فنيدي عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 08:23
المحور:
حقوق الانسان
تظل مسألة القيم جد معقدة، وذلك راجع لعدة عوامل، المرتبطة بتعدد المرجعيات، والتقاطعات بين الخاص والعام، وقضية القيم تتخذ بعدين، إما أن يكون الأول إيجابي ويعود على المجتمعات بالنفع، ويقفز بها إلى مراتب الريادة ويمنحها التقدم والتنمية في مختلف المجالات، وإما أن يكون البعد الثاني سلبي يحد من سير المجتمعات نحو اللحاق بالركب وتحقيق مبتغاها ويقف عائقا أمام تطورها، إذن ما ذا نقصد بالقيم؟ كيفية نشوءها وتطورها واندثارها؟
من أجل مقاربة هذا الموضوع يتطلب الأمر منا منهجيا أن نقف على مستويين الأول نعطي فيه تعريفا للقيم وماذا نقصد بها، ثانيا نحاول رصد كرونولوجية ولادة القيم وتطورها وإندثارها.
1- مفهوم القيم:
من الصعب جدا أن نحدد مفهوما كمفهوم القيم ونحاول أن نمنح له صبغة الوضوح، وذلك راجع لاختلاف وتعدد زوايا النظر، وقد حددها طه عبدالرحمان في كتابه "الحق العربي في الاختلاف الفلسفي"، بأنها جملة المقاصد التي يسعى القوم إلى تحقيقها متى كان فيها صلاحهم، عاجلا أو آجلا، أو إلى إزهاقها متى كان فيها فسادهم، عاجلا أو آجلا. ويحددها محمد عابد الجابري بأنها مرتبطة بéthico والتي تشير إلى القيم التي تهم المجتمع، أي منظومة القيم التي تستمد منها الجماعة التوجيه في حياتها العملية واختياراتها الفكرية، وتصدر عنها في أحكامها المعيارية العامة الأخلاقية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالقيم لها معاني متعددة تختلف حسب الاستخدام في الزمان والمكان، فقد نجدها مرتبطة بالجانب الروحي ونسميها استقامة، وبالجانب الاجتماعي وتبرز في شكل المساواة الكرامة، العدل...، وقد تكون مرتبطة بالجانب المادي الدنيوي قيمة الشيء سعره، وقد تكون مرتبطة بالجانب الأخروي وتتخذ سمات الزهد، الصلاح، والمعاملات.
وهذا التعدد الذي يكتسي مسألة القيم نابع من اختلاف المرجعيات التي يستمد منها هذا المفهوم روحه، والاختلاف هو أصل هذا الوجود.
2- كرونولوجية نشوء وتطور القيم وإندثارها:
إن الحديث عن القيم هو حديث عن صراع تاريخي بين الخير& الشر، وإنتصار قيم على أخرى أشبه بما يحدث للأسهم داخل البرصات العالمية، قيم تسقط قيمتها وأخرى تعلو لتلج مكانها، ويتخد هذا الصراع عدة تلوينات تختلف حسب السياق الزمكاني، قد يظهر في ثوب المواجهات بين الاديولوجيات، الرأسمالية & الاشتراكية، صراع الفردانية وحرية السوق& المصلحة الجماعية المبنية على منطق الاشتراكية، وهذا ما أسفرت عليه العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، والتي سميت بالحرب الباردة والتي انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي الذي يمثل المعسكر الشرقي، وانتصار الولايات المتحدة الامريكية الممثلة للمعسكر الغربي، وهذا ما أكدت عليه عدة أبحاث في هذا المجال(نهاية التاريخ والإنسان الأخير لفرانسيس فوكوياما)، رغم الانتقادات الموجه لمثل هذه الدراسات التي تتجاوز الذاتية لتدافع عن مصالح معينة، هذا من جانب ، ومن جانب آخر الصراع قد يفضي بين مجال & مجال، غرب& الشرق، شمال& جنوب، التقدم& التخلف، وقد يشتعل هذا الوطس عندما يظهر الدين في الواجهة، اليهودية & الاسلام، الدين& العلمانية، الاستشراق & الاستغراب، وقد يصبح الصراع منصبا في مجال اللسانيات، وبالضبط في مسألة اللغة، هذه الأخيرة يعتبرها تايلور وعاء من أجل نقل الثقافات، وأضيف لها أيضا أنها سلاح لقبر الثقافات، اليوم نجد اللغة الانجليزية تتصدر المقدمة، باعتبارها لغة العلم والاقتصاد، ولغات أخرى قادمة بقوة (الصينية، الألمانية...) التي تحاول أن تزيح الأولى من عرش الصدارة لتحل محلها، بينما لغات أخرى تعاني التمزق وتحاول الانعتاق بنفسها من براثين الموت إلى معانقة الحياة لا أكثر، وهذا ما أكد عليه مهدي المنجرة في كتابه"قيمة القيم"، حيث استشهد بأحد مفكرين فرنسيين كتب مقالا بعنوان"soft power" ، يؤكد فيه أن الحروب القادمة ستكون لغوية، فقد ينخر هذا الصراع جسد الثقافة، هذه الأخيرة يمكن أن أقسمها إلى ثقافة مكونة(بكسر الواو)، وأخرى مكونة (بفتح الواو)، صراع بين ثقافة مبدعة وأخرى مبتدعة، وهذا ما يمكن نعته مع مهدي المنجرة بالصراع الحضاري، أو كما يترجمها سامويل هدنغتون بتطاحن الحضارات، وقد ساهمت العولمة اليوم في إحداث تغيرات جدرية على مستوى القيم، وأصبحنا نتحدث عن عولمة القيم، وذوبان قيم الوطنية في دوامة القيم الكونية(حقوق الانسان...)، أصبح الدين في مواجهة طغيان العلمانية، والدعوة من قبل بعض المثقفين إلى تبني العلمانية كدين، وعقد القران بين العلمانية والدين نكاح تحرمه محكمة اللجوس(العقل)، وهذا ما يحيل لنا على أن القيم تنتعش في ظل الصراعات القائمة بين السلبي والايجابي، بين الخير والشر وهذا ما يجل منها قضايا تمتاز بالنسبية والتغير السريع أو الأسرع، وموت قيمة من القيم هو ولادة جديدة لقيم أخرى.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟