أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عامر السدراتي - من ذا الذي يرغب في خطف الثورات العربية؟















المزيد.....



من ذا الذي يرغب في خطف الثورات العربية؟


عامر السدراتي

الحوار المتمدن-العدد: 4851 - 2015 / 6 / 28 - 09:07
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


من ذا الذي يرغب في خطف الثورات العربية؟

رشاد انطونيوس

ترجمة : عامر السدراتي.



مُقدِّمـــــــة


بعد أن ابتعدنا عن الفورة التي أثارَتها الانتفاضاتُ العربية المُندلعة في يناير 2011، بدأَتْ اليومَ حدودُها والمخاطرُ التي واجهَتها تَتَّضحُ لنا شيئا فشيئا. ولأجل استيعاب ذلك، واتخاذ موقفٍ سديد إزاءَ هذه الانتفاضات وتُجاه فاعليها المُتعدّدين، لا مناص لنا من العودة قليلا إلى الوراء قصدَ إمعانِ النظر في خصوصياتها والكشفِ عن الأمرِ الذي قامت ضدّه. إذن، ما هو السياق السياسي والثقافي والاقتصادي لهذه الانتفاضات؟ فقبل قيامها، كان هذا السياق هو الذي يتحكّم في بِنية العلاقات الاجتماعية. وهنا نتساءل أيضًا، هل استطاعت هذه الانتفاضات إحداث تغيير في هذه البنية ؟ كيف نصف الوضعَ القائم اليوم؟ ما هو الثابت؟ وما المُتحوّل؟ من ذا الذي يُمكنه استغلالَ هذه الانتفاضات وتحويلها عن المسار الذي رسَمه لها المُنتفضون الأوائل الذين نَزلوا إلى الشارع؟
من الضروري أن أعرض القواسمَ المشتركة التي تؤلِّف بين الانتفاضات العربية، لكنني لن أغفل الخصوصياتَ التي تُميز كلّ واحدةٍ منها عن الأخرى. ليست هناك قاعدة عامة من شأنها مُساعدتنا على تحديد ما يقعُ بالميدان وعلى إبرازِ كيفية حدوثه، ولا من الجزْم بأن هذا الأمر يتعلّق فِعلاً بانتفاضاتٍ ديمقراطية وليس بشيءٍ آخر غيرَها. فلأجْل فهمِ الديناميات التي تحصُل على الأرض، لا بد لنا من الاهتمام بالخصوصيات. وذلك لأن وضعية سوريا تختلفُ عن نظيرتها بليبيا، وحالة مصر ليست هي حالة تونس؛ إلا أنّ هذا لا ينفي وجودَ عناصر مُشتركة بين كل الحالات المذكورة. لكن مُحاولة فهم ما يُميِّز كلّ انتفاضة من هذه الانتفاضات العربية على حدة، سيُمكّننا لا محالة من استيعاب السيرورات الرامية إلى مُحاربتها والإنعطاف بها إلى اتجاه آخر يخدم مصالح أصحاب النفوذ، بمعنى الالتفاف على هذه الانتفاضات وسرقتها.
سأستهل كلامي بطرح بعض الملاحظات العامة، ثم سأتحدّث قليلاً عن تونس ومصر، لكي أصل بعد ذلك إلى الوضع السوري باعتباره الأكثرَ تعقيدًا في اعتقادي.
في حديثي عن هذه الانتفاضات، لن أستخدم مُصطلح "الربيع العربي". لأن كلمة الربيع تُحيل إلى عدة أشياء، منها ربيع الشعوب، أي سلسلة الثورات الشعبية التي هزّت أوروبا عام 1848. كما أن كلمة الربيع تُخلف انطباعًا مفاده أن الشعوب استطاعت أخيرًا تكسيرَ قيود الأنظمة الاستبدادية، وأنها ستطرُد الديكتاتوريين وبعد غدٍ سيكون كلّ شيء جميلاً. اَعتقِد بأنه من الأفضل إطلاقُ مُصطلح "الانتفاضات" على هذه الظواهر. فهي تُعتبر إيذانًا بانطلاق سيروراتٍ طويلة الأمد، يُمكنها أن تستمرَّ لعشرات السنين أو أكثر على أقل تقدير، ذلك قبل أن تُسفِر عن تغييراتٍ عميقة. وممّا لا شك فيه أنّ التراجعات تُعتبر جزءً من سيرورات التغيير؛ لهذا ينبغي التنبّؤُ بها وفهمها، بَدَلَ اتخاذها مُبرّرًا للإعراض عن المساهمة في تحقيق التغييرِ المَنشود. لم يَضِعْ كلّ شيء، ولا زال هناك الكثير. إن هذه التراجعات المُرتقبَة تكشف القناعَ عن الوجه الحقيقي لبعض الفاعلين السياسيين، وتُمكّن من مُواصلة النضالات على أُسُسٍ أكثر صلابة.

السياق الذي سبق الانتفاضات

لازالت الأنظمة الاستبدادية تُمسِكُ بزمام السلطة في مجموع البلدان العربية منذ عقود، فقد كان الاستبداد شاملا رغم تبايُن مستوياته من قطرٍ إلى آخر. وقد أبانت هذه الأنظمة عن قدرتها المُدهشة على الاستمرار، رغم خلوِّها من الديمقراطية. ولعلّ هذا ما أتبثه كل الملاحظين بصرف النظر عن انتماءاتهم الإيديولوجية . فبعد انقضاء مرحلة نُعتت ب"الثورية" حلّ عهد الاستقلال، ومنذ ذلك الحين جَنحت جُلُّ الأنظمة العربية تدريجيًا إلى التخلّي عن تمثيل مصالح السكّان. وأصبح يُنظر إليها باعتبارها غير مُكترثةٍ بمصير شعبها، إنْ لم تكن تُناصبه العداء. لا ينحصر هذا الأمر في البلدان العربية فحسب، بل إنه يتعداها إلى عدة بلدان جنوبية أخرى واجهت تحديات مشابهة. لكن لا بد من التذكير بأن المنطقة العربية كانت، طيلة فترة الستينيات من القرن العشرين، تحتلّ مكانة بارزة بالمقارنة مع بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي مجال الحريات السياسية كذلك. وكانت عدة أقطار عربية أفضل حالاً مما هي عليه اليوم، خاصة تلك التي حصلت على استقلالها عَقِبَ نضالات سياسية وحلّت فيها الجمهورياتُ محلّ الأنظمة الملكية. أما اليوم، فقد تقهقرت جُلّ البلدان العربية إلى أن صارت في مؤخرة البلدان السائرة في طريق التنمية. وتجاوزتها في مجالي الديمقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية بلدانا أكثر فقرًا في كل من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا. فما هو السبيل إذن إلى تفسير هذا الوضع؟
يَكمنُ العنصر الأول من الإجابة في الإطار الجيوسياسي، بحيث يُعتبر الشرق الأوسط منطقة إستراتيجية على المستوى الدولي. وذلك أولا بسبب موقعه كنقطة عبورٍ بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، فقد كانت "طريق الحرير" التي تصله بالصين محورًا للتنمية الاقتصادية والحضارية طيلة قرون. لا يتعلّق الأمر هنا بعقود أو أجيال، بل بآلاف السنين. لهذا صار التحكم في هذه المنطقة يُشكل رهانًا كبيرا نظرا لموقعها المتميّز. لكن من البديهي الإقرارُ أيضًا بأن النفط هو الذي يمنحها أهمية إستراتيجية قصوى، هذا بالإضافة إلى قضية الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي التي لا زالت تُراوح مكانها إلى اليوم. لقد غدت المنطقة بسبب هذه العوامل عُرضة لأطماع القوى الاستعمارية التي استثمرت فيها الكثير. ولم ينته هذا الاستثمار السياسي والاقتصادي رغم حصول البلدان العربية على استقلالها، بل إنّه اتخذ أشكالاً أخرى صارت أكثر وضوحًا في بعض البلدان. أجل، يعيش العالم بأسره اليوم عصر ما بعد الاستعمار؛ فرغم وجود أشكال أخرى من الهيمنة والاستغلال، إلا أن ظاهرة الاستعمار صارت جزءً من الماضي. لكنني أقول بأن العالم العربي لم يَبرح المرحلة الاستعمارية بعد. يعني هذا أن القوى الاستعمارية لا زالت هي التي تُحدّد القرارات الإستراتيجية التي تتخذها بلدان المنطقة العربية؛ وهي التي تُنصِّبُ القوى المُدافعة عن مصالحها على رأس السلطة، أو على الأقل تقوم بدعمها. ولكي تكون مُطمئنة إلى أن التطورات السياسية والاقتصادية تسير بما يتوافق مع مصالحها، تحرصُ هذه القوى على تجسيد حضورها الفعلي والعسكري في المنطقة العربية. ويتم ذلك بشكل لا يخلو من المكر؛ أي من خلال إلتقاء مصالح الفئات الماسكة بزمام السلطة بنظيرتها عند القوى الاستعمارية، ويكون ذلك على حساب مصالح بقية الشعب. أما الآن، فقد انكشف الدورُ الكبير الذي لعبته هذه القوى في الزَيْغ بمسار الانتفاضات ودفعها إلى إنتاج أنظمةٍ تصون مصالح القوى الاستعمارية.
في سنة 2003، نشرت مجلة " Mother Jones " مقالاً عنوانه : "الجشع الذي دام 30 سنة" . يُوثّق هذا المقالُ بشكلٍ جد مفصّلٍ وبالاعتماد على خرائط تفاعلية، الكيفيةَ التي بُثّت بها القواعدُ العسكرية الأمريكية تدريجيًا في أرجاء المنطقة العربية وصولاً إلى أفغانستان وباكستان، وذلك منذ عام 1973. فعلى امتداد 30 سنة، شهِدت المنطقةُ تزايدًا مُتدرِّجًا لهذه القواعد التي تناسلت الواحدة تلو الأخرى لأجل الإحاطة الكاملة بحقول النفط وتطويقها. وما دام التحكم في هذه المناطق لا يزال يُثير العديدَ من الصراعاتِ، فقد تمّ تصنيفها في خانة المناطق "الخطيرة" أو المُريبة فحسب. فقد أصبح التحكم في حقول النفط اليوم، يتخذ أشكالا تختلف شيئا ما عن تلك التي تمّ اعتمادُها إبان المرحلة الاستعمارية التقليدية. بحيث لم تعد مِلكيةُ النفطِ شرطًا لازمًا لجَني ثماره، بل يكفي التحكمُ في تدفّقاته وضبطِ تقلبات أسعاره: إلى أين يُصدّر؟ ولصالح من؟ وبأيّة شروط؟ ومن يصنع منه المنتوجات؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي طرحها. أما المِلكية الشكلية فليس لها أهمية كبيرة. فالعربية السعودية تبدو من الناحيةِ الشكلية مالكة لبترولها؛ لكن حقيقة الأمر تُبيِّن أن عشيرةً محصورة العددِ هي التي تستفرد بأموال البلد، وتقوم بضَخِّها في الاقتصاد الغربي. فهي تستثمر هذه الأموال هنالك دون أن تستفيد من السلطة التي تٌخوّلها لها، وتخضعُ خضوعا كليا للسلطات السياسية الأجنبية التي تتحكم في هذا الاقتصاد. لكن في المقابل، نجدُ بأن هذا الوضعَ يمنحُ لهذه العشيرةِ نفوذًا كبيرًا يتجاوز حدود المجتمعات العربية، ليمتدّ إلى باقي المجتمعات السائرة في طريق التنمية. ويتمّ هذا التأثير باللجوء إلى عدة وسائل منها العملُ على تقوية الجماعات الإسلامية، ممّا يُفسّر صعود الإيديولوجيات السلفية في جُلّ المناطق التي يتدفّق إليها المال السعودي بسهولة.
إن توفّر بلد معيّن على الثروات النفطية يُعدّ عائقًا أمام تطوّره الديموقراطي، وهذه مسألة لا بد من أخذها بعين الاعتبار. فعندما تجدُ مَلكيةٌ نفطية نفسَها _بين عشية وضحاها_ تتربع على ملايين البراميل من النفط، فإنها لن تكون آنذاك في حاجة إلى تأييدِ أغلبية الناس لها قصدَ تقوية نفوذها على المجتمع. فالنفط يتطلب القليل من اليد العاملة، كما أنه يتركز في مناطق محصورة. في حين أن الإقتصاد القائم على الصناعة، تتشكّل فيه ثروة الدولةِ من ضرائب آلاف المقاولات وملايين العمّال. فتكون الدولة حينئذ في حاجة ماسّة إلى هذه الضرائب، ممّا يُلزمها بضرورة التوفر على الحد الأدنى من المشروعية لكي تتمكّن من جبايتها. أما في الاقتصاد القائم على الريع، فإن الثروة تتكدسُ بين أيدي القائمين على الدولة؛ ليُوزعونها بعد ذلك على مَن شاءوا من السكان والمؤسسات، لأن الجزء الأساسي من الثروة لا يتأتّى عن طريق الشغل وإنما عبر حيازة ثروة طبيعية كالنفط. وإن كان الأمر كذلك، تسقطُ المؤسسات والأفراد الراغبون في الحصول على نصيبٍ من الموارد الإقتصادية لبلدهم تحت رحمة المُشرفين على الدولة وعلى نفطها. وفي مقابل هذا، نجد بأن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني بالغرب تطورت على مرّ قرون عديدة، حتى صارت الدولة انعكاسًا لعلاقات السلطة القائمة في المجتمع المدني. فالدولة هنالك لا زالت إلى اليوم تستمدُّ مشروعيتها من المجتمع المدني، رغم أن الرأسمالية الاقتصادية الحالية يبدو أنها تمهّد لإحداث قطيعةٍ بين الاثنين. أما في منطقة الشرق الأوسط فإن الأمر يختلفُ تمامًا، بحيث أن النفط يُتيح للسّلطة إمكانية الترخيص لمؤسسات المجتمع المدني لتأدية وظيفتها أو منعها من ذلك متى شاءت، وهذا ما يجعل تحقيق الديمقراطية مسألة صعبة المنال في هذا السياق.
يمكن الإعتقاد أن النفط ينحصر في بعض المَلكيات النفطية، وأنه لا يشملُ مجموع العالم العربي. إلا أن الملاحَظ هو أنّ الثروات النفطية استطاعت التغلغلَ في دواليب الاقتصاد في معظم البلدان العربية عبر عدة أساليب. في البداية، تمّ ذلك عن طريق قدرة هذه المَلكيات على التأثير في السياسة المحلية للدول المجاورة. والأدهى من ذلك هو تخلّي الكثير من هذه الدول عن برنامجها للتنمية الاقتصادية، ولسان حالها يقول: لأجل التخلص من المشاكل الاقتصادية، يكفي التحالفُ مع العشيرة المَلكية بالعربية السعودية وإرسال العديد من العمّال إلى الدول النفطية. فقد تمكّنت مصر من الحفاظ على اقتصادها لسنواتٍ عبر إرسال عُمّالها إلى المَلكيات النفطية، مما مكنهم من تحويل جزء كبير من أجورهم إلى بلدهم الأصلي. والأمرُ لا يقتصر على مصر وحدها، بل يصدُق على كل من الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا والسودان التي تبنّت اختيارات مشابهة. بَيِّنٌ أن هذه الدول لا تعتمد فقط على المَبالغ التي يقوم العُمال بتحويلها، لكن من المؤكّد أن هذه الأموال تزيد من قدرتها على إعانة الأسر المُعوزة لكي تستمرّ على قيد الحياة.
إن وجود شرذمة قليلة وقادرة على التحكّم في البلد بأسره، يفتح الباب على مصراعيه لنشوء العلاقات الاستعمارية. فقد كانت القوى الاستعمارية منذ القرن 19 تعمل على ضمان الأمن لمَلكياتٍ صغيرة حاكمة، وفي المقابل تقوم هذه المَلكيات برعاية المصالح الاستعمارية. وقد تمكّنت هذه العشائر الفاقِدة للمشروعية الديمقراطية من تأسيس مشروعيةٍ جديدة، وتتجلى في تقديمها لنفسها باعتبارها حاميةً للهوية وللعقيدة الدينية. كما أنها تعمل على مُساندة التيارات الدينية المُحافظة في كل أرجاء المنطقة العربية وفي غيرها من بقاع العالم، وتدعمها عبر تسخير الملايير النفطية.
بناءً على ما سبق، استطاعت هذه المَلكيات النفطية أن تتبوّأ مقامًا مرموقا. فقد أصبح الرأيُ العام في الدول العربية يميل إلى تأييدها شيئا فشيئا، مُعتبرًا أن ثراءَها ومكانتَها دليلانِ على أن سلطتَها السياسية كانت جيّدة. لقد سمعت مِرارًا بأن ثروة هذه المَلكيات تُعدّ دليلاً ساطعًا على أن الله يبارك نظامَها. وقد أدّى ذلك إلى انتشار ما يسمى بالإيديولوجية الوهابية في عموم الدول العربيةِ وفي عدة دولٍ إسلامية كذلك؛ والوهابية هي فرقة مُتصلبة وجدُّ مُتشدّدةٍ، تنتسب إلى الإسلام وتدعو للعودةِ إلى نمط الحياةِ والقيم التي كانت سائدة في فجر الإسلام وفي قرونه الأولى. وبالفعل، ساهمَ المالُ الذي تَحوزه هذه المَلكيات في مَنْحِها نفوذًا أخلاقيًا، سرعان ما تَحوّل إلى مكاسب سياسية. فهي تمنح أموالاً طائلة للقوى السياسية المُتحالفة معها ممّا يُساعد هذه القوى على تنظيم ذاتها وعلى توزيع الحليب واللحم والملابس والمنازل على الناس الأكثر بؤسًا وحرمانا وعلى تقديم خدمات اجتماعية لهم. إن هذا الاستثمار في الحقل الاجتماعي صار دليلا آخر على أن هذا النظامَ جيّدٌ وفاضلٌ وأنّه مُؤيّدٌ من الله، وبالتالي لا يجوز الاعتراضُ عليه ومناهضته. لقد لعبت هذه العوامل دورًا مُهما في الديناميات السياسية التي سبقت الانتفاضات، وأتاحت بالتالي للمُتربّصين بها فرصة لاستغلالها .

تأثير "الفكر القبَلي"

هناك عنصر آخر ذو طبيعة سوسيولوجية من شأنه كشف الغطاء عن السبب الذي يقف وراء تعميرِ الأنظمة الاستبدادية في هذه المنطقة لعشرات السنين، في حين أن أنظمة أخرى في العالم تمّ الوقوف ضدها قبل ذلك بكثير.
سأسمي هذا العنصر الفكر القبَلي. وهو الفكر الذي يُحدث خللاً وظيفيًا في الدولة. ففي القبائل العربية حيث رأى الإسلامُ النورَ، تأخذ بنية السلطة القبَلية شكلا عموديًا وليس أفقيا.
يعملُ النظام القبَلي على تقوية تضامن الأفراد وتآزرهم فيما بينهم. ولكن ليس باعتبارهم أفرادًا متساوين، بل بوَصفِهم عناصر تحتلّ مواقع مُتباينة داخل هرم السلطة. يتأسّسُ هذا التضامن على علاقاتٍ عمودية، أي على علاقات العشيرة. ويُرمز إلى هذا الصنف من التضامن بالمثل العربي القائل " أنا وأخي ضد ابن عمي، وأنا وابن عمي ضد الأجنبي." فالعشيرة التي تَنْبَنِي على أساس علاقات سلطة عمودية، هي الجماعة المُتضامنة الأساسية. يُشير هذا إلى أن الناس يحتاجون إلى بعضهم البعض في مُختلف مُستويات علاقات السلطة. فالأفراد الذين لهم نصيبٌ ضئيل من السلطة، هم دائمًا في حاجة إلى ذوي النفوذ لكي يستغلونَهم ويحمونهم في نفس الوقت. وبما أن هذه المجتمعات تخلو من مؤسسات ذاتُ قواعدَ واضحة تُحدّد حقوقَ الأفرادِ وتسمحُ لهم بمُعارضة السلطة، فما على المرء بوصفه مُهَيْمَنا عليه سوى أن يحرص على عقد صلات طيّبة مع ذلك المُهَيْمِن الذي يستغله؛ ولسان حاله يقول: سأمنحه ما أراد، لكن عليه بالمقابل أن يحميني. ذلك لأن التضامن يتأسّس غالبا على علاقات العشيرة، ونادرًا ما ينشأ فيما بين المحرومين. لقد تمّ تقديس هذه التصورات ونُشرت عبر إيديولوجية دينية محافظة؛ فأتاحت بذلك للفكر القبَليّ التقليدي فرصة التسرّبِ التدريجي إلى المجتمعات العربية، مما أدّى إلى استشراء الأصولية الدينية. فلم تسلم منها حتى مصر، وهي البلدُ الذي عرف ثقافة الدولة المركزية منذ أربعة آلاف عام، لكن رغم ذلك استطاع هذا الفكر أن يتغلغل في شرايين علاقات السلطة بها. فعندما تكون في حاجة إلى نيل حقوقِك أو إلى الحصول على خدمةٍ حكومية فحسب؛ يُمكنك أن تقضيَ حاجَتك بسهولةٍ ويُسر، إذا كنت مُقرّبًا من أحد المُنتمين إلى المؤسسة الإدارية التي تقصدها. آنئذ، لا يَسعك سوى أن تبحث في قائمة أسرتك أو أقاربك أو جيرانك عن أي شخصٍ يكون بِمَقدوره القيامُ بمعالجةِ ملفك بسرعةٍ. يُعزّز هذا الوضعُ وشائجَ السلطة التقليدية للعشيرة وللعائلة المُمتدة، ويقف على الطرف النقيض من التصوّر الذي يتأسس على حقوق المواطنة. ويلعب هذا العنصرُ أيضًا دورا مُهما في تأبيد السلطة، كما أنه يَحُول دونَ بناءِ تضامنٍ قاعدي بين الأفراد والجماعات المُبعدة عن دائرة السلطة. في هذه الحالة، يستحيل قيامُ ثورةٍ شعبية، عَدا إن تمّت إعادة النظر في هذا النموذج من علاقات السلطة.
يمكنني أن أختزل الملاحظات السالفة الذكر، في القول بأن مؤسسات أغلب الدول العربية يعتريها الخللُ والنقص. وذلك لأنها تعمل دومًا على إعادة إنتاج نفس علاقات السلطة العمودية التي تجعل المُستغَلين مُضطرِّين إلى التفاني في خدمة المُستغِلين، إن أرادوا البقاء على قيد الحياة. إن المُستغَلين مُلزمون بتقوية أواصرهم مع عشيرة مُستغِلِّيهم وأسرتهم وقريتهم وأشرافهم، وذلك بدلَ الاهتمام بتطوير علاقاتهم مع نظرائهم في القرية أو في الحي المُجاور. يَكشف هذا الوضعُ النقابَ عن السبب الكامن وراءَ تعميرِ هذه الأنظمة المُعادية للديمقراطية، واستمرارها طويلاً دون أن تصطدم بمعارضةٍ جدّية.
بعد تناولنا للسياق العام الذي أطر هذه الانتفاضات، سننتقل الآن إلى معالجة الخصوصيات التي تميّزها عن بعضها البعض. سوف تسمح لنا هذه المعالجة بالنظر في مدى تأثير هذا السياق العام على حالة كل بلدٍ على حدة.

الخصوصيات

عندما نطرح السؤال التالي : لماذا اندلعتْ شرارة الانتفاضةِ في تونس أولاً، ثمّ انتقلت بعدها إلى مصر؟ فإننا ننتقل بعدهُ مباشرة إلى البحث عن خصوصيات هاتين الدولتين.
تونس بلدٌ صغير ومنسجمٌ دينيًا وإثنيا ولسانيا، لا حدودَ له مع إسرائيل، ولا يملك نفطــًا. وليست له سياسة افريقية متقدمة، بحيث أنه لم يُحاول تمتينَ علاقاته مع باقي الدول الإفريقية في أفق التصدّي للسياسات الغربية. وبما أنه أقلّ أهمية من جيرانه في المجال الاستراتيجي، فقد أعرضت القوى الإستعمارية عن الاستثمار فيه سياسيًا. وعلى خلاف الوضع في مصر مثلاً، لم يعمل الجيشُ التونسي على توطيد علاقات التعاون بين مُختلف درجاته، كما أنه لم يتلق مُساعدات مالية مباشِرة من شأنها أن تجعله تابعًا لقوى أجنبية. لكن هذا لا يعني أن توجهات "بن علي" لم تَحظ بالدعم السياسي الخارجي؛ فقد نسجَ نظامُه علاقات صداقة مع بعض الوزراء الفرنسيين الذين عملوا على مَنحِه بعض التقديرِ في فرنسا، وفي مقابل ذلك لم يستنكفوا عن تحصيل بعض الامتيازات. ورغم ذلك، لم يكن للجيشين الفرنسي والأمريكي استثمار سياسي جِدّي مع الجيش التونسي. فعندما اشتدّت وطأةُ المُعارضة ضد نظام بن علي، لم يجد وراءَه آنذاك سَندًا من القوى الأجنبية المُستعدّة لدعمه بشكل مباشر، وذلك عن طريق التوغّل في علاقات السلطة المحلية لأجل كبح التغيير أو استغلاله. لقد ضعُفت مقاومة النظام التونسي القائم عن ذي قبل، كما أن عاملَ المفاجأة كان بلا ريب عُنصرا آخر يُضاف إلى سجلِّ هشاشته.
فضلاً عمّا سلفَ، تَميّزَ هذا النظام بكثرة النهب. فقد تجمّعت كل السلطات والامتيازات في يد عائلة "بن علي" وأصهاره من عائلة "ليلى الطرابلسي". وأصبح مُعظم الاقتصاد التونسي في خدمة عائلتين مُمتدّتين كبيرتين، وتَحْوِيَانِ أبناءَ وبنات العمِّ، وإخوان وأخوات. ونتيجة لذلك، بدأ الشعورُ بالإقصاء يَدبُّ في أوصال البرجوازية التونسية التي حُرمت من المكاسب التي تُخوّلها لها مكانتها، فأعربت عن مُتمنياتها بوقوع تغييرٍ عميق. ومنذ اندلاع الشرارة الأولى؛ دوّتْ صرخة الانتفاضة وخلّفتْ أصداء عميقة، ممّا ساهم نسبيًا في قيام تعبئةٍ شاملة. أقول "نسبيًا"، لكي لا ننسى أن النضالات الاجتماعية شهِدت انطلاقتَها منذ سنواتٍ خَلتْ، إلا أنها بدَت عقيمة نظرًا لشدّةِ وقساوة القمع الذي تعرّض له العمّال المُضربون. لكن مع ذلك، عملت هذه التعبئة المُنتظمة على تمهيد السبيل لانطلاق انتفاضة يناير سنة 2011، فصارتْ حينئذٍ الانتفاضة التونسية مُمكنة.
يصدق نفسُ الأمرِ على حالة مصر التي قضت عشرة أعوام في التعبئة المُتأنية والجادّة والعميقة، لتفضيَ بعد ذلك إلى انفجار الانتفاضة سنة 2011. فطيلة الفترة السابقة للانتفاضات، كانت أربعةُ شبكات للتعبئةِ قَيْدَ التشكّلِ. الأولى هي الشبكة النقابية التي ساهمت الظروفُ الاقتصادية الصعبة في إنعاشها، كما أنها استفادت من هامش انفتاحٍ ديمقراطي ضئيل. ففي هذا البلد، تمّ رصدُ بضع عشراتٍ من الإضرابات طيلة عام 2000، وبلغت سنة 2007 إلى مُعدّل إضرابٍ واحد في اليوم؛ لكن في سنة 2008، تمّ تسجيلُ إضرابين في اليوم. وفي خضمّ هذه الإضرابات، كانت النقابات وبعض الناشطين السياسيين يَقومون بنسْج شبكاتٍ للتعبئة وتقويةِ أسس التضامن فيما بينهم. وهناك أيضا حركة إصلاح الدستور التي حاولت تفادي توريث "مبارك" الحكم إلى نجله "جمال"، وسَعت إلى تعديل الدستور قصدَ الحدِّ من صلاحيات الرئيس. وقد نشأت هذه الحركة في كنف مجموعتين، هما حركة كفاية والحركة التي تزعمها "البرادعي" الحائز على جائزة نوبل للسلام سابقًا. وفي الأخير، هناك الشبكة التي تألّفت من وسائل التواصل الاجتماعي، وانضوت في البداية تحت لواء حركة 6 أبريل، وكان الغرضُ منها هو مُساندة النضالاتِ النقابية. لكنها انتقلت فيما بعد إلى الاحتجاج على مَقتل المُدوّن الشاب "خالد سعيد" على يد الشرطة، وكان شعارُ هذا الإحتجاج هو: "كلنا خالد سعيد".
أتاحت هذه الشبكات إمكانية قيامِ تعبئةٍ وحشدٍ لانتفاضة يناير 2011، وذلك حينما انقدحتْ شرارة الإنتفاضةِ التونسية. غيرَ أنّ تعقّدَ الوضعِ السياسيِّ في مصر، ساهم في جعل تنظيم التعبئة أمرًا عسيرا. وعلى خلاف ذلك، لم يكن النظامُ في تونس مُتجذّرًا مثلَ نظيره المصري، هذا إضافة إلى تبايُن آليات تثبيت الشرعية بين البلدين. لهذا كان إسقاط النظام التونسي أيْسر من إسقاط النظام المصري. وبذلك صارَ النموذجُ التونسي مَصدر إلهامٍ للنشطاء المصريين، لأنه برهنَ لهمْ على أن إسقاط نظامٍ مستبد ليس مسألة مستحيلة.

سؤال الراهن

يُعتبر التنبّؤُ بمثل هذه الانتفاضات أمرًا شبهَ مستحيل. لكن بعد مرورِ ردحٍ من الزمان، صارَ بإمكاننا أنْ نطرحَ السؤالَ التالي: لماذا نجحت الانتفاضات في هذا الوقت بالضبط وليس قبلهُ؟ من العسير أن نعثرَ على أجوبةٍ تامّة ومقنعة عن هذا السؤال، لكن ذلك لا يَمنعُنا من اقتفاء بعض الآثار.
دأبَت الأنظمة العربية على نهجِ سيرورات مُصطنعة لأجل إضفاء طابعِ المشروعية على وجودها.، لكن هذا الأمر لا يُمكنه أن يستمرّ إلى الأبد. فقد كانت تخلق الأعذارَ تلو الأعذار، بُغية تأجيلِ إقرار الحرية والعدالة الاجتماعية والشفافية. وتُعلّق هذه الأعذار على مِشجب بعض القضايا الكبرى التي تخرج عن نطاق سيطرتها؛ مثل القضية الفلسطينية والاقتصاد العالمي، وقضايا إستراتيجية أخرى مثل حرب العراق ضد إيران ثم حرب الخليج الثانية وبعدها الحرب على الإرهاب، وغيرها من القضايا التي صارت مُبرّرات تقوم دائما بالحيلولة دون قيام الانتفاضات في وقت مبكر. تُتابع هذه القضايا مَسارها الطويل الذي يبعثُ على الارتياب ويُغذّيه. وما علينا في هذه الحالة سوى أن ننتظر، ريثما يستقرّ الوضعُ وتتحسّن الأحوالُ وينبعثُ أمل قويٌ في النفوس بعدئذٍ. لكن الأمورَ تدخلُ بعد ذلك في نفقٍ مسدود، فيستفحل الشعور بعدم الرضا من جديد. وسرعان ما تطفو قضية كبرى أخرى على السطح، فيَسود الارتيابُ من جديد. ففي كل مرةٍ تأتي أحداث دولية مُعينة لكي تمنح للحكومات أعذارًا ومُبرّرات لكي تقول لشعوبها : اصبروا، سيغدو الوضعُ أفضلَ في المستقل، نحن الآن مُنشغلون بانجاز هذا الأمر أو ذاك. فبعد أحداث 11 شتنبر، أعلنت الحربُ على الإرهاب عام 2001. وأعقبها غزوُ العراق سنة 2003، فأصبحتِ المنطقة بأسرها في حالة انتظارٍ لِمَا سيُسفر عنه هذا الغزو. واليوم نرى، بعد انصرام عدة أعوام، بأن غزوَ العراق لم يُنتج مجتمعًا أكثرَ ديمقراطية وأمنًا وعدالة واستقرارا.
بدأت التبريرات التي طالما لجأتِ الأنظمة إليها لإعادة إنتاج نسَقها، تتهاوى الواحدة تلو الأخرى. إن هذه العوامل المتضافرة تمكننا من معرفة السبب الذي جعل هذه الانتفاضات تندلع في هذا الوقت تحديدًا. فقد تهافتت الأعذارُ التي تُبرّر القمعَ في نظر البعض، وصارت واهية وفقدتْ جوهرَها عند البعض الآخر. فزادتْ إمكانيات قيامِ الانتفاضة، وارتفعت درجات التعبئة. كما أن الانترنيت فتحَ مجالا جدّ واسع على العالم الخارجي .. الخ، مِمّا أدّى إلى إنضاجِ شروط الانتفاضة. وبعد كل هذا، نقول بأن هذه الشروط العسيرة على الاستيعاب هي التي جعلت نارَ الانتفاضات تشبُّ في هذه اللحظة بالذات وليس في غيرها.

هل هي ثورة الفايسبوك؟

لا اعتقدُ تمامَا بالرأي القائل بأن هذه الانتفاضات كانت ثورات الفايسبوك. ما الفايسبوك سوى أداة من بين الكثيرِ من الأدوات الأخرى التي تُمكّن من حشدٍ وتعبئة أكثرَ نجاعة. لكنني أظنُّ بأن العواملَ التي أشرت إليها آنفًا هي التي تفسّر قوة هذه التعبئة الهائلة.
تُستعمل تكنولوجيا المعلومات بشكلٍ أكثرَ فعالية من طرف الحكومات لأجل تثبيتِ الناس في مواضِعهم وصدِّهم عن السفر، ومن معرفة ما يقومون به بالضبط، ومن الحصول على ملفات كاملة قابلة للنقل الفوريِّ من نقطةٍ إلى أخرى داخل البلد أو من دولة إلى أخرى. إن استعمال الأنظمة لتكنولوجيا المعلومات، يُعدّ أكثرَ نَجاعة بكثير من استعمالها من طرف الشباب الذين يُنظّمون بواسطتها مُظاهرة ما. تُمكِّن مُراقبة تكنولوجيا المعلومات أيضًا، السوقَ المالية من تأدية وظيفتها بشكل فعّال. لا أظن بأن الفايسبوك أو الشبكات الاجتماعية كانت سببًا أو تفسيرا أساسيا للثورة، بل أداة من أدواتها فحسبْ. يأتي الحافز والقوة المحرّكة مِنَ الشروطِ السياسية والاقتصادية وليس من التكنولوجيا.

وما هو مَحلّ سوريا من كل هذا؟

لماذا تعتبر قضية سوريا مُعضلة عسيرة الآن، خاصة إنْ تعلق الأمرُ باتخاذ موقفٍ مُحدّد منها؟ فهي –حسب اعتقادي- تُعدُّ نموذجًا كاملا للإنتفاضة المسروقة التي حَرص بعضُ الفاعلين على تحويل مسارها خدمة لمصالحهم، ولأجل ثنيِها عن إنتاج نظامٍ ديمقراطي. انظرْ إذن لماذا تمّ ذلك؟
ما يقعُ بسوريا اليوم، وما يحدث يوميًا على أرضها، يصعبُ جدًا ضبطُه وتحديده. فأنا أتابع باهتمامٍ كبير ما يَرد في تقارير تبدو ذات مصداقيةٍ كبيرة، ثم اقرأ أيضًا تقاريرَ أخرى ذات مصداقية تقول العكس تمامًا. إذن ليسَ من السهلِ اتخاذ موقفٍ مُعين حُيالَ ذلك. هل يتعلّق الأمرُ بانتفاضةٍ شعبية حقيقية يُجريها شعبٌ قامَ ضد ديكتاتور؟ أم أنها مُجرّد تمرّد مُسلّح تُسانده وتُساعده قِوى خارجية، وبمشاركة مُكثفةٍ لمُرتزقةٍ وإسلاميين مسؤولين عن العنف؟ ليس واضحًا تماما ما يقعُ على الأرض. من الذي ارتكب مجزرة الحولة ؟ من قتلَ الصحفيين الأجانب أو المحليين الذين قاموا بتغطية الأحداث؟ سأحاولُ التصريح بما هو واضحٌ وبما هو مبهمٌ بالنسبة لي.
ما يبدو جليًا وواضحا هو أن النظام السوري كان منذ عشرات السنين نظامًا مُستبدًا وفظًا جدًا، بل وديكتاتوريًا في بعض وجوهه. فهو لا يُفوّت أيّة فرصةٍ للزّجِ بمُعارضيه في السجن وتعذيبهم. وهو في المقابل لم يستغلْ كل الفرص المُواتية التي أتيحتْ له لتدشينِ انفتاحٍ ديمقراطي. فهو ينظر إلى المشاكل السياسية على أنها مشاكل أمنية قبلَ كلّ شيء، ويُعالجها بوصفها كذلك ممّا يُفضي به إلى ارتكاب انتهاكاتٍ جسيمة لحقوق الإنسان. يُفسّر هذا الموقفُ جزءً من فظاظة القمع المُمَارَسِ ضدّ العِصيان الحاصلِ. يعني هذا، أننا نتحدث عن نظام يحظى _ويبدو انه لا زال_ ببعض المشروعية عند السكان، وهي تفوقُ مشروعية المعارضة الحالية بكثير. لماذا؟ لأنه يشتغل منذ عشراتِ السنين على أساس نموذج الدولة-المانحة التي تقدّم خدمات للمواطنين. لكنها تؤطّر بصرامةٍ كلّ الأنشطة السياسية، وتمنعُ تلك التي ترومُ الإفلاتَ من مراقبتها. انه نظامٌ يطغى عليه التوجّه الاشتراكيُّ، لهذا نجده يضعُ حدودًا للمبادرات الشعبية والاقتصادية وغيرها. لكنه في المقابل يضمَن للناس ولوجًا للتعليم والصحة. فالخدمات هنالك ليست متطورة جدًا، لكنها صالحة ولا بأسَ بها. لقد عملَ هذا النظام منذ أمدٍ بعيد على دعم التنمية في المجال الزراعي، لكنه تخلّى عنها إبّان مُنعطفه النيوليبرالي عام 2006 مُخلّفا وراءَه استياءً عميقًا بالأرياف. كما أنه تبنّى سياسات عمومية غير مُنحازةٍ طائفيًا، ممّا جعل الأقليات تشعرُ بأنها محمية من طرَفه، هذا مع كظمها لغيظٍ دفينٍ تُجاه تَسلّطِه. تنتسبُ عائلة الرئيسِ إلى العلويينَ باعتبارهم أقلية دينية، وهُم من فروع الطائفةِ الشيعية التي تنتمي بدورها إلى دائرة الإسلام كأقليةٍ. فعلى مستوى العالم الإسلامي، يُشكّل الشيعة من 10 إلى 12 % أما الباقي فكلهم من السنة. والرئيسُ مُحاط ببطانةٍ من طائفته يثق فيهم، لكنه مع ذلك استطاع أن ينسُج تحالفات مع الطائفة السنية ذات الأغلبيةِ، بحيث أن هناك الكثير من السنة يتقلدون مسؤوليات سامية في الجيش وفي باقي المصالح الأمنية. وكغيرها من الجمهوريات العربية، لا زال النظامُ في سوريا يرزحُ تحت هيمنة الفكر القبَلي ... فقد ورث الابنُ رئاسةَ الجمهورية عن أبيه. وهو ما حاول الرئيس المصري القيامَ به لصالح ابنه "جمال"، لكن دون جدوى. و كان الأمرُ كذلك مع الرئيس العراقي السابق "صدام حسين"، الذي لم يستطعْ بدوره تنصيبَ أحد ابنيه "عُدي" أو "قصي" على رأس السلطة بالعراق.
وبإقرارها لعلمانية الدولة، عمِلت الحكومة على ضمان بعض المُساواةِ بين الأقلياتِ الدينية واللغوية التي تُشكّل نِسبتها 35 % من السكان. فسوريا فسيْفساءٌ من الأكرادِ، والمسيحيينَ بمُختلف مذاهبهم (الملكيين الكاثوليك، الأشوريون، الإغريقيون الارثوذوكس)، والأرمينيون ...وغيرهم. في هذا الصدد؛ يُلاقي النظامُ الذي لا يُؤسِّس نسقَه الاجتماعي على رُكني الهوية والعقيدة الدينيتين استحسانًا، ليس من طرف الأقليات فحسبْ، بل من قِبَلِ قطاعٍ واسع من الأغلبية السُنية التي لازالتْ تُحبذ خيارَ الدولة العلماني إلى يومنا هذا.
أسّس النظامُ السوري علاقات جيدة مع جزءٍ كبير من السُنّة الذين يُشكلون الأغلبية؛ ولم تنحصرْ هذه العلاقات في مستوى النخبة الاقتصادية فحسبْ، وإنما امتدّت لتشمل فئة الفلاحين أيضًا (وذلك إلى حدود 2006).
من البديهي أنّ غالبية الشعب السوري لا تُحبّذ الطابعَ السلطوي الذي اتسمَ به النظامُ. فلو كانت الانتفاضة سلمية، لَمَا تَوَانى مُعظم الشعبِ عن مُساندتها في الغالب الأعم. يبدو أن الأغلبية لم تكنْ راغبة في اندلاع حربٍ أهلية، بقدْر رَغبتها في حُصول انتقالٍ سلمي للسلطة. وحتى لو سلّمنا بأن الانتفاضةَ كانت سلمية في بدايتها وأنها كانت في طريقها نحوَ الديمقراطية بسوريا، فالأمرُ لم يَعُد كذلك الآن. في الواقع، قامت كلٌ من العربية السعودية وقطر وتركيا والناتو والأمريكيين والفرنسيين سريعًا بحشر أنوفها في هذه القضية. كما أن هذه الدول كانت حريصة على دعم التمرّد بمختلف الأساليب المُتاحة، من أسلحةٍ ومال ومعلومات عسكرية ومساندة لوجيستيكية وسياسية؛ وذلك أملاً في إسقاط النظام السوري بسرعة فائقة، وتنصيبِ نظام آخر مَحله قصدَ خدمةِ مصالحها. لكن مصالحَ هؤلاء الفاعلينَ المُتعددين ليست مُتطابقة تمامًا، وقد أدّى ذلك إلى تضارب المواقف داخل القوات المُكوِّنة للناتو : إنها تُجمع على إسقاط النظام وتدمير البنية التحتية للدولة وتمكين الإسلاميين من السلطة، لكنها تخشى من استحواذ الإسلاميين المُتطرّفين أو السلفيين على مَكاسب أكثر. أمّا قادةُ المُعارضة القاطنين خارجَ الحدودِ فهُم في حاجةٍ ماسّة إلى الدعم، لهذا ترَاهم لا يتورّعون عن التودّد إلى إسرائيل طلبًا لدعمها. فليس من قبيل المُصادفة أن نجد "برنار هنري ليفي"، بعد أن أنجزَ حملتَه على ليبيا، يعملُ عن قرب مع المُعارضة السورية الرسمية القاطنة بالخارج لأجل تنظيم بعض الندوات لتوفير الدعم السياسي.
في هذا السياق، نجدُ أنفسَنا أمام انحرافٍ بالزخم الشعبيِّ عن سبيله، فقد عملت قوى أجنبية على تسخيره لخدمة مصالح إستراتيجية بعيدة كل البعد عن الديمقراطية.

ما هي هذه المصالح الإستراتيجية؟

قامت العربيةُ السعودية بوَضْع كاملِ وزنها السياسي والاقتصادي رهنَ إشارةِ الجماعاتِ الإسلامية الراديكالية المُشاركة في التمرد؛ وذلك لتحقيق رهان ثُلاثي، وهو الحصولُ على نظامٍ يَنبُذ القومية العربية كأفقٍ سياسي، تحطيمُ محور حزب الله/سوريا/إيران بوصفه الحلقةَ الوحيدة المُقاومَة للسياستين الإسرائيلية والأمريكية، وفي الأخير التخفيفُ من نُفوذ الروسِ في المنطقة لأنّ سوريا من أبرز حلفائهم. تُجْمِعُ أغلبُ دولِ الناتو -ومن بينها تركيا- على هذه الرهانات الإستراتيجية. لكن التعارض يَكشفُ عن مُحيّاه عندما يتعلق الأمر بالمكانة التي ستتبوّؤها الجماعات الجهادية المتطرّفةُ المدعومة من طرف العربية السعودية دونَ تحفّظٍ. في حين نجدُ أنّ باقي القوى تُبدي بعض التحفّظات حُيال هذه الجماعات. تمنحُ اغلبُ هذه القوى المُسانِدة للمعارضة مَكانةً خاصةً للإخوان المسلمين؛ وذلك إما لأسباب إيديولوجية مثل حالة السعودية، أو باعتبارهم حُلفاء استراتيجيين فحسب.
ما يزيد الطين بلة هو أننا نَعثر داخلَ المعارضة الموجودة بالخارج والمُعترَف بها من طرف الغربيين على فئة قليلة من المثقفين الديمقراطيين والعلمانيين؛ أما الأغلبية الساحقة فهي من الجماعات القريبة من الإسلاميين، وتٌحرِّكها العربيةُ السعودية. يستحوذ الإسلاميون على قيادة المعركة على أرض الميدان، أما الجماعاتُ ذات التَوَجُّهِ الديمقراطيّ فلا وجودَ لها يُذكَر. ممّا لا شكّ فيهِ أن الإسلاميين لا يُجمعون على رفض الديمقراطية، لكن التوجّه المُهيمِن على السياق السوري يَتميّزُ بالدوغمائية المُطبقة والطائفيةِ وبنزوعٍ كبير إلى العنف والقمع. وقد كانت التصفيةُ على أساسٍ عرقي أو طائفي، من المُمارسات التي دوّنها المُراقِبون في تقاريرهم. ففي بداية هذه الانتفاضات، وقبل أن يأخذ التمرّدُ شكلَه العسكري الذي نَراه اليوم، كان بوُسْعنا أن نسمع الشعارَ التالي باللغة العربية: "العلويون إلى القبر، والمسيحيون إلى بيروت". وبالفعل ارتُكبت عدّة اغتيالاتٍ على أساس طائفي من طرف المُتمردين.
لابد من لفت الانتباه إلى أن الحالة السورية صاحَبها تضليلٌ إعلامي كثيف، لإخفاء حقيقة ما يحدث على ارض الميدان. فقد تمّت إقامة آلةٍ دعائية جدُّ مُتخصِّصة في تسريب المغالطات. على سبيل المثال هناك منابر إعلامية تستقي الأخبار دائمًا ممّا يسمى ب"المرصد السوري لحقوق الإنسان"؛ فإذا أمْعنتم النظرَ في الرسائل الصحفية التي تُطالعونها في جريدة "الواجب" أو في جريدة "الصحافة" الكنديتين، سوف تجدون دائمًا إشارة إلى هذا المصدر وفي بعض الأحيان يُشار إليه حصريًا مع تجاهلٍ تام لمَصادر أخرى أكثر مصداقية منه. وفي الكثير من الحالات التي تكون فيها المجازرُ مُرتكبَة من طرف المُتمردين بشكلٍ واضح، تُسارع الرسائلُ الصحافية إلى زرع الشكّ إما باتهام الحكومة باقترافها أو بالقول أن المسؤولية عنها غيرُ واضحةٍ تمامًا.
وفي كلتا الحالتين يُعتبر الخطأ جسيمًا. لقد احتفظتُ ببعض الصورِ المنشورة بجريدتي "الواجب" و"الصحافة"، وهيَ تُظهر مُظاهرات مُؤيِّدة للنظامِ وفيها يرفعُ الناسُ صورًا للرئيس "بشار الأسد"، لكن كُتِبَ في أسفلها على أنّ الأمرَ يتعلق بمظاهرات مُناهضة للنظام. وفي شهر ماي 2012 نشرَت قناة ال ب.ب.سي صورة تُظْهِرُ ما يُفترض أنه جُثث مدنيي مدينة الحولة التي كانت مسرحًا لمجزرة، وكان مكتوبا على هذه الصورة بأن هؤلاء الموتى هم ضحايا الجيش السوري؛ وقد نشرتها القناةُ باعتبارها دليلاً على ذلك، قائلةً في كل حين بأنه لم يتم التحقّق من الصورة بشكلٍ مستقل. لكن الثابت هو أن هذه الصورة قد التُقطت بالعراق سنة 2003 من طرف المصور الفوتوغرافي "ماركو دي لورو" (Marco di Lauro). فحتى لو تعلقَ الأمرُ بخطأ ارتُكِب بحسن نيةٍ، فقد كشَف نشرُ هذه الصورة عن ميلِ وسائل الإعلام إلى تصديقِ كل ما يأتي من المُتمردين. ليس سهلاً أن نُحدد بدقّة ما حدث بالحولة التي ذُبِح بها عشرات الأشخاص في ماي 2012. يبدو أن النظام قام بقصفٍ حقيقي لتجمعات المُتمردين فقتلَ حَوالي 20 منهم. لكن بعد ذلك، قَدِم المتمردون وقاموا باغتيال زهاء 80 شخصًا في البلدة لمُجرّد الظنّ بأنهم موالون للنظام.
تكشف هذه الأخطاء وهذا التضليلُ الإعلامي المُنتظِم عن عدة أشياء أكثر خطورة وأكثر انتظامًا. انه تقديم للنزاع السوري على انه صراع بين طرفين مُتناقضين؛ بين ديكتاتورٍ من جهة، وبين شعبٍ حملَ السلاح بعد يأسه من جهة ثانية. لكن قصّة أخرى بدأت تطفو على السطح شيئًا فشيئا؛ إنها تلك التي تحكي عن تمرّدٍ مُسلّح لا يستجيبُ لأهداف القوى الشعبية الديمقراطية ولا يخدم مصالح الشعب السوري، لكنه يخدم أهدافًا جيو-استراتيجية للقوى الإقليمية والدولية التي ترغب في القضاء على سوريا بوصفها فاعلاً إقليميًا. في هذا السياق، تمّ خطفُ الانتفاضة الديمقراطية الحقيقية التي كانت مُمكنة في الشهور الأولى من عام 2011، وذلك لخدمة مصالح خارجية جدُّ بعيدة عن كل تصورٍ ديمقراطي.
لأجل تفادي الالتباس وسوء الفهم، أريد أن أكرِّر بأنه لا تربطني أيّة مودّة بالنظام السوري، وأنني اعتقد بأنه ينبغي أن يُبدّل حتمًا. لكن لا يجوز أن يُغيَّر عبر حربٍ أهلية تُعيد إنتاجَ السيناريو العراقي أو السيناريو الليبي كما يتمنى الناتو. ترغب قواتُ الناتو في نزْع سلاحِ النظام، في حين أنها مُستمرة في تسليح المُتمردين وتدريبهم وتزويدهم بالمُعدّات والمعلومات وبالإفادات العسكرية لجعلهم أكثر قوة وفعالية. هنا بلغنا إلى لحظة أُجرِيَ فيها هذا التواصل (بداية شتنبر 2012). أربعة أشهر بعد ذلك، نلاحظ بأنّ الحكومةَ لازالت في مكانها وبأن القوى الخارجية ترغب في الحوار معها بعد أن تخلت عن مشروع تقويضها عبر العصيان المُسلح.
في هذا السياق، تمّ إجهاضُ إمكانية حدوثِ انتفاضة واعدةٍ بالتغيير الديمقراطي. لقد سُرقت الانتفاضة.
النهاية.



#عامر_السدراتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عامر السدراتي - من ذا الذي يرغب في خطف الثورات العربية؟