بير روستم
الحوار المتمدن-العدد: 4828 - 2015 / 6 / 5 - 13:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقول الموسوعة الحرة في تعريف العبودية ما يلي؛ "العبودية أو الرق هي: امتلاك الإنسان للإنسان، وكون الرقيق مملوكا لسيده. نوع من الأشغال الشاقة القسرية طوال الحياة للعبيد حيث يعملون بالسخرة القهرية في الأعمال الشاقة والحروب وكانت ملكيتهم تعود للشخاص الذين يستعبدونهم.. وكانوا يباعون بأسواق النخاسة أو يشترون في تجارة الرقيق بعد اختطافهم من مواطنهم أو يهدي بهم مالكوهم. وممارسة العبودية ترجع لأزمان ما قبل التاريخ في مصر .. عندما تطورت الزراعة بشكل متنامٍ في مصر، فكانت الحاجة ماسة للأيدي العاملة. فلجأت المجتمعات البدائية للعبيد لتأدية أعمال تخصصية بها".. وحتى في أعمال وحشية قتالية ومعروفة قصة سبارتكوس حيث تقول الموسوعة؛ "سبارتاكوس (ولد سنة 109 ق.م - وتوفي سنة 71 ق . م) كان سبارتاكوس عبدا من رقيق الإمبراطورية الرومانية، وزعيما ثائرا أصله من دولة تراقيا القديمة رغم اختلاف المؤرخين القدامى في نسبه العرقي.. تعلم سبارتكوس في مدرسة للعبيد كيفية مصارعة الوحوش في ملاعب روما لتسلية الرومان، وفي سنة 73 ق.م نظم ثورة للعبيد في تلك المدرسة".
وكذلك تضيف الموسوعة؛ وبأن "أشهر ثورة للعبيد في التاريخ الإسلامي كانت ثورة الزنج في العصر العباسي في (القرن 9). وفي القرن 15 مارس الأوربيون تجارة العبيد الأفارقة وكانوا يرسلونهم قسرا للعالم الجديد ليفلحوا الضياع الأمريكية. وفي عام 1444م كان البرتغاليون يمارسون النخاسة ويرسلون للبرتغال سنويا ما بين 700 – 800 عبد من مراكز تجميع العبيد على الساحل الغربي لأفريقيا وكانوا يخطفون من بين ذويهم في أواسط أفريقيا. وفي القرن 16 مارست إسبانيا تجارة العبيد التي كانت تدفع بهم قسرا من أفريقيا لمستعمراتها في المناطق الاستوائية بأمريكا اللاتينية ليعملوا في الزراعة بالسخرة. وفي منتصف هذا القرن دخلت إنجلترا حلبة تجارة العبيد في منافسة وادعت حق إمداد المستعمرات الأسبانية بالعبيد وتلاها في هذا المضمار البرتغال وفرنسا وهولندا والدنمارك. ودخلت معهم المستعمرات الأمريكية في هذه التجارة اللا إنسانية. فوصلت أمريكا الشمالية أول جحافل العبيد الأقارقة عام 1619 م. جلبتهم السفن الهولندية وأوكل إليهم الخدمة الشاقة بالمستعمرات الإنجليزية بالعالم الجديد".
وهكذا فإن تاريخ العبودية تسبق الأديان وكل الفلسفات حيث نستطيع القول إنها تمتد إلى البدايات الأولى للإنسان وتراكم الثورة بيد البعض وفي ذلك يقول فريدريك إنجلز في مؤلفه؛ "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" وبما معناه (منذ تراكم الثروة بيد المالك بدأت عبودية الإنسان للإنسان) حيث كلما أزدادت الثروة كسلطة فاحشة متوحشة أزدادت عبودية الآخر أكثر عمقاً وفقد ما تبقى من الحريات. وكذلك فقد أكد كارل ماركس على "إن الدافع من الإنتاج الرأسمالي هو لاستخراج أكبر كمية ممكنة من فائض القيمة وبالتالي لاستغلال العمالة إلى أقصى حد ممكن" وأن "تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام".. وهكذا فقد تم إستغلال حاجة الإنسان "للطعام" أبشع إستغلال وفي عبودية مذلة لكرامته وشخصيته ولكن _وبرأي الشخصي_ إن أسوأ أشكال العبودية هي عندما تحولت مع الزمن من عبودية إجتماعية إقتصادية؛ خارجية تسلطية من الآخر "المالك والسيد" إلى عبودية عقائدية دينية داخلية سايكولوجية بحيث بات "الإنسان العبد" يبحث عن تلك العبودية ويمارسها بلذة مرضية "مازوشية" مما جعل فيلسوفاً بحجم ماركس يقول: "الدين أفيون الشعوب".
بلى، لقد كان الأخطر والأكثر علةً عندما أستطاعت الأديان وخاصةً الإسلام أن تزرع هذه الثقافة والسلوكيات في شخصية التابع والمريد والشخصية الإيمانية "المؤمن" والتي ما زالت تستمر عمقاً في ثقافتنا ومجتمعاتنا بحيث وصل بهم إلى أن يلحقوا أسمائهم بكلمة العبد؛ (عبد الله، عبد الرحمن..) وبقناعات راسخة وإيمان كلي. بكلمة أخرى؛ أستطاع الإسلام وبعد ممارسة طويلة لهكذا منهجيات فكرية وتربية نفسية أن ترفع من شأن العبودية إلى مرتبة الوجود الذاتي للكائن البشري نفسه وتصبح جزء من الأسس والبنى المعرفية الوجودية لنا وأن الشخصية الإيمانية تكون ناقصة من دون النقص ذاته وبأن يكون عبداً للخالق وذلك قبل أن تكون فلسفة إيمانية في تكريم وتعظيم "الذات الإلهية".
إذاً وبعد هذه المقدمات السريعة على توضيح عدد من النقاط، لننظر ماذا خلفت هكذا تربية نفسية على شخصية الإنسان المسلم عموماً والكوردي على وجه الخصوص؟ وسنحاول أن نبتعد عن المواقف المسبقة بخصوص المسألة قدر الإمكان. وهكذا ومن خلال ما سبق من تحليل وقراءات فكرية وأيضاً لما هو كائن في واقع وحياة المجتمعات الشرقية والإسلامية وشكل العلاقات الداخلية المجتمعية وخاصةً مع قضايا الحريات نستطيع القول؛ بأن مجتمعاتنا غارقة في مستنقعات العبودية وهي تُقتَل فيها بشكل غير أخلاقي وغير قادرة على الخروج منها رغم "الثورات" المتلاحقة؛ كون الإنسان الذي يرضى على نفسه العبودية لعقيدة ودين وإلهٍ خالق، سوف يقبل العبودية للأخرين أيضاً؛ إن كانوا زعماء عشائر أو الأحزاب والدول. وهكذا فإن ذاك الإنسان "العبد" لن يقدر على رفع رأسه أمام ((الكبير)).. ليس ذاك فقط، بل لو فكر أحد ما وحاول أن يخرج عن "طاعة السلطان" يوماً ما _مثلما فعل إبليس_ سوف لن يجد لنفسه مكاناً بيننا فهو "ملعوناً مطرود" من الجنة وسوف يُرجم إلى ما لا نهاية ولذلك تجد ثوراتنا من ولاء لقائد إلى ولاء لقائد جديد وبنفس السلوكيات السابقة.
والآن لنعود إلى قضية العبودية وآثارها الكارثية في الحالة الكوردية والتي جاءت نتيجةً للواقع السياسي وتكريساً على مر العقود والأحقاب الماضية لحالة العبودية لشعبنا بحيث تجذرت في ثقافتنا وتراثنا، بل وصلت إلى أعمق من ذلك حيث اللغة والتي هي بحسب التعريفات تعني "الإنسان، وهي الوطن والأهل، واللّغة التي هي نتيجة التفكير"، بل يمكننا القول بأن اللغة هي التفكير نفسها وقد تم إختراقها بالعبودية إصطلاحاً وفكراً وممارسة حيث وبالعودة إلى اللغة والتراث الشفهي لشعبنا وعندما نريد أن نكرم شخصاً ما نقول له "ez benî" وترجمتها الحرفية؛ (أنا عبدك). وهكذا فإذا وضعنا هذه العبودية فوق كل تلك العبوديات الأخرى السابقة والتي تمارس بحقنا ككورد، فكم يلزمنا من الجهد والوقت ليتحرر الإنسان الكوردي من تلك الشخصية الإنهزامية العبدية وبالتالي أن نعيد بناءه على أسس ثقافية تحررية وبعيداً عن سايكولوجية الإنسان المستعبد والمقهور.
لذلك وبحسب قراءاتنا ومعرفتنا وفهمنا للقضية؛ فإن لم يتحرر شعبنا من عبودية الفكر والدين الإسلامي أو بالأحرى من الدين الإسلامي "دين العبودية" فلن يقدر بسهولة الخلاص من الإحتلال الجيوسياسي ونيل حريته الوطنية أيضاً.. وبكل تأكيد فإن الخلاص لن يكون بالعودة إلى الزرادشتية كما تنادي بها بعض الأصوات في أيامنا الأخيرة، بل في المعرفة والعلم والتنوير والمجتمع المدني الديمقراطي حيث لا يمكن إعادة التاريخ للخلف. وهكذا فإن المرحلة هي مرحلة العلم والتكنولوجيا والثورة المعرفية وإن لم نواكب العصر ونؤسس لمجتمعات مدنية علمانية تحررية ولم نجعل الكلمة لأصحاب الفكر والشهادات الأكاديمية فإن يوم الخلاص لشعبنا وشعوبنا سيكون بعيداً وبعيداً جداً ..وللأسف.
#بير_روستم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟