حكمت عيسى رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 4849 - 2015 / 6 / 26 - 09:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كوردستان البوابة للازمات الجديدة
حكمت عيسى رشيد
منذ تحرير العراق تحت قبضة نظام البعثي الصدامي و بالرغم من أن الكورد لجأوا الى بغداد بنوايا حسنة و حاولوا بناء دولة مدنية ديموقراطية متعددة الاطياف من خلال كتابة دستور جديد متطور و مدني حيث تتطلع ابناءه من العيش بكرامة و بناء جيش وطني قوي تحمي سيادة الدولة تعيش فيه الكل بحرية مستمتعة بحقوقه المشروعة و تثبيت حقوق الكورد في الدستور العراقي, الا أن شركاءهم في بغداد حاولوا مرارا وتكرارا اعاقة سير العملية الديموقراطية من خلال خلق عقبات مفبركة و افتعال ازمات متنوعة لاِضعاف دور الكورد في بغداد تجنبا عجز مركزية بغداد في التعامل مع الاحداث و كذلك خوفا من انقسام الدولة الى دويلات صغيرة.
طالما فهمنا من العرف السياسي بأن صناع القرار يرسمون اطارا عاما لحلحلة مشاكل عامة عن طريق تعريف المشكلة و تحديد اسبابها و من ثم ايجاد حلول و بدائل لحل المشكلة, ولكن السياسيون العراقيون اما بسبب قلة خبرتهم و جهلهم السياسي أو بسبب ما كانوا يحاولون خلق مشاكل معقدة و يلجئون الى خارج البلد لايجاد الحلول مناسبة, وهذا ما يتمناه بعض الدول المتصارعة و المتنازعة على العراق في حسم الموضوع لصاحها كما يقال الكل يغني على ليلاه و النتيجة هي ما نلاحظها من الأوضاع المعيشية المتردية للعراقيين من فقدان الامن وعدم استقرار السياسي و احتلال ثلث أراضي العراق من قبل تنظيم داعش.ويمكن القول بأن السبب الرئيسي للأزمة في العراق هو ضعف بنية النظام السياسي و ضعف أداء البرلمان في بغداد و كذلك بعد الفشل الذي منيت به حكومة العراقية في الاستثمار في القطاعات المختلفة و الفساد المالي والأداري و صفقات الاسلحة و هذا ما دفع بغداد الى خلق ازمات معقدة ليس مع الكورد فقط و انما مع اليشعة والشيعة و ايظا مع السنة والشيعة , أي صناعة الازمات من أجل اغفال الرأي العام عن اخفاقها من اجل نوايا خفية.
ومنذ بداية العملية السياسة قام بعض السياسيون العراقيين من العرب و لاسيما في فترة حكم نوري المالكي و من خلال دورتي حكمه بخلق مشاكل متعددة و معقدة مع اقليم كردستان بالرغم من أن الاقليم تحضى باستقرار سياسي نسبي اكثر من مناطق اخرى في العراق حيث تتمتع الاقليم بازهار قطاع الصناعة و التجارة و السياحة ايضا وبصورة نسبية, فقام الكورد بجذب شركات عالمية الى الاستثمار في الاقليم مما دفع الحكومة الى التتفكير في بناء بنية اقتصادية وتطلعات المستقبلية, ولكن هذا لا يعني بأن الاقليم بعيدة عن قضية الفساد المالي والاداري كما هو الحال في بقية اجزاء العراق وهذه الظاهرة تعد من أكبر أزمات تواجهها السلطات في الاقليم, الى ذلك قام بعض السياسيون من صناع القرار في بغداد بعرقلة حصة الاقليم من الموازنة المالية و قطع رواتب البيشمةركة و واستحقاقات الاقليم النفطية و الكمارك والحصار الاقتصادي على الاقليم و عرقلة تطبيق مادة 140 من الدستور العراقي الذي يخص بالمناطق المتنازع عليها و و خلق مشاكل في ادراة ورسم السياسات العامة والخارجية و كل هذه ادت الى تراكم المشاكل بين الاقليم و المركز مما ادى الى صعوبة ايجاد حلول مناسبة للمشاكل العالقة و اضافة الى ذلك هددت بغداد بعواقب وخيمة اذا لم يوافق الاقليم على شروط بغداد و فعلا قام بعقوبة جماعية ضد مواطني كوردستان حيث تم قطع رواتب الموظفين الحكوميين و خلق ازمة مالية حادة مما اجبرت الحكومة المحلية باللجوء الى قرض الاموال من البنوك العالمية و هذا ما اثار ضجة كبيرة بين الاوساط الشعبية و السياسية من بين مؤيد و معارض و خصوصا بين الاحزاب الاسلامية و الليبرالية في برلمان اقليم كوردستان.
ازمة النازحين يعد ثقلا اخرا على كاهل حكومة كوردستان و تأثيرا فاعلا على المواطنين حيث أن هناك حالة غير طبيعية من النزوح,فبعد مجيئ داعش وسيطرتها على مدينة موصل و تكريت و الانبار و غيرها من الاقضية و النواحي فقد بدأ عملية نزوح اهالي هذه المناطق متوجهة نحو الاقليم ولم يتوقف العملية حتى الان الا أن الاقليم ليس باستطاعتها استيعاب هذا الكم الهائل من مواطني هذه المناطق حيث تقدر عددهم اكثر من مليون و نصف نازح اضافة الى النازحين السوريين من الكورد والعرب الذين هجروا اثر الحروب الدائرة في سوريا هربا من القتل و التشريد والارهاب ,وكل هذا اثر سلبا على حياة المواطنين من ارتفاع اسعار السلع و القعارات و الاجور الى جانب الأزمة المالية الحادة الموجودة منذ اكثر من عام و نصف.
والغريب في الامر أن حكومة كوردستان لم تقم بدورها الفعال في حلحلة على الاقل بعض مشاكل بسيطة مثل أزمة وقود و زيادة ساعات قطع الكهرباء و محاربة الفساد المستشري في البلاد و محاسبة بعض المسؤولين المقصرين و توحيد قوات البيشمةركة الكوردية الى أن الوصل الأمر الى أزمة ثقة بين الحكومة والمواطنين مما أدى الى خلق حالة استياء حاد بين اوساط و شرائح شعبية واسعة.
السلطات في الاقليم كثيرا ماتتهرب من المشاكل و تماطل للبحث في حلول قضايا يومية الى أن تتعقد الأمور ويصعب التعامل معها, فمثلا كان هناك خلاف على بعض المواد دستور الاقليم و خاصة المتعلقة بكيفية اختيار رئيس الاقليم و صلاحياته و رسم سياسات عامة في الاقليم, وضع هذه المسألة جانبا و تشبثوا بمسائل اخرى الى أن طفا الازمة فوق السطح و خلق حراكا سياسيا بين الاطراف المعنية في الاقليم , ففاقمت الازمة الدستورية التي يشهدها إقليم كردستان ، خصوصا” بعد أن رفضت عدة قوى سياسية تمديد الفترة الرئاسية للسيد مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني .. فمن المعلوم أن دستور اقليم كردستان حدد فترتين لرئاسة الاقليم لا يجوز تمديدها ، لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني يضغط بشدة لمنح رئيسه فترة رئاسية ثالثة في وقت يعارض هذا الامر بشدة من قبل بعض قوى سياسية.. لأن الامر يتطلب تعديل الدستور وهو أمر رفضته معظم القوى السياسية الكردية .
ولذلك فقد أججت الازمة الدستورية حول رئاسة الاقليم المزيد من الصراعات السياسية بين الكتل والاحزاب الكردية الأمر الذي لا يخدم الأمن والاستقرار الذي كان الاقليم ينعم فيه طوال الفترة الماضية . على الرغم من الانتقادات العديدة التي تعرضت لها الحكومة ، ابرزها تلك التي تتعلق بمواجهة الفساد الاداري والمالي لبعض المقربين من المسؤولين. وهذه الانتقادات والاتهامات ، كانت قد اتسعت بشكل ملفت للنظر بعد ظهور دعوات من قوى سياسية ومدنية عديدة تعارض وبشدة باحتكار الزعامة بيد حزب واحد أو طيف معين، وأخرى تدعو الى التغيير بعد سلسلة من إجراءات حكومية تحد من حرية الصحافة وحرية التعبير. ونتيجة لهذا الحراك السياسي الذي بلغ حد الصراع أن ظهرت دعوات لتقسيم إقليم كردستان الى إدارتين، واحدة لأربيل وأخرى للسليمانية، مستعيدة الصراع الطويل بين الحزبين الرئيسين في كردستان، والذي يبدو أنه كان متواريا” مثل النار تحت الرماد .
وفي جلسة استثنائية لبرلمان اقليم كوردستان و بغياب كتلة حزب الديموقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود البرزاني قام أربع أحزاب كوردية بقراة أولية بتعديل المادة الاولى من الدستور والنقاط التي تخص ب كيفية اختيار رئيس الاقليم و صلاحياته, وجاء هذه الخطوة بعد الفشل الذي مني به قوى كوردستانية في الجلوس على طاولة الحوار لحل تلك القضية وذلك بأن مدة رئاسة السيد مسعود بارزاني ستنتهي في 20 من شهر آب المقبل الغير القابلة للتمديد حيث هدد الحزب الديموقراطي باعادة النظر في الحسابات والتوافقات السياسية في تشكيل حكومة وحدة وطنية و توافقات سياسية في الاشراك في الحكومة المركزية الامر الذي يهدد الاستقرار السياسي والأمن القومي للاقليم من كل هذه المخاطر المحيطة من التدخلات الاجنبية و خطورة الارهاب الداعشي , فكل هذه الامور تضع الاقليم على حافة التمزق من الوحدة الوطنية التي تؤثر بدورها سلبا على الحياة السياسية و عرقلة أداء الدور الحكومي في سير عملية ادارة الدولة وتعقيد الامور أكثر مما تثيرهذه التخوفات الى استياء المواطنين و حدوث مظاهرات منددة واستغلال هذا الوضع من قبل بغداد و بعض الدول الجوار والرجوع الى مربع الأول.
#حكمت_عيسى_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟