أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - دانا شوارب - الزواج المدني، في تجاوز الأطروحات الليبرالية والدينية















المزيد.....

الزواج المدني، في تجاوز الأطروحات الليبرالية والدينية


دانا شوارب

الحوار المتمدن-العدد: 4796 - 2015 / 5 / 4 - 07:44
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    





من السهل تفكيك وتحليل نظرة أي مجتمع للعلاقة بين الرجل والمرأة للخروج بقراءة نهائية حول مدى تطور هذا المجتمع إنسانياً. إذا التفتنا شرقاً، فالمرأة ليست سوى آلة تفريخ تقبع تحت إمرة "المحرم" ورحمة الزوج! وإذا التفتنا غرباً، سنرى المرأة سلعة، مجرد "مانيكان" يعرض على واجهات زجاجية يتلذذ بها الرجل ويتذوقها متى تدفعه غريزته إلى ذلك!


ليس المطلوب هنا حلول وسطية، بل مواقف راديكالية اتجاه جميع القضايا الإنسانية في سبيل تحرر المجتمع من سطوة الرأسمالية والدين -بصفته جزء من الرأسمالية- على حد سواء.

أشار كارل ماركس إلى أن الشكل الذي تتخذه علاقة الرجل بالمرأة تعكس مدى التطور الاجتماعي في ذلك المجتمع الإنساني، بالنظر إليها كرابطة مباشرة وطبيعية، بل ضرورية للإنسان بوجه عام. هي علاقة إنسانية بحتة وسامية في حال تخلصها وتجردها من صفاتها المصلحية والأعباء التي فرضها عليها النظام الرأسمالي السائد. وتحقق العلاقة بين الرجل والمرأة أسمى مراحلها عندما يتحرر طرفيها من النظرة المتبادلة، القائمة على القيمة التبادلية الاقتصادية أو أية منفعة أخرى، أو جسر للعبور إلى نمط آخر في الحياة، لا يقدمها الجسر نفسه بمؤهلاته المعنوية، وإنما بمؤهلاته المالية.

الماركسية لم تتحدث عن تحرر جزئي للإنسان، فاعتبرت التحرر مسألة غير قابلة للقسمة على إثنين، التحرر الاقتصادي والاجتماعي، وطريق كل منهما إلى الآخر، ومساحة هذا الطريق وطاقته الاستيعابية وممكنات تأثيره.

“رسائل الحب الحر” بين لينين وأنيسا أرماند، فككت الكثير من التعقيد الذي فرض على مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة والارتباط أو الزواج، بطرح العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها ببساطة “حب حر”، في إطار إنساني لا تشوبه دوافع السوق، إطار متحرر من الخرافات الدينية والمكتسبات الاقتصادية !

الزواج المدني، جسر لمحطة نهائية لا ينفصل عن قضايا الصراع الأخرى

لا يمكن لنا الحكم على الحالة المتردية التي وصلت إليها مجتمعاتنا العربية إلا عبر دراسة الأسباب والظروف الذاتية والموضوعية التي قادت إلى ذلك، مجتمعاتنا ترفض اليوم القوانين المدنية ومن ضمنها فكرة الزواج المدني، والتي استغلتها منظمات المجتمع المدني لا من أجل توحيد المجتمع، بل في سبيل تفتيت قضايا الصراع الكبرى، وإحالتها إلى قضايا تتحرك كل منها في فلكها المستقل. ومن المهم الإشارة هنا، إلى أن معاداة أطروحات الزواج المدني التي تقدمها المنابر الليبرالية، إنما هو انتصار مبدئي للقضية نفسها.

تقوم فكرة الزواج المدني ببساطة على توحيد طرفي العلاقة في إطار “قانوني” يكفل حقوقهما المدنية ضمن إطار القانون في المجتعات الحديثة، وذلك بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى كالدين.

مجتمعاتنا العربية وبسبب ما تعرضت له من حركة ممنهجة من التجهيل والإفقار باتت تتعلق بأديانها وتشريعاتها الدينية فقط، وترفض أية صيغة قانونية أخرى لتنظيم أمور حياتها خارج ذلك الإطار، وفي ذات الوقت لا تعترض بتاتاً على ظواهر متجردة من كل الصفات الإنسانية، كزواج القاصرات وجهاد النكاح وتعدد الزوجات. إن الوصول إلى هذا الحيز من التخلف، لم تفرضه فقط شروط البنى الفوقية كالدين والعادات والتقاليد، وإنما أسست له بالأساس شروط التخلف الإقتصادي والعلمي.

ليس بالأمر الغريب أن يعمل النظام القائم على الترويج ضد مدنية القوانين بشكل عام، خصوصاً إن كان ذلك النظام يعتاش على الطائفية والعنصرية المناطقية والعشائرية، تلك هي مبررات وروافع وجوده، وفي زوالها يزول سبب وجوده، هذا بالإضافة إلى الأوبئة التي زرعها النظام الإمبريالي في مجتمعاتنا، بهدف تكريس الانقسام وزيادة الشروخ العمودية في مجتمعات مفككة منذ عقود.

حتى طال ذلك التقسيم العلاقات الإنسانية، هذا هو النهج الذي فُرض علينا، حتى بأن “الحب” بات سلعة، والزواج بات صفقة Business!

شعار الثورة الفرنسية “لا لله، لا للملك”!

في عصر التنوير خاضت فرنسا صراعها مع الكنيسة بصفتها الحاكمة، وناضلت من أجل فصل الدين عن الدولة، لربما كانت تسمية العصر وحدها كفيلة بصبغ تلك الفترة بما تستحقه من صفات. قبل المسيحية، وفيما يخص الزواج، كانت الدولة مسؤولة عن تنظيم إجراءاته وفقاً لقواعد الامبراطور. ومع ظهور المسيحية، وقبل أن تزداد قوتها، استمر هذا النظام قائماً، من مبدأ “قوانين القيصر شيء، وقوانين المسيح شيئ آخر”، إلى أن أصبحت قوة الكنيسة طاغية، وحدث ذلك التزاوج بين الدين والسلطة، فسيطرت الكنيسة بدورها على قوانين تنظيم الزواج أو العلاقات بين الرجال والنساء.

لم تتخلص أوروبا من هذه العلاقة غير الشرعية في الدولة طوال قرون، وصولاً إلى الثورة الفرنسية التي انتصرت وبدأت بتطبيق قوانين تتماشى مع مبدأ الدولة العلمانية، رافعة شعار “لا لله، لا للملك”.

حصرت السلطة مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة ضمن إطار الزواج تحت عباءة الدين، ولطالما اتخذت الطبقة الحاكمة الدين سلاحاً لتطبيق قوانين تصب في مصلحتها وتزيد من سطوتها على المجتمع. جعلوا من “الله” ذريعة لتشريع قوانين تتناسب مع مصلحتهم حتى فيما يتعلق بعلاقة المرأة بالرجل.

تطبيق قوانين هرمة في عصرنا أمر لا يقبله أي عاقل، وهكذا، نعود في كل يوم 1400 خطوة إلى الوراء عبر استمرار مآسي تزاوج مقدس بين السلطة والدين.

لقد حول الدين عموماً موضوع الزواج إلى فعل مصلحيّ ذي طابع برجوازي، هو فعل يهدف إلى تحقيق مصلحة (مالية-اجتماعية)، لم يعد ارتباط الرجل بالمرأة يبصر النور عبر نافذة الحب وحده، وما يبنى عليه من توافق فكري على مستويات مختلفة، بل باتت عناوين كالمهر والمقدم والطلاق والإرث تتصدر واجهة أية علاقة حب يضفي عليها المجتمع طابع “الشرعية” من منظور ديني بالطبع! ولم يتوقف الأمر عند المصلحة الاقتصادية..

قد نتذكر هنا حديثاً نبوياً: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

لطالما اهتم فقهاء الدين بالجنس خارج إطار الحب، ذلك بأنهم يعانون حالة مستعصية من الكبت الجنسي، حتى إن تحدثوا عنه تحت غطاء مصطلح “الزواج”، وقد وصل بهم الحديث والإفتاء في الجنس حد الهوس الذي تعدى القول ودخل مرحلة التطبيق، ومن هذا المنطلق، لا نستهجن ظهور مصطلح “جهاد النكاح” وفتاويه وما يحمله من معانٍ تتعدى مهزلة المرتزقة في الوطن العربي مؤخراً.

لقد سلب “الشرع” من مجتمعاتنا معانٍ إنسانية سامية عديدة، وارتقاء المجتمعات لا يتم إلا بتحررها من سطوة الدين. من هذا المنطلق، فإنه من المنطقي تماماً، في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية، المطالبة بـ “مدنية القوانين” التي تأتي في سياق علمانية الدولة، وفقاً لشروط تتناسب والعصر الذي توجد فيه.

الزواج المدني وسيلة لا غايةّ!

يجدر بنا الإشارة إلى أن علمانية الدولة تكفل بالضرورة مدنية القوانين. إن اللبس الذي يحيط بهذين المصطلحين أدى إلى انجرار الكثيرين وراء “بروباغاندا” أظهرت بعض الأنظمة المشوهة في الحقيقة، وكأنها الوحيدة العادلة في هذا العالم!

مدنية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلاً، لا تعني أبداً تخلص السلطة من عباءة الدين، فالإنجيليين وغيرهم من الجماعات الدينية المتشددة المنتشرة بكثرة في عدة ولايات هي خير شاهد على أن الدولة الأمريكية تطبق قوانين مدنية بمعزل عن علمانية الدولة! أي أنها علمنت القوانين، دون علمنة المجتمع.

وبالتالي، فإن مجابهة أي نظام رأسمالي-ديني، يتم بإقامة دولة اشتراكية-علمانية، وهي مبادئ لا تنفصل أيضاً، مما يكفل حقوق كافة الأطياف في المجتمع الواحد بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس، هذا لأن مدنية القوانين وحدها لا تكفل الوصول إلى مجتمع تسوده العدالة، الأمر الذي يعني العودة إلى مربع العلاقات، خارج محتوى رسائل الحب الحر بين لينين وأنيسا أرماند.

كيف لدولة أن تكون متقدمة لمجرد أن صنّاع القرار فيها استبدلوا لباسهم الديني ببذلات وربطات عنق؟

لا تعنينا كثيراً العروض الدرامية التي تعرضها الأقلام الليبرالية في سياق يعزز تفكيك وتجزئة القضايا المجتمعية. لا يمكن تفكيك وتحليل موضوع الزواج المدني بمعزل عن باقي قضايا المجتمع. قد لا يتوقف الأمر بالتأكيد عند إنهاء قصة حب بين طرفين من دينين مختلفين، لأن الزواج “الشرعي” يظلم دائرة أوسع بكثير مما يظن أصحاب تلك الأقلام، وببساطة فإنه من غير الممكن اعتبار قوانين الزواج الشرعية السائدة حالياً بأنها عادلة.

قد نطالب بالزواج المدني مرحلياً لمواجهة الزواج الديني والطائفية، ولكن دون أن ننسى شكل المجتمع الاشتراكي الذي نناضل من أجل الوصول إليه.

المنظومة بأكملها بحاجة إلى تغيير جذري، ولا يمكن إطلاقاً فصل قضية الزواج عن باقي قضايا المجتمع، فالتحرر من أعباء النظام الرأسمالي يأتي في سياق واحد، والعمل على تفتيت قضايا الصراع إلى قضايا منفصلة يخدم بقاء النظام بشكل مباشر، ويؤدي في النهاية إلى أن ندور في حلقات مفرغة حتى أن تصل منظمات المجتمع المدني حد النشوة!

قد يبدو الحديث عن الزواج المدني مثيراً للسخرية في المجتمع الاشتراكي، فالنظام الاقتصادي يقود كثيراً إلى تلقائية الأنظمة الاجتماعية، دون أن ننسى المعارك التي تخاض على الجبهة الثقافية، بتكاتف وتعاضد عضويين مع الجبهة الطبقية.

الزواج الديني (الشرعي) مصطلح يخفي في طياته دعارة حقيقية يدعي الدين محاربتها، دعارة قائمة على تحقيق المصالح المشتركة، والزواج المدني مصطلح استغلته منظمات المجتمع المدني -كعادتها- لتفتيت قضايا الصراع، والمطلوب تجاوز هذا وذاك، ونعرف بأن الحب وحده ورقة إثبات لشرعية العلاقة بين طرفيها.



#دانا_شوارب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماياكوفسكي، الشاعر عندما يثور وينتحر!
- تحرر المرأة في سياق الصراع الطبقي


المزيد.....




- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - دانا شوارب - الزواج المدني، في تجاوز الأطروحات الليبرالية والدينية