أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيف عبد الكريم الربيعي - (العجوز)














المزيد.....

(العجوز)


سيف عبد الكريم الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1333 - 2005 / 9 / 30 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


من بداية الشارع المؤدي إلى السوق الشعبي ، وضعت قدمي كآلاف الناس الذين اكتظ بهم هذا الشارع الضيق، ضمن اختناقات عديدة تعانقها تلك الوجوه الطافحة في القيظ، التي تصفعها حرارة الشمس المتوهجة في كبد السماء، دون مراعات إرهاق هذه الوجوه اللاهثة. الكل متعب هنا، بمن فيهم هؤلاء العمال الذين تقشرت جباههم من حرارة الشمس، وسقطت فكوكهم على صدورهم، وضمن هذا السيل البشري ضلت قدماي تسير بإيقاع متشضي، اعتصر الخطوات من شدة التعب والحر، تسيل بين تضاريس وجهي قطرات العرق، ذابت رئتاي من حرارة الهواء المستنشق، تتوزع ارناءاتي على معالم الوجوه المتعبة، وأرنو مرة أخرى إلى البيوت المطلة على هذا الشارع، فأشعر بماسات سكان هذه البيوت، كيف يتجرعون ضجة الشارع المستمرة حتى في هذه الظهيرة المحرقة ....
عندما رأيتها.... كانت تجلس على رصيف الشارع، وعشرات الأحذية تقرع أمامها على الإسفلت اللاهب، ترتدي ثياب رثة قد أبلها العرق وكان ألاين طافحا فوق ثنايا وجهها المتعرج، تنظر إلى الناس بانكسار والمسكنة تتوقد في عينيها الغائرتين في محجرين قد بانت عظامهما، لا وجود للظل فوقها بل كانت الشمس تهرس هامتها، بيدها الناحلة المجعدة تمسح وجهها الذابل...
تملكني التردد في الوهلة الأولى، ولكنني بشعور لا إرادي وجدت نفسي واقف أمامها، أجول بناظري في معاني ذلك الوجه المتكسر، الذي تصفعه الشمس الحارقة طوال نهار مكبل بالذل والحسرة، مددت يدي وأعطيتها بعض النقود، ما يكفيها لطعام يوم كامل، فأردفت بالشكر والدعاء لي بالتوفيق والرزق لدائم ، كانت كلماتها صافية، نقية، تبزغ من بينها شمس الأمومة، كانت شبيهة بكلمات والدتي ، والتي ما سمعت مثلها منذ وفاتها إلى حد هذه اللحظة التي عادت بها تلك الكلمات على لسان هذه العجوز الهالكة، التي أعادت إلي الإحساس المفتقد بوالدتي، ارتخت جوارحي، واشتاقت جوانحي للنظر إلى وجهها الذي أكاد أنسى ملامحه، إلى خشونة يديها، وحنان صوتها، وكلماتها اللذيذة ....
ضلت كلمات العجوز ترن في أذني، حتى أصبحت لا اسمع أي صوت يطلق حولي، وبقيت منشغلا بسحر صوت أمي الذي يردد كلمات العجوز، لقد أنساني حرارة الشمس ، وزحمة المكان حتى وجدت نفسي غائرا في نهاية الشارع، حيث ازداد الزحام إلى ما لا يطاق ، أحسست في اللحظة بيد تتسلل إلى جيبي ، وبلا إرادية انقضضت على تلك اليد التي فوجئت بتجعداتها ونحولها، وما إن رفعت رأسي حتى تنفست ريح وجه العجوز....



#سيف_عبد_الكريم_الربيعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صوت الرماد


المزيد.....




- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...
- طبول الـ-ستيل بان-.. موسيقى برميل الزيت التي أدهشت البريطاني ...
- بين الذاكرة وما لم يروَ عن الثورة والانقسامات المجتمعية.. أي ...
- كيف نجح فيلم -فانتاستيك فور- في إعادة عالم -مارفل- إلى سكة ا ...
- مهرجان تورونتو يتراجع عن استبعاد فيلم إسرائيلي حول هجوم 7 أك ...
- بين رواندا وكمبوديا وغزة.. 4 أفلام عالمية وثقت المجاعة والحص ...
- المعمار الصحراوي.. هوية بصرية تروي ذاكرة المغرب العميق
- خطه بالمعتقل.. أسير فلسطيني محرر يشهر -مصحف الحفاظ- بمعرض إس ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيف عبد الكريم الربيعي - (العجوز)