أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيف عبد الكريم الربيعي - صوت الرماد














المزيد.....

صوت الرماد


سيف عبد الكريم الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1327 - 2005 / 9 / 24 - 06:44
المحور: الادب والفن
    


عندما يتمدد الليل على المدينة، على الطرف الجنوبي منها، يعلن شعائره... تبدأ الأجواء بالذبول المعتاد، تقل الفعاليات البشرية، أو تنعدم في شوارع معينة، يستولي الصمت عليها وقد يتعدى حدوده، تقفل أبواب البيوت وتطفا الاضوية...تبقى أشجار الحدائق تسلي بعضها، تؤلف مع انسام الليل أغنية تغازل فيها الأزهار الملونة.
عند سقوطه ينتشل أقدام الأطفال العارية من الشوارع... الأطفال الذين رسموا البسمة على شفاه الطبيعة طوال نهار مسح من أعين الطبيعة غبار الكابة... عند سقوطه يقود مدينتنا إلى سبا ت جديد بعيدا عن مشاغل النهار
الليل ممتد السكون، على مدينتنا... كان المطر يرشق شوارع المدينة وسطوح البيوت ... يرسم مع أضواء السيارات أروع صور الطبيعة... لكن ذلك لم يخرج المدينة من شرنقة الصمت ... تلك هي الليلة التي رايته فيها، لدى وقوفي داخل دكان صغير لاشتري علبة سجائر، كان طويل القامة، شاحب الوجه عيناه محمرتان، ملابسه مبللة تماما بماء المطر، كان يبدوا عليه السكر الشديد، دخل الدكان ورجلاه تخطان الأرض، وقف بجانبي وقال للصبي صاحب الدكان:اعطني علبة ثقاب.
أراد الصبي أن يمازحه أو يسخر منه فالسكران في مدينتنا موضع سرية من الجميع، فأعطاه الصبي علبة الثقاب وقال له: هذه علبة ثقاب بلا أعواد.
ضحك الرجل بصوت عال وقل: وأنا عندي وطن بلا أصدقاء، وحياة بلا طموح، أحيانا الفشل يسحق الطموح فيظهر بشكل ندبة سوداء في القلب كظاهرة في جسم الإنسان تعلمتها في الدراسة، عموما لا عليك فهذا الكلام يصعب على الصغار فهمه.
فاجأتني غرابة كلامه وأثار فضولي بتعابيره التي بانت المرارة واضحة فيها ووجدت بداخلي اندفاع كي أكلمه فبادرت بسؤاله
ــ أي دراسة تعلمت بهات تلك الظاهرة؟
ــ كلية العلوم بيولوجي
ــ توظفت بشهادتك؟
ــ لم أتخرج ...
وتأوه آهة ضننت أن أضلاعه قد انفرجت
ــ لماذا؟
ــ لأنني ...
توقف عن الكلام وهو يصر على أسنانه كأن في داخله قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة ، لكنني صممت على معرفة قصة هذا الرجل
­ ــ لكنك ماذا ؟
فأنفجر باكيا وقال :
ــ لقد سجنت في المرحلة الرابعة لمدة سبع سنوات ؟ سبعة سنوات شطبة من عمري لا اعرف لماذا ؟ ... أصبحت حياتي بعد السجن جحيما ،مملوءة بالأسى والحزن والفشل الذريع ...
ــ وما سبب السجن ؟
ــ لا اعرف ،وهذه هي المصيبة ...
قاطعه الصبي بقوله : ألا تريد شيء غير علبة الثقاب فأنفجر الرجل بوجه الصبي قائلا:
ــ اخرس أيها الوقح دعني اكمل ... قليل الأدب ...
ساد الصمت في الدكان واخذ الرجل يزفر بقوة واف ،ثم عاود حديثه :
ــ أنا ألان أعاقب نفسي على ذنب لم أذنبه ... يمكنك أن تقول أعاقب نفسي على مجيئي لهذه الدنيا
ــ لكن هذا ليس حلا
ــ هذا بداية الحل ،فلم يعد لي طموح تتوكأ عليه الأيام ،لقد أعطيت للخيبة كل الصلاحيات في حياتي ..
في هذه الأثناء شحن الجو بالتوتر ،وبدأت أحس فعلا بألم هذا الرجل . حاولت أن أغير مجرى الحديث لأهدئه بعد أن بدى الأسى واضحا في عينيه فقلت :
ــ وصف بديع كلماتك راقه كرقوص أوراق الشجر عند تساقطها في فصل الخريف، هل أنت شاعر؟
ــ كنت أقول الشعر ،لكن شعري مات منذ زمن ،فالشعر تعبير عما يدور في القلب من مشاعر وعواطف ،... وقلبي انتهى دوره منذ اليوم الذي دخلت به السجن لكني احترق كلما تذكرت تلك القصائد اليتيمة التي حرقتها الحياة... بالمناسبة، تعبيرك أيضا تعبير شعري .
ــ ههههههه ... لا تشغل بالك، هذا كلام حفظته من أحد الكتب، عموما هل أنت متزوج ؟
ــ لم الزواج إذا كانت الفتاة التي أحببتها تزوجت وأنا في السجن وسافرت ... أنا اليوم بلا أحبة لا أصدقاء أما تلك الأيام الجميلة التي قضيتها معها أصبحت كالكابوس مؤلم يهتز له كياني.
أردت أن أواسيه أعيد له الأمل ،فضعت يدي على كتفه وقلت :
ــ لاباس ستنسى في نهاية الامر وتعيش حياة سعيدة
ــ المسألة انتهت بالنسبة لي ولا مجال لتجارب اخرى.

2962005

[email protected]









#سيف_عبد_الكريم_الربيعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب ...
- أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
- إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
- قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر
- ساندرا بولوك ونيكول كيدمان مجددًا في فيلم -Practical Magic 2 ...
- -الذراري الحمر- للطفي عاشور: فيلم مأخوذ عن قصة حقيقية هزت وج ...
- الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي ع ...
- رسوم ترامب على الأفلام -غير الأميركية-.. هل تكتب نهاية هوليو ...
- السفير الفلسطيني.. بين التمثيل الرسمي وحمل الذاكرة الوطنية
- 72 فنانا يطالبون باستبعاد إسرائيل من -يوروفيجن 2025- بسبب جر ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيف عبد الكريم الربيعي - صوت الرماد