محمد جميل الهمامي
الحوار المتمدن-العدد: 4807 - 2015 / 5 / 15 - 17:44
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
من المؤكد ان قارئ عنوان المقال سيذكر مباشرة المسلسل العربي الشهير "الموت قادم إلى الشرق" و لئن قدم المسلسل مقاربة دراماتيكية حول الصراع الغربي الشرقي فانني ساتحدث بلغة الآن و هنا على نحو ما وصف "ادموف" أي العام الخامس عشر من القرن الحادي و العشرين.
لطالما كان المشرق ببعديه الطوبوعرافي و الديمغرافي قبلة الباحثين عن الثروة و المجد لما فيه من خيرات طبيعية و وزن ديمغرافي مؤثر و هذا ما خلق حتمية المواجهة بين القادمين من وراء البحار و أصحاب الأرض ناهيك عن الإختلاف الديني و العرقي و الإثني... و يرى علماء التاريخ السياسي بان فترة الإستعمار قد مرّت بمرحلتين : ما قبل 1870 و ما بعد 1870م , و لكنني ارى أننا قادمون على مرحلة جديدة من الإستعمار أسميها شخصيا بالكولونيالية المؤسساتية أي إستعمار المؤسسات و هذا أخطر بكثير من الإستعمار العسكري المباشر.
إن الإستعمار المؤسساتي يدفع نحو فرض هيمنة جيوسياسية دون ان يتحرك من مكانه قيد انملة من خلال تسربه إلى جميع انحاء العالم في شكل مؤسسات و جمعيات و منظمات تأخذ في الغالب أشكالا خيرية أو مجتمعية. هذا الإنتشار الذي أشبهه بالخلايا السرطانية يلج إلى الداخل على طريقة "البابا نويل" محمّلا بالهدايا و النصائح و المبادئ أيضا. و بمجرد الإستقرار يبدأ عمل هذه المؤسسات من خلال تجنيد الناس و لا نفشي سرّا هنا عندما نقول أن السواد الإعظم من المجنّدين هم أصحاب الأمعاء الخاوية ممّن تجبرهم أوضاعهم على اعتناق دين من يطعمهم و ارتداء ثوب من يكسوهم و تقبيل يد من تزودهم بالنقود.و هنا آن لنا أن نسأل سؤلا غير بريء , لماذا يقلق العالم اذا ما فاز اليسار في دولة ما ؟
قبل ان نجيب على هذا السؤال يجب اولا معرفة كنهة الاستعمارو الاستعمار لفظة محدثة مشتقة من عَمَر، واستعمره في المكان أي جعله يعمره أما اصطلاحا فالاستعمار بعرّف بأنه استيلاء دولة أو شعب على دولة أخرى وشعب آخر لنهب ثرواته وتسخير طاقات أفراده والعمل على استثمار مرافقه المختلفة.
بشكلٍ عام يعتبر العديد من المحللين وخبراء الاقتصاد أن الغرب تعامل مع اليسار كـ “حقل تجارب“، وبشكل “لا أخلاقي” أيضا. و لطالما اجتهد صنّاع القرار في الغرب بتصوير اليسار على انه "حقبة تاريخية " منتهية الصلوحية لكن فوز اليسار الراديكالي في اليونان بعثر هذه الحسابات و جعل العالم يعيش على وقع هذا الفوز.ففي الليلة التي أُعلن فيها عن فوز سيريزا في الانتخابات العامة اليونانية، أقام اليونانيون احتفالات ضخمة، حيث توافدوا على الشوارع والميادين لسماع زعيم سيريزا أليكسيس تسيبراس وهو يعلن النصر. ورغم سرعة تشكيل سيريزا لحكومة ائتلافية مع اليمين (حزب اليونانيين المستقلين) إلا أن اليونانيون متفائلون.
ويعزز من هذا الشعور، البيانات الأولى الصادرة عن الوزراء اليساريين الجدد: لن تخصخص شركة الكهرباء، وستُستأنف المفاوضات حول عملية بيع ميناء بيرايوس الذي يعد أحد أكبر موانيء البحر الأبيض المتوسط، وستُتاح الفرصة أمام الجيل الثاني من المهاجرين للحصول على الجنسية اليونانية.هذا يمثل تحديًا أمام اليسار الثوري؛ ففوز سيريزا يثير قضية اليسار الثوري واستراتيجيته خلال الفترة المقبلة. ويشكل الحزب الشيوعي اليوناني، وهو الحزب اليساري التقليدي، قوة هامة في السياسة اليونانية، وقد حظى 5,5% من إجمالي أصوات الناخبين. وحاليًا يحتفل قادة الحزب بإحرازهم زيادة تقدّر بنسبة نقطة مئوية واحدة عن انتخابات يونيو 2012.
يقدم الحزب نفسه بوصفه المعارضة اليسارية لسيريزا. وأي معارضة من على يسار الحكومة اليسارية الجديدة، لابد أن تدعم مطالب العمال، وأن تقف في وجه الحلول الوسط المحتملة فيما يخص التقشف. ولكن هذا سيكون صعبًا لأن الحزب يتسم بالعصبوية الشديدة، وسوف يصب جهوده على اجتذاب أولئك الذين ستصيبهم خيبة الأمل واليأس في حالة رضوخ سيريزا لمثل هذه التنازلات.
وهذا تحديدًا هو السبب في الأهمية الشديدة لأنتارسيا واليسار الثوري. صحيح، أن أنتارسيا لا تمتلك القوة التي لدى الحزب الشيوعي، لكنها تهيئ نفسها لأداء دور المعارضة اليسارية. هناك شريحة كبيرة من الناس يقفون في منتصف المسافة بين أنتارسيا وسيريزا. والكثير منهم سبق وأن صوّت لصالح اليسار الثوري في الانتخابات المحلية أو داخل النقابات، أو كانوا جزءًا من التحركات المناهضة للفاشية، وصوّتوا لسيريزا في يناير.
أمرٌ آخر يُبرِز جانبًا هامًا من جوانب ما على المعارضة اليسارية القيام به، وهو التحالف الذي أقامه سيريزا مع اليمين متمثلًا في حزب اليونايين المستقلين.
والمسألة خطيرة للغاية حين يتعلق الأمر بالعلاقات مع الشرق الأوسط. أيدت الحكومة السابقة ضربات التحالف الدولي على العراق وسوريا، والقاعدة الحربية الأمريكية الراسخة في جزيرة كريت تخدم هذا الغرض بشكل حاسم. والآن، وزير الدفاع الجديد ينتمي لجناح اليمين، وهو الرئيس السابق لحزب اليونانيين المستقلين. رجلٌ مثل هذا ماذا سيكون موقفه إذا ما شنت إسرائيل حربًا جديدة على غزة؟ كل هذه قضايا ملحة وهامة للغاية.
إن أكبر درس يمكن أن يتعلمه اليسار من تجربة اليونان، ليس مجرد إعادة نسخ برنامج سيريزا بهذه البساطة، أو العثور على زعيم شاب مثل تسيبراس. لقد صعد سيريزا واعتلى السلطة بفضل النضالات والتحركات الحقيقية، فغضب الجماهير لا يتحول تلقائيًا إلى تصويتٍ لليسار. فهل سيأخذ اليسار بمبادرات لمواجهة العنصرية والتقشف، وهل سيبادر بمعارضة الاتحاد الأوروبي؟ هذا هو ما سيُحدث فرقًا حقيقيًا.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟