنا عباءة الحياد العلمي سنحاول أن نتتبع جذور هذه العلاقة وما اعتراها من تغير وتبدل وفق معطيات الزمان والمكان.
1- مولد المكان
يتفق جميع مؤرخي الدراما أنها انبثقت من الطقوس العبادية للإنسان البدائي ويضع لنا "روبير لوباج" تصورا عن ميلاد الحاسة المسرحية, من خلال كلمته لليوم العالمي للمسرح, وهو نفس التصور الذي قدمه "أدوين ديور" في كتابه "فن التمثيل الأفاق والأعماق", حيث تصور( أنه ذات ليلة من ليالي الأزمنة السحيقة اجتمع جمع من الناس في أحد المقالع, وتحلقوا حول نار يتدفئون ويتبادلون الحكايات, وخطرت لأحدهم فكرة النهوض والاستعانة بظله في تشخيص حكيه, وكانت أضواء النار ترسل على الحيطان شخوصا اكبر من المعتاد.انبهر الآخرون وتعرفوا تباعا على القوي والضعيف وعلى المضطهد والمضطهد وعلى الإله والإنسان) وهذه الحالة المفترضة أوجدت فكرة التحليق حول مكان بعينه ,ولكن لم تتضح الرؤية حول وجود مكان على وجه التحديد إلا في العصر العلمي للمسرح وهى مرحلة العصر اليوناني , حيث منه استمدت كل المصطلحات التي تتعلق بالدراما وبالمكان المسرحي
والمكان وفق هذا المعني يشير إلى معني مزدوج, الأول ويقصد به مكان العرض البناء المعماري أو الصالة, والثاني مكان الحدث. ومكان العرض هو مناط الحديث في هذه المرحلة مادمنا نتحدث عن المنصة أو المسرح بمفهومه المكاني
2- أصل كلمة المسرح
في قاموس المسرح أعربت مارى الياس عن أن كلمة مسرح تستخدم للدلالة على شكل من أشكال الفرجة, قوامه المؤدي/الممثل من جهة, والمتفرج من جهة أخرى, وفي هذه الحالة يعتبر المسرح فنا من فنون العرض كالسيرك والإيماء والبالية وغيرها وتستخدم كلمة المسرح أيضا للدلالة على المكان الذي يقدم فيه العرض, وهذا المعنى يرتبط بالأصل اللغوي theatre والمأخوذ عن اليونانية theatron التي تعني حرفيا (مكان الرؤية أو المشاهدة وصارت تدل فيما بعد على شكل معماري بني ليتمكن المتفرجون أن يروا أو يسمعوا فيه عرضا يقدمه آخرون) ومن ثم يمكن اعتبار أن المكان هنا بمثابة الوسيلة وما يقدم من دراما هو الغاية,كما أنها تستطرد في أن المسرح قد يقتصر على وجود ممثل يؤدى ومتفرج متلقي ضمن حيز اللعب والفرجة بغض النظر عن شكل المكان والعمارة وجميع العناصر الأخرى .ولكن من أين نشأت فكرة المكان داخل الحدث وهل استطاعت أن تخلق لنفسها وجودا مستقلا عن النص المسرحي ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الوريقات القادمة
3- المكان المسرحي
إن كلمة المكان المسرحي تفيد الانتقال الطوعي من عالم النص المسرحي أو الأدب الدرامي (إلى عالم العرض أو الفعل المسرحي المرئي والمسموع على منصة المسرح.. فالمكان المسرحي هو ذلك الوسيط ما بين الخيال الدرامي وواقعية التلقي, والذي يتحقق فيه فعل التمثيل بصورة نهائية )
وقد ارتبط وجود المسرح بالاحتفاليات اليونانية وأعياد الحصاد, لذلك قدمت في الأجران, كنوع من الاحتفال بالخصوبة, ثم انتقلت إلى معبد الإله ديونيسوس وانتقل معها تصميم ساحة الجرن الدائرية ليصبح هو التصميم المبدئي للمكان المسرحي القديم, ثم خرج المسرح من المعبد وان ظل مرتبطا به في صورة دخول الإله إلى المكان, كتمثال له أو إطلاق البخور, وكذلك في شكل المسرح الدائري حيث ظل الجبل أو التل المقام فوقه معبد الإله هو الخلفية ومقاعد الجمهور تحيط بها في شكل قوس وترتفع على هيئة مدرج(وكلمة اوركسترا هي اشتقاق من فعل archaumai بمعنى يرقص أما مكان المشاهدين فهو ثياترون theatron وهى اشتقاق من فعل theomai يشاهد) وعلى ذلك كان شكل المسرح الإغريقي, فهو معبد الإله في قمة الجبل ومنه يمتد ممر أو مدخل منحدر Parodos إلى الاوركسترا وهناك مكان صغير بجانب الاوركسترا تسمى سكيني Skene وهي خيمة صغيرة كانت تستعمل بصفتها كالوس لتغيير ملابس الممثلين- ثم حلت منصة المسرح محل الإسكيني على يد اسخيلوس ,بينما ظلت الاوركسترا فقط كمكان أو حفرة للفرقة الموسيقية المصاحبة وظل المسرح كبناء مؤقت حتى القرن الرابع ق.م يقام عند حلول الأعياد فقط قبل أن تبنى المسارح المحفورة في الأرض الصخرية (ويذهب بعض الباحثين إلى أن أول منصة مسرحية هى عربة ثيسبس الشهيرة وقد ظهرت أولى المناظر المسرحية المرسومة والتي سميت Skenographia سينوجرافيا مع سفوكليس- كما نسبها أرسطو- وقام بها أجارثارخوس الرسام الذي كان يقوم بعمل مسرحيات اسخيلوس) وكان الوضع أنه كلما زادت أهمية المنصة المسرحية كان يزيد الاهتمام بمبنى المسرح نفسه.
4- العلاقة بين النص والمنصة
تخاطبنا النصوص وهذه هي النقطة الجوهرية في هذه الإشكالية بلغة حفظتها أروقة التاريخ أكثر من العروض التي قدمت أو شرحها على وجه التحديد, وذلك لان الواقع اثبت أن النصوص المسرحية قد حملت المكان المسرحي عبر الزمان الفعلي داخل أوراقها, وحفلت بكل الدلالات الممكنة لعناصر السينوغرافيا المسرحية على مر التاريخ وقبل ظهور التسجيلات المصورة لها, ولذلك يمكننا من خلال النصوص أن نتتبع الصورة المرسومة للمكان المسرحي, سواء مكان الفعل المسرحي عامة أو مكان الحدث خاصة وذلك لنتمكن من الاضطلاع على كل التغييرات التي تعلقت بشكل المكان أو المسرح الخاص بعصرهم وعنصر المناظر, ومن خلال ذلك نستطيع أن نتبين مدى دراية الكاتب وفهمه لأهمية هذا العنصر, ومدى توظيفه من خلال النص في إطار المتاح لديه
بالنسبة للمسرح الأوروبي الغربي فإن الكتاب عرفوا (أربعة نماذج رئيسية من المسارح في أي فترة من الفترات:فكان هناك المسرح ذو المناظر الدائمة للمسرحية الكلاسيكية أو الكلاسيكية الجديدة, والمسرح المؤلف من منصة متحركة أو ثابتة وهذا استخدم للمسرحية الإنجليزية في العصور الوسطي وفي عصر النهضة, والمسرح ذو الصور الثابتة والذي ظل من عصر عودة الملكية حتى نهاية القرن التاسع عشر, وأخيرا المسرح الآلي في القرن العشرين, ولما كانت هذه المسارح شديدة التباين فقد كانت فرصة الكاتب ومسؤوليته في تناول مشكلة المناظر تختلفان باختلاف هذه المسارح)
فلو بدأنا الحديث بالمسرح الكلاسيكي ذي المنظر الثابت نجد أن الخشبة تعطي للكاتب اقل فرصة في التنوع المكاني واقل مسؤولية فكان المنظر الثابت في المأساة نادرا ما يتغير ويقع على الكاتب عبء استحضار الجو الخاص لمسرحيته عن طريق الوصف وبتتبع ذلك من خلال نصوص المأساة القديمة لدى الكتاب الإغريق نرى التالي
أ‌- المكان عند اسخيلوس
- في"المستجيرات" يرد ذكر أمام المعبد, في العمق, ارض مرتفعة فوقها محراب, وتماثيل للآلهة
- "حاملات القرابين":بجوار قبر أجاممنون, بالقرب من القصر الملكي بأرجوس
- "أجاممنون":أمام قصر أجاممنون في أرجون, قبالة القصر تماثيل للآلهة ومذابح أعدت لتضحية القرابين وفى المشهد الأخير من أجاممنون ترد الملاحظة الآتية "يفتح باب القصر الأوسط, وتظهر فيه كليتمنسترا ثم تتقدم وقد لطخ جبينها بالدم وكذلك يبدو جسمان أجاممنون مسجي ومغطى برداء طويل, يبدو في الداخل حوض جوانبه مكسوة بالفضة.
ب‌- المكان عند سفوكليس
- بنات تراخيس:تراخيس فوق جبل أوبتا أمام قصر هرقل
- أنتيجونه:أمام قصر أوديب, ميدان طيبة
- أجاكس:معسكر الإغريق على شاطئ البحر, خيمة أجاكس في أقصى المعسكر
وبجانبها خيام مرصوصة
جـ -المكان عند يوربيديس
- إفيجينيا في أوليس:ساحل البحر في أوليسو أمام خيمة أجاممنون
- إفيجينيا في تاوريس:على شاطئ البحر, في تاوريس, قرب هيكل أرتميس
- الطرواديات:أمام خيمة أجاممنون في المعسكر الإغريقي قرب طروادة
-أندروماخي:أمام معبد ثيسبس في فينيسيا بإقليم تساليا
-عابدات باخوس: مدينة طيبة عاصمة إقليم بيوزتنغا, أمام القصر الملكي يوجد على
المسرح قبر, يتصاعد من مكان مجاور له أعمدة من الدخان, وتلتف
حول السور المحيط به فروع خضراء من نبات العنب
- هيكابي:داخل خيمة هيكابي بعد سقوط طروادة
د- المكان عند أريستوفانيس
- السحب:في نهاية المسرح يظهر منزلان, منزل ستربسياديس ومنزل سقراط, العمق
عبارة عن منزل صغير معتم له باب منخفض مغلق وهو محراب سقراط
وتلاميذه ويظهر في المنزل الأول سريران
- السلام:خلف الاوركسترا على اليمين مزرعة تريجابو وفى الوسط فتحة كهف مغلق
بصخرة كبيرة, على اليسار قصر زيوس, وفي مقدمة ألمسكي إسطبل بابه مغلق
, ويرى اثنان من عبيد ثريجابوس أمام الإسطبل, احدهما يعجن أقراص الروث
والآخر يأخذ الأقراص الني تم صفها ويلقي بها في الإسطبل
أما بالنسبة للملهاة الإغريقية الجديدة أو الرومانية(فقد كان المنظر المألوف هو شارع من الشوارع الذي تعيش فيه معظم الشخصيات الرئيسية في المسرحية. وبوجه عام فإن مشكلة المناظر كانت محلولة أمام الكاتب الكلاسيكي قبل أن يشرع في كتابة مسرحيته.أما المشكلة التي كان يواجهها فلم تكن في اختيار نوع المناظر أو وصفها وإنما كانت في محاولته تمثيل الحوادث الرئيسية في قصته ضمن حيز المناظر المتوفرة في مسارح عصره)
وهذه الملاحظات تقودنا إلى القول كما يقول (فيبانسكي – بأن الشكل المسرحي وحده هو ما كان يقرر سير المسرحية الإغريقية وهذا الشكل نفسه هو ما كان يقرر وحده سير مسرحيات شكسبير, اى انه يعين الأحداث التي يراها المتفرجون والأحداث التي يشهدونها ) ويمكن رصد التحول من المنصة الدائرية القديمة إلى العلبة ذات الأجنحة "الكواليس بالتحول في وظيفة المسرح نفسها من مشاركة احتفالية جماعية مرتبطة بطقوس الخصب لدى الإغريق إلى مجرد فرجة مسلية منظمة لها تقاليدها الخاصة وجمهورها الخاص ومن يقدمها من المحترفين المتخصصين, حيث مثل مسرح العلبة ذو الشكل المربع صورة مكان له ميزات استقراري وتكاملية ,نظرا لتساوي أضلاعه ولأن زواياه قائمة, ومن ثم فهو مكان يطرح فكرة الهيمنة, والإيهام, والسيطرة من خلال سيطرة مقاعد المتفرجين تلك المقاعد التي كانت تعلو في المسرح القديم ,وتشرف على منصة التمثيل وليس العكس كما في مسرح العلبة .
5- مرحلة العصور الوسطي
فرض مسرح المنصة في المسرحية الإنجليزية في العصور الوسطي على الكاتب مشاكل مختلفة من ناحية المناظر.حيث(كانت المناظر ترسم إما بأبيات المسرحية أو بمعدات ذات ثلاثة أبعاد بسيطة نسبيا, وفي الحالة الأخيرة لم تبذل إلا محاولات قليلة أو لم تبذل اى محاولات في توضيح المناظر بشئ من التفصيل, فقد كان استخدام المعدات بجملته رمزيا, أي انه كان يقصد منها الإيحاء بالمنظر بدلا من تصويره واقعيا) ويعتبر من أمتع الأمثلة والساذجة في معالجة المناظر في مسرحيات العصور الوسطي ما نجده في مسرحية طوفان نوح إذ توجد في نسخة مخطوطة المسرحية تعليمات تفصيلية وواضحة للعملية الهامة في بناء السفينة.
6- المسرح الإليزابيثي
وفي هذه المرحلة كان النمط الإيطالي لمسرح "العلبة "قد بدأ في تطوره مع تطور المنظور الخطي حيث وصل إلى أعلى تطوره في عصر الباروك, وحتى بدايات القرن التاسع عشر في ألمانيا وباقي أوروبا, حيث تحولت المنصة الإغريقية والرومانية القديمة من الديكور المعماري الثابت إلى الديكور المنظوري (القائم على أساس المنظور الخطى مع خلفية مرسومة "مصورة "وستائر جانبية وأمامية.ومن ثم فإن كواليس مسرح العلبة تحمل دلالة تاريخية على ظهور خط جديد على منحنى تطور تقنية المنصة, وقد ظهرت المقدمات النظرية لهذه التحولات في القرن الخامس عشر على أيدي فنانين كبار مثل دافنشى, ومع امتداد الحديث عن المسرح الإليزابيثي نجد أن الشكل المفتوح لخشبة المسرح الشكسبيري, كان متناسبا مع البناء المتنوع لمسرحياته بشكل طبيعي, حيث لا نجد نفس الثبات المكاني الذي رأيناه في المسرح الإغريقي, ففي هاملت مثلا نجد أن التدفق للحدث يتم بأحد أبراج القلعة وحجراتها, ويخرج منها إلى ساحة الخلاء ليعود إليها ..أما ماكبث فيبدأ الأحداث في الخلاء في إحدى الغابات بلقاء الساحرات ثم في المعسكر والقصر الملكي ثم في قلعة "انفريتسي" في حجراتها وفناءها, ثم في قلعة "فورس" حيث يتولى مكبث العرش. ثم إلى قلعة "مكدوف" ثم يخرج بنا من اسكتلندا إلى انجلترا ليعود إلى القلعة ثم الريف فالقلعة مرة أخرى ثم الغابة حتى تنتهي الأحداث داخل القلعة.
ومن الواضح أن مسرحا كهذا يضع على كاهل الكاتب المسرحي عبئا يفوق كثيرا ما كان المسرح الكلاسيكي يضعه على كاهل الكاتب, حيث فرض على الكاتب وكما رأينا عند شكسبير- ضرورة بيان مكان كل مشهد هام وضرورة, وليس خلق مشهد واحد لا يتغير كما في المسرحية الكلاسيكية ويرجع مرد ذلك إلى القوة التخيلية التي كان كتاب المسرح يراعون فيها مطالب المشاهدين, ولعله لم توجد اى مسارح مثل هذه الفترة فرضت عبئا ثقيلا على الكاتب المسرحي في تصوير المشهد ولم يوجد من الكتاب ما يضارع هؤلاء الكتاب في مواجهتهم لهذه المسئولية بهذا الخيال الذي يفيض قوة وسحرا.
وقد خف العبء عن كاهل كاتب المسرحية منذ عصر عودة الملكية إلى نهاية القرن التاسع عشر, حيث استطاع أن يعتمد في تبيان نوع المناظر على مصور المشاهد وعلى صانع الأزياء لإعداد الجو الذي يناسب مسرحيته, وأصبحت المشاهد الملائمة لخشبة المسرح ذات الصور شيئا تقليديا وعددها محدودا, حتى ظهور الرومانسية حيث اشتد الطلب على مصممي المناظر ورساميها.وقد كان المسرح ذو المناظر المصورة كسبا عظيما للكاتب المسرحي إذ انه حدد مسؤوليته في وصف المناظر سواء كان ذلك في التعليمات المسرحية أو في سطور الحوار
ومع قدوم الواقعية زاد العبء الملقى على عاتق الكاتب, ومصمم المناظر لأن احد مظاهر الواقعية الرئيسية كان التركيز على المناظر والأجواء ذات الصبغة المحلية, على الرغم من اكتفاء الكثير من الكتاب الواقعيين الكبار بالإشارة الموجزة عن المناظر ومنهم إبسن, ولكن مع طغيان الطبيعية أصبح وصف المناظر من خلال التعليمات المسرحية مفصلا, وبالرغم من أن المسرح المصور ما زال هو المسرح السائد في معظم المسارح الإنجليزية والأمريكية وفي الكثير من المسارح الأوروبية إلا أن على دارس المسرحية أن يعرف أن هناك ثورة أساسية قد لحقت بآلية المسرح وبنائه, ويجب أن يحسب لها الحساب عند دراسة المسرحية الأوروبية
7- الصورة الرابعة المسرح الآلي
كان الطابع الرئيسي لما يمكن أن يسمى بالمسرح الآلي هو أخذه عن نماذج المسارح السابقة أحسن ما فيها, واستغلال جميع الحيل الآلية والضوئية التي ابتدعتها براعة العصر الحديث فوق خشبة المسرح, ويمكن القول بأن المسرح الآلي قد اتجه إلى تحرير الكاتب المسرحي المعاصر من الواقعية الرخيصة, التي شجعها المسرح المصور في القرن التاسع عشر, والى إطلاق يده في استخدام عدد كبير من المناظر مما لم تكن تتيحه المسارح القديمة والتي تشجع خياله لولوج ميادين الخيالات والرمزية

خاتمة
حاولت من خلال العرض السابق أن أطرح قراءة تاريخية, حول المكان المسرحي من حيث مفهومه الجغرافي والسينوغرافي, وكانت منطلقاتها تدور حول التأثير والتأثر بين المكان والنص, ومن ناحية أخرى استغلال الكاتب لعنصر المكان من خلال نصه المقدم أو العلامات الإرشادية التي يضعها في نسيج النص, وتوصلنا إلى أسبقية ميلاد المكان على النص المسرحي, والى وجود شكل من أشكال التقييد والتحرر بين الكاتب والمكان اختلفت باختلاف الحقبة الزمنية والمكانية وآليات عصره, حيث تحددت في مناطق صغيرة من مادة النص المسرحي فدى مسرح الاوركسترا الأثيني ذي الشكل الدائري أو الحلقي حيث عبر عن علاقة بطقوس الحكى والحضرة الديونيسية القديمة, لأنها توحي بالخصوصية والحماية, وقد كان هذا التصور الشكلي متوافقا مع أفكار الإغريق حول الوجود ووحدته, حيث اعتقدوا بأن العالم كرة ثابتة وممتلئة تماما, كما أن المنصة الدائرية تناسب الطابع الروحي الذي كان يتحلى به المسرح الإغريقي, فالممثلون على هذه الخشبة الدائرية يثيرون حولهم عالما شاعريا, ويجذبون إليه المتفرج لذا استمر الحفاظ على هذا الشكل وتصوير الأحداث في اقل حيز ممكن من المكان بحيث تصبح سمة الثبات هى المسيطرة
وقد تحولت دلالة المكان إلى ما يشبه الدلالة الرمزية عن المكان كما في مسرح العصور الوسطي وأعتقد أن السبب يرجع لصعوبة تجسيم المكان واقعيا حيث غلبت عليه العناصر غير المرئية كالجنة والجحيم ومن ثم كانت الرمزية تمثل جزءا من الطقس الديني ، ثم انتقلنا إلى مسرح حفل بالوضوح والوصف التفصيلي والانتقال الكبير من مكان إلى آخر حيث برع فيه كتاب العصر الإليزابيثي وخاصة شكسبير، وكذا تناولنا المسرح المصور بوسطيته بين المشهد الثابت للمسرح الكلاسيكي والمشاهد سريعة التغير في المسرح الأليزابيثى حيث أتاح وسيلة أكثر تغييرا للمشاهد من الأول واقل تغييرا من الثاني . وحتي تأثير المذاهب على المناظر ألقى بظله, حيث شددت الرومانسية الطلب على مصممي المناظر ورساميها من ناحية وأصبح الكاتب المسرحي يتمتع باستقلالية عن ابتداع مناظر من نسج خياله واكتفى بالتعامل مع المناظر المستعملة والمحددة حصرا
ومع ظهور المسرح الآلي تم تحرير الكاتب من تفاصيل الواقعية الرخيصة وأطلق يده من ناحية أخرى إلى عالم رحب من الخيالات الإبداعية والرمزية حول المكان ولا يمكن أن يغفل اى دارس للمسرحية عن مساهمة مهندس المعمار المسرحي المعاصر والكهربائي والميكانيكي في تهيئة الفرص المسرحية ومن ثم قدرتها في التأثير على الكاتب المسرحي المعاصر وهو ما لا يمكن أن نفرد له الحديث الآن لتعلقه بالدراسات المعاصرة للنص المسرحي وهو أمر يصعب على الإيجاز والاختصار.

أهم المراجع
ـــــــــــــــــــــــ
1. أمين بكير:في الحرفية المسرحية, الهيئة العامة, 1999,
2. روبير لوباج:كلمة اليوم العالمي للمسرح 2008, شبكة الانترنت
3. صالح سعد:قاموس المسرح"المكان المسرحي ",مجلة أفاق المسرح ،العدد19 , الهيئة العامة لقصور الثقافة , 2002
4. فرد ب ميليت, جيرالدايدس بنتلى: فن المسرحية, ترجمة:صدقي خطاب, مراجعة:محمود السمرة, دار الكتب بيروت, مايو 1996
5. ماري الياس,وحنان قصاب :قاموس المسرح ,مكتبة لبنان 1996,



#ألفت_شافع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ألفت شافع - النص والمنصة في المسرح